عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-12-2021, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,604
الدولة : Egypt
افتراضي الحمد لله رب العالمين

الحمد لله رب العالمين
وضاح سيف الجبزي




الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد، فقال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].


إلهي، تَمَّ نُورُك فَهدَيْتَ فَلَكَ الْحَمْد، عَظُمَ حِلْمُك فَعَفَرتَ فَلَكَ الْحَمْد، بَسَطْت يَدَك فَأَعْطَيْت فَلَكَ الْحَمْد رَبَّنَا، وَجْهُك أَكْرَمُ الْوُجُوه، وَجَاهُك أعظمُ الْجَاه، وَعَطِيَّتُك أَفْضَلُ الْعَطِيَّةِ وَأَهْنَاهَا، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتَشْكُر، وَتُعْصَى فَتَغْفِر، وتُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَتَقْبَلُ التَّوْبَةَ، ولاَ يَجْزِي بآلائِكَ أَحَدٌ، ولا يَبْلُغُ مِدْحَتَكَ قَوْلُ قَائِلٍ.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تعنُو لها القلوبُ خضوعًا وامتِثالًا، سبحانه تقدَّس ذاتًا وصفاتٍ وجمالًا، وعزَّ عظمةً وعلوًّا وجلالًا، وتعالى مجدًا ورفعةً وكمالًا، سبحانه برَى الخلائقَ فلا نقصَ يعرُوها ولا اعتِلالًا.



وأزكى صلواتِ الله وتسليماتِه على معلِّم الناسِ الخير، وهادي البشريةِ إلى الرشد، وقائد الخلق إلى الحق، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراطِ العزيز الحميد، سيدِنا وإمامِنا وحبيبِنا وأسوتنا وقائدِ ركبِنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون، ورضي الله عمن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين.

وبعد، أيها المسلمون: إنّ نعم الله علينا عظيمة، وآلاءه جسيمة، وفضله لا حد له، وكرمه لا ند له، وعطاؤه لا مثيل له؛ الإسلام نعمة، والإيمان نعمة، والتوحيد نعمة، والعبادة نعمة، والقرآن نعمة، والعقل والفكر نعمة، والخلق في أحسن تقويم نعمة، والسمع والبصر واللسان والجنان نعمة، والأهل والأبناء والمسكن والمطعم والمشرب والملبس والصحة والعافية نعمة، والأمن والسلامة نعمة.. وحاصل الأمر: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34].

عباد الله، كان العرب إذا نال أحدهم شربة لبن ممذوق بالماء، وخمس تميرات صغار، ظن نفسه ملكًا. قال الشاعر:
إِذَا مَا أَصَبْنَا كُلَّ يَوْمٍ مُذَيْقَةً
وَخَمْسَ تُمَيْرَاتٍ صِغَارِ كَوَانِزِ



فالحمدُ لله على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أبلغُ ما يكونُ الحمدُ وأشملُه، وأجملُ ما يكونُ وأجزلُه، وأزكى ما يكونُ وأكمَلُهُ.. وأتمُّهُ وأعمُّه، حمدًا لا انقطاع لراتبه ولا إقلاع لسحائبه، حمدًا يكون لإنعامه مجازيًا ولإحسانه موازيًا، وإن كانت آلاؤه لا تجازى، ولا توازى، ولا تبارى، ولا تجارى، حمدًا يتردد أنفاس الصدور، ويتكرر تكرر لحظات العيون، حمدًا يستنزل الرحمة ويستكشف الغمة، حمدًا يبلغ الحق ويقتصيه، ويمتري المزيد ويقتضيه، حمدًا يؤنس وحشي النعم من الزوال، ويحرسها من التغير والانتقال.
له الحمدُ كلُّ الحمدِ لا مُبتدا لهُ
ولا مُنتهى واللهُ بالحمدِ أجدرُ


عباد الله، إن حمدَ الله يعني: الثناء على الله تعالى لصفات كماله، ونعوت جلاله، وآيات جماله، والثناء عليه لإحسانه لعبده، وجميل فعاله به، مع حبه وتعظيمه تبارك وتعالى.


