شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجمعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (142)
صـــــ(1) إلى صــ(22)
[الإكثار من الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم]
قال رحمه الله تعالى: [ويكثر الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم].
قوله: [ويكثر الدعاء] أي: يوم الجمعة،
والسبب في ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم -أو قال: مؤمن- يسأل الله شيئا إلا أعطاه) أيا كان هذا الشيء من خيري الدنيا والآخرة.ومعنى ذلك أنه يشرع الإكثار من الدعاء يوم الجمعة، ويسن الإكثار منه، ولذلك لما كان قيام ليلة القدر له فضله شرع في العشر الأواخر أن يحيا ليلها بالقيام، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شد المئزر وأحيا ليله،
فلما نبه الشرع على أن: (في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد يسأل الله شيئا من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاه) دل على أنه يشرع ويسن الإكثار من الدعاء حتى يصيب الإنسان هذه الساعة،
يقول العلماء: التنبيه على الساعة دعوة إلى الإكثار من الدعاء؛
لأنه لما نبه على أن هناك ساعة فكأنه يقول: ادعوا وأكثروا من الدعاء علكم أن توافقوا هذه الساعة.والعكس بالعكس، فإذا منع الشرع، أو كان هناك رجاء إجابة وخيف من دعوة ظالمة يمنع من الدعاء،
كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تدعوا على أولادكم لا توافقوا بابا في السماء مفتوحا فيستجاب لكم)، فحذر ومنع؛ لأن هناك ساعة يستجاب فيها الدعاء، فمنع من الدعوة التي فيها ضرر.والساعة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم قليلة؛
لأن الرواية الصحيحة تقول: (أشار بيده يقللها) حتى قال بعض العلماء: إنها برهة من الوقت وجاء في بعض الأحاديث أنها ساعة كاملة تشمل جزء النهار، والنهار اثنتا عشرة ساعة كما في الصحيح، فهي ساعة بكاملها، وهي ستون دقيقة، وإن كان الأقوى في رواية الصحيح أنها ساعة يقللها عليه الصلاة والسلام.
وقد اختلف العلماء في وقت هذه الساعة: فقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إنها بعد ارتفاع الشمس بقدر ذراع أي: بعد الارتفاع بقليل، وهذا قول ضعيف؛ لأن هذا الوقت منهي فيه عن الصلاة،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الصحيحة: (لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي)، فدل على كونها في وقت صلاة، وإن كان اعتبر بعض العلماء هذا بأنه إذا جلس بعد صلاة الفجر ينتظر الإشراق وينتظر الصلاة يكون في حكم المصلي ولكن هذا محل نظر؛
لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (ما يزال في صلاة ما انتظر الصلاة) أي: الصلاة المفروضة، وهذا يجعله لا يوافق هذا الفضل إلا إذا كان جالسا في مصلاه بعد الفجر إلى أن يصلي الجمعة، وهذا من المشقة بمكان.
وقال بعض العلماء: تكون بعد صلاة الفجر من يوم الجمعة إلى طلوع الشمس، وهذا أيضا مروي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول مشكل؛ لأن هذا الوقت أيضا ليس بوقت صلاة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النافلة فيه، ولذلك يضعف أن يكون هذا الوقت وقت إجابة؛ لأن تلك الساعة يكون فيها العبد مصاحبا للصلاة،
لقوله صلى الله عليه وسلم: (وهو قائم يصلي)، كما في رواية مسلم.
وقال بعض العلماء: إنها من بعد الزوال مباشرة.
أي: من حين أن يبدأ الزوال تكون هذه الساعة، وهذا القول فيه قوة،
وخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى قبل صلاة الظهر أربعا قال: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح)، ولما التقى شيخ الإسلام -رحمه بالله- بالتتار كان يقول للقائد: انتظر -أي: لا تبادر المعركة- حتى تزول الشمس وتهب الرياح، ويكون الوقت أرجى لقبول الدعاء ساعتها، ويدعوا المسلمون على المنابر.فهذا الوقت من أرجى الأوقات، وهو من بعد زوال الشمس، أو من بداية زوال الشمس.
