عرض مشاركة واحدة
  #147  
قديم 04-01-2022, 08:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجمعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (143)

صـــــ(1) إلى صــ(8)

شرح زاد المستقنع - باب صلاة الجمعة [4]

دلت الأدلة الصحيحة من السنة على أن هناك مكروهات ومحذورات يجب على المسلم أن يجتنبها في يوم الجمعة حتى لا تخدش في صلاته ولا في أجره،
ومن تلك المحذورات:
تخطي رقاب الناس، وإقامة أحد الجالسين من مكانه، والكلام أثناء الخطبة أو اللهو والعبث، والبيع والشراء بعد الأذان الثاني، ونحوها.
محذورات خطبة الجمعة وما قبلها
[تخطي رقاب الناس]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد: فيقول المصنف عليه رحمة الله: [ولا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماما أو إلى فرجة].
أي:
إذا دخل يوم الجمعة لا يتخطى رقاب الناس.
وقوله:
(إلا إذا كان إماما)؛ لأن الإمام لا يستطيع أن يبلغ المنبر إلا عن طريق التخطي، وخاصة أن الإمام لا يدخل إلا وقت الصلاة؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدخل إلى السلالم مباشرة، ولم يكن يصلي تحية المسجد، ولذلك مذهب المحققين من العلماء، أن السنة للإمام أن يدخل مباشرة إلى المنبر، وألا يصلي تحية المسجد، لكن لو كان هناك وقت وأراد أن يصلي تحية المسجد وأن يجلس فلا حرج، لكن لو دخل في وقت الصلاة فالسنة له أن يدخل إلى المنبر مباشرة، وأن يبتدئ بالسلام على الناس، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أصح أقوال العلماء رحمة الله عليهم، ويعتبر مستثنى من العموم بالأمر بتحية المسجد.بعض العلماء يجيب في هذه المسألة بجواب لطيف،
فيقول:
إن جلوسه عليه الصلاة والسلام كان في آخر الزوال.
أي:
جلس في وقت منهي عنه،
وهذا يقوي مذهب من يقول:
إنه من دخل في وقت منهي عنه يجلس ولا يصلي.
وتوضيح ذلك أن حديث ابن سيدان حمله العلماء على أنه عند الزوال، بمعنى أن جلوس النبي صلى الله عليه وسلم كان في وقت منهي عنه.ضبط الزوال ضبطا دقيقا يحتاج إلى شيء من الموازين الدقيقة جدا، ولذلك حدده الصحابة بالتقريب،
فقال جابر:
حين تزول الشمس،
وكان حديث أنس كذلك:
(حين يصلي ويخطب) أي: حين تزول الشمس، وهذا -كما يقول العلماء- يرخص فيه، لكن على هذا الوجه الأخير أنه (كان دخوله أثناء انتصاف الشمس في كبد السماء).
فمن دخل أثناء انتصاف الشمس في كبد السماء، وكان يرى هذا القول لا يصلي ويجلس.ومن دخل قبل أو بعد فإنه يتسنن إعمالا للأصل الذي يأمر بتحية المسجد.
وقوله:
(ولا يتخطى رقاب الناس) لأن فيه وعيدا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعده بعض العلماء أنه من كبائر الذنوب؛ لما فيه من أذية المصلين والتشويش عليهم، ولذلك لا يجوز للمسلم أن يؤذي المصلين، ويستثنى الإمام، أو من له فرجة، بمعنى أنه لو خرج لقضاء حاجة -كإنسان أصابه الحصر فخرج للوضوء ثم رجع إلى مجلسه- فهو أحق به، كما في الصحيح: (إذا قام الرجل من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به)، فهذا نص، فكونه يخرج لقضاء حاجته ثم يعود فهو أحق بمجلسه، فلما أذن له الشرع بهذا المجلس جاز له أن يتخطى؛ لأن الإذن بالشيء إذن بلازمه، فلما كان من لازمه أن يتخطى فلا حرج عليه أن يتخطى، ولا إثم عليه في ذلك.