وقد قيل: الْحَمْدُ بِاللِّسَانِ قَوْلًا. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [الإسراء:111]، وَالشُّكْرُ بِالأَرْكَانِ فِعْلًا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: 13][1].

وَقِيلَ: لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ عَجْزَ عِبَادِهِ عَنْ حَمْدِهِ، حَمِدَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فِي الْأَزَلِ، فَاسْتِفْرَاغُ طَوْقِ عِبَادِهِ هُوَ مَحَلُّ الْعَجْزِ عِنْ حَمْدِهِ. أَلَا تَرَى سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ كَيْفَ أَظْهَرَ الْعَجْزَ بِقَوْلِهِ: «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ»[2]. وَأَنْشَدُوا:
إِذَا نَحْنُ أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِصَالِحٍ
فَأَنْتَ كَمَا نُثْنِي وَفَوْقَ الَّذِي نُثْنِي[3]


عباد الله: الله تعالى حميدٌ مجيد، وهو المحمود على كل حال، وكتابه بدأ بالحمد، وكلمة التوحيد تقرن بالحمد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهذه الكلمة -﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ﴾-: جمعت ما تضيق عنه المجلدات، واتفق دون عدِّه عقول الخلائق، ويكفي أن الله جعلها أول كتابه وآخر دعاء أهل الجنة.
فالحمدُ كلُّ الحمدِ للخلّاق
رب العباد وقاسم الأرزاقِ



عباد الله، إن فاتحة الكتاب تعلمنا أن الحمد لا يمكن أن يكون إلا لله وحده؛ ذلك: أن استيجاب الحمد والتعظيم إنما يكون لأحد أربعة وجوه؛ أحدها كماله في ذاته وصفاته، وثانيها إحسانه وإنعامه، وثالثها رجاء تواصل هذا الإحسان في المستقبل، ورابعها الخوف من قهره وسطوته.. فكأنه تعالى يقول: إن كنتم ممن يعظمون الكمال الذاتي فإنني إله العالمين، وهو المراد من قوله: «الْحَمْدُ لِلَّهِ»، وإن كنتم تعظِّمون للإحسان فأنا «رَبُّ الْعَالَمِينَ»، وإن كنتم تعظِّمون للطَّمع في المستقبل فأنا «الرَّحْمَنُ الرَّحِيم»، وإن كنتم تعظمون للخوف فأنا «مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ».


فالْحَمْدُ لِلَّهِرَبّ الْعَالَمِينَ.. الحمدُ لله على آلائه التي تملأ الآفاق، وعلى نعمه التي تطوق القلوب والأعناق..
نعمٍ توالى لو نقوم بحقِّها
لله بتنا راكعين وسُجَّدا


عباد الله، أول سورة في ترتيب المصحف الشريف مبدوءة بالحمد، وبها افتتحت خمس سور من القرآن، واختمت بها خمس سُوَرٍ كذلك، تكرَّرَت هذه الآية بلفظها في ستة مواضع، وتكرَّرَت كلمة الحمدُ لله في ثلاثةٍ وعشرين موضعًا.


والْحَمْدُ هو أول الكلام ونهايته، وأول الخلق وخاتمته، وقد حمد الله تعالى ذاته العليا في أول الخلق فقال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾[الأنعام: 1].


واختتمه بالحمد فقال: ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الزمر: 75].


وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق بكماله وجلاله، وعلى تنزهه عن الشريك والنظير -سبحانه- وتنزّهه عن النقائص والعيوب فقال: ﴿ وَقُلِ الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾[الإسراء: 111].


وحمد نفسه على نعمة التوحيد وإخلاص العبادة له وحده: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ﴾[غافر: 65].


وحمد نفسه على علوّه وكبريائه كما قال -جلّ جلالُه-: ﴿ فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ * وَلَهُ الكِبْرِيَآءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾[الجاثية: 36- 37].
وهُو الحَمِيدُ فَكُلُّ حَمْدٍ واقِعٌ
أوْ كان مَفْرُوضًا مَدَى الأَزْمانِ

واللهُ يحمد في كل زمان، وفي كل مكان، وقد حمد نفسه في الأولى والآخرة، وأخبر عن سريان حمده في العالم العلوي والسفلي: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾[القصص: 70]، ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾[الروم: 18]، ﴿ الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ [سبأ: 1].


