
11-12-2021, 02:45 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (83)
صــــــــــ 166 الى صـــــــــــ170
( قال الشافعي ) وما مس المحرم من رطب الطيب بشيء من بدنه افتدى وإن مس بيده منه شيئا يابسا لا يبقى له أثر في يده ولا له ريح كرهته له ولم أر عليه الفدية وإنما يفدي من الشم خاصة بما أثر من الطيب من الشم ، لأن غاية الطيب للتطيب وإن جلس إلى عطار فأطال ، أو مر به فوجد ريح الطيب أو وجد ريح الكعبة مطيبة أو مجمرة لم يكن عليه فدية وإن مس خلوق الكعبة جافا كان كما وصفت لا فدية عليه فيه لأنه لا يؤثر ولا يبقى ريحه في بدنه وكذلك الركن وإن مس الخلوق رطبا افتدى وإن انتضح عليه أو [ ص: 166 ] تلطخ به غير عامد له غسله ولا فدية عليه وكذلك لو أصاب ثوبه ولو عقد طيبا فحمله في خرقة أو غيرها وريحه يظهر منها لم يكن عليه فدية وكرهته له لأنه لم يمس الطيب نفسه ولو أكل طيبا أو استعط به أو احتقن به افتدى وإذا كان طعام قد خالطه زعفران أصابته نار أو لم تصبه فانظر ، فإن كان ريحه يوجد أو كان طعم الطيب يظهر فيه فأكله المحرم افتدى وإن كان لا يظهر فيه ريح ولا يوجد له طعم وإن ظهر لونه فأكله المحرم لم يفتد لأنه قد يكثر الطيب في المأكول ويمس النار فيظهر فيه ريحه وطعمه ويقل ولا تمسه نار فلا يظهر فيه طعمه ولا لونه وإنما الفدية وتركها من قبل الريح والطعم وليس للون معنى لأن اللون ليس بطيب وإن حشا المحرم في جرح له طيبا افتدى والأدهان دهنان ، دهن طيب فذلك يفتدي صاحبه إذا دهن به من جسده شيئا قل أو كثر وذلك مثل البان المنشوش بالطيب والزنبق وماء الورد وغيره ( قال ) ودهن ليس بطيب مثل سليخة البان غير المنشوش والشبرق والزيت والسمن والزبد ، فذلك إن دهن به أي جسده شاء غير رأسه ولحيته أو أكله أو شربه فلا فدية عليه فيه ، وإن دهن به رأسه أو لحيته افتدى ، لأنهما في موضع الدهن وهما يرجلان ويذهب شعثهما بالدهن فأي دهن أذهب شعثهما ورجلهما ، بقى فيهما طيبا أو لم يبق ، فعلى المدهن به فدية ، ولو دهن رأسه بعسل أو لبن لم يفتد لأنه لا طيب ولا دهن إنما هو يقذر لا يرجل ولا يهنئ الرأس ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال يدهن المحرم قدميه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء ، أنه سأله عن المحرم يتشقق رأسه أيدهن الشقاق منه بسمن ؟ قال : لا ، ولا بودك غير السمن ، إلا أن يفتدي ، فقلت له : إنه ليس بطيب ، قال : ولكنه يرجل رأسه ، قال : فقلت له : فإنه يدهن قدمه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا فقال : إن القدم ليست كالشعر إن الشعر يرجل قال عطاء : واللحية في ذلك مثل الرأس .
باب لبس المحرم وطيبه جاهلا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال { : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة يعني جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله : إني أحرمت بالعمرة وهذه علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجك ؟ قال كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل هذا الخلوق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها ( قال الشافعي ) والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء : أرأيت لو أن رجلا أهل من ميقاته وعليه جبة ثم سار أميالا ثم ذكرها فنزعها أعليه أن يعود إلى ميقاته فيحدث إحراما ؟ قال : لا ، حسبه الإحرام الأول .
( قال الشافعي ) وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى ، وقد أهل من ميقاته والجبة لا تمنعه أن يكون مهلا ، وبهذا كله نأخذ .
( قال الشافعي ) أحسب من نهى المحرم عن التطيب قبل الإحرام والإفاضة بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الأعرابي بغسل الخلوق عنه ونزع الجبة وهو محرم فذهب إلى أن النهي عن الطيب لأن الخلوق كان عنده طيبا وخفي عليهم ما [ ص: 167 ] روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو علموه فرأوه مختلفا فأخذوا بالنهي عن الطيب ، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي بغسل الخلوق عنه والله أعلم لأنه نهى أن يتزعفر الرجل ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إسماعيل الذي يعرف بابن علية قال أخبرني عبد العزيز بن صهيب عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل } ، فإن قال قائل : إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الجبة بغسل الخلوق يحتمل ما وصفت ويحتمل أن يكون إنما أمره بغسله لأنه طيب وليس للمحرم أن يبقي عليه الطيب ، وإن كان قبل الإحرام قيل له إن شاء الله تعالى فلو كان كما قلت كان منسوخا فإن قال وما نسخه ؟ قلنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي بالجعرانة والجعرانة في سنة ثمان وحديث عائشة أنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم لحله وحرمه في حجة الإسلام وهي سنة عشر .