وبعض أصحاب هذا القول: من بعد الزوال ولو لحظة أي: بعد أن تزول الشمس يقوم الإنسان ويصلي بعد زوالها مباشرة.
القول الرابع: أنها من بعد الزوال إلى أن تنتهي الصلاة.
القول الخامس: أنها من حين يشرع الإمام في الخطبة إلى أن تنتهي الصلاة.
القول السادس: أنها من حين يشرع في الخطبة إلى أن تقام الصلاة.
القول السابع: أنها عند إقامة الصلاة.
القول الثامن: أنها أثناء إقامة صلاة الجمعة، أي: من حين تقام الصلاة ويكبر تكبيرة الإحرام إلى أن يسلم.
القول التاسع: أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس.
القول العاشر: أنها قبل غروب الشمس بساعة.
القول الحادي عشر: أنها في الثلاث الساعات التي قبل غروب الشمس.
والأفضل والأولى وهدي السنة أن يسكت عن هذه الساعة؛ لأن الشرع سكت، وما ورد من الأحاديث فهو متعارض، مثل حديث أبي سعيد مع حديث أبي ذر، فالأحاديث فيها معارضة، مع أن الصحابة كانوا يفهمون هذا.
لكن الأقوى من ناحية النص والدليل أنها تكون في وقت تشرع فيه الصلاة، وهو من طلوع الشمس قيد رمح، إلى أن تصلى صلاة العصر، ويستثنى أثناء الزوال، وبعض العلماء لا يستثني وقت الزوال؛ لأنه يرى أن ساعة الزوال في يوم الجمعة مرتفعة،
أي: ساعة انتصاف الشمس في كبد السماء،
فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا انتصفت فأمسك عن الصلاة، فإنها ساعة تسجر فيها جهنم)، فمن بعد طلوع الشمس قيد رمح إلى صلاة العصر هذا هو الوقت المشتمل،
وأما ما عدا هذا من الأقوال فإنه يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: (وهو قائم يصلي).وأما القول بأنها بعد العصر فبناء على أنه إذا جلس ينتظر صلاة المغرب أنه في صلاة، وأما ما أثر عن أبي سعيد الخدري وغيره من الصحابة فمشكل؛
لأنه قال: (وهو قائم)،
ولم يقل: وهو يصلي.
مع أنه جاء في بعض الروايات: (وهو يصلي)،
لكن رواية: (وهو قائم يصلي) تؤكد على أنها صلاة ذات ركوع وسجود،
وكونه يقال: إنه إذا انتظر الصلاة فهو في صلاة فهذا حكم الصلاة، وفرق بين الحكم والوصف،
فلو قال عليه الصلاة والسلام: (وهو يصلي) لاستقام القول،
لكن لما قال: (وهو قائم يصلي) فالقيام يدل على وجود الفعل للصلاة بذاتها.والذي تطمئن له النفس أنها ساعة من بعد ارتفاع الشمس قيد رمح إلى صلاة العصر، ما خلا ساعة الزوال، على أصح أقوال العلماء من أن ساعة الزوال في يوم الجمعة وفي غيرها على حد سواء يمسك فيها عن الصلاة، خلافا للإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فقد استدل بحديث رواه في مسنده وهو حديث ضعيف، وفيه استثناء يوم الجمعة،
والصحيح: أن ساعة الزوال أو ساعة انتصاف الشمس في كبد السماء لا يصلى فيها للإطلاق في النصوص، والأصل في المطلق أن يبقى على إطلاقه حتى يرد ما يقيده من الأدلة الصحيحة.كما أن الذي تطمئن إليه النفس أنه يمسك عن تحديد هذه الساعة؛ لأنه منهج الشرع، ولذلك جاء في ليلة القدر أن الأفضل أن يمسك عنها؛ لأنه أدعى إلى اجتهاد الناس وإقبالهم على العبادة، وبعض العلماء رحمة الله عليهم كان يستغرب من إهمال أول النهار،
فيقول: إن الأقوال كلها انصبت على آخر النهار، وانصبت من بعد الزوال، مع أن ساعة الضحى تعتبر من ساعات الغفلة، ويوم الجمعة الناس فيه أكثر بيعا وشراء ولهوا في الدنيا، ولا يقبل على العبادة في مثل هذا الوقت إلا من كان حاضرا فقط، مع أنها ساعات فضل بالتبكير إلى الجمعة، ولذلك كان بعض مشايخنا رحمة الله عليهم يطمئن إلى الساعات في أول النهار، ولكن الأفضل والأولى أنه شيء سكت عنه الشرع، فإذا لم يرد الدليل الصحيح الصريح فإنه يبقى على الإطلاق الذي أطلق الشرع فيه هذه الساعة،
خاصة وأنهم لما قالوا: بعد صلاة العصر فإن ما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وقت طويل،
وقد جاء في الحديث: (أشار بيده يقللها)، وكذلك من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، فقد يصل إلى أكثر من ساعة، ولذلك يضعف هذا القول،
ويقوى القول الذي يقول: إنها في ساعة تباح فيها الصلاة، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس.