كما حمد نفسه على نعمة الخلق والإيجاد، قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1].


وحمد نفسه على نعمة الهدى والرشاد؛ ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[النمل: 93].


والمهتدون، المتبعون طرق الهدى، وسبل الرشاد، يقرون بذلك قائلين: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].


كما حمد نفسه على نعمة الإمداد.. إمداده عباده بالنعم الحسية، قال تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الفاتحة: 2]، فالرب هو المربي لعباده، المصلحُ لشؤونهم بنعمه.


ومن نعمة إمداده: إمداده عباده بالنعم المعنوية التي تصلح أرواحهم، وتهديهم إلى الصراط المستقيم، وذلك بنور الوحي المبين، قال -جلَّ جلالُه-:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾[الكهف: 1].


إذن: فهو سبحانه يحمد على نعمة الْإِيجَاد والإرشاد وَالْإِمْدَاد.


وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَلِمَةُ كُلِّ شَاكِرٍ[4]: قال نوحٌ - عليه السلام: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 28].


وقال إبراهيمُ -عليه السلام-: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾[إبراهيم: 39].


وقال داودُ وسليمانُ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[النمل: 15].


وقالها سبحانه لسيدِ المرسلين محمد بن عبدالله -صلوات ربي وسلامه عليه-: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، وقال له: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[النمل: 59].


وقال عن ملائكته، وحملة عرشه: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الشورى: 5]، ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [غافر: 7].

وقال عنهم أيضًا: ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75].


وأَهْلُ الْجَنَّةِ يحمدونه قائلين: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾[فاطر: 34].


فيحمدونه على نعمة تحقق وعده لهم بدخول الجنة والنجاةِ من النار، فهم يترنمون قائلين: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾[الزمر: 74].


كما أن الحمدَ يكونُ آخرَ دعائهم؛ شكرًا لمولاهم على ما تفضل وأجزل: ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 9-10].


حتى يصير التحميد كالنَّفَس، كما قال صلى الله عليه وسلم: «يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ»[5].


فسبحان المُتَّصِفِ بِجَمِيعِ نُعُوتِ الْجَلَالِ وَصِفَاتِ الْكَمَال، الْمُنَزَّه عَنِ النَّقَائِصِ وَالْمُحَالِ، الْمُتَعَالِي عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى وَالْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.
لك الحمدُ، إني كلما جار مقصدي
وحُلَّتْ عُرَى نفسي وضلَّ ضلالُها


عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَدَحْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِمَحَامِدَ، قَالَ: «أَمَا إِنَّ رَبَّكَ يُحِبُّ الْحَمْدَ»[6].


وتعالوا بنا لنستمع إلى جملةٍ من كلِمه الطيب، وعبيره الفواح، وهو يشحذ هممنا إلى الاستكثار من حمد الملك الديان جل جلاله، يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ»[7]. ويقول: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ، وَالضَّرَّاءِ»[8].


«إِنَّ الْمُؤْمِنَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»[9].


عبد الله، ما أوسع السماء! وما أعظم الميزان! يقول صلى الله عليه وسلم: «والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ»[10].


ولأنها تملأ الميزان، فاسمع كيف يرشدنا حبيبنا وقرة أعيننا صلى الله عليه وسلم، وكيف يلفت انتباهنا إلى أهمية هذه الكلمة؟!


يقول صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ»، قُلْنَا: مِنْ عَدُوًّ حَضَرَ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنَّهُنَّ مُقَدَّمَاتٌ وَمُؤَخَّرَاتٌ وَمُنَجِّيَاتٌ وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ»[11].


يقول صلى الله عليه وسلم «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ»[12].


ويقول صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا»[13].


إن الحمدَ سببٌ لرضا الرب عن العبد «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»[14]. فاللهم ارض عنا وارزقنا حمدك وشكرك.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]