الكف عما لا يعنيني
أحمد قوشتي عبد الرحيم
قال مورق العجلي :
" أمر أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة ، لم أقدر عليه ، ولست بتارك طلبه أبدا، قالوا: وما هو؟ قال: الكف عما لا يعنيني "
وصدق رحمه الله ! فترك المرء ما لا يعنيه سبيل عظيم للفلاح ، وأصل من أصول الأدب ، ودليل على حسن الإسلام ، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»
لكن الإشكال ومبعث الصعوبة أن الكثير منا لا يحسن التمييز بين ما يعنيه وما لا يعنيه ، ولا يدرك الحدود الفاصلة بين الأمرين ، والتفرقة بين ما يستوجب الاهتمام وما يستوجب الإهمال ، وما ينبغي أن يكون في صدر الأولويات وما يؤخر ولا يلتفت إليه .
ومن ضاع منه هذا الميزان أدخل نفسه فيما يضره ولا ينفعه ، ويؤخره ولا يرقيه ، ويشغله بلا طائل ، ويشتت عليه وقته وعمره وحاله ، والعادة أن المحل لا يقبل ضدين ومن اشتغل بما لا يعنيه ترك ولابد مقابل ذلك ما يعنيه وتعظم حاجته إليه .
وربما كان أسوأ من هذا في عصرنا - حيث لكل منا وسيلة تعبير خاصة به - أن لا يكتفي الإنسان بالانشغال بما لا يعنيه فيكون وباله عليه وحده ، بل يجر معه من يحيط به أو يسمعه ويتابعه ، فيشغلهم بما لا يفيد ، ويدخلهم في معارك وقضايا وخلافات لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، ومن ثم يضيع طاقتهم فيما لا ينفعهم في دين أو دنيا .
ورحم الله امرأ تكلم بخير فغنم ، أو سكت فسلم ، وانشغل بما ينفعه ، وترك ما لا يعنيه ، والموفق من وفقه الله .