عرض مشاركة واحدة
  #76  
قديم 11-12-2021, 01:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (76)
صــــــــــ 131 الى صـــــــــــ135


( قال الشافعي ) :
في المرأة المعتدة من زوج له عليها الرجعة ، تهل بالحج إن راجعها فله منعها ، وإن لم يراجعها منعها حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة فهي مالكة لأمرها ويكون لها أن تتم على الحج ، وهكذا المالكة لأمرها الثيب تحرم يمنع وليها من حبسها ويقال لوليها : إن شئت فاخرج معها وإلا بعثنا بها مع نساء ثقات ، فإن لم تجد نساء ثقة لم يكن لها في سفر أن تخلو برجل ولا امرأة معها ، فإن قال قائل : كيف لم تبطل إحرامها إذا أحرمت في العدة ؟ قلت إذا كانت تجد السبيل إليه بحال لم أعجل بإبطاله حتى أعلم أن لا تجد السبيل إليه .

وإن أهلت في عدة من وفاة أو هي قد أتى على طلاقها لزمها الإهلال ومنعها الخروج حتى تتم عدتها ، فإن انقضت خرجت ، فإن أدركت حجا وإلا حلت بعمل عمرة ، فإن قال قائل : فلم لا تجعلها محصرة بمانعها ؟ قلت : له منعها إلى مدة ، فإذا بلغتها لم يكن له منعها وبلوغها أيام يأتي عليها ليس منعها بشيء إلى غيرها ولا يجوز لها الخروج حتى [ ص: 131 ] قيل قد يعتق قبل عتقه شيء يحدثه غيره له أو لا يحدثه وليس كالمعتدة فيما لمانعها من منعها فلو أهل عبد بحج فمنعه سيده حل ، وإن عتق بعدما يحل فلا حج عليه إلا حجة الإسلام ، وإن عتق قبل أن يحل مضى في إحرامه ، كما يحصر الرجل بعدو فيكون له أن يحل ، فإن لم يحل حتى يأمن العدو ، لم يكن له أن يحل وكان عليه أن يمضي في إحرامه ، ولو أن امرأة مالكة لأمرها أهلت بحج ثم نكحت ، لم يكن لزوجها منعها من الحج ; لأنه لزمها قبل أن يكون له منعها ولا نفقة لها عليه في مضيها ولا في إحرامها في الحج ; لأنها مانعة لنفسها بغير إذنه ، كان معها في حجها أو لم يكن ، ولا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم .

( قال الربيع ) : هذه المسألة فيها غلط ; لأن الشافعي يقول لا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم فلما أهلت هذه بحج ثم نكحت كان نكاحها باطلا ، ولم يكن لها زوج يمنعها وتمضي في حجها وليس لها زوج تلزمه النفقة لها ; لأنها ليست في أحكام الزوجات ، ولعل الشافعي إنما حكى هذا القول في قول من يجيز نكاح المحرم ; فأما قوله : فإنه لا يجوز نكاح المحرم ولا المحرمة ، وهذا له في كتاب الشغار .

( قال الشافعي ) :
وعلى ولي السفيهة البالغة إذا تطوع لها ذو محرم وكان لها مال أن يعطيها من مالها ما تحج به إذا شاءت ذلك ، وكان لها ذو محرم يحج بها أو خرجت مع نساء مسلمات .
باب المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم

( قال الشافعي ) :
رحمه الله وإذا احتلم الغلام أو حاضت الجارية ، وإن لم يستكملا خمس عشرة سنة أو استكملا خمس عشرة سنة قبل البلوغ وهما غير مغلوبين على عقولهما واجدان مركبا وبلاغا ، مطيقان المركب ، غير محبوسين عن الحج بمرض ولا سلطان ولا عدو ، وهما في الوقت الذي بلغا فيه قادران بموضع ، لو خرجا منه ، فسارا بسير الناس قدرا على الحج فقد وجب عليهما الحج ، فإن لم يفعلا حتى ماتا فقد لزمهما الحج ، وعليهما بأنهما قادران عليه في وقت يجزئ عنهما لو مضيا فيه حتى يقضى عنهما الحج ، وإن كانا بموضع يعلمان أن لو خرجا عند بلوغهما ، لم يدركا الحج لبعد دارهما أو دنو الحج ، فلم يخرجا للحج ولم يعيشا حتى أتى عليهما حج قابل ، فلا حج عليهما ، ومن لم يجب الحج عليه فيدعه وهو لو حج أجزأه ، لم يكن عليه قضاؤه .

