عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 26-11-2021, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (4)


بوعلام محمد بجاوي





المسألة السادسة: غلبة "الإجماع" على "الخلاف":
والسبب ظهور الحق، والناظر في:
1- المكتوب المنقول من تراث الأمة.
2- الواقع المعيش.
يرى اختلافًا كثيرًا متباينًا، ومن لا يعرف أصول "الإسلام" - أدلته - أو عناية الله بشريعة أفضل أنبيائه وآخرهم، وهو القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، وهو القائل أيضًا: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، الذين أدرَكوه صحبةً أو رؤية أو زمانًا، ومَن أتوا بعده إلى أن يرتفع التكليف بقيام الساعة دار الجزاء بالثواب والعقاب،﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19] - يظن السبب:
في "الأصول" من حيث تعيينها، وثبوتها في الجملة والعموم، وفي الآحاد، ودلالتها، وتوافقها وعدم تعارضها؛ أي: إنها محتملة في تعيُّنها وفي ثبوتها ودلالتها، متعارضة فيما بينها.

أو في "العلماء" المؤتمنين على الشريعة؛ أي: إنهم شرعوا للناس ما لم يأذَنْ به الله، فاختلفوا كما اختلف رهبان النصارى وأحبار اليهود[1].
ويجهل أن السبب في إيثار الهوى على الحق الواضح البين.

ختم البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين (ت: 458) الكلام عن "جمع القرآن" بقوله: وقد أشار أبو سليمان الخطابي [حمد بن محمد (ت: 388)] إلى جملة ما ذكرنا، وذكره أيضًا غيره من أئمتنا، والأخبار الثابتة المشهورة ناطقة بجميع ذلك، والحمد لله على ظهور دِينه، ووضوح سبيله، ثم على ما هدانا لمعرفته، ووفَّقنا لمتابعة الأئمة من أهل ملته في اعتقاد ما يجب علينا اعتقاده في شريعته؛ اهـ[2].
وشمل حفظه: "الشريعة" نفسها - أخبارًا وأحكامًا - و"أصولها"، وهي: أدلتها التي منها تؤخذ وتُستنبط.

حفظ "أصول الشريعة":

أولًا: حفظ الألفاظ:
المقصود: حفظ ألفاظ الكتاب والسنَّة في الصدور وفي الكتب؛ لأن التحريف أولَ ما يبدأ بتحريف المكتوب، كما هو صنيع اليهود والنصارى؛ لأنه الحجةُ الظاهرة التي تفضح كل تحريف لفظي أو عملي.

قال البيهقيُّ: وفي الكتاب ثم في أخبار السلف دلالةٌ على أن الأممَ السالفة كانوا إذا غيَّروا شيئًا من أديانهم، غيَّروه أولًا من كتبهم، واعتقدوا خلافَه بقلوبهم، ثم أتْبَعوا أهواءَهم أقوالَهم وأفعالهم.


وفي هذه الأمة قد حفِظ الله تعالى عليهم كتابه، وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وثبَّتهم على عقائدهم، حتى لا يغيروا شيئًا منها،وإن كان فِعلًا (فعل) وقال بعضهم بشهوة أو بغفلة خلافها، والحمد لله على حفظ دينه، وعلى ما هدانا لمعرفته، ونسأله الثبات إلى الممات، والمغفرة يوم تحشر الأموات، إنه سميع الدعاء، فعَّال لِما يشاء، والصلاة على نبيه محمد وعلى آله وسلم؛ اهـ[3].


1. حفظ القرآن[4]:
حفِظ الله "كتابه" بـ "التواتر" حفظًا في "الصدور"، وحفظًا في "الكتب"، فلا زال المسلمون يأخذون قرآنهم "اللاحق" عن "السابق" جيلًا بعد جيل، لا يختلفون - بحمد الله تعالى - في حرفٍ منه، وعرَف ذلك المبطِلون، فأيِسوا من تحريف ألفاظه: زيادة أو حذفًا أو تبديلًا، وتمسَّكوا بـ "تحريف المعاني" بعد أن سمَّوْه بغير اسمه "تأويلًا" حفظًا وإظهارًا لتأويلات أسلافهم من "الجهمية" و"المعتزلة" في باب "العقائد"، والتخريج عليها في باب "الأحكام"، وفي كل ما لم يصل إليه تحريف الأسلاف، فقام لهم علماء الشريعة، ينفُون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطِلين، وتأويل الجاهلين، فما أحسَنَ أثرَهم على الناس! وما أقبَحَ أثرَ الناس عليهم!

قال ابن تيميَّة أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام (ت: 728): ولما كانت ألفاظ "القرآن" محفوظةً منقولة بـ "التواتر" لم يطمع أحد في إبطال شيء منه ولا في زيادة شيء منه بخلاف الكتب قبله؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]؛ اهـ[5].