فإن قال فقد نهى عنه عمر قلنا لعله نهى عنه على المعنى الذي وصفت إن شاء الله تعالى فإن قال أفلا تخاف غلط من روى عن عائشة ؟ قيل : هم أولى أن لا يغلطوا ممن روى عن ابن عمر عن عمر لأنه إنما روى هذا عن ابن عمر عن عمر رجل أو اثنان وروى هذا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة أو سبعة ، والعدد الكثير أولى أن لا يغلطوا من العدد القليل ، وكل عندنا لم يغلط إن شاء الله تعالى ولو جاز إذا خالف ما روي عن عمر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطيب أن يخاف غلط من روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يخاف غلط من روى هذا عن عمر ، وإذا كان ، علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب وأن عمر كره علما واحدا من جهة الخبر فلا يجوز لأحد أن يزعم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يترك بحال إلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا لقول غيره وقد خالف عمر سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وغيرهما وقد يترك من يكره الطيب للإحرام والإحلال لقول عمر أقاويل لعمر لقول الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل لعمر لا يخالفه فيها أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخالف عمر لرأي نفسه .
فإذا كان يصنع هذا في بعض قول عمر فكيف جاز أن يدع السنة التي فرض الله تعالى على الخلق اتباعها لقول من يفعل في قوله مثل هذا لعمري لئن جاز له أن يأخذ به فيدع السنة بخلافه فما لا سنة عليه فيه أضيق وأحرى أن لا يخرج من خلافه وهو يكثر خلافه فيما لا سنة فيه ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل بأن ينزع الجبة عنه ويغسل الصفرة ولم يأمره بالكفارة قلنا : من لبس ما ليس له لبسه قبل الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه ثم يثبت عليه أي مدة ما ثبت عليه بعد الإحرام أو ابتدأ لبسه بعد الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه أو مخطئا به وذلك أن يريد غيره فيلبسه نزع الجبة والقميص نزعا ولم يشقه ولا فدية عليه في لبسه وكذلك الطيب قياسا عليه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بغسله لما وصفنا من الصفرة وإن كان للطيب فهو أكثر أو مثله والصفر جامعة لأنها طيب وصفرة ، فإن قال قائل : كيف قلت هذا في الناسي والجاهل في اللبس والطيب ولم تقله فيمن جز شعره أو قتل صيدا ؟ قيل له إن شاء الله تعالى [ ص: 168 ] قلته خبرا وقياسا وأن في اللبس والطيب مخالفة حاله في جز الشعر وقتل الصيد ، فإن قال : فما فرق بين الطيب واللبس وقتل الصيد وجز الشعر وهو جاهل في ذلك كله ؟ قيل له الطيب واللبس شيء إذا أزاله عنه زال فكان إذا أزاله كحاله قبل أن يلبس ويتطيب لم يتلف شيئا حرم عليه أن يتلفه ولم يزل شيئا حرم عليه إزالته إنما أزال ما أمر بإزالته مما ليس له أن يثبت عليه وقاتل الصيد أتلف ما حرم عليه في وقته ذلك إتلافه وجاز الشعر والظفر أزال بقطعه ما هو ممنوع من إزالته في ذلك الوقت والإزالة لما ليس له إزالته إتلاف وفي الإتلاف لما نهي عن إتلافه عوض خطأ كان أو عمدا ، لما جعل الله في إتلاف النفس خطأ من الدية وليس ذلك غيره في الإتلاف كهو في الإتلاف ولكنه إذا فعله عالما بأنه لا يجوز له وذاكرا لإحرامه وغير مخطئ فعليه الفدية في قليل اللبس والطيب وكثيره على ما وصفت في الباب قبل هذا ولو فعله ناسيا أو جاهلا ثم علمه فتركه عليه ساعة وقد أمكنه إزالته عنه بنزع ثوب أو غسل طيب افتدى لأنه أثبت الثوب والطيب عليه بعد ذهاب العذر وإن لم يمكنه نزع الثوب لعلة مرض أو عطب في بدنه وانتظر من ينزعه فلم يقدر عليه فهذا عذر ومتى أمكنه نزعه نزعه وإلا افتدى إذا تركه بعد الإمكان ولا يفتدي إذا نزعه بعد الإمكان ولو لم يمكنه غسل الطيب وكان في جسده رأيت أن يمسحه بخرقة فإن لم يجد خرقة فبتراب إن أذهبه فإن لم يذهبه فبشجر أو حشيش ، فإن لم يقدر عليه أو قدر فلم يذهبه .
