عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 05-12-2021, 06:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,847
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

الخلاف وآدابه
الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
فهذه مذكرة مختصرة تتحدث عن موضوع في غاية الأهمية وهو (الخلاف وآدابه).
وقد جمعتها على عجل في قرابة سبع ساعات؛ ليتم تدارسها في دورة علمية أُقيمت في مكة المكرمة من 21/ 10/ 1439 - 22/ 10/ 1439هـ، ما بين صلاتي العصر والعشاء.

أسأل الله أن يبارك فيها وينفع بها.

أولًا: تعريف الخلاف، وفيمَ يكون؟
الخلاف والاختلاف والمخالفة في اللغة بمعنًى واحد.

قال في المصباح المنير: "خالفته مخالفة وخلافًا، وتخالف القوم واختلفوا: إذا ذهب كل واحدٍ إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، وهو ضد الاتفاق".

ولا يختلف المعنى الشرعي للخلاف عن المعنى اللغوي، إلا أنه مقصور على الاختلاف في المسائل الشرعية، فالعلاقة بين المعنيين هي علاقة عموم وخصوص مطلق، ذلك أن علماء الشريعة يطلقون الخلاف على المسائل الشرعية التي لم يجمع عليها، فالخلاف ضد الإجماع[1].

ونعني بالخلاف هنا ما هو أشمل من الخلاف في المسائل الفقهية الاجتهادية، فيدخل في ذلك المخالفة في المسائل الاعتقادية؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران: 105].

فمن أمثلة الخلاف في العقيدة:
أ- ما يكون من المخالفة بين المسلمين والكافرين:
فالكفار باختلاف مِللهم ونِحلهم واعتقاداتهم، يختلفون مع المسلمين في أصل الأصول، إما في وجود الله سبحانه، أو باعتقاد وجوده، لكنهم يشركون معه غيره.

ب- ما يكون من خلاف أهل الأهواء والبدع لأهل السنة؛ كخلاف الخوارج، والمعتزلة، والرافضة، فهذان الخلافان ينظر لهما من جهتين:
من جهة خلاف المسلمين للكافرين، فهو خلاف سائغ مقبول، في أعلى درجات القبول، بل هو من الخلاف الواجب على المسلمين، وكذلك خلاف أهل السنة لأهل البدع فهو كذلك.

من جهة خلاف الكافرين للمسلمين، فهو خلاف غير سائغ مردود، في أقوى درجات الرد، بل يجب على الكافرين أن يوحِّدوا الله ويعبدوه، وأن يكونوا مع المسلمين، وكذلك الواجب على أهل الأهواء والبدع ترك ما هم عليه واتباع أهل السنة، وخلافهم لأهل السنة مردود غير مقبول ولا عذر لهم فيه.

ثانيًا: أنواع الخلاف وأمثلة عليه:
ينقسم الخلاف إلى قسمين رئيسين:
الأول: الخلاف السائغ (المحمود).
وهو الاختلاف في المسائل الظنية، وهذا كثير جدًّا، يظهر ذلك جليًّا لمن تتبع خلاف الفقهاء في مسائل الفقه من كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الإقرار، ومن أمثلته: الاختلاف في أقسام المياه، ونجاسة الكلب، ومدة المسح على الخفين، وأمد الحيض، والقنوت في صلاة الفجر، ورفع اليدين في الصلاة، وصلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي، وما يجب تغطيته من المرأة، ووقوع طلاق الثلاث واحدة... إلخ.

فمثل هذه المسائل يسوغ فيها الخلاف إذا لم يكن عن تعصُّب وهوى، وإنما عن اجتهاد وتحرٍّ، لِما ثبت في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد"، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم على اختلافهم في الاجتهاد في صلاة العصر في غزوة بني قريظة، والحديث في الصحيحين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما تنازعوا فيه مما أقروا عليه، وساغ لهم العمل به من اجتهاد العلماء والمشايخ والأمراء والملوك، كاجتهاد الصحابة في قطع اللينة وتركها، واجتهادهم في صلاة العصر لما بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، وأمرهم ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فصلى قوم في الطريق في الوقت، وقالوا: إنما أراد التعجل لا تفويت الصلاة، وأخرها قوم إلى أن وصلوا وصلوها بعد الوقت؛ تمسكًا بظاهر لفظ العموم، فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين، وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم؛ كمسائل في العبادات، والمناكح، والمواريث، والعطاء، والسياسة، وغير ذلك.