ولو كانا إذا بلغا فخرجا يسيران سيرا مباينا لسير الناس في السرعة حتى يسيرا مسيرة يومين في سير العامة في يوم ، ومسيرة ثلاث في يومين ، لم يلزمهما عندي والله أعلم أن يسيرا سيرا يخالف سير العامة ، فهذا كله لو فعلا كان حسنا ، ولو بلغا عاقلين ثم لم يأت عليهما مخرج أهل بلادهما حتى غلب على عقولهما ولم ترجع إليهما عقولهما في وقت لو خرجا فيه أدركا حجا ، لم يلزمهما أن يحج عنهما ، وإنما يلزمهما أن يحج عنهما إذا أتى عليهما وقت يعقلان فيه ثم لم تذهب عقولهما حتى يأتي عليهما وقت لو خرجا فيه إلى الحج بلغاه ، فإن قال قائل : ما فرق بين المغلوب على عقله وبين المغلوب بالمرض ؟ قيل الفرائض على المغلوب على عقله زائلة في مدتها كلها ، والفرائض على المغلوب بالمرض العاقل على بدنه غير زائلة في مدته ، ولوحج المغلوب على عقله لم يجز عنه لا يجزي عمل على البدن لا يعقل عامله قياسا على قول الله عز وجل { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ولو حج العاقل المغلوب بالمرض أجزأ عنه ، ولو كان بلوغهما في عام جدب الأغلب فيه على الناس خوف الهلكة بالعطش في سفر أهل ناحية هما فيها ، أو لم يكن ما لا بد لهم منه من علف موجود فيه ، أو في خوف من عدو [ ص: 132 ] لا يقوى جماعة حاج مصرهما عليه أو اللصوص كذلك ، أشبه هذا والله أعلم أن يكون من أراد فيه الحج غير مستطيع له ، فيكون غير لازم له بأنه غير مستطيع ، فإن مات قبل أن يمكنه الحج بتغير هذا ، لم يكن عليه حج ، وكذلك لو حج أول ما بلغ فأحصر بعدو فنحر وحل دون مكة ورجع فلم يمكنه الحج حتى يموت ، لم يكن عليه حج ، ولو كان ما وصفت من الحائل في البر ، وكان يقدر على الركوب في البحر ، فيكون له طريقا ، أحببت له ذلك ، ولا يبين لي أنه يجب عليه ركوب البحر للحج ; لأن الأغلب من ركوب البحر خوف الهلكة ، ولو بلغا مغلوبين على عقولهما فلم يفيقا فتأتي عليهما مدة يعقلان فيها ويمكنهما الحج لم يكن عليهما ، وإذا بلغا معا فمنعا الحج بعدو حائل بين أهل ناحيتهما معا وبين الحج ، ثم لم يأت عليهما مدة وقت الحج ، يقدران هما ولا غيرهما من أهل ناحيتهما فيه على الحج ، فلا حج عليهما يقضى عنهما إن ماتا قبل تمكنهما أو أحد من أهل ناحيتهما من الحج ، ولو حيل بينهما خاصة بحبس عدو أو سلطان أو غيره وكان غيرهما يقدر على الحج ثم ماتا ولم يحجا كان هذان ممن عليه الاستطاعة بغيرهما ويقضى الحج عنهما .

