عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-12-2021, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,167
الدولة : Egypt
افتراضي ذم الابتداع في الدين

ذم الابتداع في الدين
د. محمود بن أحمد الدوسري



إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: فالحديثُ عن "ذمِّ الابتداع في الدين" يُجمَع في مطلبين:

المطلب الأول: تعريف البدعة.

المطلب الثاني: ذم الابتداع في الدين.





المطلب الأول: تعريف البدعة:

البدعة في اللغة: هي الحَدَث في الدِّين بعد الإكمال، أو ما اسْتُحْدِثَ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال[1]. يقال: (أبْدعْتُ الشَّيءَ قولًا أو فِعلًا، إذا ابتدأتَه لا عن سابقِ مثال)[2]، ومنه قوله تعالى: ﴿ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [البقرة: 117]؛ أي: مخترعهما من غير مثالٍ سابق مُتقدِّم[3].



وجاء في "اللسان": (بَدَع الشيءَ يَبْدَعُه بَدْعًا وابْتَدَعَه: أَنشأَه وبدأَه. وفي التنزيل: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُل ﴾ [الأحقاف: 9]؛ أَي: ما كنتُ أَوَّلَ مَنْ أُرْسِلَ، قد أُرسل قَبْلي رُسُلٌ كثير. والبِدْعةُ: الحَدَث، وما ابْتُدِعَ من الدِّينِ بعد الإِكمال. وأَبْدَعَ وابْتَدَعَ وتَبَدَّع: أتَى بِبِدْعةٍ؛ قال اللهُ تعالى: ﴿ وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ﴾ [الحديد: 27]. وبَدَّعَهُ: نَسَبه إِلى البِدْعةِ. والبَدِيعُ: المُحْدَثُ العَجيب. وأَبدعْتُ الشيءَ: اخْتَرَعْتُه لا على مِثال. والبَديعُ من أَسماء الله تعالى؛ لإِبْداعِه الأشياءَ وإِحْداثِه إِيَّاها، وهو البديعُ الأَوَّل قبلَ كلِّ شيءٍ)[4].



البدعة في "الاصطلاح الشرعي": لها عدة تعريفات عند العلماء يُكَمِّل بعضها بعضًا، ومن ذلك:

1- تعريف ابن تيمية رحمه الله: (الْبِدْعَةُ فِي الدِّينِ: هِيَ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ)[5]، وعرَّفها أيضًا بقوله: (الْبِدْعَةُ: مَا خَالَفَتِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، أَوْ إجْمَاعَ سَلَفِ الأُمَّةِ مِنْ الاعْتِقَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ)[6].



2- تعريف ابن رجب رحمه الله: (والمراد بالبدعة: ما أُحْدِثَ مِمَّا لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأمَّا ما كان له أصلٌ من الشَّرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعةً لغة)[7].



3- تعريف الشاطبي رحمه الله: (البِدعة: طريقةٌ في الدِّين مُخْتَرَعة تُضاهِي[8] الشَّرعِيَّة، يُقْصَد بالسُّلوك عليها المُبالَغَةُ في التَّعبُّد للهِ سبحانه)[9].



شرح تعريف الشاطبي للبدعة: وخلاصة ما شرحه الشاطبي في "تعريف البدعة" وضوابطها يتلخَّص فيما يلي[10]:

(طريقة): ما رُسِمَ للسلوك عليه.



(في الدِّين): قيد يُخْرِج الاختراع في أمور الدنيا. وإنما قُيِّدَتْ بالدِّين؛ لأنها فيه تُخْتَرَع، وإليه يُضيفُها صاحبُها، ولو كانت طريقةً مُخترعةً في الدنيا لم تُسَمَّ بدعةً؛ كإنشاء المدن الحديثة، واختراع الآلات التي لم تكن موجودةً من قبل.