وحكم عمر أول عام في الفريضة الحمارية بعدم التشريك، وفي العام الثاني بالتشريك في واقعة مثل الأولى، ولما سئل عن ذلك قال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي، وهم الأئمة الذين ثبت بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة، ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم، وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية؛ كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلمربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ"[2].

الثاني: الخلاف غير السائغ (المذموم):
وهو عكس الخلاف المحمود، وذكر بعض أهل العلم أنه يكون في حالات أربع رئيسة.
الحالة الأولى: الاختلاف في مسائل العقيدة المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة، وهذا اختلاف مذموم؛ لأن العقيدة ثابتة بنصوص قطعية في الكتاب والسنة، وقد أجمع عليها الصحابة، فلا يصح أن يكون فيها اختلاف بين المسلمين.

الحالة الثانية: الاختلاف في الأدلة القطعية:
والمقصود بها المسائل التي تكون قطعية الثبوت وقطعية الدلالة؛ مثل: وجوب الصلاة والصيام والزكاة، وقطع يد السارق، ورجم الزاني، وتحريم الخمر...إلخ.

فالاختلاف في هذه المسائل غير سائغ؛ لأنه لو قبل الخلاف فيها لما بقِي شيء من مسائل الدين إلا وأصبح قابلًا للأخذ والرد.

الحالة الثالثة: الاختلاف الناشئ عن تعصبٍ أو هوى لا عن حجةٍ وبرهان:
فقد ذم الله تعالى الذين يجادلون في آياته بغير حجة ولا برهان، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ [غافر: 56].

الحالة الرابعة: مخالفة ما أجمعت عليه الأمة[3]:
ففي هذه الحالات الأربع يكون الاختلاف مذمومًا، وهو ما يطلق عليه الشارع الافتراق، كما في حديث الافتراق المشهور الذي رواه عوف بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وإحدى وسبعون فرقة في النار، والذي نفسي بيده لتفترقنَّ هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: مَن هم يا رسول الله، قال: الجماعة"[4]، وفي رواية قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، وفي رواية قال: "هم السواد الأعظم".

ثالثًا: أسباب الخلاف:
أسباب الخلاف كثيرة جدًّا، منها ما يكون للهوى، ومنها ما يكون لأجل حظوظ النفس، ومنها ما يكون لأجل قلة العلم وعدم الاطلاع، ومن تلك الأسباب:
1 ــ اتباع الهوى:
فصاحب الهوى يصعب إقناعه، واتباع الهوى على صنفين:
الأول: الكفرة المردة الجحدة الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة: 89].
وقال سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: 33].

والصنف الثاني: المبتدعة المنحرفة عن طريق السلف، وفَهمهم في تطبيق السنة, فهؤلاء ابتدعوا في دين الله تعالى ما لم يأذن به الله، ولم يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلاف مع هؤلاء خلاف صعب للغاية؛ لأنهم يرون أنهم على حق، وخلافهم مبني على الهوى.

2- أن يكون الدليل لم يبلغ هذا المخالف:
وهذا السبب ليس خاصًّا فيمن بعد الصحابة، بل يكون في الصحابة ومَن بعدهم.

ومن أمثلة ما وقع بين الصحابة من هذا النوع:
الأول: ما ثبت في صحيح البخاري وغيره حينما سافر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، وفي أثناء الطريق ذُكر له أن فيها وباءً وهو الطاعون، فوقف وجعل يستشير الصحابة رضي الله عنهم، فاستشار المهاجرين والأنصار واختلفوا في ذلك على رأيين.

وكان الأرجح القول بالرجوع، وفي أثناء هذه المداولة والمشاورة جاء عبدالرحمن بن عوف، وكان غائبًا في حاجة له، فقال: إن عندي من ذلك عِلمًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه، وإن وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًامنه"، فكان هذا الحكم خافيًا على كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، حتى جاء عبدالرحمن فأخبرهم بهذا الحديث.

مثال آخر: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما، يريان أن الحامل إذا مات عنها زوجها تعتدُّ بأطول الأجلين، من أربعة أشهر وعشر أو وضع الحمل، فإذا وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر، لم تنقض العدة عندهما، وبقيت حتى تنقضي أربعة أشهر وعشر، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشر من قبل أن تضع الحمل، بقيت في عدتها حتى تضع الحمل؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4]، ويقول: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة: 234].

