
19-12-2021, 04:26 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,364
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (75)
صـ387 إلى صـ 400
ومن مات وعليه صوم صام عنه وليه .
وقيل : يا رسول الله ! إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه . قال : فاقضه عنها .
وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث كبراء وعلماء ، وجماعة ممن لم يذهب إلى ذلك قالوا بجواز هبة العمل ، وأن ذلك ينفع الموهوب له عند الله تعالى ; فهذه جملة تدل على ما لم يذكر من نوعها ، وتبين أن ما تقدم في الكلية المذكورة ليست على العموم ; فلا تكون صحيحة .
والثاني : أن لنا قاعدة يرجع إليها غير مختلف فيها ، وهي قاعدة الصدقة عن الغير ، وهى عبادة ; لأنها إنما تكون صدقة إذا قصد بها وجه الله تعالى وامتثال أمره ، فإذا تصدق الرجل عن الرجل ; أجزأ ذلك عن المتصدق عنه وانتفع [ ص: 388 ] به ، ولا سيما إن كان ميتا ، فهذه عبادة حصلت فيها النيابة ، ويؤكد ذلك ما كان من الصدقة فرضا كالزكاة ; فإن إخراجها عن الغير جائز وجاز عن ذلك الغير ، والزكاة أخية الصلاة .
والثالث : أن لنا قاعدة أخرى متفقا عليها أو كالمتفق عليها ، وهى تحمل العاقلة للدية في قتل الخطأ ; فإن حاصل الأمر في ذلك أن يتلف زيد فيغرم عمرو ، وليس ذلك إلا من باب النيابة في أمر تعبدي لا يعقل معناه ، ومنه أيضا نيابة الإمام عن المأموم في القراءة وبعض أركان الصلاة مثل القيام ، والنيابة عنه في سجود السهو بمعنى أنه يحمله عنه ، وكذلك الدعاء للغير ; فإن حقيقته خضوع لله وتوجه إليه ، والغير هو المنتفع بمقتضى تلك العبادة ، وقد خلق الله ملائكة عبادتهم الاستغفار للمؤمنين خصوصا ولمن في الأرض عموما ، وقد استغفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبويه حتى نزل : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [ التوبة : 113 ] .
[ ص: 389 ] [ ص: 390 ] وقال في ابن أبي : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " حتى نزل : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم [ التوبة : 80 ] ، ونزل : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا [ التوبة : 84 ] الآية .
وإن كان قد نهي عنه ; فلم ينه عن الاستغفار لمن كان حيا منهم ، وقال عليه الصلاة والسلام : اللهم اغفر لقومي ; فإنهم لا يعلمون .
وعلى الجملة ; فالدعاء للغير مما علم من دين الأمة ضرورة .
والرابع : إن النيابة في الأعمال البدنية غير العبادات صحيحة ، وكذلك [ ص: 391 ] بعض العبادات البدنية ، وإن كانت واجبة على الإنسان عينا ، وكذلك المالية ، وأولها الجهاد ; فإنه جائز أن يستنيب فيه المكلف به غيره بجعل وبغير جعل ، إذا أذن الإمام ، والجهاد عبادة ، فإذا جازت النيابة في مثل هذا ; فلتجز في باقي الأعمال المشروعة لأن الجميع مشروع .
والخامس : إن مآل الأعمال التكليفية أن يجازى عليها ، وقد يجازى الإنسان على ما لم يعمل ، خيرا كان الجزاء أو شرا ، وهو أصل متفق عليه في الجملة ، وذلك ضربان :
أحدهما : المصائب النازلة في نفسه وأهله وولده وعرضه ; فإنه إن كانت باكتساب كفر بها من سيئاته ، وأخذ بها من أجر غيره ، وحمل غيره وزره ، و [ لو ] لم يعمل بذلك ، فضلا عن أن يجد ألمه ، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في المفلس يوم القيامة ، وإن كانت بغير اكتساب ، فهي كفارات فقط ، أو كفارات وأجور ، وكما جاء فيمن " غرس غرسا أو زرع زرعا يأكل منه [ ص: 392 ] إنسان أو حيوان أنه له أجر " ، وفيمن ارتبط فرسا في سبيل الله فأكل في مرج أو روضة ، أو شرب في نهر ، أو استن شرفا أو شرفين ، ولم يرد أن يكون ذلك ; فهي له حسنات " ، وسائر ما جاء في هذا المعنى .
والضرب الثاني : النيات التي تتجاوز الأعمال كما جاء : " إن المرء يكتب له قيام الليل أو الجهاد إذا حبسه عن عذر " .
[ ص: 393 ] وكذلك سائر الأعمال ; حتى قال عليه الصلاة والسلام في المتمني أن يكون له مال يعمل به مثل عمل فلان : " فهما في الأجر سواء " ، وفي الآخر : " فهما في الوزر سواء " .
