
28-11-2021, 04:34 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,604
الدولة :
|
|
رد: جبر الخواطر
الإمام الشعراوي والدكتور حسام موافي، هو واحد من أشهر دكاترة الباطنة في مصر والوطن العربي، يحكي هذا الحوار الذي دار بينه وبين فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله فيقول: إنه ذات مرة اتصل عليه الشيخ الشعراوي رحمه الله ليحجز للكشف في العيادة، فقال: لا والله يا مولانا، أنا سآتي إلى بيتك، وبعد الكشف سأله الدكتور عن أفضل عبادة تقربه من الله، سيما أنه في أواخر عمره، فقال له الشيخ: فكِّر أنت، فقال الدكتور حسام: الصلاة، قال له الشيخ: لا، قال الدكتور: الصيام، قال له الشيخ: لا، قال الدكتور: العمرة، قال: لا، أفضل عبادة هي جبر الخاطر، قال الدكتور: كيف يا مولانا؟ وما دليلك؟ قال الشيخ: مَن ألعن ممن يكذب بالدين؟ قال الدكتور: لا أحد، قال الشيخ: يقول الله: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ ﴿ الماعون: 1]، ماذا يفعل؟ ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 2]؛ يعني: يكسر خاطر اليتيم، ﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون: 3]، يعني: يطرد المساكين، ولا يجبر خواطرهم، ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ [الماعون: 4]، فجعل أمر الصلاة الأمر الثالث بعد أمرين كان فيهما جبر للخواطر، ثم يتابع الدكتور موافي أنه في يوم إجازته تذكر مكالمة جاءت من جاره يقول له: "اجبر خاطر يا دكتور حاول الذهاب إلى حماتي عندك في المستشفى مريضة، اطمن عليها وطمنا"، يقول: فتذكرت نصيحة الشيخ الشعراوي: (اجبر خاطرًا)، وجاءت كلمة جبر الخاطر على لسان جاري، فأحسست أنه إشارة من الله، فقررت الذهاب إلى المستشفى لأطمئن على حماته، وعندما كنت في المستشفى، شعرت بألم شديد في صدري، لقد كانت جلطة في الشريان التاجي، فأعطاني الدكتور الدواء وأنقذني من الجلطة، فلو أن تلك الجلطة جاءتني ولم أكن في المستشفى، لكنت ميتًا، فكأن الله يقول لي: كما جبرت بخاطر جارك، جبرتُ أنا بخاطرك وأنقذت حياتك.
مواقف لا تنسى: لا شك أن كل إنسان منا قد حُفر في ذاكرته أشخاص كان لهم الدور الفاعل والعمل الدؤوب بمواقف سطرت وحفظت، سواء بالقول أو الفعل أو رسالة أو فكرة أو كلمة خير، جبرت نفوسًا، وأثلجت صدورًا، فهذه المواقف تحفظ ولا تنسى، كما لم ينسَ النبي عليه الصلاة والسلام موقف المطعم بن عدي حين أدخله في جواره يوم عودته من الطائف حزينًا أسيفًا، فقال يوم أسر أسرى بدر: ((لو كان المطعم بن عدي حيًّا، وكلمني في هؤلاء النَّتْنَى لأجبته فيهم))؛ [صحيح البخاري].
مواقف يومية: فما أجمل أن نتقصد الشراء من بائع متجول في حر الشمس، يضطر للسير على قدميه، باحثًا عن رزقه مساعدة له وجبرًا لخاطره! وما أروع أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصًا عندما نعلم أن خطأه غير مقصود، وأن تاريخ صحبتنا معه طيب نقي، فالصفح عنه ومسامحته تطيب نفسه وتجبر خاطره! وتبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء والأحباب من أجمل ما يدخل الفرحة للقلب والهناء للنفس وهي سبيل الحب، وبساط الود، وطريق الألفة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا))؛ [البخاري].
