
11-12-2021, 03:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,346
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (84)
صــــــــــ 171 الى صـــــــــــ175
باب أين يستحب لزوم التلبية ؟
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع ، عند اضطمام الرفاق حتى تنضم وعند إشرافهم على الشيء وهبوطهم من بطون الأودية وعند هبوطهم من الشيء الذي يشرفون منه وعند الصلاة إذا فرغوا منها .
( قال الشافعي ) وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن جبريل عليه السلام أمره بأن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية وإذا كانت التلبية برا أمر الملبون برفع الصوت به فأولى المواضع أن يرفع الصوت به مجتمع الناس حيث كانوا من مساجد الجماعات والأسواق واضطمام الرفاق ، وأين كان اجتماعهم بما يجمع من ذلك [ ص: 171 ] من طاعتهم برفع الصوت ، وأن معنى رفع الصوت به كمعنى رفعه بالأذان الذي لا يسمعه شيء إلا شهد له به ، وإن في ذلك تنبيها للسامع له ، يحدث له الرغبة في العمل لله بنفسه ولسانه أو بعضها ، ويؤجر له المنبه له إليه .
باب الخلاف في رفع الصوت بالتلبية في المساجد
( قال الشافعي ) فإن قال قائل :
لا يرفع الملبي صوته بالتلبية في مساجد الجماعات إلا في مسجد مكة ومنى فهذا قول يخالف الحديث ثم لا يكون له معنى يجوز أن يذهب إليه أحد ، إذ حكي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية } ، فمتى كانت التلبية من الرجل فينبغي له أن يرفع صوته بها ولو جاز لأحد أن يقول يرفعها في حال دون حال جاز عليه أن يقول يرفعها حيث زعمت أنه يخفضها ويخفضها حيث زعمت أنه يرفعها ، وهذا لا يجوز عندنا لأحد ، وفي حديث ابن سابط عن السلف أنهم كانوا لا يدعون التلبية عند اضطمام الرفاق دليل على أنهم واظبوا عليها عند اجتماع الناس ، وإذا تحروا اجتماع الناس على الطريق كانت المساجد أولى أن يجهروا بذلك فيها أو في مثل معناها ؟ أرأيت الأذان أيترك رفع الصوت به في مسجد الجماعات ؟ فإن قيل : لا ، لأنه قد أمر برفع الصوت قيل وكذلك التلبية به أرأيت لو لم يعلم أحد من هؤلاء شيئا أكانت التلبية تعدو أن يرفع الصوت بها مع الجماعات فكل جماعة في ذلك سواء أو ينهى عنها في الجماعات لأن ذلك يشغل المصلي عن صلاته فهي في المسجد الحرام ومسجد منى أولى أن لا يرفع عليهم الصوت أو مثل غيرهم وإن كان ذلك كراهية رفع الصوت في المساجد أدبا وإعظاما لها ، فأولى المساجد أن يعظم ، المسجد الحرام ومسجد منى لأنه في الحرم .
باب التلبية في كل حال
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية } أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يلبي راكبا ونازلا ومضطجعا .
( قال الشافعي ) وبلغني عن محمد بن الحنفية أنه سئل أيلبي المحرم وهو جنب ؟ فقال : نعم .
( قال الشافعي ) والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل فيلبي المرء طاهرا وجنبا وغير متوضئ ، والمرأة حائضا وجنبا وطاهرا وفي كل حال ، وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة وعركت افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت } والتلبية مما يفعل الحاج .
باب ما يستحب من القول في أثر التلبية
( قال الشافعي ) استحب إذا سلم المصلي أن يلبي ثلاثا واستحب إذا فرغ من التلبية أن يتبعها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله جل ثناؤه رضاه والجنة والتعوذ من النار اتباعا ومعقولا أن الملبي وافد الله تعالى وأن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعي الله وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على [ ص: 172 ] النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ويتعوذ من النار فإن ذلك أعظم ما يسأل ويسأل بعدها ما أحب ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه برحمته من النار } ، أخبرنا إبراهيم بن محمد أن القاسم بن محمد كان يأمر إذا فرغ من التلبية أن يصلي على محمد النبي صلى الله عليه وسلم .