(مُخْتَرَعَة): أي: لا أصلَ لها في الشريعة، ولا تعلُّق لها بها؛ لأنَّ البدعة تتميَّز بأنها خارجة عمَّا رسَمَه الشَّرع. وهذا القيد يُخرِج ما حَدَثَ وله أصلٌ في الشَّرع؛ كتصنيف العلوم الشرعية مثلًا، فإنها وإن لم توجد في الزَّمان الأوَّل، فأصولها موجودة في الشرع، وهي مُستمَدَّة من قاعدة المصالح المرسلة، ولا ينبغي أنْ تُسمَّى بدعةً أصلًا، ومَنْ سمَّى مثل ذلك بدعةً: فإمَّا أنْ يُريد المفهومَ اللُّغوي لها؛ كما سمَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جَمْعَ الناس على قيام رمضان بدعةً، وإمَّا من جهلِه بمواقع السُّنة والبدعة.



(تُضاهِي الشَّرعِيَّة): أي: إنَّ البدعة تُشابِه الطَّريقةَ الشَّرعية من غير أنْ تكون كذلك؛ بل هي مضادَّةٌ لها من أوجه مُتعدِّدة، منها:

وضع الحدود؛ وذلك كالنَّاذر للصيام قائمًا لا يستظل، والاقتصارِ من المأكل والملبس على صنفٍ دون صنف.



ومنها التزام الكَيْفِيَّات والهَيئات المُعَيَّنة؛ كالذِّكر بهيئة الاجتماع على صوتٍ واحد، واتِّخاذِ يومِ ولادةِ النبي صلى الله عليه وسلم عِيدًا، وما أشْبَه ذلك.



ومنها التزام العبادات المُعَيَّنة في أوقاتٍ مُعَيَّنة، لم يُوجَدْ لها ذلك التَّعيين في الشريعة؛ وذلك كالتزام صيامِ يومِ النِّصف من شعبان، وقيامِ ليلتِه.



وكونُ البدعةِ تُضاهي الأمورَ المشروعةَ وَصْفٌ لازِمٌ لها، وإلَّا لكانت من باب الأفعال العادية. ويُبَيِّن ذلك: أنَّ صاحب البدعة يَخترِعُها؛ لِيضاهي بها السُّنة، سواء لَبَّسَ بها صاحبُها على الناس، أو كانت مَمَّا الْتَبَسَتْ عليه بالسُّنة، ويُؤكِّد هذا انتصارُ المُبتدِع لبدعته بأمورٍ تَخَيَّل أنها مشروعة، ولو بدعوى الاقتداءِ بفلانٍ المعروفِ منصبه في أهل الخير.



(يُقْصَد بالسُّلوك عليها المُبالَغَةُ في التَّعبُّد للهِ سبحانه): هذا القَصْدُ، قيدٌ لإخراجِ العاداتِ التي لا يُقصَد بها التَّعبُّد من البدع، وبيانٌ أنَّ ما ابْتُدِعَ من الأمور الزائدة على المشروع، والمنسوبة للشَّرع؛ مقصودٌ بها المُبالغةُ في التَّعبُّد، أو تجديدُ النشاط إلى العبادة.



البِدَعُ كُلُّها ضلالة: من أهل العلم مَنْ وسَّع مفهومَ البدعة؛ لِتَشمَل كلَّ ما حدث في الدِّين بعد رسول الله، سواء كان مذمومًا أو محمودًا. وقالوا: ما وافق السُّنةَ فهو محمود وما خالفها فهو مذموم؛ واحتجُّوا: بقول عُمَرَ رضي الله عنه في قيام رمضان: (نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ)[11]، لكنه قول مرجوح؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)[12]؛ لذا يُقتصر مدلول البدعة على الحادث المذموم الذي لم يرد به الشَّرع، ولم يندرج تحت أصلٍ يُعمل به، مما يدخل في العبادة أو قصد به التَّعبُّد من العادات.



