عرض مشاركة واحدة
  #85  
قديم 11-12-2021, 03:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (85)
صــــــــــ 176 الى صـــــــــــ180


وإذا أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذي أحصر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لأن لهم ترك القتال إلا في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر للمسلمين قتلاهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية ، وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف عنهم بكل حال بعد الإحلال من الإحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الإحصار بالمسلمين إحصار يحل به المحرم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أحصر بمشركين ؟ قيل له إن شاء الله تعالى ذكر [ ص: 176 ] الله الإحصار بالعدو مطلقا لم يخصص فيه إحصارا بكافر دون مسلم وكان المعنى للذي في الشرك الحاضر الذي أحل به المحصر الخروج من الإحرام خوفا أن ينال العدو من المحرم ما ينال عدوه فكان معقولا في نص السنة أن من كان بهذه الحال كان للمحرم عذر بأن يخرج من إحرامه به ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا فقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) يعني أحللنا كما أحللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية .

وقول ابن عمر هذا في مثل المعنى الذي وصفت لأنه إنما كان بمكة ابن الزبير وأهل الشام فرأى أنهم إن منعوه أو خافهم إن لم يمنعوه أن ينال في غمار الناس فهو في حال من أحصر فكان له أن يحل وإن أحصر بمشركين أو غيرهم فأعطوهم الأمان على أن يأذنوا لهم في أن يحلوا لم يكن لهم الرجوع وكانوا كغير محصرين إلا أن يكونوا ممن لا يوثق بأمانه ويعرف غدرهم فيكون لهم الانصراف إذا كانوا هكذا بعد الإحلال ، ولو كانوا ممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جعل قليل أو كثير ، لم أر أن يعطوهم شيئا لأن لهم عذرا في الإحصار يحل لهم به الخروج من الإحرام وإني أكره أن ينال مشرك من مسلم أخذ شيء لأن المشركين المأخوذ منهم الصغار ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبوا المشركين من أموالهم ومباح للمحصر قتال من منعه من البيت من المشركين ومباح له الانصراف عنهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل الأمرين فقاتلهم وانصرف عنهم ولو قاتلهم المحصر فقتل وجرح وأصاب دواب إنسية فقتلها لم يكن عليه في ذلك غرم ولو قاتلهم فأصاب لهم صيدا يملكونه جزاه بمثله ولم يضمن لهم شيئا ، ولو كان الصيد لمن هو بين ظهرانيهم من المسلمين ممن لا يقاتلهم فأصابه جزاه بمثله وضمنه للمسلمين لأن مكة ليست بدار حرب فيباح ما فيها .