وقالوا:
لو رأى فرجة في الصف الأول، أو في الصف الثاني فإنه يمضي إليها ويتخطى؛ لأن من وراء هذه الفرجة من الصفوف مقصر في سد هذه الفرجة، فيجوز له أن يتخطى وهذا محل إشكال.والذي يظهر أن من الأولى والأحرى أن يحتاط الإنسان وأن لا يتخطى، حتى ولو رأى فرجة؛ لأن المعنى الذي من أجله منع موجود في التخطي للفرجة، وتقصير غيره لا يوجب الاعتداء عليه بالتخطي.واختلف العلماء في كون النهي عن التخطي مخصوصا بيوم الجمعة، أو يشمل.
فقالوا: لو كان هناك حلقة ذكر وجاء إنسان يتخطى؟ يشرع منعه؛ لأن المعنى موجود، فلو جاء إنسان في حلقة كبيرة ورأى الناس مجتمعين، وجعل يتخطى رقابهم حتى يصل إلى المقدمة، فهذا فيه ظلم لهم؛ لأنه تأخر، والمتأخر يجلس حيث انتهى به المجلس -كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم- أما كونه يتخطى رقاب الناس ويؤذيهم ويشوش عليهم فإنه يذهب الخشوع، فربما سمعت الإمام وهو يقرأ القرآن، أو يذكر الموعظة فتأثرت بالموعظة والقرآن، ثم تفاجأ بمن يأتيك فجأة فيضع رجله على عاتقك، أو يضع رجله بجوار كتفك، فإن هذا يزعج، والنفس البشرية ضعيفة، فإن الناس إذا تخطيت رقابهم انشغلوا عن الخطيب وتأثروا بذلك،
وقال العلماء:
المعنى موجود حال الخطبة وغير الخطبة، ولكنه حال الخطبة أشد.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام للرجل لما جاء متأخرا وتخطى وهو يخطب: (اجلس فقد آنيت وآذيت)،
ومعنى:
(آنيت) جئت متأخرا، وليس هذا وقتك التي تبحث فيه عن الصفوف الأول، (وآذيت) أي: بتخطيك لرقاب الناس.فالصحيح أن يوم الجمعة وغيره على حد سواء، وأن التشويش على المصلين بتخطي رقابهم وأذيتهم لا يجوز.واستثنى العلماء لو أنه أراد أن يمر واستأذن وأذنوا له، أو رأى فرجة بينهم قليلة يستطيع أن يمر منها؛
فقالوا: لا حرج، فهذا ليس من التخطي؛ لأن التخطي المراد به المجاوزة حيث لا توجد الفرجة، أما لو وجددت الفرجة وانخرط فيها، أو سلك فيها فلا حرج.
[حرمة إقامة من سبق إلى مكان والجلوس مكانه]
قال رحمه الله تعالى: [وحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه إلا من قدم صاحبا له فجلس في موضع يحفظه له].
قوله:
(وحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه) أراد بـ (غيره) أي: من المصلين؛ لأن هذا نهى عنه عليه الصلاة والسلام لما فيه من الظلم، فمن سبق إلى شيء فهو أحق به، ومن آداب المجالس التي أدب الله بها عباده المؤمنين أن الإنسان إذا سبق إلى مجلسه وجلس فيه فهو أحق به، ولذلك لا يجوز لأحد أن يقيمه، ولا أن يضايقه حتى يقوم.والتشويش على من يصلي على وجه الأذية والإضرار حتى يفسح له، أو يأتي ويبرك عليه حتى يفسح وكل ذلك لا يجوز، سواء أأقامه أم ضايقه حتى يقوم، فكل ذلك من الأذية،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(لا ضرر ولا ضرار).واختلف العلماء في الأب والابن، فلو أراد الأب أن يقيم ابنه ويجلس مكانه، فهل من البر أن يتنازل الابن عن الصف الأول ويتركه لأبيه؟
قال بعض العلماء:
الأفضل له أن يتأخر ويقدم أباه، وذلك لأنه إذا تأخر وقدم أباه أصاب البر الذي هو أفضل من الصف الأول، ووجه ذلك أن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله بعد التوحيد بر الوالدين،
فقد قال أحد الصحابة:
(سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها -أي: أول الوقت- قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين) قالوا: فمن أفضل الأعمال وأحبها أن يتأخر الابن لأجل أن يجلس الأب.