وبين الآيتين عموم وخصوص، وطريق الجمع بين ما بينهما عموم وخصوص أن يؤخذ بالصورة التي تجمعهما، ولا طريق إلى ذلك إلا ما سلكه علي وابن عباس رضي الله عنهما، ولكن السُّنَّة فوق ذلك، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سبيعة الأسلمية أنها نفست بعد موت زوجها بليال، فأذن لها رسول الله أن تتزوج، ومعنى ذلك أننا نأخذ بآية سورة الطلاق، وهي عموم قوله تعالى: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.

واليقين أن هذا الحديث لو بلغ عليًّا وابن عباس لأخذا به قطعًا، ولم يذهبا إلى رأيهما.

3- أن يكون الحديث قد بلغ الرجل ولكنه لم يثق بناقله:

ومن أمثلة ذلك ما ثبت في قصة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عندما طلَّقها زوجها آخر ثلاث تطليقات، فأرسل إليها وكيله بشعير نفقة لها مدة العدة، ولكنها سخطت الشعير، وأبت أن تأخذه، فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرها النبي أنه لا نفقة لها ولا سكنى؛ وذلك لأنه أبانها، والمبانة ليس لها نفقة ولا سكنى على زوجها إلا أن تكون حاملًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 6].

لكن عمر رضي الله عنه خفيت عليه هذه السُّنَّة، فرأى أن لها النفقة والسكنى، وردَّ حديث فاطمة باحتمال أنها قد نسيت، فقال: أنترك قول ربنا لقول امرأة لا ندري أذكرت أم نسيت؟!

وهذا معناه أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لم يطمئن إلى هذا الدليل، وهذا كما يقع لعمر ومن دونه من الصحابة ومن دونهم من التابعين، يقع أيضًا لمَن بعدهم من أتباع التابعين، وهكذا إلى يومنا هذا، بل إلى يوم القيامة، أن يكون الإنسان غير واثق من صحة الدليل.

4- أن يكون الحديث قد بلغه ولكنه نسيه:
من أمثلة ذلك ما ثبت في الصحيحين من قصة عمر بن الخطاب مع عمار بن ياسر رضي الله عنهما، حينما أرسلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبا جميعًا عمار وعمر.

أما عمار فاجتهد ورأى أن طهارة التراب كطهارة الماء، فتمرغ في الصعيد كما تمرغ الدابة، لأجل أن يشمل بدنه التراب، كما كان يجب أن يشمله الماء وصلَّى، أما عمر رضي الله عنه فلم يصل، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرشدهما إلى الصواب، وقال لعمار: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا"، وضرب بيديه الأرض مرة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه.

وكان عمار رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافة عمر، وقبل ذلك، ولكن عمر دعاه ذات يوم وقال له: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ فأخبره وقال: أما تذكر حينما بعثنا رسول الله في حاجة فأجنبنا، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمرغت في الصعيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيك أن تقول كذا وكذا"، ولكن عمر لم يذكر ذلك، وقال: اتق الله يا عمار، فقال له عمار: إن شئت بما جعل الله عليَّمن طاعتك ألا أُحدِّث به فعلت، فقال له عمر: نوليك ما توليت؛ يعني فحدِّث به الناس.

فعمر نسي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جعل التيمم في حال الجنابة، كما هو في حال الحدث الأصغر، وقد تابع عمر على ذلك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وحصل بينه وبين أبي موسى رضي الله عنهما مناظرة في هذا الأمر، فأورد عليه قول عمار لعمر، فقال ابن مسعود: ألم تر أن عمر لم يقنع بقول عمار، فقال أبو موسى: دعنا من قول عمار، ما تقول في هذه الآية؟ - يعني آية المائدة - فلم يقل ابن مسعود شيئًا، ولكن لا شك أن الصواب مع الجماعة الذين يقولون أن الجُنُب يتيمم، كما أن المحدث حدثًا أصغر يتيمَّم.

والمقصود أن الإنسان قد ينسى فيخفى عليه الحكم الشرعي، فيقول قولًا يكون به معذورًا، لكن مَن علِم الدليل فليس بمعذور.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]