ولو كان الوحش لغير مالك جزاه المحرم بمثله إن شاء مكانه لأن الله جعل فدية الرأس في مكانه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها كعبا وجعل الهدي في مكانه ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ساق من الهدي تطوعا في مكانه فيكون حال الإحصار غير حال الوصول ولو كرهت أن يوصله إلى البيت لم أكره ذلك إلا لأن يحدث عليه حدث فلا يقضى عنه
ولو أحصر قوم بعدو فأرادوا الإحلال ثم قاتلوهم لم أر بذلك بأسا ولو أحصر قوم بعدو غير مقيمين بمكة أو في الموضع الذي أحصروا فيه فكان المحرم يؤمل انصرافهم ويأمنهم في مكانه لم أر أن ينصرف أياما ثلاثا ولو زاد كان أحب إلي ، ولو انصرف بعد إحلاله ولم يتم ثلاثا جاز له ذلك لأن معنى انصراف العدو مغيب وقد يريدون الانصراف ثم لا ينصرفون ولا يريدونه ثم ينصرفون وإنما كان مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية مراسلة المشركين ومهادنتهم ، ولو أحصر قوم بعدو دون مكة وكان للحاج طريق على غير العدو رأيت أن يسلكوا تلك الطريق إن كانوا يأمنون بها ولم يكن لهم رخصة في الإحلال وهم يأمنون فيها أن يصلوا إلى البيت ويقدروا فإن كانت طريقهم التي يأمنون فيها بحرا لا برا ، لم يلزمهم ركوب البحر لأنه مخوف تلف ولو فعلوا كان أحب إلي وإن كان طريقهم برا وكانوا غير قادرين عليه في أموالهم وأبدانهم كان لهم أن يحلوا إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى البيت محصرين بعدو فإن كان طريقهم برا يبعد وكانوا قادرين على الوصول إلى البيت بالأموال والأبدان وكان الحج يفوتهم وهم محرمون لم يكن لهم أن يحلوا [ ص: 177 ] حتى يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة ، لأن أول الإحلال من الحج الطواف ، والقول في أن عليهم الإعادة وأنها ليست عليهم واحد من قولين ، أحدهما أنه لا إعادة للحج عليهم لأنهم ممنوعون منه بعدو وقد جاءوا بما عليهم مما قدروا من الطواف ، ومن قال هذا قال وعليهم هدي لفوت الحج وهو الصحيح في القياس ، والقول الثاني أن عليهم حجا وهديا وهم كمن فاته الحج ممن أحصر بغير عدو إذا صاروا إلى الوصول إلى البيت ولهذا وجه ولو وصلوا إلى مكة وأحصروا فمنعوا عرفة حلوا بطواف وسعي وحلاق وذبح وكان القول في هذا كالقول في المسألة قبلها وسواء المكي المحصر ، إن أقبل من أفق محرما وغير المكي يجب على كل ما يجب على كل .
وإن أحصر المكي بمكة عن عرفة فهو كالغريب يحصر بمكة عن عرفة يذبحان ويطوفان ويسعيان ويحلان ، والقول في قضائهما كالقول في المسألتين قبل مسألتهما ولا يخرج واحد منهما من مكة إذا كان أهلا له بالحج ولو أهلا من مكة فلم يطوفا حتى أخرجا منها أو أحصرا في ناحيتهما ومنعا الطواف كانا كمن أحصر خارجا منها في القياس ، ولو تربصا لعلهما يصلان إلى الطواف كان احتياطا حسنا ولو أحصر حاج بعد عرفة بمزدلفة أو بمنى أو بمكة فمنع عمل مزدلفة ومنى والطواف كان له أن يذبح ويحلق أو يقصر ويحل إذا كان له الخروج من الإحرام كله كان له الخروج من بعضه فإن كانت حجة الإسلام فحل إلا النساء قضى حجة الإسلام وإن كانت غير حجة الإسلام فلا قضاء عليه لأنه محصر بعدو ولو أراد أن يمسك عن الإحلال حتى يصل إلى البيت فيطوف به ويهريق دما لترك مزدلفة ، ودما لترك الجمار ودما لترك البيتوتة بمنى ليالي منى أجزأ ذلك عنه من حجة الإسلام متى طاف بالبيت وإن بعد ذلك ، لأنه لو فعل هذا كله بعد إحصار ثم أهراق له دما أجزأ عنه من حجة الإسلام وكذلك لو أصاب صيدا فداه ، وإنما يفسد عليه أن يجزي عنه من حجة الإسلام النساء فقط ، لأن الذي يفسد الحج دون غيره مما فعل فيه ، والمحصر بعدو ، والمحبوس أي حبس ما كان نأمره بالخروج منه ، فإن كانوا مهلين بالحج فأصابوا النساء قبل يحلون فهم مفسدون للحج وعليهم معا بدنة وحج بعد الحج الذي أفسدوه ، وإذا أصابوا ما فيه الفدية كانت عليهم الفدية ما لم يحلوا فإذا حلوا فهم كمن لم يحرم .
باب الإحصار بغير حبس العدو