وقال بعض العلماء:
لا إيثار في القرب ولو للقريب حتى ولو كان الأب، ويدل على ذلك أن صحابيا أراد الجهاد في غزوة فطلب من ابنه أن يبقى ليخرج هو للجهاد،
فقال:
كل شيء لك إلا هذا.إني أرجو الجنة.وخرج رضي الله عنه حتى قتل قبل أبيه رضي الله عنه وأرضاه، فكانوا لا يؤثرون في القرب،
والقاعدة: (لا إيثار في القرب)،
فقالوا:
لا يقدم الأب من هذا الوجه؛ لأنه إذا قدمه فكأنه زاهد في الخير.والصحيح أن له أن يقدمه،
وأنه إذا قدم أباه أصاب الفضيلتين:
فضيلة الصف الأول بوجود البر، وفضيلة البر التي هي من الفضل بمكان،
وقولهم:
لا إيثار في القرب؛ لأن فيه زهدا.فإن تقديم الأب ليس على سبيل الزهد، وإنما لرجاء فضيلة ولرجاء طاعة، فلا حرج عليه في مثل هذا.كما اختلف في غير الوالد، مثل كبير السن، أو العالم، أو من له حق كالوالي الذي له فضل، ونحو ذلك،
فقال بعض العلماء: لا حرج أن يقدمه، وهو في حكم الوالدين.وبعض العلماء يخص الوالدين لورود النص، ودلالة النصوص بتفضيلهما على غيرهما.
قوله: [إلا من قدم صاحبا له فجلس في موضعه يحفظه له].هذه المسألة تعرف عن السلف الصالح رحمة الله عليهم من التابعين، فقد كان الواحد منهم كـ محمد بن سيرين وغيرهم ربما يبعث مولاه، فيجلس في مكان، والمولى لا تجب عليه الجمعة، فإذا حضر محمد قام المولى فجلس مكانه وصلى، وقد جاء هذا عن بعض السلف رحمة الله عليهم، وهذا كان أيام الموالي، لأنهم لا تجب عليهم الجمعة، وكذلك يحكى عن أبي هريرة رضي الله عنه مثل هذا.وإن كان الأقوى والأشبه أنه لا يفعل هذا، وأنه لا يجلس إلا في موضع يريد أن يصلي فيه، فإما أن يبكر ويكون له حق السبق، وإما أن يترك المكان لغيره، حتى ولو كان عالما، كما يقع في بعض الأحيان في المحاضرات والندوات حينما يأتي الإنسان متأخرا -خاصة إذا كان على سفر، وكان قدومه في وقت الإقامة- فإنه يريد أن يدخل إلى الصفوف الأولى وربما يزعج المصلين، ولو كان هو المحاضر أو صاحب الندوة فعليه أن يترك الناس على أماكنهم ومصافهم، وإنما له حق التقدم في درسه وفي موعظته، فإذا جلس مكان كرسيه بعد درسه فلا حرج؛ لأنه بعد محاضرته في حكم الجالس في مكانه، فإذا جاء متأخرا وعاق أصحاب الصفوف الأولى، وربما خرج منهم من لا يستطيع الركوع ولا السجود، ولربما ازدحم الناس إلى درجة لا يستطيعون معها الصلاة أو الركوع، فالأفضل أنه يتأخر إلى ما بعد الصلاة، أو يصلي في ناحية المسجد إذا أمكنه، إلا إذا خشي تشويش الناس بالسلام عليه وإعاقته، فإذا دخل يدخل بعد الصلاة مباشرة، حتى يكون أسلم له، وصلاته بجوار الإمام إذا لم يجد مكانا في الصف الأول أفضل من أن يزعج أهل الصف الأول، خاصة وفيهم المبكر، وفيهم من لا يستطيع السجود لو دخل معه، فكونه يحتاط ويتورع، خاصة أهل العلم فهذا أفضل وأولى؛ لأنهم القدوة.فلا يجوز لأحد أن يحتكر مكانا في مصلاه ولو كان مؤذنا أو إماما، فلا يجوز له أن يحتكر هذا المكان إلا في الحدود الشرعية، كخطيب يوم الجمعة، فله أن يحتكر مكانه على منبره، ونحو ذلك، أما أن يأتي متأخرا ويؤذي الناس ويضرهم فلا، والمؤذن كذلك، فإذا أذن المؤذن وكان الناس في مصافهم، ثم خرج من المسجد، وعند الإقامة يأتي ويزاحم أهل الصفوف الأولى، فهذا ليس من حقه؛ لأن هذا المكان استحقاق شرعي لمن سبق، ولا يجوز أذية أحد فيه، وهذه الأمور يغفل عنها كثير من الناس إلا من رحم الله.فالذي ينبغي أن يحتاط في مثل هذه الأمور ويتناصح الناس؛ لأن هذه المساجد أمرها عظيم، فلا يجوز لأحد أن يؤذي فيها مسلما،
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه المصلون) فالذين يأتون إلى الصفوف الأولى -خاصة الذين هم من وراء الإمام- هم أسبق الناس.وقد يكون فيهم كبار السن، وقد يكون فيهم الضعفة والحطمة، فأمثال هؤلاء لا يجوز التضييق عليهم وإزعاجهم.