[ ص: 394 ] وحديث : من هم بحسنة فلم يعملها ; كتبت له حسنة .
والمسلمان يلتقيان بسيفيهما الحديث .
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على عد المكلف بمجرد النية كالعامل نفسه في الأجر والوزر ، فإذا كان كالعامل وليس بعامل ولا عمل عنه غيره ; فأولى أن يكون كالعامل إذا استناب غيره على العمل .
[ ص: 395 ] فالجواب : أن هذه الأشياء وإن كان منها ما قال بعض العلماء فيه بصحة النيابة ; فإن للنظر فيها متسعا .
أما قاعدة الصدقة عن الغير وإن عددناها عبادة ; فليست من هذا الباب ; فإن كلامنا في نيابة في عبادة من حيث هي تقرب إلى الله تعالى وتوجه إليه ، والصدقة عن الغير من باب التصرفات المالية ، ولا كلام فيها .
وأما قاعدة الدعاء ; فظاهر أنه ليس في الدعاء نيابة لأنه شفاعة للغير ; فليس من هذا الباب .
وأما قاعدة النيابة في الأعمال البدنية والمالية ; فإنها مصالح معقولة المعنى لا يشترط فيها من حيث هي كذلك نية ، بل المنوب عنه إن نوى القربة فيما له سبب فيه ; فله أجر ذلك ، فإن العبادة منه صدرت لا من النائب ، والنيابة على مجرد التفرقة أمر خارج عن نفس التقرب بإخراج المال ، والجهاد وإن كان من الأعمال المعدودة في العبادات ، فهي في الحقيقة معقولة المعنى ، كسائر فروض الكفايات التي هي مصالح الدنيا ، لكن لا يحصل لصاحبها الأجر الأخروي إلا إذا قصد وجه الله تعالى ، وإعلاء كلمة الله ، فإن قصد الدنيا ، فذلك حظه مع أن المصلحة الجهادية قائمة ; كقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد شعبة منها ، على أن من أهل العلم من كره النيابة في الجهاد بالجعل ; لما فيه من تعريض النفس للهلكة في عرض من أعراض الدنيا ، ولو فرض هنا قصد التقرب بالعمل ; لم يصح فيه من تلك الجهة نيابة أصلا ; فهذا الأصل لا اعتراض به أيضا .
وأما قاعدة المصائب النازلة ; فليست من باب النيابة في التعبد ، وإنما [ ص: 396 ] الأجر والكفارة في مقابلة ما نيل منه لا لأمر خارج عن ذلك ، وكون حسنات الظالم تعطى المظلوم ، أو سيئات المظلوم تطرح على الظالم ; فمن باب الغرامات ; فهي معاوضات ; لأن الأعواض الأخروية إنما تكون في الأجور والأوزار ; إذ لا دينار هناك ولا درهم ، وقد فات القضاء في الدنيا .
ومسألة الغرس والزرع من باب المصائب في المال ، ومن باب الإحسان به إن كان باختيار مالكه .
ومسألة العاجز عن الأعمال راجعة إلى الجزاء على الأعمال المختصة بالعامل بلا نيابة ; إذ عد في الجزاء بسبب نيته كمن عمل تفضلا من الله تعالى ، مع أن الأحكام إنما تجري في الدنيا على الظاهر ، ولذلك يقال فيمن عجز عن عبادة واجبة وفي نيته أن لو قدر عليها لعملها إن له أجر من عملها مع أن ذلك لا يسقط القضاء عنه فيما بينه وبين الله إن كانت العبادة مما يقضى ، كما أنه لو تمنى أن يقتل مسلما أو يسرق أو يفعل شرا إلا أنه لم يقدر ; كان له وزر من عمل ، ولا يعد في الدنيا كمن عمل ، حتى يجب عليه ما يجب على الفاعل حقيقة ; فليست من النيابة في شيء ، وإن فرضت النيابة ; فالنائب هو المكتسب ، فعمله عليه أو له ، فهذه القواعد لا تنقض ما تأصل .
ونرجع إلى ما ذكر أول السؤال ; فإنه عمدة من خالف في المسألة .