قال المعلمي[6]: فأما "القرآن": فأمروا بحِفظه بطريقين:
الأولى: حفظ الصدور:
وعليها كان اعتمادهم في الغالب، [ما من "صحابي" إلا وفي صدره آيات من "القرآن": لحاجته إليه في صلاته، مع حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ترسيخه ونقشه في صدورهم، حتى ضرب به "الصحابة" المثل في حرصه صلى الله عليه وسلم على التعليم؛ قال "عبدالله بن مسعود": علَّمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - وكفِّي بين كفيه - التشهد كما يعلمني السورة من القرآن[7]،وليس خاصًّا بـ "ابن مسعود"؛ قال "ابن عباس": كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورةَ من القرآن[8]،وقال "جابر بن عبدالله": كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه "الاستخارة" في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن[9]،ومن "الصحابة" من حفظ "سورة ق" من كثرة ما سمعها من فِي النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر[10]،وقال "عبدالله بن مسعود": قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة[11].

وجمعه أربعة من "الصحابة"، جميعهم من الأنصار، لم يجمعه غيرهم، بشهادة "أنس بن مالك": مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع "القرآن" غيرُ أربعة: "أبي بن كعب"، و"معاذ بن جبل"، و"زيد بن ثابت"، و"أبو زيد[12]" (أحد عمومته، مختلف في اسمه) - وناقش بعض أهل العلم هذا الحصر[13] - وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة يؤخذ عنهم القرآن: "عبدالله بن مسعود"، و" سالم بن معقل مولى أبي حذيفة "، و"معاذ بن جبل"، و"أبي بن كعب[14]"].

الثانية: بالكتابة:
فكان يكتب في "العهد النبوي" في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها [العسب و"الرقاع" و"اللخاف" حجارة بيض رقاق، وبالاعتماد على ما كتب في زمانه صلى الله عليه وسلم جمعه الصحابة رضي الله عنهم؛ فالقرآن كله قد كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن غير مجموع في موضع واحد، بل موزع ومفرق على الصحابة، وعليه غير مرتب السور، واختلف أهل العلم في ترتيب السور هل هو توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أو اجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم؟ هذا الأخير هو الأقرب؛ ولهذا اختلفت مصاحف الصحابة في ترتيب السور[15]، وإنما لم يجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للتعذُّر؛ لأنه كان ينزل غير مرتب، ولاحتمال النسخ، قال البيهقي: "ويشبه أن يكون رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمعه في مصحف واحد لِما كان يعلم من جواز ورود النسخ على أحكامه ورسومه، فلما ختَم الله دِينه بوفاة نبيه صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، قيَّض بخلفائه الراشدين عند الحاجة إليه جمعه بين الدفتين"؛ اهـ[16]، "فـ "أبو بكر" رضي الله عنه تتبع "المكتوب"، ولم يكتفِ بـ "المسموع"[17] والسبب التثبُّت، والتقيد بالرسم؛ لأن القرآن أُنزل على سبعة أحرف؛ أي: الجمع بين المسموع والمكتوب[18]؛ ولذلك توقف عن كتابة الآية من آخر "سورة براءة" حتى وجدها "مكتوبة" عند خزيمة بن ثابت، مع أنه كان يحفظها هو ومَن كلف بالجمع، لكن لم تقع له مكتوبة[19]].


[الجمع الأول:] فلما غزا المسلمون "اليمامة" [لقتال مسيلِمة الكذاب] بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل، استحَرَّ القتل بـ "القراء"، [ومنهم: سالم مولى أبي حذيفة] قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنةَ نقص في الطريق الأولى [الجمع في الصدور]، فرأى "عمر" [رضي الله عنه] المبادرة إلى تعويض ذلك بـ "تكميل" الطريق الثانية؛ [لأنه كان "مكتوبًا"، لكن غير مجموع بين دفتين]، فأشار على "أبي بكر" [رضي الله عنه] بجمع "القرآن" في صحف، فنفر منه "أبو بكر" [رضي الله عنه]، وقال: كيف تفعل ما لم يفعله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال "عمر" [رضي الله عنه]: "هو والله خير"، يريد أنه عمل يتم به مقصود الشرع من حفظ "القرآن"، وعدمُ فعل النبي صلى الله عليه وسلم له إنما كان لعدم تحقُّق المقتضي، وقد تحقق، ولا يترتب على الجمع محذور [الاستدراك على الشرع، مع التعذُّر]، فهو خير محض،فجمع "القرآن" في صحف بقيت عند "أبي بكر"، ثم عند "عمر"، ثم عند ابنته "حفصة أم المؤمنين" [رضي الله عنهم]، [هذا هو "الجمع الأول"، جمع "أبي بكر" بإشارة "عمر" وتنفيذ "زيد بن ثابت" رضي الله عنهم[20]].


