عرض مشاركة واحدة
  #89  
قديم 06-01-2022, 09:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,431
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (89)
صــــــــــ 196 الى صـــــــــــ200


( قال الشافعي ) : أو يصيبه زحام فيقف لا يكون ذلك قطعا أو يعيا فيستريح قاعدا فلا يكون ذلك قطعا أو ينتقض وضوءه فيخرج فيتوضأ وأحب إلي إذا فعل أن يبتدئ الطواف ولا يبني على طوافه ، وقد قيل : يبني ويجزيه إن لم يتطاول فإذا تطاول ذلك لم يجزه إلا الاستئناف ولا يجزيه أن يطوف إلا في المسجد لأن المسجد موضع الطواف ويجزيه أن يطوف في المسجد ، وإن حال دون الكعبة شيء نساء أو جماعة ناس أو سقايات أو أساطين المسجد أجزأه ما لم يخرج من المسجد فإن خرج فطاف لم يعتد بما طاف خارجا من المسجد قل أو كثر ، ولو أجزت له أن يطوف خارجا من المسجد أجزت له أن يطوف من وراء الجبال إذا لم يخرج من الحرم ، فإن خرج من باب من أبواب المسجد ثم دخل من آخر فإن كان الباب الذي دخل منه يأتي على الباب الذي خرج منه ، اعتد بذلك الطواف لأنه قد أتى على [ ص: 196 ] الطواف ورجع في بعضه ، وإن كان لا يأتي عليه لم يعتد بذلك الطواف
باب الشك في الطواف ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي يشك أصلى ثلاثا أو أربعا ؟ أن يصلي ركعة فكان في ذلك إلغاء الشك والبناء على اليقين فكذلك إذا شك في شيء من الطواف صنع مثل ما يصنع في الصلاة فألغى الشك وبنى على اليقين إلا أنه ليس في الطواف سجود سهو ولا كفارة ( قال ) وكذلك إذا شك في وضوئه في الطواف ، فإن كان على يقين من وضوئه وشك من حدثه أجزأه الطواف كما تجزئه الصلاة ، فإن كان على يقين من حدثه وفي شك من وضوئه لم يجزه الطواف كما لا تجزيه الصلاة
باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا طاف في ثوب نجس أو على جسده نجاسة أو في نعليه نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد في الصلاة وكان في حكم من لم يطف وانصرف فألقى ذلك الثوب وغسل النجاسة عن جسده ثم رجع فاستأنف لا يجزيه من الطهارة في نفسه وبدنه وما عليه إلا ما يجزيه في الصلاة ومن طاف بالبيت فكالمصلي في الطهارة خاصة ، وإن رعف أو قاء انصرف فغسل الدم عنه والقيء ثم رجع فبنى ، وكذلك إن غلبه حدث انصرف فتوضأ ورجع فبنى وأحب إلي في هذا كله لو استأنف ( قال ) ولو طاف ببعض ما لا تجزيه به الصلاة ثم سعى أعاد الطواف والسعي ولا يكون له أن يعتد بالسعي حتى يكمل الطواف بالبيت ولو انصرف إلى بلده رجع حتى يطوف ويسعى هذا الطواف على الطهارة ، وجماع هذا أن يكون من طاف بغير كمال الطهارة في نفسه ولباسه فهو كمن لم يطف .

( قال الشافعي ) وأختار إن قطع الطائف الطواف فتطاول رجوعه أن يستأنف فإن ذلك احتياط وقد قيل : لو طاف اليوم طوافا وغدا آخر أجزأ عنه ; لأنه عمل بغير وقت .
باب الطواف بعد عرفة

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } .

( قال الشافعي ) فاحتملت الآية أن تكون على طواف الوداع ; لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث واحتملت أن تكون على الطواف بعد منى وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب وذلك قضاء التفث وذلك أشبه معنييها بها ; لأن الطواف بعد منى واجب على الحاج والتنزيل كالدليل على إيجابه والله أعلم ، وليس هكذا طواف الوداع ( قال الشافعي ) إن كانت نزلت في الطواف بعد " منى " دل ذلك على إباحة الطيب ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر الناس أن [ ص: 197 ] يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال " لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت " .

( قال الشافعي ) وبهذا نقول وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض أن تنفر قبل أن تطوف طواف الوداع دلالة على أن ترك طواف الوداع لا يفسد حجا ، والحج أعمال متفرقة منها شيء إذا لم يعمله الحاج أفسد حجه ، وذلك الإحرام وأن يكون عاقلا للإحرام وعرفة فأي هذا ترك لم يجزه عنه حجه .