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) ولو أن رجلا أهل بالحج فحبسه سلطان فإن كان لحبسه غاية يرى أنه يدرك معها الحج وكانت طريقه آمنة بمكة لم يحلل فإن أرسل مضى وإن كان حبسه مغيبا عنه لا تدرى غايته أو كانت له غاية لا يدرك معها الحج إذا أرسل أو لا يمكنه المضي إلى بلده فله أن يحل كما يحل المحصر والقياس في هذا كله أنه محصر كحصر العدو ومثله المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها ومثلها العبيد يهلون فيمنعهم سادتهم
( قال الشافعي ) في الرجل يهل بالحج غير الفريضة فيمنعه والداه أو أحدهما : أرى واسعا له أن يحل محل المحصر .

( قال الشافعي ) وهذا إذا كانت حجة تطوع ، فأما الفريضة إذا أهل بها مضى فيها ولم يكن لواحد من والديه منعه بعد ما لزمته وأهل بها ، فإن قال قائل أرأيت العدو إذا كان مانعا مخوفا فأذنت للمحرم أن يحل بمنعه أفتجد أبا الرجل وأمه وسيد العبد وزوج المرأة في معناه ؟ قيل له : نعم ، هم في معناه أنهم مانعون وفي أكثر من معناه في أن لهم المنع وليس [ ص: 178 ] للعدو المنع ومخالفون له في أنهم غير مخوفين خوفه فإن قال : كيف جمعت بينهم وهم مفترقون في معنى وإن اجتمعوا في معنى غيره ؟ قلت اجتمعوا في معنى وارد هؤلاء أن لهم المنع وحفظت عن غير واحد أن المرأة إذا أهلت بالحج غير حجة الفريضة كان لزوجها منعها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل لامرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه } فكان هذا على التطوع دون الفريضة وكانت إذا لم يحل لها الصوم إلا بإذنه فكان له أن يفطرها وإن صامت لأنه لم يكن لها الصوم وكان هكذا الحج وكان سيد العبد أقدر عليه من زوج المرأة على المرأة ، وكان حق أحد والدي الرجل أعظم عليه من حق الزوج على المرأة وطاعتهما أوجب ، فبهذا قلت ما وصفت .
باب الإحصار بالمرض

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } .

( قال الشافعي ) فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت من أهل العلم بالتفسير في أنها نزلت بالحديبية وذلك إحصار عدو فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدي ، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يحل منه المحرم الإحصار بالعدو فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى الله ثم سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدو وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو ( قال الشافعي ) قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو ، لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو كأنه يريد مثل المعنى الذي وصفت والله أعلم ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه قال المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، فإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى .

( قال الشافعي ) يعني المحصر بالمرض والله أعلم ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدي ، أخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال : خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة ، أخبرنا إسماعيل ابن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذي أقام به الدثنة وحدث شبيها بمعنى حديث مالك ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول : المحرم لا يحله إلا البيت .

( قال الشافعي ) وسواء في هذا كله أي مرض ما كان ، وسواء ذهب عقله فيما لم يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوي به دووي وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء ، فإن قال قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدي عنه والقلم مرفوع عنه في حال تلك ؟ قيل له إن شاء الله إنما [ ص: 179 ] يداويه من يعقل والفدية لازمة بأن فاعلها يعقل وهي على المداوي له في ماله إن شاء ذلك المداوي لأنها جناية من المداوي على المداوى وإن غلب المحرم على عقله فأصاب صيدا ففيها قولان أحدهما أن عليه جزاءه من قبل أنه يلزم المحرم بإصابة الصيد جزاء لمساكين الحرم كما يلزمه لو قتله لرجل والقاتل مغلوب على عقله ولو أتلف لرجل مالا لزمته قيمته ويحتمل حلقه شعره هذا المعنى في الوجهين جميعا .