قوله: [ويكثر الدعاء]، هذا أمر يضيعه كثير إلا من رحم الله، فالناس عندما كانت قلوبهم مملوءة بالخير وبإعظام الله جل جلاله، وكان الدين قويا كانوا في مثل هذه الأيام المباركة يكثرون من ذكر الله عز وجل، ومن سؤال الله من خيري الدنيا والآخرة، ولكن قل أن تجد اليوم من يعمر أوقاته في يوم الجمعة بذكر الله عز وجل، وهذا من الغفلة، وقد كان السلف يكثرون من تلاوة القرآن، وكذلك من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
فإنك لو تأملت قوله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي،
قالوا: كيف تعرض عليك وقد أرمت؟
قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء) وسألت نفسك: كم تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة لوجدتها صلوات معدودة، بل إنك قد تجد من الناس من لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا في صلاته، أو حين يأمر الخطيب بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من غفلة الناس.فهذا اليوم مأمور بالإكثار فيه من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستحي العالم وطالب العلم والعامي أن يعرض اسمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه إلا النزر القليل، ولذلك على الإنسان أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، ويأمر أبناءه وأهله بهذه السنة التي أضاعها الكثير،
فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا)، وهذا فضل عظيم، وفيه أجر كثير للإنسان، فعلى الإنسان أن يكثر من الصلاة والسلام على سيد الأنام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام،
وكانوا يقولون: من نعم الله التي أنعم بها على أهل الحديث ورواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يكثرون الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من أفضل القربات وأجلها وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى.
واختلف العلماء في الأفضلية في يوم الجمعة: هل هي أن يكثر من تلاوة القرآن، أو من ا
الأسئلة
[التنفل يوم الجمعة في وقت النهي]
qكيف يكثر المصلي من النوافل يوم الجمعة، مع كون بعض أوقاتها منهيا عن الصلاة فيه؟
a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن معنى السؤال أن يوم الجمعة لو أن إنسانا أكثر فيه من النوافل فإنه ربما صلى أثناء انتصاف الشمس في كبد السماء، وبناء على ذلك يقولون: كيف يكثر من النوافل مع أنه ربما يوافق وقت النهي؟! والجواب أن وقت النهي في يوم الجمعة للعلماء فيه قولان: فمذهب طائفة من العلماء -كالشافعية ومن وافقهم- أن يوم الجمعة يجوز للإنسان أن يصلي فيه النافلة ولو كان أثناء انتصاف الشمس في كبد السماء، وفيه حديث رواه الشافعي في مسنده، ولكنه ضعيف.والذي يظهر أن يوم الجمعة وغيره على حد سواء، وأنه لا يتنفل إذا انتصف النهار؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في هذه الساعة، وهي ساعة انتصاف الشمس في كبد السماء، وقال عليه الصلاة والسلام: (فإذا انتصفت فأمسك عن الصلاة فإنها ساعة تسجر فيها جهنم) نسأل الله السلامة والعافية.قالوا: هذا عام، والأصل في العام أن يبقى على عمومه، فإنه لم يقل: إلا يوم الجمعة.وهذا القول هو أقوى الأقوال، وهو أن يوم الجمعة وغيره على حد سواء، ولا يصلي الإنسان أثناء انتصاف الشمس في كبد السماء.وتعرف هذا الوقت المنهي عن الصلاة فهي بأن تنظر إلى الوقت الذي يكون فيه إشراق الشمس، والوقت الذي يكون فيه غروب الشمس، وتحسب ما بينهما من الزمان، ثم تقسمه على اثنين، فذلك هو وقت انتصاف النهار.فإذا كان طلوع الشمس الساعة السادسة، وغروبها الساعة السادسة، فإن المجموع سيكون اثنتي عشرة ساعة، فحينئذ تقسمها على اثنين فتكون ست ساعات، فعند بلوغ الساعة الثانية عشرة والنصف حينئذ تمسك عن الصلاة، ويبقى هذا القدر الذي يقارب عشر دقائق إلى سبع دقائق لا تصلي فيه، فتحسب ما يبن الإشراق -أي: الإشراق المحض، وليست صلاة الإشراق الموجودة في التقاويم- ووقت غروب الشمس؛ لأن صلاة الإشراق قد يحتاط فيها بارتفاع الشمس قيد رمح، فلا بد وأن يكون الوقت دقيقا في الإشراق ودقيقا في الغروب، فتحسب ما بينهما وتقسمه على اثنين، فيكون الناتج هو وقت انتصاف الشمس في كبد السماء، ففي هذه اللحظة تقف عن الصلاة، وإنما تصلي قبلها أو بعدها، والسبب في ذلك نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة في مثل هذا الوقت، والنصوص عامة، ويوم الجمعة وغيره على حد سواء، والله تعالى أعلم.