وأجاب ابن تيمية رحمه الله على مَنْ صَنَّف البدعة إلى حسنة وقبيحة بقوله: (إِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى عُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"[13] مُتَعَيِّنٌ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ، وَأَنَّ مَنْ أَخَذَ يُصَنِّفُ "الْبِدَعَ" إلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى أَلَّا يُحْتَجَّ بِالْبِدْعَةِ عَلَى النَّهْي،ِ فَقَدْ أَخْطَأَ؛ كَمَا يَفْعَلُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَعَبِّدَةِ؛ إذَا نُهُوا عَنْ "الْعِبَادَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ" و"الْكَلامِ فِي التَّدَيُّنِ الْمُبْتَدَعِ"، ادَّعَوْا أَنْ لا بِدْعَةَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا مَا نُهِيَ عَنْهُ، فَيَعُودُ الْحَدِيثُ إلَى أَنْ يُقَالَ: "كُلُّ مَا نُهِيَ عَنْهُ" أَوْ "كُلُّ مَا حُرِّمَ" أَوْ "كُلُّ مَا خَالَفَ نَصَّ النُّبُوَّةِ، فَهُوَ ضَلالَةٌ"، وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ في ردِّه إلَى بَيَانٍ، بَلْ كُلُّ مَا لَمْ يُشْرَعْ مِنْ الدِّينِ فَهُوَ ضَلالَةٌ)[14].



وقال أيضًا: (وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَسُنَّهُ وَلا اسْتَحَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَقْتَدِي بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَاتِ، وَلا يَقُولُ أَحَدٌ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ؛ الْبِدْعَةُ الْحَسَنَةُ - عِنْدَ مَنْ يُقَسِّمُ الْبِدَعَ إلَى حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ - لا بُدَّ أَنْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَيَقُومُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: الْبِدْعَةُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا مَذْمُومَةٌ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"[15]، وَيَقُولُ: قَوْلُ عُمَرَ فِي التَّرَاوِيحِ: "نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ" إنَّمَا أَسْمَاهَا بِدْعَةً: بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللُّغَةِ؛ فَالْبِدْعَةُ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ هَؤُلاءِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمَآلُ الْقَوْلَيْنِ وَاحِدٌ؛ إذْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُسْتَحَبَّ أَوْ يَجِبْ مِنَ الشَّرْعِ فَلَيْسَ بِوَاجِبِ وَلا مُسْتَحَبٍّ؛ فَمَنِ اتَّخَذَ عَمَلًا مِنَ الأعْمَالِ عِبَادَةً وَدِينًا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَاجِبًا وَلا مُسْتَحَبًّا؛ فَهُوَ ضَالٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ)[16].



الخلاصة: أنَّ البدعة المنصوص على ضلالتها في الشَّرع هي[17]:

1- كلُّ ما عارض السُّنةَ من الأقوال أو الأفعال أو العقائد ولو كانت عن اجتهاد.



2- كلُّ أمرٍ يُتَقرَّب إلى الله به، وقد نهى عنه الشَّرع.



3- كلُّ أمرٍ لا يُمكن أنْ يُشرع إلَّا بنصٍّ أو توقيف، ولا نصَّ عليه؛ فهو بدعة، إلَّا ما كان عن صحابي.



4- ما أُلصق بالعبادة من عادات الكفار.



5- ما نَصَّ على استحبابه بعضُ العلماء، ولا سيما المتأخرين منهم، ولا دليلَ عليه.



6- كلُّ عبادةٍ لم تأتِ كيفيَّتُها إلَّا في حديثٍ ضعيف أو موضوع.



7- الغلو في العبادة.



8- كلُّ عبادةٍ أطلقها الشارعُ وقيَّدها الناسُ ببعض القيود؛ مثل المكان، أو الزمان، أو الهيئة، أو العدد.



المطلب الثاني: ذم الابتداع في الدين:

عُلِمَ بالضرورة أنَّ العقول البشرية غير مستقلَّة بمصالحها دون الوحي، والشريعة الغرَّاء جاءت كاملة، لا تحتمل الزيادة ولا النقصان؛ لذا كان المبتدع معاندًا للشرع ومشاقًّا له؛ لأنَّ عمله مضاد للشريعة، وفي الوقت ذاته يكون المبتدع متَّعبًا لهواه؛ لأنَّ العقل إذا لم يكن مُتَّبعًا للشرع لم يبق إلَّا اتباعه للهوى، وهذا المبتدع قد نزَّل نفسَه منزلة المُضاهي للشارع؛ لأن الشارع الحكيم وَضَعَ الشرائعَ وألْزَمَ المُكلَّفين الجري على سُننِها[18]، ولقد وردت نصوصٌ كثيرة في الكتاب والسُّنة، ومن أقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان في ذم الابتداع في الدين والتحذير منه، ومن ذلك[19]:

أولًا: من القرآن:

1- قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 7]. وجه الدلالة: أنَّ أهل السنة والجماعة يعملون بالمُحْكَم من نصوص الكتاب والسُّنة، ويؤمنون بالمُتشابه، ويَكِلُون ما أشكل عليهم إلى عالِمِه، بخلاف أهل البدع والضَّلال الذين يتَّبعون المتشابه، ويتركون المُحْكَم. ولقد حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل السَّيِّئ: عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: تَلَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذه الآيَةَ؛ فقال: ((فإذا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ)[20].



2- قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]. وجه الدلالة: أنَّ الصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو اتِّباع السُّنة، واتِّباع الطُّرق المخالفة لطريق أهل السنة والجماعة تُضِلُّ أصحابَها وتفرِّقهم يمينًا وشمالًا، وهي طرق أهل البدع التي توصلهم إلى الجحيم، فالآية شملت النهي عن جميع طرق أهل البدع[21]. قال السعدي رحمه الله: (وَحَّدَ الصِّراطَ، وأضافَهُ إليه؛ لأنَّه سبيلٌ واحِدٌ، مُوصِّلٌ إليه، واللهُ هو المُعِينُ للسالكين على سلوكه)[22].



3- قال الله تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [النحل: 9]. وجه الدلالة: أنَّ السبيل القصد هو طريق الحق؛ اتِّباع الكتاب والسُّنة، وما سواه جائر عن الحق؛ أي: عادل عنه، ومائل عنه، وهي طرق أهل البدع والضلالات[23].



4- قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159]. وجه الدلالة: أنَّ انتشار البدع يُفرِّق الأمة؛ لذا توَعَّد الله تعالى الذين فرَّقوا دينهم، وتفرَّقوا فيه؛ من أهل الأهواء والبدع والضلال المُفرِّقين للأُمة، وأخذ كلٌّ منهم لنفسه طريقًا غيرَ طريق محمدٍ صلى الله عليه وسلم[24].



5- قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 31، 32]. وجه الدلالة: أنَّ كلَّ فِرقة تحزَّبت وتعصَّبت، على نَصْرِ ما معها من البدع والضلالات، ونابذتْ غيرَها وحاربَتْه؛ فهي فَرِحَةٌ بما لديها من العلوم المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق، وأنَّ غيرهم على الباطل. قال السعدي رحمه الله: (وفي هذا تحذيرٌ للمسلمين من تشتُّتِهم وتفرُّقهم فِرَقًا، كلُّ فريق يتعصَّب لما معه من حقٍّ وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التَّفرُّق، بل الدِّين واحد، والرسول واحد، والإله واحد)[25].



6- قال الله تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]. وجه الدلالة: تحذير المبتدعة الذين يخالفون شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم أن تصيبهم فتنة في الدنيا، أو عذاب أليم في الآخرة. قال ابن كثير رحمه الله: (﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾؛ أي: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيلُه ومِنهاجُه وطريقتُه وسُنَّتُه وشريعتُه، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِلَ، وما خالفه فهو مردود على قائلِه وفاعِلِه كائنًا مَنْ كان. فليحذر وليخشَ مَنْ يُخالف شريعةَ الرسولِ باطنًا أو ظاهرًا ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾؛ أي: في قلوبهم من كفرٍ أو نفاقٍ أو بدعةٍ، ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾؛ أي: في الدُّنيا بقتلٍ أو حَدٍّ، أو حبسٍ، أو نحوِ ذلك)[26].



7- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]. وجه الدلالة: إنكار الله تعالى على مَنْ يُحدِثون في الدِّين فيُحلِّلون ويُحرِّمون بأهوائهم.



8- قوله تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21]. وجه الدلالة: إنكار اللهِ سبحانه على مَنْ شرَعَ في دينه ما لم يأذن به.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]