وكذلك لو كان حبس ببلده أو في طريقه بمرض أو زمن لا بعلة غيره وعاش حتى الحج غير صحيح ثم مات قبل أن يصح وجب عليه الحج ، وجماع هذا أن يكون البالغان إذا لم يقدرا بأي وجه ما كانت القدرة بأبدانهما وهما قادران بأموالهما وفي ناحيتهما من يقدر على الحج غيرهما ثم ماتا قبل أن يحجا فقد لزمهما الحج ، إنما يكون غير لازم لهما إذا لم يقدر أحد من أهل ناحيتهما على الحج ببعض ما وصفت ، فإن قال قائل : ما خالف بين هذا وبين المحصر بما ذكرت من عدو وحدث ؟ قيل ذلك لا يجد السبيل بنفسه إلى الحج ولا إلى أن يحج عنه غيره من ناحيته ، من قبل أن غيره في معناه في خوف العدو والهلكة بالجدب والزمن والمرض ، وإن كان معذورا بنفسه فقد يمكنه أن يحج عنه صحيح غيره ، ومثل هذا أن يحبسه سلطان عن حج أو لصوص وحده ، وغيره يقدر على الحج فيموت ، فعليه أن يحج عنه ، والشيخ الفاني أقرب من العذر من هذين ، وقد وجب عليه أن يحج عنه إذا وجد من يحج عنه .
باب الاستطاعة بنفسه وغيره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولما { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها } دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الله { من استطاع إليه سبيلا } على معنيين : أحدهما : أن يستطيعه بنفسه وماله والآخر أن يعجز عنه بنفسه بعارض كبر أو سقم أو فطرة خلقة ، لا يقدر معها على الثبوت على المركب ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه ، إما بشيء يعطيه إياه وهو واجد له ، وإما بغير شيء ، فيجب عليه أن يعطي إذا وجد ، أو يأمر إن أطيع ، وهذه إحدى الاستطاعتين ، وسواء في هذا الرجل يسلم ولا يقدر على الثبوت على المركب أو الصبي يبلغ كذلك أو العبد يعتق كذلك ، ويجب عليه إن قدر على الثبوت على المحمل بلا ضرر وكان واجدا له أو لمركب غيره ، وإن لم يثبت على غيره ، أن يركب المحمل أو ما أمكنه الثبوت عليه من المركب .

وإن كان واحد من هؤلاء لا يجد مطيعا ولا مالا ، فهو ممن لا يستطيع بالبدن ولا بالطاعة فلا حج عليه ، وجماع الطاعة التي توجب الحج وتفريعها اثنان : أحدهما : أن يأمر فيطاع بلا مال ، والآخر أن يجد مالا يستأجر به من يطيعه ، فتكون إحدى الطاعتين ، ولو تحامل فحج أجزأت عنه ورجوت أن يكون أعظم أجرا ممن [ ص: 133 ] يخف ذلك عليه ، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحج عن أبيها إذ أسلم وهو لا يستمسك على الراحلة فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعا بغيره ، إذا كان في هذه الحال ، والميت أولى أن يجوز الحج عنه ; لأنه في أكثر من معنى هذا الذي لو تكلف الحج بحال أجزأه ، والميت لا يكون فيه تكلف أبدا .
باب الحال التي يجوز أن يحج فيها الرجل عن غيره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج الواجب أن يحج المرء عن غيره فاحتمل القياس على هذا وجهين : أحدهما : أن الله تعالى فرض على خلقه فرضين ، أحدهما فرض على البدن ، والآخر فرض في المال ، فلما كان ما فرض الله على الأبدان عليها لا يتجاوزها ، مثل الصلاة والحدود والقصاص وغيرها ، ولا يصرف عنها إلى غيرها بحال ، وكان المريض يصلي كما رأى ، ويغلب على عقله فيرتفع عنه فرض الصلاة ، وتحيض المرأة فيرتفع عنها فرض الصلاة في وقت الغلبة على العقل والحيض ، ولا يجزي المغلوب على عقله صلاة صلاها وهو مغلوب على عقله ، وكذلك الحائض لا تجزيها صلاة صلتها وهي حائض ، ولا يجب عليهما أن يصلي عنهما غيرهما في حالهما تلك ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء أن يحج عن غيره حجة الإسلام ، كان هذا كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الإسلام وعمرته ، وكل ما وجب على المرء بإيجابه على نفسه من حج وعمرة وكان ما سوى هذا من حج تطوع أو عمرة تطوع لا يجوز لأحد أن يحجه عن أحد ولا يعتمر في حياته ولا بعد موته ، ومن قال هذا ، كان وجها محتملا ولزمه أن يقول : لو أوصى رجلا أن يحج عنه تطوعا بطلت الوصية كما لو أوصى أن يصلي عنه بطلت الوصية ولزمه أن يقول : إن حج أحد عن أحد بوصية فهي في ثلثه والإجارة عليه فاسدة ، ثم يكون القول فيما أخذ من الإجارة على هذا واحدا من قولين : أحدهما : أن له أجر مثله ويرد الفضل مما أخذ عليه ويلحق بالفضل إن كان نقصه كما يقول في كل إجارة فاسدة ، والآخر أن لا أجرة له ; لأن عمله عن نفسه لا عن غيره .