[الجمع بين القول بوجوب الغسل وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت)]
q إذا قلنا بوجوب غسل الجمعة فكيف نجيب عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، وهل يقتضي كونه واجبا إثم من لم يغتسل؟
a اختلف العلماء في ثبوت هذا الحديث، فمن أهل العلم من ضعفه، وإن كان تحسينه قويا عند طائفة من المحدثين، لكن القول بثبوته وكونه حسنا لا يعارض ما ثبت في الصحيح، فيجاب من وجهين: الوجه الأول: ما اختاره العلماء بأنه يحتمل أن يكون قبل أمر العزيمة، وهذا من أقوى الأجوبة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان موسعا على الناس، فقال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) قالت أم المؤمنين عائشة: (فلما علت المسجد منهم زهومة)، وهذا يدل على أنه أمر متأخر لازدحام الناس، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على الجذع، فلما كان في آخر حياته خطب على المنبر -كما في الصحيحين من حديث أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه- لأجل كثرة الناس وامتلاء المسجد، وهذا يؤكد أنه كان في أواخر العصر المدني.وعلى هذا يكون الجمع بين الحديثين أنه كان رخصة في أول الأمر.الوجه الثاني: إذا قيل بالمعارضة فإن هذا الحديث لا يقوى على معارضة النص الذي معنا، وذلك أن النص الذي معنا مما اتفق عليه الشيخان، والقاعدة في الأصول أنه إذا تعارض الصحيح والحسن يقدم الصحيح على الحسن، كما قال صاحب الطلعة في الحديث الحسن: وهو في الحجة كالصحيح ودونه إن صير للترجيح أي: الحديث الحسن نحتج به كما نحتج بالحديث الصحيح، ولكن إذا عارض الصحيح فإننا نسقطه في مقابل ما هو أصح منه وأثبت، وبناء على ذلك فلا إشكال باعتماد القول الذي يقول برجحان وجوب غسل الجمعة، خاصة وأن هناك عدة أحاديث: منها: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)، وحديث عائشة: (فأمر الناس أن يغتسلوا) وقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، فهذه الأحاديث قوية جدا في التأكيد واللزوم، وعلى هذا فإنه يقدم القول الذي يقول بوجوبه، مع أن بعض العلماء يقول: إن متن حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) لا يخلو من نظر من ناحية دقة تركيبه اللغوي، وبعده عن الجزالة ودقة البلاغة في التعبير، ولذلك يقولون: إنه لا يبلغ ما بلغه ما هو أصح منه من الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.ثم إن مما يقوي هذا الترجيح أننا وجدنا الصحابة يرجحون جانب الغسل، ووجه ذلك: أن عمر رضي الله عنه لما تأخر عثمان قال: أي ساعة هذه؟! قال: يا أمير المؤمنين: كنت في السوق، فما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم غدوت.قال: والوضوء أيضا! والإنكار لا يكون إلا في ترك واجب أو محرم، فقوله: [والوضوء أيضا!] دل على أنه كان معروفا أنه لا جمعة حتى يغتسل من أراد أن يجمع، وهذا قاله أمير المؤمنين -رضي الله عنه- على حضور ملأ من الصحابة، وكان ذلك الزمن غضا طريا قريبا من عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقول قائل: إن هذا يدل على السنية لأنه جاء بأسلوب الإنكار.وبناء على ذلك يقوى القول الذي يقول بأنه إذا تعارض النصان وعمل الخلفاء الراشدون أو أحد منهم بأحد النصين كان مرجحا له على غيره، فهذا يقوي ترجيح الأمر على حديث السعة والرخصة، والله تعالى أعلم.