[ ص: 397 ] فحديث تعذيب الميت ببكاء الحي ظاهر حمله على عادة العرب في تحريض المريض - إذا ظن الموت - أهله على البكاء عليه ، وأما " من سن سنة . . . " ، وحديث ابن آدم الأول ، وحديث انقطاع العمل إلا من ثلاث ، وما أشبه ذلك ، فإن الجزاء فيها راجع إلى عمل المأجور أو الموزور ; لأنه الذي تسبب فيه أولا ، فعلى جريان سببه تجري المسببات ، والكفل الراجع إلى المتسبب [ الأول ] ناشئ عن عمله ، لا عن عمل المتسبب الثاني ، وإلى هذا المعنى يرجع قوله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم [ الطور : 21 ] الآية ; لأن ولده كسب من كسبه ، فما جرى عليه من خير فكأنه منسوب إلى الأب ، وبذلك فسر قوله تعالى : ما أغنى عنه ماله وما كسب [ المسد : 2 ] أن ولده من كسبه ; فلا غرو أن يرجع إلى منزلته وتقر عينه به ، كما تقر عينه بسائر أعماله الصالحة ، وذلك قوله تعالى : وما ألتناهم من عملهم من شيء [ الطور : 21 ] .
وإنما يشكل من كل ما أورد ما بقي من الأحاديث ; فإنها كالنص في معارضة القاعدة المستدل عليها ، وبسببها وقع الخلاف فيما نص فيها خاصة - وذلك الصيام والحج - ، وأما النذر ; فإنما كان صياما فيرجع إلى الصيام .
والذي يجاب به فيها أمور :
أحدها : أن الأحاديث فيها مضطربة ، نبه البخاري ومسلم على [ ص: 398 ] اضطرابها ; فانظره في الإكمال ، وهو مما يضعف الاحتجاج بها إذا لم تعارض أصلا قطعيا ; فكيف إذا عارضته ؟
وأيضا ; فإن الطحاوي قال في حديث من مات وعليه صوم صام عنه وليه : إنه لم يرو إلا من طريق عائشة ، وقد تركته فلم تعمل به وأفتت بخلافه ، وقال في حديث التي ماتت وعليها نذر : إنه لا يرويه إلا ابن عباس ، وقد خالفه وأفتى بأنه لا يصوم أحد عن أحد .
والثاني : أن الناس على أقوال في هذه الأحاديث : منهم من قبل ما صح منها بإطلاق ; كأحمد بن حنبل ، ومنهم من قبل من قال ببعضها ، فأجاز ذلك في الحج دون الصيام ، وهو مذهب الشافعي ، ومنهم من منع بإطلاق ، كمالك بن أنس ، فأنت ترى بعضهم لم يأخذ ببعض الأحاديث وإن صح ، وذلك دليل على ضعف الأخذ بها في النظر ، ويدل على ذلك أنهم اتفقوا في الصلاة على ما حكاه ابن العربي ، وإن كان ذلك لازما في الحج لمكان ركعتي الطواف ; لأنهم تبع ، ويجوز في التبع ما لا يجوز في غيره ; كبيع الشجرة بثمرة قد أبرت ، وبيع العبد بماله ، واتفقوا على المنع في الأعمال القلبية .
[ ص: 399 ] والثالث : أن من العلماء من تأول الأحاديث على وجه يوجب ترك اعتبارها مطلقا ; وذلك أنه قال : سبيل الأنبياء صلوات الله عليهم أن لا يمنعوا أحدا من فعل الخير ، يريد أنهم سئلوا عن القضاء في الحج والصوم ، فأنفذوا ما سئلوا فيه من جهة كونه خيرا ، لا من جهة أنه جاز عن المنوب عنه ، وقال هذا القائل : لا يعمل أحد عن أحد شيئا ، فإن عمله ; فهو لنفسه كما قال تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] .
والرابع : أنه يحتمل أن تكون هذه الأحاديث خاصة بمن كان له تسبب في تلك الأعمال ، كما إذا أمر بأن يحج عنه ، أو أوصى بذلك ، أو كان له فيه سعي حتى يكون موافقا لقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ، وهو قول بعض العلماء .
والخامس : أن قوله : " صام عنه وليه محمول على ما تصح فيه النيابة ، وهو الصدقة مجازا ; لأن القضاء تارة يكون بمثل المقضي ، وتارة بما يقوم مقامه عند تعذره ، وذلك في الصيام الإطعام ، وفي الحج النفقة عمن يحج عنه ، أو [ ص: 400 ] ما أشبه ذلك .
والسادس : أن هذه الأحاديث على قلتها معارضة لأصل ثابت في الشريعة قطعي ، ولم تبلغ مبلغ التواتر اللفظي ولا المعنوي ; فلا يعارض الظن القطع ، كما تقرر أن خبر الواحد لا يعمل به إلا إذا لم يعارضه أصل قطعي ، وهو أصل مالك بن أنس وأبي حنيفة ، وهذا الوجه هو نكتة الموضع ، وهو المقصود فيه ، وما سواه من الأجوبة تضعيف لمقتضى التمسك بتلك الأحاديث ، وقد وضح مأخذ هذا الأصل الحسن ، وبالله التوفيق .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|