[الجمع الثاني:] حتى طلبها "عثمان" [رضي الله عنه] في خلافته [بعد أن نبهه "حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه لما رأى من تنازع الناس في القراءة: يا أمير المؤمنين، أدرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في "الكتاب" اختلافَ "اليهود" و"النصارى"]، وكتب "المصاحف" [معتمدًا على الجمع الأول - الصحف[21] - قال البيهقي: وفيما روينا من الأحاديث المشهورة في ذكر جمع القرآن من الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما روينا عن زيد بن ثابت: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن[22]،ثم ما روينا في كتاب "السنن": أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة كذا سورة كذا: دلالة على صحة ما قلناه، إلا أنه كان مثبتًا في صدور الرجال، مكتوبًا في الرقاع واللخاف والعسب، وأمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين استحَرَّ القتل بقراء القرآن يوم اليمامة بجمعه من مواضعه في صحف، ثم أمر عثمان رضي الله عنه حين خاف الاختلاف في القراءة بتحويله منها إلى مصاحفَ مع بذل المجهود في معارضة ما كان في الصحف بما كان مثبتًا في صدور الرجال، وذلك كله بمشورة مَن حضره من علماء الصحابة؛اهــ[23]، وقال أبو شامة أبو القاسم عبدالرحمن بن إسماعيل (ت: 665): ثم إن عثمان رضي الله عنه نسخ مِن تلك الصحف مصحفًا جامعًا لها، مرتبة سورة سورة على هذا الترتيب...وعثمان جمع السور على هذا الترتيب في مصحف واحد ناسخًا لها من صحف أبي بكر.


وأما ما رُوي أن عثمان جمع القرآن أيضًا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت، ولم يكن له إلى ذلك حاجة، وقد كُفِيَه بغيره؛ فالاعتماد على ما قدمناه أول الباب من حديث صحيح البخاري: (فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بـ "الصحف" ننسخها في "المصاحف"، ثم نردها إليك،فأرسلت بها "حفصة" إلى "عثمان"، فأمر "زيد بن ثابت" و"عبدالله بن الزبير" و"سعيد بن العاص" و"عبدالرحمن بن الحارث بن هشام" فنسخوها في "المصاحف")، وإنما ذكرنا ما بعدهزيادة كالشرح له، وجمعًا لما روي في ذلك، ويمكن أن يقال: إن عثمان طلب إحضار الرقاع ممن هي عنده، وجمع منها، وعارض بما جمعه أبو بكر، وعارض بتلك الرقاع، أو جمع بين النظر في الجميع حالة النسخ، ففعل كل ذلك أو بعضه، استظهارًا ودفعًا لوهم من يتوهم خلاف الصواب، وسدًّا لباب القالَةِ: إن الصحف غُيِّرت أو زِيدَ فيها ونقص"[24]، وبهذا أنكر البيهقي ما يروى أن عثمان كان يطلب البينة (الشهادة) على المكتوب[25]، قال: وفيه انقطاع بين مصعب [بن سعد] وعثمان رضي الله عنهما، وقد روينا عن زيد بن ثابت: أن التأليف كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وروينا عنه أن الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه، والنسخ في المصاحف في زمن عثمان، وكان ما يجمعون وينسخون معلومًا لهم، فلم يكن به حاجة إلى مسألة البينة؛ اهـ[26]،وكلف بذلك: "زيد بن ثابت"، والقرشيين: "عبدالله بن الزبير" و"سعيد بن العاص" و"عبدالرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم، وأرشدهم إلى الرجوع إلى "لغة قريش" عند الاختلاف، وأرسل إلى كل أفق بـ "مصحف[27]"؛ إلى: الكوفة، والبصرة، والشام، وأبقى نسخة عنده، وقيل: سبعة، إلى: مكة، واليمن، والبحرين، قال الداني أبو عمرو عثمان بن سعيد (ت: 444): والأول أصح، وعليه الأئمة؛ اهـ[28]، وأمر بما سواه من "القرآن" المكتوب أن يحرق[29]، واجتمع الناس على هذا، وإن كان يروى عن "عبدالله بن مسعود" عدم الاستجابة، ودعوته الناس إلى عدم حرق مصاحفهم، لكن لم يتابع عليه، بل أنكر عليه، واستقر أمر الأمة على صنيع "عثمان" رضي الله عنه، ورأوا قول ابن مسعود "زلَّة عالم"، سببها ترك النظر في المقاصد، والترجيح بين المصلحة والمفسدة الناتجة عن استصحاب رخصة اختلاف القراءة، ويروى عنه الرجوع إلى "الوفاق"، والصحيح أن مخالفته إنما هي في الاقتصار على قراءة واحدة، أو لأنه رأى قراءته أولى، لا الطعن في جمع زيد ومن قرأ به، "والفرق بين "الصحف" و"المصحف": أن "الصحف" الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر (رضي الله عنه)، وكانت سورًا مفرقة، كل سورة مرتبة بآياتها على حِدة، لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفًا[30]"]، ومعنى هذا أنه طول تلك المدة التي لم تبد حاجة إلى تلك الصحف، بل بقي القراء يبلغون القرآن من صدورهم، ومنهم من كتب من صدره مصحفًا لنفسه، فلما كان في زمن "عثمان" [رضي الله عنه] احتيج إلى تلك "الصحف"؛ لاختيار الوجه الذي دعت الحاجة إلى قصر الناس على القراءة به دون غيره - وكتب "عثمان" [رضي الله عنه] بضعة "مصاحف"، وبعث بها إلى "الأمصار"، لا لتبليغ "القرآن"، بل لمنع أن يقرأ أحدٌ بخلاف ما فيها؛ اهـ[31].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]