باب الاستثناء في الحج
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال أما تريدين الحج ؟ فقالت إني شاكية فقال لها حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني } أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة هل تستثني إذا حججت ؟ فقلت لها ماذا أقول ؟ فقالت : قل " اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرت فهو الحج وإن حبستني بحابس فهي عمرة " .
( قال الشافعي ) ولو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحجة فيه أن يكون المستثنى مخالفا غير المستثنى من محصر بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو خطأ عدد أو توان وكان إذا اشترط فحبس بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو ضعف عن البلوغ حل في الموضع الذي حبس فيه بلا هدي ولا كفارة غيره وانصرف إلى بلاده ولا قضاء عليه إلا أن يكون لم يحج حجة الإسلام فيحجها وكانت الحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بشرط إلا أن يكون على ما يأمر به وكان حديث عروة عن عائشة يوافقه في معنى أنها أمرت بالشرط وكان وجه أمرها بالشرط إن حبس عن الحج فهي عمرة أن يقول إن حبسني حابس عن الحج ووجدت سبيلا إلى الوصول إلى البيت فهي عمرة وكان موجودا في قولها أنه لا قضاء ولا كفارة عليه والله أعلم .
ومن لم يثبت حديث عروة لانقطاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم احتمل أن يحتج في حديث عائشة لأنها تقول : إن كان حج وإلا فهي عمرة ، وقال أستدل بأنها لم تره يحل إلا بالوصول إلى البيت ولو كانت إذا ابتدأت أن تأمره بشرط رأت له أن يحل بغير وصول إلى البيت أمرته به وذهب إلى أن الاشتراط وغيره سواء وذهب إلى أن على الحاج القضاء إذا حل بعمل عمرة كما روي عن عمر بن الخطاب ، والظاهر أنه يحتمل فيمن قال هذا أن يدخل عليه خلاف عائشة إذ أمره بالقضاء والجمع بين من اشترط ولم يشترط فلا يكون للشرط معنى وهذا مما أستخير الله تعالى فيه ، ولو جرد أحد خلاف عائشة ذهب إلى قول عمر فيمن فاته الحج يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويهدي ، وبعض أصحابنا يذهب إلى إبطال الشرط وليس يذهب في إبطاله إلى شيء عال أحفظه ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الاستثناء في الحج فأنكره ، ومن أبطل الاستثناء فعمل رجل به فحل من حج أو عمرة فأصاب النساء والطيب والصيد جعله [ ص: 173 ] مفسدا وجعل عليه الكفارة فيما أصاب وأن يعود حراما حتى يطوف بالبيت ثم يقضي حجا ، إن كان أحرم بحج أو عمرة ، إن كان أحرم بعمرة .
باب الإحصار بالعدو
( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله عز وجل { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } الآية .
( قال الشافعي ) فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحال المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده وسنذكر قصته وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدي محله وأمره ومن كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عز وجل { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } الآية وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر بعدو قضاء لأن الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره ( قال ) والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه وما تخلفوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تواطؤ أخبر أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية ، والحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل ، ومنه ما هو في الحرم ، فإنما نجر الهدي عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة فأنزل الله عز وجل { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } فبهذا كله نقول فنقول من أحصر بعدو حل حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديا .
وأقل ما يذبح شاة ، فإن اشترك سبعة في بدنة أو بقرة أجزأتهم أخرجوا معا ثمنها أو أحدهم ووهب لهم حصصهم منها قبل ذبحها فذبحوها ، فأما إن ذبحها ثم وهب لهم حصصهم منها فهي له ولا تجزيهم ولا قضاء على المحصر بعدو إذا خرج من إحرامه والحصر قائم عليه فإن خرج من إحرامه والعدو بحاله ثم زال العدو قبل أن ينصرف فكانوا على رجاء من الوصول إلى البيت بإذن العدو لهم أو زوالهم عن البيت أحببت أن لا يعجلوا بالإحلال ولو عجلوا به ولم ينتظروا جاز لهم إن شاء الله تعالى
ولو أقام المحصر متأنيا لأي وجه ما كان أو متوانيا في الإحلال فاحتاج إلى شيء مما عليه فيه الفدية ففعله افتدى لأن فدية الأذى نزلت في كعب بن عجرة وهو محصر ، فإن قال قائل ما قول الله عز وجل في الحديبية { حتى يبلغ الهدي محله } ؟ قيل والله أعلم .
أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر في الحل } فإن قال فقد قال الله عز وجل في البدن { ثم محلها إلى البيت العتيق } قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدي المحصر ؟ قيل : نعم ، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن { النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم } فإن قال فبأي شيء رددت ذلك وخبر عطاء وإن [ ص: 174 ] كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي ؟ قلت عطاء وغيره يذهبون إلى أن محل الهدي وغيره ممن خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدي الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر إلا في الحرم } ، فإن قال فهل من شيء يبين ما قلت ؟ قلت : نعم إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدي بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحرم فإن قال : وأين ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله } فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول { حتى يبلغ الهدي محله } قلت الله أعلم بمحله ها هنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما وصفت ومحله في غير الإحصار الحرم وهو كلام عربي واسع ، وخالفنا بعض الناس فقال : المحصر بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الإحرام .
وقال : عمرة النبي صلى الله عليه وسلم التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التي أحصر بها ، ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص ؟ فقيل لبعض من قال هذا القول : إن لسان العرب واسع فهي تقول : اقتضيت ما صنع بي واقتصصت ما صنع بي فبلغت ما منعت مما يجب لي وما لا يجب علي أن أبلغه وإن وجب لي ( قال الشافعي ) والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عز وجل اقتص لرسوله صلى الله عليه وسلم فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب عليه قال : أفتذكر في ذلك شيئا ؟ فقلت : نعم ، أخبرنا سفيان عن مجاهد .
( قال الشافعي ) فقال فهذا قول رجل لا يلزمني قوله ، قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا ، فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لي دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي ، فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا ، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة القضية فقال ما يقنعني هذا الجواب فادللني على الدلالة من القرآن قلت قال الله عز وجل { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قال فمن حجتي أن الله عز وجل قال قصاص والقصاص إنما يكون بواجب .
( قال الشافعي ) فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { والجروح قصاص } أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو ؟ قال : له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عز وجل { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فلو أن معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا أن نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد [ ص: 175 ] من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب
( قال الشافعي ) ومن أحصر في موضع كان له أن يرجع عن موضعه الذي أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان أو بعيدا إلا أني إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط ، غير أني أحب له إذا كان قريبا أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا .
ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الإتمام لأنه لم يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى ، وهذا قول من يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق ، ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الإحلال قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضي على وجهه ولو أحصر ومعه هدي قد ساقه متطوعا به أو واجبا عليه قبل الإحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية وقد أوجبه قبل أن يحصر ، وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدي أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدي لإحصاره سوى ما وجب قبل أن يحصر من هدي وجب عليه بكل حال
( قال الشافعي ) ولو وجب عليه هدي في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب الحصر كان أحب إلي ، لأنه شيء لم يجب عليه في فوره . وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعدما وجب عليه
( قال ) ولو أحصر ولا هدي معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل ، ولو وهب له أو ملكه بأي وجه ما كان فذبحه أجزأ عنه ، فإن كان موسرا لأن يشتري هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدي وقد أحصر ففيها قولان ، أحدهما لا يحل إلا بهدي ، والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على شيء خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه ، ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر ، فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر
( قال ) ويقال لا يجزئه إلا هدي ، ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام ، فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد الهدي ، وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان عليه .
وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم ، ثم الدراهم طعاما ، ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين ، أحدهما أن يحل قبل الصوم ، والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبههما بالقياس لأنه إذا أمر بالخروج من الإحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|