فهذا عذر ، ومتى أمكنه الماء غسله ولو وجد ماء قليلا إن غسله به لم يكفه لوضوئه غسله به وتيمم لأنه مأمور بغسله ولا رخصة له في تركه إذا قدر على غسله وهذا مرخص له في التيمم إذا لم يجد ماء ولو غسل الطيب غيره كان أحب إلي ، وإن غسله هو بيده لم يفتد من قبل أن عليه غسله وإن ماسه فإنما ماسه ليذهبه عنه لم يماسه ليتطيب به ولا يثبته ، وهكذا ما وجب عليه الخروج منه خرج منه كما يستطيع ، ولو دخل دار رجل بغير إذن لم يكن جائزا له وكان عليه الخروج منها ، ولم أزعم أنه يخرج بالخروج منها ، وإن كان يمشي فيما لم يؤذن له فيه لأن مشيه للخروج من الذنب لا للزيادة ، فيه فهكذا هذا الباب كله وقياسه .
باب الوقت الذي يجوز فيه الحج والعمرة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث } إلى قوله { في الحج } أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الرجل يهل بالحج قبل أشهر الحج ؟ فقال : لا ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لنافع أسمعت عن عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج ؟ فقال : نعم ، كان يسمي شوالا وذا القعدة وذا الحجة قلت لنافع : فإن أهل إنسان بالحج قبلهن ؟ قال : لم أسمع منه في ذلك شيئا ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال طاوس هي شوال وذو القعدة وذو الحجة ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنه قال لعطاء : أرأيت لو أن رجلا جاء مهلا بالحج في شهر رمضان كيف كنت قائلا له ؟ قال [ ص: 169 ] أقول له : اجعلها عمرة ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرنا عمر بن عطاء عن عكرمة أنه قال : لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله عز وجل { الحج أشهر معلومات } ولا ينبغي لأحد أن يلبي بحج ثم يقيم
باب هل يسمي الحج أو العمرة عند الإهلال أو تكفي النية منهما ؟
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فيما حكينا من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن نية الملبي كافية له من أن يظهر ما يحرم به كما تكون نية المصلي مكتوبة أو نافلة أو نذرا كافية له من إظهار ما ينوي منها بأي إحرام نوى ، ونية الصائم كذلك ، وكذلك لو حج أو اعتمر عن غيره كفته نيته من أن يسمي أن حجه هذا عن غيره ( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعيد بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله قال { ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجا قط ولا عمرة } .
( قال الشافعي ) ولو سمى المحرم ذلك لم أكرهه إلا أنه لو كان سنة سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من بعده ، ولو لبى المحرم فقال : لبيك بحجة وعمرة وهو يريد حجة كان مفردا ولو أراد عمرة كان معتمرا ولو سمى عمرة وهو يريد حجا كان حجا ولو سمى عمرة وهو يريد قرانا كان قرانا إنما يصير أمره إلى النية إذا أظهر التلبية معها ولا يلزمه إذا لم يكن له نية أن يكون عليه أكثر من لفظه ، وذلك أن هذا عمل لله خالصا لا شيء لأحد من الآدميين غيره فيه فيؤخذ فيه بما ظهر من قوله دون نيته ، ولو لبى رجل لا يريد حجا ولا عمرة لم يكن حاجا ولا معتمرا كما لو كبر لا يريد صلاة لم يكن داخلا في الصلاة ولو أكل سحرا لا يريد صوما لم يكن داخلا في الصوم وكذلك لو لم يأكل يوما كاملا ولا ينوي صوما لم يكن صائما ، وروي أن عبد الله بن مسعود لقي ركبا بالساحل محرمين فلبوا فلبى ابن مسعود وهو داخل إلى الكوفة والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل ، لا يضيق على أحد أن يقول ، ولا يوجب على أحد أن يدخل في إحرام إذا لم ينوه .
باب كيف التلبية ؟
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } قال نافع كان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل .
( قال الشافعي ) أخبرنا بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } وذكر الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك } ( قال الشافعي ) كما روى جابر وابن عمر { كانت أكثر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي أحب أن تكون تلبية المحرم لا يقصر عنها ولا يجاوزها } ، إلا أن يدخل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مثلها في المعنى لأنها تلبية والتلبية إجابة . فأبان أنه أجاب إله الحق بلبيك أولا وآخرا . أخبرنا [ ص: 170 ] سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها لبيك إن العيش عيش الآخرة قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة } .
( قال الشافعي ) وهذه تلبية كتلبيته التي رويت عنه وأخبر أن العيش عيش الآخرة لا عيش الدنيا ولا ما فيها ولا يضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية ولا يصل بها شيئا إلا ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعظم الله تعالى ويدعوه بعد قطع التلبية ، أخبرنا سعيد عن القاسم بن معن عن محمد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال سمع سعد بعض بني أخيه وهو يلبي يا ذا المعارج فقال : سعد المعارج ؟ إنه لذو المعارج ، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
باب رفع الصوت بالتلبية
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال } يريد أحدهما .
( قال الشافعي ) وبما أمر به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الرجال المحرمين وفيه دلالة على أن أصحابه هم الرجال دون النساء فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم فكأنا نكره قطع أصواتهم وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال فكان النساء مأمورات بالستر فإن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها وأستر لها ، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|