[الواجب على من شرع في الطواف يوم الجمعة ثم بدأت الخطبة]
q ما حكم من شرع في الطواف يوم الجمعة، وقبل أن يكمل شرع الإمام في الخطبة، هل يتم طوافه، أو ينتظر حتى ينتهي الإمام من الخطبة والصلاة؟
a هذه المسألة فيها تفصيل: فالأطوفة تختلف، فما كان من الأطوفة واجبا وفرضا لازما فالمختار أنه لا يقطعه، ويستمر فيه حتى ينتهي؛ لأنه يمكنه أن يستمع الخطبة، مع أنه في الغالب إذا كان الطواف عليه واجبا أن يكون من المسافرين الذين لا تلزمهم الجمعة.ولذلك يقولون في مثل هذا: يستمر حتى ينتهي من طوافه، ثم بعد ذلك إذا أقيمت الصلاة دخل مع الإمام وصلى.أما إذا كان الطواف سنة أو مستحبا، فحينئذ يقولون: إنه يقطعه، وينصت للإمام ويستمع، ولا حرج عليه في ذلك واختار بعض العلماء أنه يتم الطواف، سواء أكان نفلا أم فريضة؛ لأن الله يقول: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد:33]، ولأنه يمكنه أن يجمع بين الإنصات بالسكوت عن أذكار الطواف، ويكون مشتغلا بالسماع للخطيب أثناء طوافه، ولا حرج عليه في إتمام الطواف على هذه الصورة.والله تعالى أعلم.
كيفية صلاة السنة البعدية يوم الجمعة لمن صلاها ستا
qمن صلى السنة الراتبة بعد الجمعة أربعا أو ستا، فهل يصليها ركعتين ركعتين، أم يجعلها متصلة بسلام واحد؟
aمن صلى هذه الست التي وردت في حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه وغيره، فإنه يجوز له أن يصلي الأربع الأول بتسليمة واحدة، ثم يصلي ركعتين، ويجوز له أن يصليها ركعتين ركعتين، فهذان وجهان يخير بينهما، والله تعالى أعلم.
[أفضلية ترديد الأذان الأول لمن دخل المسجد وأراد أن يصلي التحية]
q رجل دخل المسجد في وقت أذان الجمعة، فهل يصلي تحية المسجد، أم يستمع ويردد الأذان؟
a يردد الأذان لإمكانه بعد الأذان الأول أن يصلي تحية المسجد دون أن يفوته فضل المصاحبة والموافقة للمؤذن في ذكره، وأما إذا دخل أثناء الأذان الثاني فإننا إذا قلنا: إنه ينتظر فإنه يكون منشغلا بالفضيلة التي يردد فيها وراء المؤذن، ويفوته ما هو أفضل من استماعه وإنصاته لخطبة الجمعة، وعلى هذا فإنه يصلي ولو كان ذلك أثناء الأذان لكي يدرك الإنصات للجمعة بكمالها، وهذا عند بعض العلماء آكد وألزم، والله تعالى أعلم.
[صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم]
q هل للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صفة معينة، وذلك للإكثار منها يوم الجمعة؟
a الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ما تكون إذا كانت بالصيغة الإبراهيمية التي دل عليه الصلاة والسلام أمته وأصحابه عليها، فإذا صلى الصلاة الإبراهيمية فذلك أفضل وأكمل ما يكون؛ لأن القاعدة في الشرع: (الوارد أفضل من غير الوارد)، فالصلاة بهذه الصيغة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل.وأما بالنسبة للصيغة في الصلاة، فالأفضل أن يجمع بين الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب:56]، فأمرنا أن نجمع بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
[حكم الصلاة على النبي أثناء الصلاة]
qإذا قرأ الإمام قول الله تبارك وتعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب:56]، فهل يجوز للمأموم أن يتلفظ بالصلاة، أم يجعلها في نفسه، أم لا يقول شيئا على الإطلاق؟
a من فقه الإمامة التي ينبه عليها بعض العلماء أن لا يوقع الإمام المصلين وراءه في الحرج، ومن هنا قالوا: إنه لا يقرأ بسورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق:1] لأنه إذا كبر للركوع ذهبوا إلى السجود وسجدوا.وكذلك أيضا قالوا: إنه لا يتعاطى الأمور التي توجب اختلاج صلاة الناس.ومثل هذه المسألة الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: إنه سيعرض المأمومين إلى التكلم في الصلاة، ولذلك يقولون: إن الأفضل أن لا يتعاطى مثل هذه الأمور التي قد توقع الجاهل في الأمور المحظورة، فإن الإنسان إذا صلى وراء إمام وقرأ آية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه في نفسه، ولا يتلفظ بالصلاة، وقد قال عليه الصلاة والسلام (إن في الصلاة لشغلا).وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (وإذا قرأ فأنصتوا).وأما بالنسبة للنافلة فقد قال بعض العلماء: يشرع له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لما ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (كان إذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب استعاذ)، ففرقوا بين الفرض والنفل.قالوا: في الفريضة لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقف عند آية العذاب أو آية الرحمة ويتكلم، إنما كان يسرد قراءته، مع أنه ثبتت عنه الأحاديث الصحيحة الكثيرة في قراءته في الفرض من السور التي ذكرت في يوم الجمعة والصلوات، ومع ذلك لم يحفظ عنه حديث واحد أنه توقف لآية عذاب، أو آية رحمة، وأما في قيام الليل فثبت عنه أنه توقف لآية الرحمة وسأل الله من فضله، وتوقف عند آية العذاب واستعاذ بالله عز وجل، فدل على الفرق بين الفرض والنفل، وقد يجوز الشيء في النفل ولا يجوز في الفرض، فلذلك يجوز للإنسان أن يصلي النافلة في السفر على الدابة، ولا يجوز له أن يصلي الفريضة، فالفرض أعلى مرتبة من النفل.ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس المداومة على قراءة هذه الآية ليلة الجمعة، وهذا من البدع فينصح الإمام بعدم تكرار هذا والمداومة عليه، وإذا سمع الناس يتلفظون وراءه ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت عال فإن عليه أن يكون أشد محافظة على صلاة الناس كي لا تبطل، خاصة وأن بعض العلماء يرى عدم جواز التلفظ في مثل هذه الحالة كما ذكرنا، والله تعالى أعلم.
[اختلاف العلماء في أخذ المصلى حكم المسجد]
q هل يأخذ المصلى حكم المسجد في صلاة ركعتين قبل الجلوس؟
a بعض العلماء يقول: إن المصلى لا يأخذ حكم المسجد وهذا قوي من ناحية أن المصلى لا يأخذ حكم المسجد من كل وجه، ولكن هناك أدلة تشير إلى أن المصلى قد يلتحق بالمسجد، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أما الحيض فيعتزلن المصلى)، وفي رواية (الصلاة)، فهذا يدل على أنه يأخذ حكم المسجد، ويقوي قول من قال: إن الحائض لا تدخل المصلى.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.