والقول الثاني لا شيء عليه من قبل أن القلم مرفوع عنه ، وأصل الصيد ليس بمحرم وكذلك حلق الشعر وإنما جعل هذا عقوبة على من أتاه تعبدا لله والمغلوب على عقله غير متعبد في حال غلبته وليس كأموال الناس الممنوعة بكل حال كالمباح إلا في حال ( قال ) ولو أصاب امرأته احتمل المعنيين وكان أخف لأنه ليس في إصابته لامرأته إتلاف لشيء فأما طيبه ولبسه فلا شيء عليه فيه من قبل أنا نضعه عن الجاهل العاقل والناسي العاقل وهذا أولى أن يوضع عنه وذلك أنه ليس في واحد منهما إتلاف لشيء وقد يحتمل الجماع من المغلوب العقل أن يقاس على هذا لأنه ليس بإتلاف شيء فإن قال قائل أفرأيت إذا غلب على عقله كيف لم تزعم أنه خارج من الإحرام كما أنه خارج من الصلاة ؟ قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والحج ، فإن قال قائل فأين اختلافهما ؟ قيل يحتاج المصلي إلى أن يكون طاهرا في صلاته عاقلا لها ويحتاج إلى أن يكون عاقلا لها كلها لأن كلها عمل لا يجزيه غيره والحاج يجوز له كثير من عمل الحج وهو جنب وتعمله الحائض كله إلا الطواف بالبيت فإن قال قائل : فما أقل ما يجزي الحاج أن يكون فيه عاقلا ؟ قيل له عمل الحج على ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة وهو يعقل فإذا جمع هذه الخصال وذهب عقله فما بينها فعمل عنه أجزأ عنه حجه إن شاء الله وهذا مكتوب في دخول عرفة
( قال الشافعي ) في مكي أهل بالحج من مكة أو غريب دخلها محرما فحل ثم أقام بها حتى أنشأ الحج منها فمنعهما مرض حتى فاتهما الحج يطوفان بالبيت وبين الصفا والمروة ويحلقان أو يقصران فإذا كان قابل حجا وأجزأ كل واحد منهما أن يخرج من الحرم إلى الحل لأنهما لم يكونا معتمرين قط إنما يخرجان بأقل ما يخرج به من عمل الحج إذا لم يكن لهما أن يعملا بعرفة ومنى ومزدلفة وذلك طواف وسعي وأخذ من شعره ، فإن قال قائل فكيف بما روي عن عمر من هذا ؟ قيل له على معنى ما قلت إن شاء الله وذلك أنه قال لسائله : اعمل ما يعمل المعتمر ولم يقل له : إنك معتمر وقال له احجج قابلا وأهد ولو انقلب إحرامه عمرة لم يكن عليه حج وكان مدركا للعمرة وفي أمره وأمرنا إياه بحج قابل دلالة على أن إحرامه حج وأنه لا ينقلب عمرة ، ولو انقلب عمرة لم يجز أن تأمره بحج قابل قضاء وكيف يقضي ما قد انقلب عنه ؟ ولكن آمره بالقضاء لأنه فائت له وقد جاء من فاته الحج فسأل عمر وهو ينحر ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد دخل الحرم قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فلو كان حجه صار عمرة حين طلع الفجر من ليلة النحر وكان الحج فائتا لأمره عمر أن يخرج بنفسه إلى الحل فيلبي منه ولكنه كما وصفت إن شاء الله لا كقول من قال صار عمرة وإنما قول من قال صار عمرة بغلط إلى قوله يعني صار عمله عمرة وسقط بعض عمل الحج إذا فاتت عرفة ولو كان صار عمرة أجزأ عنه من عمرة [ ص: 180 ] الإسلام وعمرة لو نذرها فنواها عند فوت الحج له وهو لا يجزي من واحد منهما
ومن أحرم بحج فحبس عن الحج بمرض أو ذهاب عقل أو شغل أو توان أو خطأ عدد ثم أفاق من المرض في حين يقدر على إتيان البيت لم يحلل من شيء من إحرامه حتى يصل إلى البيت فإن أدرك الحج عامه الذي أحرم فيه لم يحلل إلى يوم النحر وإن فاته حج عامه الذي أحرم فيه حل إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو قصر ، فإن كان إهلاله بحج فأدركه فلا شيء عليه ، وإن كان إهلاله بحج ففاته خرج منه بعمل عمرة وعليه حج قابل أو بعد ذلك وما استيسر من الهدي ، وإن كان قارنا فأدرك الحج فقد أدركه والعمرة فإن فاته الحج حج بالطواف والسعي والحلق أو التقصير وكان عليه أن يهل بحج وعمرة مقرونين لا يزيد على ذلك شيئا كما إذا فاته صلاة أو صوم أو عمرة أمرناه أن يقضي ذلك بمثله لا يزيد على قضائه شيئا غيره وإذا فاته الحج فجاء بعد عرفة لم يقم بمنى ولم يعمل من عمل الحج شيئا وقد خرج من عمل الحج مفردا كان أو قارنا بعمل عمرة من طواف وسعي وحلق أو تقصير وحج قابل أحب إلي ، فإن أخر ذلك فأداه بعد أجزأ عنه كما يؤخر حجة الإسلام بعد بلوغه أعواما فيؤديها عنه متى أداها وإن اضطر قبل الإحلال إلى شيء مما عليه فيه فدية إذا كان محرما أو أصابه فعليه فدية وكان إذا لم يصل إلى البيت كامل الإحرام قبل فوت الحج وبعده يجب عليه الفدية فيما فيه فدية والفساد فيما فيه فساد لا يختلف ذلك لأن الإحرام قائم عليه ولو كان ممن يذهب إلى أن المريض يحل بهدي يبعث به فبعث بهدي ونحر أو ذبح عنه وحل كان كمن حل ولم يبعث بهدي ولم ينحر ولم يذبح عنه حراما بحاله ، ولو رجع إلى بلده رجع حراما بحاله ولو صح وقد بعث بهدي فمضى إلى البيت من فوره ذلك وقد ذبح الهدي لم يجز ذلك الهدي عنه من شيء وجب عليه في إحرامه فدية حج ولا عمرة لأنه ذبحه عما لا يلزمه .