والبر بأرقى صوره أن تشتري لوالديك ما يحتاجون وتفاجئهم بما يفقدون، دون طلب منهم أو سؤال، بل كرم منك وتبرع، ففي هذا الفعل أجمل ما يسطر من جبر الخواطر، وإدخال الفرح والسرور على قلوبهم، كما لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذي انكسر قلبه، وذلت نفسه، وضاق صدره، ما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيبًا ومن طعامنا ولو الشيء القليل، ومن دعائنا ما نستطيع! بذلك نجبر كسرهم، ونطيب قلوبهم، ولا نشعرهم بالنقص؛ قال أحمد بن عبدالحميد الحارثي: "ما رأيت أحسن خلقًا من الحسين اللؤلؤي، كان يكسو ممالكيه كما يكسو نفسه"؛ [سير أعلام النبلاء (10/ 544)].
وفي هذا الزمان تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظرًا لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، وفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم، ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وغم وهم، وهذا لا يجد جامعة، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجًا، وذاك مريض والآخر مبتلى... والهموم كثيرة.
وتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد ولا كبير طاقة، فربما يكفي البعض كلمة: من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، وربما يحتاج الآخر لمساعدة، وينقص ذاك جاه، وينتظر البعض قضاء حاجة، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة، فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا، ولا نبخل على أنفسنا، فالصدقة والخير نفعه يعود إليك.
نحتاج اليوم إلى تطييب الخاطر، وقد تكون مواقع بعض الناس الاجتماعية مؤهلة لهم لذلك: كالمفتي، والعالم، والإمام، والخطيب، والطبيب، وهكذا المدير، فإن المدير يقوم بدور عظيم في تطييب خواطر الموظفين، والكلمة اللطيفة منه، والتشجيع، والدعم النفسي والمعنوي لا شك أن له أثرًا عظيمًا في نفوس من تحته، وقد يصبح المريض صحيحًا بمثل هذا، ويصلح المخطئ، ويزول حزن المهموم، والكلام يجب أن ينتقى بمثل: التذكير برحمة الله، سعة فضله، إن مع العسر يسرًا، وبعد الهم فرجًا، ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا، انتظار الفرج عبادة، رحمة الله بالمضطرين، أمن يجيب المضطر إذا دعاه، المعونة تنزل على قدر الشدة، وهكذا من الكلام الطيب الذي جاء في الكتاب والسنة.
رابعًا: وسائل تطييب الخواطر:
مواساة المنكسرين وتطيب خواطرهم لا يقتصر على الكلام فقط، بل قد تكون المواساة وتطييب الخواطر بالمال، وقد تكون بالجاه، وقد تكون بالنصيحة والإرشاد، وقد تكون بالدعاء والاستغفار لهم، وقد تكون بقضاء حوائجهم، فعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت؛ [الفوائد (17) بتصرف].
فمن وسائل تطييب النفوس ما يلي:
المواساة عند فقد الأحبة أو عند حدوث المصائب: فإن مما يجبر كسر النفوس المصابة عند فقد الأحبة: لطيف التعزية، فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله، ويغدو صبره عليها سهلًا يسيرًا، فإن العبد ضعيف بنفسه، فإذا وجد هذا يعزيه، وهذا يسليه، سهلت عليه الأمور العظام.
وعندما توفيت ابنة المهدي جزع عليها جزعًا لم يُسمَع بمثله، فجلس الناس يعزونه فجاءه ابن شيبة يومًا فقال له: أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجرًا، وأعقبك صبرًا، ولا أجهد الله بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة، ثواب الله خير لك منها، ورحمة الله خير لها منك، وأحق ما صبر عليه ما لا سبيل إلى رده؛ [وفيات الأعيان].
فلم يروا تعزية أبلغ ولا أوجز من هذه التعزية، وكان مما سرى على المهدي بها.
