عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 07-01-2022, 06:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,797
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى


تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
من صــ 121 الى صــ 125
الحلقة (20)

الثانية عشرة : ما ذكرناه في هذا الباب من الأحاديث والمعاني في تعيين الفاتحة يرد على [ ص: 121 ] الكوفيين قولهم في أن الفاتحة لا تتعين ، وأنها وغيرها من آي القرآن سواء . وقد عينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما ذكرناه ; وهو المبين عن الله تعالى مراده في قوله : وأقيموا الصلاة . وقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر . فدل هذا الحديث على أن قوله عليه السلام للأعرابي : اقرأ ما تيسر معك من القرآن ما زاد على الفاتحة ، وهو تفسير قوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر منه وقد روى مسلم عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن - زاد في رواية - فصاعدا . وقوله عليه السلام : ( هي خداج - ثلاثا - غير تمام ) أي غير مجزئة بالأدلة المذكورة . والخداج : النقص والفساد . قال الأخفش : خدجت الناقة ; إذا ألقت ولدها لغير تمام ، وأخدجت إذا قذفت به قبل وقت الولادة وإن كان تام الخلق .

والنظر يوجب في النقصان ألا تجوز معه الصلاة ، لأنها صلاة لم تتم ; ومن خرج من صلاته وهي لم تتم فعليه إعادتها كما أمر ، على حسب حكمها . ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل ، ولا سبيل إليه من وجه يلزم ، والله أعلم .
الثالثة عشرة : روي عن مالك أن القراءة لا تجب في شيء في الصلاة ; وكذلك كان الشافعي يقول بالعراق فيمن نسيها ، ثم رجع عن هذا بمصر فقال : لا تجزئ صلاة من يحسن فاتحة الكتاب إلا بها ، ولا يجزئه أن ينقص حرفا منها ; فإن لم يقرأها أو نقص منها حرفا أعاد صلاته وإن قرأ بغيرها . وهذا هو الصحيح في المسألة . وأما ما روي عن عمر رحمه الله أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها ، فذكر ذلك له فقال : كيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا : حسن ، قال : لا بأس إذا ، فحديث منكر اللفظ منقطع الإسناد ، لأنه يرويه إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر ، ومرة يرويه إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عمر ، وكلاهما منقطع لا حجة فيه ; وقد ذكره مالك في الموطأ ، وهو عند بعض الرواة وليس عند يحيى وطائفة معه ، لأنه رماه مالك من كتابه بأخرة ، وقال ليس عليه العمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم [ ص: 122 ] القرآن فهي خداج وقد روي عن عمر أنه أعاد تلك الصلاة ; وهو الصحيح عنه . روى يحيى بن يحيى النيسابوري قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث أن عمر نسي القراءة في المغرب فأعاد بهم الصلاة . قال ابن عبد البر : وهذا حديث متصل شهده همام من عمر ; روي ذلك من وجوه . وروى أشهب عن مالك قال : سئل مالك عن الذي نسي القراءة ، أيعجبك ما قال عمر ؟ فقال : أنا أنكر أن يكون عمر فعله - وأنكر الحديث - وقال : يرى الناس عمر يصنع هذا في المغرب ولا يسبحون به ! أرى أن يعيد الصلاة من فعل هذا .
الرابعة عشرة : أجمع العلماء على أن لا صلاة إلا بقراءة ، على ما تقدم من أصولهم في ذلك . وأجمعوا على أن لا توقيت في ذلك بعد فاتحة الكتاب ، إلا أنهم يستحبون ألا يقرأ مع فاتحة الكتاب إلا سورة واحدة لأنه الأكثر مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال مالك : وسنة القراءة أن يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب . وقال الأوزاعي : يقرأ بأم القرآن فإن لم يقرأ بأم القرآن وقرأ بغيرها أجزأه ، وقال : وإن نسي أن يقرأ في ثلاث ركعات أعاد . وقال الثوري : يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ، ويسبح في الأخريين إن شاء ، وإن شاء قرأ ، وإن لم يقرأ ولم يسبح جازت صلاته ، وهو قول أبي حنيفة وسائر الكوفيين .

قال ابن المنذر : وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين ، وبه قال النخعي . قال سفيان : فإن لم يقرأ في ثلاث ركعات أعاد الصلاة لأنه لا تجزئه قراءة ركعة . قال : وكذلك إن نسي أن يقرأ ركعة في صلاة الفجر . وقال أبو ثور : لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة ، كقول الشافعي المصري ، وعليه جماعة أصحاب الشافعي . وكذلك قال ابن خويز منداد المالكي ; قال : قراءة الفاتحة واجبة عندنا في كل ركعة ، وهذا هو الصحيح في المسألة . روى مسلم عن أبي قتادة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، ويسمعنا الآية أحيانا ، وكان يطول في الركعة الأولى من الظهر [ ص: 123 ] ويقصر الثانية ، وكذلك في الصبح . وفي رواية : ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ; وهذا نص صريح وحديث صحيح لما ذهب إليه مالك . ونص في تعين الفاتحة في كل ركعة ; خلافا لمن أبى ذلك ، والحجة في السنة لا فيما خالفها .
الخامسة عشرة : ذهب الجمهور إلى أن ما زاد على الفاتحة من القراءة ليس بواجب ; لما رواه مسلم عن أبي هريرة قال : في كل صلاة قراءة ، فما أسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعناكم ، وما أخفى منا أخفينا منكم ; فمن قرأ بأم القرآن فقد أجزأت عنه ، ومن زاد فهو أفضل . وفي البخاري : وإن زدت فهو خير . وقد أبى كثير من أهل العلم ترك السورة لضرورة أو لغير ضرورة ; منهم عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وخوات بن جبير ومجاهد وأبو وائل وابن عمر وابن عباس وغيرهم ; قالوا : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها من القرآن ; فمنهم من حد آيتين ، ومنهم من حد آية ، ومنهم من لم يحد ، وقال : شيء من القرآن معها ; وكل هذا موجب لتعلم ما تيسر من القرآن على كل حال مع فاتحة الكتاب ; لحديث عبادة وأبي سعيد الخدري وغيرهما . وفي المدونة : وكيع عن الأعمش عن خيثمة قال : حدثني من سمع عمر بن الخطاب يقول : لا تجزئ صلاة من لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها .

واختلف المذهب في قراءة السورة على ثلاثة أقوال : سنة ، فضيلة ، واجبة .
السادسة عشرة : من تعذر ذلك عليه بعد بلوغ مجهوده فلم يقدر على تعلم الفاتحة أو شيء من القرآن ولا علق منه بشيء ، لزمه أن يذكر الله في موضع القراءة بما أمكنه من تكبير أو تهليل أو تحميد أو تسبيح أو تمجيد أو لا حول ولا قوة إلا بالله ، إذا صلى وحده أو مع إمام فيما أسر فيه الإمام ; فقد روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا ، فعلمني ما يجزئني منه ; قال : قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ; قال : يا رسول الله ، هذا لله ، فما لي ؟ قال : قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني .

[ ص: 124 ]
السابعة عشرة : فإن عجز عن إصابة شيء من هذا اللفظ فلا يدع الصلاة مع الإمام جهده ; فالإمام يحمل ذلك عنه إن شاء الله ; وعليه أبدا أن يجهد نفسه في تعلم فاتحة الكتاب فما زاد ، إلى أن يحول الموت دون ذلك وهو بحال الاجتهاد فيعذره الله .
الثامنة عشرة : من لم يواته لسانه إلى التكلم بالعربية من الأعجميين وغيرهم ترجم له الدعاء العربي بلسانه الذي يفقه لإقامة صلاته ; فإن ذلك يجزئه إن شاء الله تعالى .
التاسعة عشرة : لا تجزئ صلاة من قرأ بالفارسية وهو يحسن العربية في قول الجمهور . وقال أبو حنيفة : تجزئه القراءة بالفارسية وإن أحسن العربية ; لأن المقصود إصابة المعنى . قال ابن المنذر : لا يجزئه ذلك ; لأنه خلاف ما أمر الله به ، وخلاف ما علم النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلاف جماعات المسلمين . ولا نعلم أحدا وافقه على ما قال .
الموفية عشرين : من افتتح الصلاة كما أمر وهو غير عالم بالقراءة ، فطرأ عليه العلم بها في أثناء الصلاة ويتصور ذلك بأن يكون سمع من قرأها فعلقت بحفظه من مجرد السماع فلا يستأنف الصلاة ; لأنه أدى ما مضى على حسب ما أمر به ; فلا وجه لإبطاله قاله في كتاب ابن سحنون .
فيه ثمان مسائل :

الأولى : ويسن لقارئ القرآن أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة بعد سكتة على نون " ولا الضالين " : آمين ، ليتميز ما هو قرآن مما ليس بقرآن .
الثانية : ثبت في الأمهات من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فترتبت المغفرة للذنب على مقدمات أربع تضمنها هذا الحديث . الأولى : تأمين الإمام ، الثانية : تأمين من خلفه ، الثالثة : تأمين الملائكة ، الرابعة : موافقة التأمين ، قيل في [ ص: 125 ] الإجابة ، وقيل في الزمن ، وقيل في الصفة من إخلاص الدعاء ، لقوله عليه السلام : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه .
الثالثة : روى أبو داود عن أبي مصبح المقرائي قال : كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة ، فيحدث أحسن الحديث ، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال : اختمه بآمين . فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة . قال أبو زهير ألا أخبركم عن ذلك ، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوجب إن ختم فقال له رجل من القوم : بأي شيء يختم ؟ قال : بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب فانصرف الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتى الرجل فقال له : اختم يا فلان وأبشر . قال ابن عبد البر : أبو زهير النميري اسمه يحيى بن نفير روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم . وقال وهب بن منبه : آمين أربعة أحرف يخلق الله من كل حرف ملكا يقول : اللهم اغفر لكل من قال آمين . وفي الخبر ( لقنني جبريل آمين عند فراغي من فاتحة الكتاب وقال إنه كالخاتم على الكتاب ) وفي حديث آخر : آمين خاتم رب العالمين . قال الهروي قال أبو بكر : معناه أنه طابع الله على عباده ; لأنه يدفع [ به عنهم ] الآفات والبلايا ; فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ، ويمنع من إفساده وإظهار ما فيه . وفي حديث آخر آمين درجة في الجنة . قال أبو بكر : معناه أنه حرف يكتسب به قائله درجة في الجنة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]