والقول الثاني أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر المرء أن يحج عن غيره في الواجب ، دل هذا على أن يكون الفرض على الأبدان من وجهين ، أحدهما ما لا يعمله المرء عن غيره ، مثل الصلاة ، ولا يحمله عنه غيره مثل الحدود وغيرها ، والآخر النسك من الحج والعمرة فيكون للمرء أن يعمله عن غيره متطوعا عنه أو واجبا عليه إذا صار في الحال التي لا يقدر فيها على الحج ، ولا يشبه أن يكون له أن يتطوع عنه ، والمتطوع عنه يقدر على الحج ; لأن الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالحج عنه هي الحال التي لا يقدر فيها على أن يحج عن نفسه ولأنه لو تطوع عنه وهو يقدر على الحج لم يجز عنه من حجة الإسلام ، فلما كان هو لو تطوع عن نفسه كانت حجة الإسلام ، وإن لم ينوها فتطوع عنه غيره لم يجز عنه ، وقد ذهب عطاء مذهبا يشبه أن يكون أراد أنه يجزي عنه أن يتطوع عنه بكل نسك من حج أو عمرة إن عملهما مطيقا له أو غير مطيق ، وذلك أن سفيان أخبرنا عن يزيد مولى عطاء قال : ربما أمرني عطاء أن أطوف عنه .

( قال الشافعي ) :
فكأنه ذهب إلى أن الطواف من النسك وأنه يجزي أن يعمله المرء عن غيره في أي حال ما كان ، وليس نقول بهذا ، وقولنا لا يعمل أحد عن أحد إلا والمعمول عنه غير مطيق العمل ، بكبر أو مرض لا يرجى أن يطيق بحال ، أو بعد موته ، وهذا أشبه بالسنة والمعقول ، لما [ ص: 134 ] وصفت من أنه لو تطوع عنه رجل والمتطوع عنه يقدر على الحج لم يجز المحجوج عنه ( قال ) : ومن ولد زمنا لا يستطيع أن يثبت على مركب ، محمل ولا غيره ، أو عرض ذلك له عند بلوغه ، أو كان عبدا فعتق ، أو كافرا فأسلم فلم تأت عليه مدة يمكنه فيها الحج حتى يصير بهذه الحال ، وجب عليه إن وجد من يحج عنه بإجارة أو غير إجارة ، وإذا أمكنه مركب محمل أو شجار أو غيره فعليه أن يحج ببدنه ، وإن لم يقدر على الثبوت على بعير أو دابة إلا في محمل أو شجار وكيفما قدر على المركب وأي مركب قدر عليه ، فعليه أن يحج بنفسه ، لا يجزيه غيره ( قال ) : ومن كان صحيحا يمكنه الحج فلم يحج حتى عرض له هذا كان له أن يبعث من يحج عنه ; لأنه قد صار إلى الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج فيها عمن بلغها ( قال ) : ولو كان به مرض يرجى البرء منه ، لم أر له أن يبعث أحدا يحج عنه حتى يبرأ فيحج عن نفسه ، أو يهرم فيحج عنه أو يموت فيحج عنه بعد الموت ، فإن قال قائل : ما الفرق بين هذا المريض المضنى وبين الهرم أو الزمن ؟ قيل له لم يصر أحد علمته بعد هرم لا يخلطه سقم غيره إلى قوة يقدر فيها على المركب ، والأغلب من أهل الزمانة أنهم كالهرم ، وأما أهل السقم فنراهم كثيرا يعودون إلى الصحة ( قال ) ولو حج رجل عن زمن ثم ذهبت زمانته ، ثم عاش مدة يمكنه فيها أن يحج عن نفسه ، كان عليه أن يحج عن نفسه ; لأنا إنما أذنا له على ظاهر أنه لا يقدر ، فلما أمكنته المقدرة على الحج لم يكن له تركه وهو يقدر على أن يعمله ببدنه والله أعلم .