ومن لطيف التعزية ما قيل من بعض الأعراب عندما دخل على بعض ملوك بني العباس، وقد توفي له ولد اسمه العباس، فعزاه ثم قال:
خير من العباس أجرك بعده ♦♦♦ والله خير منك للعباسِ
ابن لهيعة قاضي مصر حين احترقت مكتبته العظيمة، واحترقت داره، بعث إليه الليث بن سعد من الغد بألف دينار، الدينار أربعة غرامات وربع من الذهب؛ أي: أربعة آلاف ومائتين وخمسين غرامًا من الذهب.
عروة بن الزبير رجع من سفر، مات ولده بالعين، وقطعت رجله بالغرغرينا، وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، سمع إبراهيم محمد بن طلحة بما حصل لعروة بن الزبير، فذهب إليه يواسيه، فقال: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضاءك، وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض إن شاء الله، وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، من علمك ورأيك، والله ولي ثوابك والضمين بحسابك.
الاعتذار للآخرين، وقبول أعذار المعتذرين: فالحرص على الاعتذار عند الخطأ من وسائل تطييب النفوس؛ لأن الإنسان يرد عليه الخطأ في تعامله مع الناس، وكفارة ذلك الذنب هو الاعتذار.
وكذلك هو الحال (لمن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقًّا كانت أو باطلًا، وتكل سريرته إلى الله)؛ [مدارج السالكين].
تبادل الهدايا: للهدية أثر واضح في تطييب النفوس، وتصفية القلوب من الأدغال والأحقاد؛ فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: ((يا بني، تباذلوا بينكم؛ فإنه أود لما بينكم))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني].
الابتسامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة))؛ [رواه الترمذي وصححه الألباني]؛ يعني: إن إظهارك البشاشة والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة؛ [فيض القدير].
فضلًا عن كونها تطيب النفوس، وتزيد المحبة.
قال ابن عيينة رحمه الله: "البشاشة مصيدة المودة"، فقد يصادفك شخص في الطريق وأنت مهموم مغموم حزين، فيبتسم في وجهك، فتشعر أن همك قد زال، وحزنك قد رحل.
وجاء في الأثر أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "ما من مسلمين يلتقيان"؛ أي: يجتمعان في طريق أو نحوه، "فيتصافحان"؛ أي: فيسلم أحدهما على الآخر مصافحةً باليد، "إلا غفر لهما"؛ أي: كان ثوابهما مغفرةً من الله تعالى، "قبل أن يفترقا"؛ أي: يغفر لهما في ذلك الموقف قبل أن يترك أحدهما الآخر، فيفترقا في الطرق"؛ [رواه أبو داود]، فالابتسامة - إذًا - تنشر المحبة بين المسلمين، وتطيب خواطرهم، وتبعث الاطمئنان في نفوسهم وقلوبهم.
قضاء حوائج الناس: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني].
قال حكيم بن حزام رضي الله عنه: "ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها"؛ [سير أعلام النبلاء].
ومشى بقيُّ بن مخلد مع ضعيف في مظلمة إلى إشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان؛ [سير أعلام النبلاء]، هذا مع كثرة عبادته، وكثرة طلابه وانشغاله بالعلم والتأليف.
التزاور: زيارة المريض حال مرضه، وزيارة الإخوان بين حين وآخر له أثر كبير في تطييب النفوس، وتنمية المودة والألفة.
فهم النفسيات: النفس البشرية كالبحر، والنفوس تختلف باختلاف أصحابها، فما يصلح لهذه قد لا يصلح للأخرى، ولله در شبيب بن شيبة حينما قال: "لا تجالس أحدًا بغير طريقه، فإنك إذا أردت لقاء الجاهل بالعلم، واللاهي بالفقه، والعي بالبيان آذيت جليسك"؛ [آداب العشرة]، وهذا المنيعي حسان بن سعيد المخزومي عندما أراد أن يبني جامعًا أتته امرأة بثوب لتبيعه وتنفق ثمنه في بناء ذلك الجامع، وكان الثوب لا يساوي أكثر من نصف دينار، فطيب خاطرها، واشتراه منها بألف دينار، وخبأ الثوب كفنًا له؛ [سير أعلام النبلاء].