ومن الأخطاء أيضا:
حجز الأماكن في مجالس العلماء، أو مجالس الذكر، كأن يأتي مبكرا فيرمي بكتابه، أو يضع شيئا ثم ينصرف ويجلس في مكان غير المكان الذي هو فيه، فالذي يظهر عدم جواز هذا، وأن الذي ينبغي للناس أن يصلوا ثم ينطلقوا إلى حلق الذكر الأسبق فالأسبق، حتى يكون الناس في هذه الأمور على حد سواء، لا فضل لغنيهم على فقيرهم، ولا لرفيعهم على سوقتهم، إلا بتقوى الله عز وجل والمبادرة للخير، فمن سبق فهو أحق، ومن تأخر نال حظه على قدر ما وصل إليه من الخير، وبناء على ذلك ينبغي للإنسان أن يعمل الأصل، وهو أن السابق أحق، سواء في الصفوف، أم في مجالس العلماء، ولا يجوز لأحد أن يتخطى على أحد، ولا أن يضيق على أحد من المصلين، ما دام أن الأصل يقتضي أنه أحق بهذا المجلس وأولى به.ولا يجوز له أن يحجز المكان لغيره، وهذا من الأمور المحرمة، خاصة إذا كان ذلك عن عوض،
كأن يقول لرجل: احجز لي مكانا بجوارك.وربما يتواطأ الرجلان على أنهما إذا جلسا كان مجلسهما على توسع حتى يأتي الثالث فيجلس ويصلي بينهما.ومن الأمور المحرمة أنه قد تكون هناك فرجة بين الرجلين، فيمتنعان من إدخال أي شخص فيها، إلا من يعرفان، أو من يحبان، فهذا من الظلم،
فقد قال تعالى:
{ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} [البقرة:114]، فهذه البقعة خير لهذا الرجل أن يصلي فيها، وأن يذكر الله عز وجل، وأن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بذكره سبحانه في هذه البقع، فكونه يحجزها، أو يتوسع في مجلسه، أو يمنع أحدا من الجلوس بجواره فهذا كله من الظلم الذي لا يجوز للمسلم أن يفعله.وعلى الناس أن يستشعروا عظمة هذه المساجد، وأنه ينبغي ألا يضار أحد فيها، فإن أذية المسلم لا خير فيها،
وكان بعض مشايخنا رحمة الله عليهم يقولون:
من الأمور التي تمنع قبول الصلاة: كثرة مظالمهم، وأذية بعضهم لبعض، فلربما يدخلون في المساجد فيقع منهم من الأذية والظلم ما يجعل الإنسان محروما من قبول الصلاة -نسأل الله السلامة والعافية- فلذلك ينبغي التورع في مثل هذه الأمور، فلا يجوز أذية الناس، كأن يأتي الإنسان متأخرا، فيحاول أن يدخل بين الناس وهم في ضيق، ويحاول أن يشعر الناس بأنه صاحب حق لكونه عالما، أو شيخا، أو مؤذنا، أو غير ذلك، فليس هناك حق إلا بالتقوى، وهي المبادرة والمسابقة، وإذا كان الإنسان يريد أن يؤذن أو يؤم الناس فيبكر وليبادر إلى المسجد، فإن هذا أبلغ في البعد عن ظلمهم وأذيتهم.
قال رحمه الله تعالى:
[وحرم رفع مصلى مفروش ما لم تحضر الصلاة].