ولو أدرك الهدي قبل أن يذبح فحبسه كان ذلك له ما لم يتكلم بإيجابه ولو أدرك الهدي قبل أن ينحر أو يذبح وقد أوجبه بكلام يوجبه ، كان واجبا أن يذبح وكان كالمسألة الأولى وكان كمن أوجبه تطوعا وكان كمن أعتق عن شيء لم يلزمه فيه العتق فالعتق ماض تطوعا ، ولو لم يوجب الهدي بكلام وبعث به فأدركه قبل أن يذبح كان مالا من ماله ولو لم يوجبه بكلام وقلده وأشعره وبعث به فأدركه قبل أن يذبح فمن قال نيته في هديه وتجليله وتقليده وإعلامه أي علامات الحج أعلمه يوجبه عليه كان كالكلام به ومن قال هذا القول أشبه أن يفرق بين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الله تعالى وبين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الآدميين فلم يوجب عليه للآدميين إلا ما تكلم به ولم يلزمه فيما بينه وبينهم إلا ما تكلم به مما يكون فيه الكلام وقال فيما بينه وبين الله عز وجل تجزيه النية والعمل كما تجزيه في الصلاة والصوم والحج ولم يتكلم بفرض صلاة مكتوبة ولا صوم ولا حج إلا أنه نواه وعمله ، والمكي يهل بالحج من مكة أو الحل من ميقات أو غير ميقات ثم يمرض أو يغلب على عقله أو يفوته الحج بأي وجه ما كان مثل الغريب لا يزايله يحل بطواف وسعي وحلق أو تقصير ، ويكون عليه حج بعد حجه الذي فاته وأن يهدي ما استيسر من الهدي شاة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]