إخفاء الفضل والمنة عند جبر الخواطر: كان القعقاع بن شور إذا قصده رجل، وجالسه، جعل له نصيبًا من ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكرًا؛ [الكامل للمبرد].
إعطاء اليتامى والفقراء من الميراث عند حضور قسمة الميراث: عند مشاهدة بعض الفقراء أو اليتامى شيئًا من قسمة الميراث، فمن الأفضل أن يخصص لهم من المال شيئًا يجبر خاطرهم، ويسد حاجتهم؛ حتى لا يبقى في نفوسهم شيء؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8].
التعامل مع اليتيم والسائل برفق: قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 9، 10]، أجمل تطييب للخاطر وأرقى صورة للتعامل؛ قال ابن قدامة رحمه الله: "وكان من توجيهات ربنا سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكما كنت يتيمًا يا محمد صلى الله عليه وسلم، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال"؛ [تفسير ابن كثير].
وقد عاتب الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعرض عن ابن أم مكتوم وكان أعمى، عندما جاءه سائلًا مستفسرًا قائلًا: علمني مما علمك الله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام منشغلًا بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه، فأنزل الله: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ [عبس: 1 - 4]؛ [التفسير البسيط للواحدي].
إعطاء المطلقة حقها في المتاع، وهو حق على المحسنين، متاعًا بالمعروف، فإذا لم يفرض لها مهر كان المتاع والتمتيع واجبًا على المطلِّق، وإذا كان لها مهر أخذته، فإن تمتيعها بشيء تأخذه معها، وهي ترتحل من مال غير المهر، أو ثياب، أو حلي، ونحو ذلك؛ جبرًا لخاطرها، وتطييبًا للقلب المنكسر بالطلاق؛ ﴿ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 236]، ﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28]، لماذا؟ لأن القلب قد حصل فيه انشعاب، والنفس قد كسرت وكسرها طلاقها، فجبر الكسر بالمتاع من محاسن دين الإسلام.
وسائل أخرى: لنعلم أن المريض، والمهموم، والحزين، والطبيب، والموظف، والداعية، والغني، والفقير، والصغير، والكبير، الكل يحتاج إلى الكلمة الطيبة، والابتسامة المشرقة، والتعامل الحسن، فجميعنا يحتاج إلى هذه العبادة.
ولذلك ينبغي على الجميع إحياء هذه العبادة، وتفعيلها مع الصغار والكبار، مع المرضى والأصحاء، مع الطلاب والمعلمين، مع العالم والجاهل، مع المصيب والمخطئ.
فقد يصبح الطفل من العلماء والعظماء النابهين النافعين لأمته بكلمة تشجيعية يسمعها من معلمه، أو أحد والديه.
وقد يصبح المريض الذي أعياه الألم صحيحًا سليمًا معافًى بعبارة مشجعة، ودعوة طيبة، وابتسامة صادقة من زائريه.
وقد يصبح المخطئ والمقصر والمسرف على نفسه صالحًا مصلحًا بموعظة حسنة وذكرى نافعة وتوجيه سديد.
ولا بد من استثمار موقف الضعف عند العبد؛ لربطه بالله وحده، فهو سلوة المنكوبين، وملاذ المنكسرين، وهو الذي يملك كشف الضر: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، وتذكيره بالثواب العظيم لأهل البلاء؛ كما جاء عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصبٍ، ولا هم ولا حزن، ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))؛ [رواه البخاري].
وكم من أناس تبدلت أحوالهم، وتغيرت أمورهم، بسبب فتنة أو محنة ألمت بهم، وتصبيرهم وتثبيتهم حتم وواجب؛ حتى لا يكونوا ممن تعصف بهم الأزمات والفتن، وتموج بهم رياح الابتلاء والمحن.
نسأل الله أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يؤلف بين قلوبنا، ويصلح ذات بيننا، ويجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من القائمين بحقوق إخواننا، ونسأله سبحانه أن يؤلف بين قلوبنا ويصلح ذات بيننا.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|