أي: لا يجوز لأحد أن يرفع المصلى المفروش لأحد مالم تحضر الصلاة؛ لأنه يحتمل أن يكون صاحبه معذورا، كأن يذهب لقضاء حاجة أو نحو ذلك، فلا يجوز أن يرفع مصلاه؛ لأن مصلاه فرش لحفظ حقه، وهذا الحق مستحق شرعا فيترك، لكن لو كان هذا المصلى لإنسان غير مستحق، كمن يفعل هذا لإنسان يعطيه مالا أو نحو ذلك، فإنه يشرع لك أن ترفعه وتصلي في مكانه، وهذا نص عليه الأئمة رحمة الله عليهم وأفتوا به، ولـ شيخ الإسلام رحمة الله عليه كلام نفيس في مجموع الفتاوى، وهو أنه لا يجوز مثل هذا إلا عند وجود الضرورة والحاجة.
[حكم القيام من مكان لعارض والعودة إليه]
قال رحمه الله تعالى: [ومن قام من مكانه لعارض لحقه ثم عاد إليه قريبا فهو أحق به].هذا لوجود النص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم، فإن عاد إلى مكانه فهو أحق به، خاصة عند الضرورة، وكأن يخرج لقضاء حاجته، أو أصابه حصر، أو خرج منه ريح فخرج يتوضأ، لكن لو أنه انتقل من دون حاجة، كأن ينتقل ليجلس مع صاحبه فلا، فإما أن يجلس بالمكان ويعمره بذكر الله عز وجل، وإما أن يتركه لغيره من المسلمين، خاصة في الصفوف الأولى.
ومن هنا كان على من يريد الاعتكاف في الصفوف الأولى في المساجد في رمضان إذا كان يريد أن ينام في ذلك المكان أنه يتركه إذا كان هناك من يريد أن يصلي فيه، خاصة إذا كانت بقعة لها فضل الصلاة، كأن تكون قرب المقام، أو تكون في روضة المسجد النبوي أو نحو ذلك، فلا ينام فيها؛ لأنه إذا نام عطلها عن ذكر الله عز وجل.فالمساجد إنما بنيت من أجل ذكر الله، وإذا أراد أن ينام فله أن ينام في آخر المسجد، أما أن يأتي إلى الصفوف الأولى وينام فيها عند حاجة الناس فلا، بخلاف ما لو كان الناس ليسوا بحاجة إلى ذلك المكان، مثل أوقات الضحى، فليس هناك من يريد الصف الأول، وليس هناك من يطمع في الصف الأول، فإذا نام في مكانه يريد أن يحرص على هذا الخير وهذا الفضل فلا حرج عليه، أما أن يأتي في الأماكن التي يحتاجها الناس فينام فيها، ويتخذها مكانا لراحته واستجمامه فيعطلها عن ذكر الله فلا، ولذلك لا يكون له حق إلا إذا عمرها بذكر الله عز وجل.ولكن لو أنه خرج لتشييع جنازة، فهل له أن يحجز المكان؟ الصحيح أنه لا يحجز،
ومن أراد أن يشيع الجنازة فهو مخير بين فضيلتين:
إما أن يبقى في هذا المكان عامرا له بالذكر والطاعة والصلاة والقربة، وإما أن يمضي لتشييع الجنازة، فإن اختار الخروج لتشييع الجنازة ترك المحل لعامة الناس، فهم فيه سواء، وإن اختار الجلوس فلا إشكال، فحينئذ يكون مستحقا لمكانه بشغله له.
[حكم تحية المسجد حال الخطبة]
قال رحمه الله:
[ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما].ذهب المصنف إلى هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، وهذا أصح أقوال العلماء، وهو قول الشافعية والحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية، فإنهم يحتجون بأمره عليه الصلاة والسلام، حيث أمر المتخطي للرقاب بقوله: (اجلس)،
وقالوا:
إن هذا يدل على عدم لزوم ركعتي تحية المسجد أثناء الخطبة، ولأن الإنصات واجب والتحية عندهم سنة، ولا يشتغل بالسنة عن الواجب.
والصحيح: أنه يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك فقال: (من دخل والإمام يخطب فليصل ركعتين)، وفي رواية: (وليتجوز فيهما)، أي: يقرأ قصار السور، أو قصار الآيات حتى يجلس للاستماع والإنصات.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]