( قال الشافعي ) ومنها ما إذا تركه لم يحل من كل إحرامه وكان عليه أن يعمله في عمره كله ، وذلك الطواف بالبيت والصفا والمروة الذي يحل به إلا النساء وأيهما ترك رجع من بلده وكان محرما من النساء حتى يقضيه ، ومنها ما يعمل في وقت فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بدله وعليه الفدية مثل المزدلفة والبيتوتة ب " منى " ورمي الجمار ، ومنها ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ولو لم يرجع لزمه الدم وذلك مثل الميقات في الإحرام ومثله - والله أعلم - طواف الوداع ; لأنهما عملان أمر بهما معا فتركهما فلا يتفرقان عندي فيما يجب عليه من الفدية في كل واحد منهما قياسا على مزدلفة ، والجمار والبيتوتة ليالي " منى " ; لأنه نسك قد تركه وقد أخبرنا عن ابن عباس أنه قال " من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما " فإن قال قائل : طواف الوداع طواف مأمور به ، وطواف الإحلال من الإحرام طواف مأمور به وعملان في غير وقت متى جاء بهما العامل أجزأ عنه فلم لم تقس الطواف بالطواف ؟ قيل له بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينهما والدلالة بما لا أعلم فيه مخالفا فإن قال قائل وأين الدلالة ؟ قيل له لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع وأرخص للحائض أن تنفر بلا وداع فاستدللنا على أن الطواف للوداع لو كان كالطواف للإحلال من الإحرام لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه ألا ترى أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن صفية : أطافت بعد النحر ؟ فقيل : نعم ، فقال : فلتنفر } .

( قال الشافعي ) وهذا إلزامها المقام للطواف بعد النحر وتخفيف طواف الوداع .

( قال الشافعي ) ولا يخفف ما لا يحل المحرم إلا به أولا ترى أن من طاف بعد الجمرة والنحر والحلاق حل له النساء وهو إذا حل له النساء خارج من أحرم الحج بكمال الخروج ومن خرج من إحرام الحج لم يفسده عليه ما تركه بعده وكيف يفسد ما خرج منه ؟ وهذا يبين أن ترك الميقات لا يفسد حجا ; لأنه يكون محرما وإن جاوز الميقات وأن من دون الميقات يهل فيجزي عنه ، والشيء المفسد للحج إذا ترك ما لا يجزي أحدا غير فعله وقد يجزي عالما أن يهلوا دون الميقات إذا كان أهلوهم دونه ، ويدل على أن ترك البيتوتة ليالي " منى " وترك رمي الجمار لا يفسد الحج
باب ترك الحائض الوداع

أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت { حاضت صفية بعد ما أفاضت فذكرت حيضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت يا رسول الله [ ص: 198 ] إنها حاضت بعد ما أفاضت قال فلا إذا } أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة { أن صفية بنت حيي حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك فقال فلا إذا } .

أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة { أن صفية حاضت يوم النحر فذكرت عائشة حيضتها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت : إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك قال فلتنفر إذا } أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها حابستنا فقالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال فلا إذا } .

أخبرنا مالك عن هشام بن عروة قال عروة قالت عائشة ونحن نذكر ذلك فلم يقدم الناس نساءهم إن كان لا ينفعهم ولو كان ذلك الذي يقول لأصبح " بمنى " أكثر من ستة آلاف امرأة حائض .

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم { عن طاوس قال كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ؟ قال : نعم ، قال فلا تفت بذلك قال فقال ابن عباس إما لا ، فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال فرجع إليه زيد بن ثابت يضحك ويقول ما أراك إلا قد صدقت } ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي حسين قال { اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة الحائض فقال ابن عباس تنفر ، وقال زيد لا تنفر ، فقال له ابن عباس سل ، فسأل أم سليم وصواحباتها قال فذهب زيد فلبث عنه ثم جاءه وهو يضحك فقال القول ما قلت } أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن فإن حضن بعد ذلك لم تنتظر بهن أن يطهرن تنفر بهن وهن حيض .

أخبرنا سفيان عن أيوب عن القاسم بن محمد أن عائشة كانت تأمر النساء أن يعجلن الإفاضة مخافة الحيض ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال : جلست إلى ابن عمر فسمعته يقول { لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } فقلت ما له أما سمع ما سمع أصحابه ؟ ثم جلست إليه من العام المقبل فسمعته يقول زعموا أنه رخص للمرأة الحائض .

( قال الشافعي ) كأن ابن عمر - والله أعلم - سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة للحائض فقال به على العام وهكذا ينبغي له ولمن سمع عاما أن يقول به فلما بلغه الرخصة للحائض ذكرها وأخبرنا عن ابن شهاب قال جلت عائشة للنساء عن ثلاث ، لا صدر لحائض إذا أفاضت بعد المعرف ثم حاضت قبل الصدر وإذا طافت المرأة طواف الزيارة الذي يحلها لزوجها ثم حاضت نفرت بغير وداع ، ولا فدية عليها وإن طهرت قبل أن تنفر فعليها الوداع كما يكون على التي لم تحض من النساء ، وإن خرجت من بيوت مكة كلها قبل أن تطهر ثم طهرت لم يكن عليها الوداع ، وإن طهرت في البيوت كان عليها الوداع ، وكذلك لو رأت الطهر فلم تجد ماء كان عليها الوداع كما تكون عليها الصلاة ، فإن كانت مستحاضة طافت في الأيام التي تصلي فيها فإن بدأت بها الاستحاضة قلنا لها ، تقف حتى تعلم قدر حيضتها واستحاضتها فنفرت فعلمنا أن اليوم الذي نفرت فيه يوم طهر كان عليها دم لترك الوداع ، وإن كان يوم حيض لم يكن عليها دم
[ ص: 199 ] باب تحريم الصيد

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله - عز وجل { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } .

( قال الشافعي ) والبحر اسم جامع فكل ما كثر ماؤه واتسع قيل هذا بحر فإن قال قائل فالبحر المعروف البحر هو المالح قيل نعم ويدخل فيه العذب وذلك معروف عند العرب فإن قال فهل من دليل عليه في كتاب الله قيل نعم قال الله عز وجل { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا }

ففي الآية دلالتان إحداهما أن البحر العذب والمالح وأن صيدهما مذكور ذكرا واحدا فكل ما صيد في ماء عذب أو بحر قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمحرم حلال وحلال اصطياده وإن كان في الحرم لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمحرم لا يختلف ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أحل له ما يعيش في البحر من ذلك وأنه أحل كل ما يعيش في مائه لأنه صيده وطعامه عندنا ما ألقي وطفا عليه والله أعلم ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير تكلف كتكلف صيده فكان هذا داخلا في ظاهر جملة الآية والله أعلم فإن قال قائل فهل من خبر يدل على هذا قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سأل عن صيد الأنهار وقلات المياه أليس بصيد البحر قال بلى وتلا { هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا } أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء عن حيتان بركة القسري وهي بئر عظيمة في الحرم أتصاد قال نعم ولوددت أن عندنا منه
باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه

( قال الشافعي ) ذكر الله - عز وجل - صيد البحر جملة ومفسرا ، فالمفسر من كتاب الله - عز وجل - يدل على معنى المجمل منه بالدلالة المفسرة المبينة والله أعلم ، قال الله - تعالى - : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلما أثبت الله - عز وجل - إحلال صيد البحر وحرم صيد البر ما كانوا حرما ، دل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كانوا حرما ، ما كان أكله حلالا لهم قبل الإحرام ; لأنه - والله أعلم - لا يشبه أن يكون حرم بالإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله ، فأما ما كان محرما على الحلال فالتحريم الأول كف منه ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنى ما قلت وإن كان بينا في الآية والله أعلم .

أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور }
باب قتل الصيد خطأ

( قال الشافعي ) قال الله - تبارك وتعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا } ( قال الشافعي ) يجزي الصيد من قتله عمدا أو خطأ ، فإن قال قائل : إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد [ ص: 200 ] عمدا وكيف أوجبته على قاتله خطأ ؟ قيل له إن شاء الله : إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ ؟ قيل أوجبته في الخطأ قياسا على القرآن والسنة والإجماع فإن قال فأين القياس على القرآن ؟ قيل قال الله - عز وجل - في قتل الخطأ { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وقال { فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } فلما كانت النفسان ممنوعتين بالإسلام والعهد فأوجب الله - عز وجل - فيهما بالخطأ ديتين ورقبتين كان الصيد في الإحرام ممنوعا بقول الله - عز وجل - { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى { هديا بالغ الكعبة } .

ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان أو طائر أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى قال الله - عز وجل - { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلما كان الصيد محرما كله في الإحرام وكان الله - عز وجل - حكم في شيء منه بعدل بالغ الكعبة كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لا يتفرق كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطإ ، فإن قال قائل : فمن قال هذا معك ؟ قيل الحجة فيه ما وصفت وهي عندنا مكتفى بها وقد قاله ممن قبلنا غيرنا قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء قول الله - عز وجل - { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا } قلت له فمن قتله خطأ أيغرم ؟ قال : نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت الناس يغرمون في الخطإ .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل فهل شيء أعلى من هذا ؟ قيل شيء يحتمل هذا المعنى ، ويحتمل خلافه فإن قال ما هو ؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قريب ( قال الشافعي ) فيحتمل أن يكونا أوطآ الضب مخطئين بإيطائه وأوطآه عامدين له فقال لي قائل هل ذهب أحد في هذا خلاف مذهبك ؟ فقلت : نعم قال فاذكره قلت : أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول : ومن قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا لحرمه أو أراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفر عنه من النعم قال فما يعني بقوله فقد أحل ؟

قلت أحسبه يذهب إلى أحل عقوبة الله ، قال أفتراه يريد أحل من إحرامه ؟ قلت ما أراه ولو أراده كان مذهب من أحفظ عنه خلافه ولم يلزم بقوله حجة ، قال فما جماع معنى قوله في الصيد ؟ قلت إنه لا يكفر العمد الذي لا يخلطه خطأ ، ويكفر العمد الذي يخلطه الخطأ .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]