( قال ) : ولو بعث السقيم رجلا يحج عنه فحج عنه ثم برئ وعاش بعد البرء مدة يمكنه أن يحج فيها فلم يحج حتى ماتكان عليه الحج ، وكذلك الزمن والهرم ( قال ) : والزمن والزمانة التي لا يرجى البرء منها والهرم ، في هذا المعنى . ثم يفارقهم المريض ، فلا نأمره أن يبعث أحدا يحج عنه ونأمر الهرم والزمن أن يبعثا من يحج عنهما ، فإن بعث المريض من يحج عنه ثم لم يبرأ حتى مات ففيها قولان ، أحدهما أن لا يجزئ عنه ; لأنه قد بعث في الحال التي ليس له أن يبعث فيها ، وهذا أصح القولين وبه آخذ . والثاني أنها مجزية عنه ; لأنه قد حج عنه حر بالغ وهو لا يطيق ، ثم لم يصر إلى أن يقوى على الحج بعد أن حج عنه غيره ، فيحج عن نفسه .
باب من ليس له أن يحج عن غيره أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال : { سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول لبيك عن فلان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن كنت حججت فلب عن فلان وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه } أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة قال : سمع ابن عباس رجلا يقول " لبيك عن شبرمة " فقال ابن عباس " ويحك وما شبرمة ؟ " قال فذكر قرابة له فقال " أحججت عن نفسك " فقال : لا قال " فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " .

( قال الشافعي ) :
وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها ففي ذلك دلائل منها ما وصفنا من أنها إحدى الاستطاعتين ، وإذا أمرها بالحج عنه فكان في [ ص: 135 ] الحال التي أمر فيها بالحج عنه وكان كقضاء الدين عنه ، فأبان أن العمل عن بدنه في حاله تلك ، يجوز أن يعمله عنه غيره فيجزئ عنه ويخالف الصلاة في هذا المعنى . فسواء من حج عنه من ذي قرابة أو غيره ، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحج عن رجل وهما مجتمعان في الإحرام كله إلا اللبوس ، فإنهما يختلفان في بعضه ، فالرجل أولى أن يجوز حجه عن الرجل والمرأة من المرأة عن الرجل وكل جائز مع ما روي عن طاوس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مما كتبنا مما يستغنى فيه بنص الخبر ، ولو أن امرأ لم يجب عليه الحج إلا وهو غير مطيق ببدنه لم يكن على أحد غيره واجبا أن يحج عنه ، وأحب إلي أن يحج عنه ذو رحمه ، وإن كان ليس عليه أو يستأجر من يحج عن من كان ، ولو كان فقيرا لا يقدر على زاد ومركب ، وإن كان بدنه صحيحا فلم يزل كذلك حتى أيسر قبل الحج بمدة لو خرج فيها لم يدرك الحج ثم مات قبل أن يأتي عليه حج آخر لم يجب عليه حج يقضى ، ولو أيسر في وقت لا يمكنه فيه الحج فأقام موسرا إلى أن يأتي عليه أشهر الحج ، ولم يدن الوقت الذي يخرج فيه أهل بلده لموافاة الحج حتى صار لا يجد زادا ولا مركبا ثم مات قبل حجه ذلك أو قبل حج آخر يوسر فيه ، لم يكن عليه حج ، إنما يكون عليه حج إذا أتى عليه وقت حج بعد بلوغ ومقدرة ، ثم لم يحج حتى يفوته الحج ، ولو كان موسرا محبوسا عن الحج وجب عليه أن يحج عن نفسه غيره ، أو يحج عنه بعد موته وهذا مكتوب في غير هذا الموضع .
باب الإجارة على الحج

( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى للرجل أن يستأجر الرجل يحج عنه إذا كان لا يقدر على المركب لضعفه وكان ذا مقدرة بماله ولوارثه بعده ، والإجارة على الحج جائزة جوازها على الأعمال سواه ، بل الإجارة إن شاء الله تعالى على البر خير منها على ما لا بر فيه ، ويأخذ من الإجارة ما أعطى ، وإن كثر كما يأخذها على غيره لا فرق بين ذلك ، ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان دم القران على الأجير وكان زاد المحجوج عنه خيرا ; لأنه قد جاء بحج وزاد معه عمرة ولو استأجر الرجل الرجل يحج عنه أو عن غيره فالإجارة جائزة ، والحج عنه من حيث شرط أن يحرم عنه ، ولا تجوز الإجارة على أن يقول تحج عنه من بلد كذا حتى يقول تحرم عنه من موضع كذا ; لأنه يجوز الإحرام من كل موضع .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]