زواج المتعة
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
تعريف المتعة:
المتعة لغة: الميم والتاء والعين أصل صحيح يدل على منفعة، وتلذذ، وامتداد مدة في خير، والمتعة: المنفعة، وما يستمتع به الإنسان في حوائجه من أمتعة البيت ونحوه من كلِّ شيء، يقال: متَّع الله به فلانا تمتيعا، وأمتعه به إمتاعا بمعنى واحد، أي أبقاه؛ ليستمتع به فيما أحب من السرور، والمنافع[1].
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾[الحديد: 20].
وقال الله سبحانه وتعالى:﴿ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [آل عمران: 14].
وفي الحديث: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»[2].
والمُتعة والمتاع: اسمان يقومان مقام المصدر الحقيقي، وهو التمتيع، وهو كل شيء تمتعت وانتفعت به إلى أمد معلوم، ويأتي عليه الفناء في الدنيا، ومُتعةُ المرأة المطلقة إذا طلّقها زوجُها، يقال: متّعها مُتعةً إذا أعطاها شيئًا[3].
ويُطلق لفظ المتعة على ثلاثة أشياء:
1- متعة الحج[4]
2- متعة الطلاق[5].
3- متعة النكاح.
تعريف متعة النكاح شرعا:
عرَّفَتها الحَنَفية بأن يقول لامرأة خالية من الموانع: أتمتع بك كذا من المدة كعشرة أيام مثلا، أو يقول: أياما، أو: متعيني نفسك أياما، أو: عشرة أيام، أو لم يذكر أياما، بكذا من المال[6].
وعرفتها المالكيةبأنهانكاح إلى أجل،وشرط فساده إعلام الزوجة بأنه إنما ينكحها مدة من الزمان، وأما إن لم يعلمها وإنما قصد ذلك في نفسه فلا يفسد وإن فهمت منه ذلك[7].
وقيل: هي نكاح مؤقَّت، مثل أن يتزوج امرأة إلى شهر أونحوه، فإذا انقضى بطل النكاح، أو مثل أن يقول المسافر يدخل البلد: أتزوجك ما أقمت[8].
وعرفتها الشافعيةبأنهاكل نكاح كان لأجل من الآجل قرُب أو بعُد، كأن يقول الرجل للمرأة: أمتعيني نفسكِ يوما، أو: شهرا، أو: موسم الحاج، أو: ما أقمت في البلد، أو يذكر ذلك بلفظ النكاح أو التزويج لها، أو لوليها بعد أن يقدره بمدة، إما معلومة أو مجهولة، أو يقول الولي: زوجتك ابنتي يومًا، أو شهرًا[9].
وعرفتها الحنابلة بأن يتزوج الرجل المرأةَ إلى مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا، أو: سنة أو: إلى انقضاء الموسم، أو: قدوم الحاج، وشِبْهه، أو يَشْرِط طلاقها فيه بوقت، أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج، سواء كانت المدة معلومةً أو مجهولة، أو يقول هو: أمتعيني نفسكِ، فتقول: أمتعتُك نفسي لا بولي ولا شاهدين، وإن نوى بقلبه فكالشرط[10].
حاصل هذه التعريفات أن زواج المتعة هو نكاح مؤقَّت بمدة محددة، أو زواج بنية الطلاق.
الأدلة على تحريم زواج المتعة:
زواج المتعة من أغرب ما ورد في الشريعة، فإنه نُسِخَ مرتين، كان مباحا في صدر الإِسلام للضرورة في حال الغزو البعيد، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه يوم خيبر، ثم أباحه في غزوة حُنين، ثم حرَّمه بعد ذلك تحريما قاطعا على التأبيد[11].
وقد دلَّ الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول على تحريم نكاح المتعة.
أما الكتاب:
1- فقد قال الله عز وجل: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ [النساء: 25].
وجه الدلالة:أن اللهسبحانه وتعالىاشترط في النكاح أن يكون بإذن الأهل، ومعلوم أن النكاح بإذن الأهل هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك[12].
2- قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 5 - 7].
وجه الدلالة:أن اللهسبحانه وتعالىقد حرم الفرج إلا بالنكاح أو بمِلك اليمين، والمتمتعةُ ليست بزوجة، ولا ملك يمين له[13]، فمن التمس لفرجه منكحا سوى زوجته ومِلك يمينه، فهم الملومون العادون حدود الله، المجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم[14].
3- قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [النساء: 25].
وجه الدلالة:لو كانت المتعة مشروعةً لأرشد الله إليها مع مِلك اليمين.
4- قال الله عز وجل: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 33].
وجه الدلالة:لو كانت المتعة جائزة لأرشد الله تبارك وتعالى إليها.
أما السُّنَّة:
1- فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ»[15].
2- عنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلمنَهَى يَوْمَ الْفَتْحِ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ»[16].
3- عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمعَامَ أَوْطَاسٍ[17]، فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا»[18].
وجه الدلالة من هذه الأحاديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه[19].
4- عنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا»[20].
وجه الدلالة: في هذا الحديث التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة[21].
أما الإجماع:
فقد أجمعت الأمة على تحريم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة[22].
قال ابن المنذر رحمه الله «ت 317هـ»: «ولا أعلم أحدا يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة[23]، ولا معنى لقول يخالف القائل به كتاب الله، وسنن رسولهصلى الله عليه وسلم»[24].
قال الخطابي رحمه الله «ت 388هـ»: «تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين وقد كان ذلك مباحًا في صدر الإسلام، ثم حرمه في حَجة الوداع، وذلك في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبقَ اليوم فيه خلاف بين الأئمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الروافض»[25].
وقال الماوردي رحمه الله «ت 450هـ»: أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تحريم نكاح المتعة، روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن الزبير، وأبي هريرة رضي الله عنهم ... فإن قيل: فقد خالفهم ابن عباس رضي الله عنهما، ومع خلافه لا يكون الإجماع، قيل: قد رجع ابن عباس عن إباحتها وأظهر تحريمها.... فصار الإجماع برجوعه منعقدا والخلاف به مرتفعا، وانعقادُ الإجماع بعد ظهور الخلاف أوكد، لأنه يدل على حجة قاطعة، ودليل قاهر[26].
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «اتفق أئمة علماء الأمصار من أهل الرأي والآثار منهم: مالك، وأصحابه من أهل المدينة، وسفيان، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، والشافعي ومن سلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر، والليث بن سعد في أهل مصر والمغرب، والأوزاعي في أهل الشام، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود، والطبري على تحريم نكاح المتعة؛ لصحة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلمعندهم عنها»[27].
وقال المَازري رحمه الله «ت 536هـ»: «تقرر الإِجماع على منعه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة»[28].
وقال البغوي رحمه الله «ت 516هـ»: «اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة، وهو كالإجماع بين المسلمين، ورُوي عن ابن عباس شيء من الرخصة للمضطر إليه بطول العُزبة، ثم رجع عنه حيث بلغه النهي»[29].
وقال القاضي ابن العربي رحمه الله: «وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يقولها، ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها»[30].
وقال القاضي عياض رحمه الله «ت 544هـ»: «ولا خلاف بين العلماء أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل... ووقع الإجماع على تحريمها بعد من جميع العلماء إلا الروافض، واتفق السلف على تحريمها آخرًا إلا ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما من إجازتها، وقد رُوي عنه أنه رجع عن ذلك، وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن أنه يفسخ أبدًا قبل الدخول، وبعده»[31].
وقال الكاساني رحمه الله «ت 587هـ»: «وأما الإجماع فإن الأمة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة مع ظهور الحاجة لهم إلى ذلك»[32].
وقال ابن رشد رحمه الله «ت 595هـ»: أكثر الصحابة، وجميع فقهاء الأمصار على تحريم نكاح المتعة[33].
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله «ت 656هـ»: «وعلى الجملة فالروايات كلها متفقة على وقوع إباحة المتعة، وأن ذلك لم يطُل، وأنه نسخ، وحرم تحريما مؤبدا، وأجمع السلف والخلف على تحريمها إلا ما روي عن ابن عباس، ورُوي عنه أنه رجع عنه، وإلا الرافضة، ولا يلتفت لخلافهم؛ إذ ليسوا على طريقة المسلمين»[34].
وقال القرطبي رحمه الله «ت 671هـ»: سائر العلماء، والفقهاء من الصحابة والتابعين، والسلف الصالحين على أن المتعة حرام[35].
وقال البابرتي رحمه الله«ت 786هـ»:«أجمع الصحابة على أن المتعة قد انتسخت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الأحاديث ناسخة، والإجماع مُظهِرًا»[36].
وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «أجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل الدخول، أم بعده»[37].
وقال العيني رحمه الله«ت 855هـ»:«ادعى غير واحد من العلماء الإجماع على تحريم المتعة ... ثم أجمعت الصحابة على أن المتعة قد انتسخت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الأحاديث ناسخة، والإجماع مُظهِرًا»[38].
وجاء في الفتاوى المصرية: نكاح المتعة باطل لا يخالف في بطلانه غير طائفة من الشيعة لا يعوَّل على خلافهم في ذلك[39].
وقال الشيخ عطية صقر رحمه الله: أُبيح زواج المتعة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وقتا ما لحاجة الغزاة إليه، ثم حُرِّم بعد ذلك ولم يخالف في تحريمه إلا بعض الشيعة[40].
يتبع