عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-01-2022, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,188
الدولة : Egypt
افتراضي وساوس التواصل الاجتماعي

وساوس التواصل الاجتماعي


فراس رياض السقال








الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فيحفِل عصرُنا الحديث في مطلع كل يوم بعشرات أو مئات الابتكارات التقنية الجديدة، التي تواكب متطلباتنا من حيث السرعة والجودة والراحة وقلة التكلفة، فتقف شريعتنا الغراء موقفَ المشجع إلى تحقيق تلك الأهداف طالما أنها في إطار المشروع والمعقول، فإن عارضت مبادئَنا فعندها يستنفر الشرعُ النظرَ في ذلك التعارض، فإن زالتِ الشُّبَه والعوائق وسلِمْنا من شررها فلا بأس بها، وإلا فحصن الدين يقف سدًّا منيعًا في وجه أي انتهاك للحرمات، وارتكاب ما يعاقب عليه دينُنا.



ومِن تلك الابتكارات التي طَلَّت علينا كحدث جديد: وسائل الاتصال الاجتماعي، التي غدَتْ حديث الساعة، وشُغلَ الناس الشاغل لهم، حتى أضحت ضرورة حياتية (في تصور البعض) يصعُبُ الانفكاك عنها، حتى ارتقت إلى ظاهرةٍ اجتماعية سائدة.



قصة ولادة هذه الوسائل في مجتمعاتنا (الإسلامية العربية):

وهذه الوسائل التي وفَدَتْ إلينا من بلاد غربية عبر الشبكة العالمية (الإنترنت)، كانت حكرًا على كبار المسؤولين الأمنيِّين والتجار، ثم صارت تجارة لمنتج نادر وعجيب كتقليد وموضة عصرية، وعندما عجَزت الحكومات عن ضبطها أعطَتِ الضوء الأخضر للتجار والأمنيين بتسويقها، ولكن بحرص شديد، وبالتحكم بشبكات الإنترنت ومراقبتها، باستقدام أحدث الأجهزة التجسسية الحديثة، ثم انفجرت فصارت سلعة رائجة في الأسواق، إلى أن توافرت بيد كل مواطن.



وكما يقولون: (كل محجوب مرغوب)، فعندما مُنع تداوُلُ هذه الوسائل كثُر الطلب عليها، فدفع الناس الغالي والرخيص لركوب موجتها، وقد راجت أكثر ونجحت في مجتمعاتنا في بداية الثورات الشعبية (الربيع العربي)، فساعدت في نجاح الثورات، وكان لها دورٌ كبير في التفاعلات الشعبية، وهكذا تسارعت الأحداث، ومع تسارعها تفوَّقت ونمت هذه الوسائل وعلا شأنها.



الاستعمالُ الخاطئ:

إن وُجِد لهذه الوسائل التواصلية حسنات، فلها آلاف السيئات، وكما تعلمنا أن السكين قد تنحر بها جملًا، فيكون أضحية تطعمها البائس الفقير والمسكين وابن السبيل، فتكون قربى وطاعة، أيضًا لها عمل آخر في مجال الشرور؛ فهي أداة قاتلة بيد الجناة لارتكاب الجرائم العظيمة، فيقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، فتكون إثمًا ومعصية وكبيرة، فكيف إن كانت تلك الأداة بيد أحمق أو مغفل أو مَن لا يتقن استعمالها؟! عافنا الله وإياكم، وسلَّمنا مِن هذه الشرور.



وفي هذه المقالة، نسلط الضوء على هذه الوسائل المُحدثة، بسرد حسناتها وسيئاتها، والدوافع لإنشائها، ثم نخلص لنتيجة، نرجو الله القدير أن يلهمنا الخير الصائب والحكمة الطيبة لما فيه الفائدة لنا ولجميع المسلمين خصوصًا، والبشرية جمعاء عمومًا.



بِشارات وتَهَانٍ:

أبشركم جميعًا - الحمد لله - لقد أصبح عندي فيسبوك!

أشكركم على تهانيكم في الواتس آب الجديد!

مرحى مرحى.. لقد ضج هاتفي المحمول وحاسوبي بالكثير من مواقع التواصل الاجتماعية!

أتحداك إن كان لديك اشتراكات وحسابات كما لدي، أين تعيش يا رجل؟!

لم أعد أستطيع حفظ كلمات السر (الشيفرات)؛ لكثرتها وكثرة البرامج، فدونتها جميعًا في دفتر خاص، أسمَيْتُه: (عالمي الخاص)!



ها قد دخلنا وبشوق كبير إلى عالم وهمي أجوف، الداخل فيه مِن فرحته أضحى يعانق السحب، يرقص طربًا بقَبوله في مجموعة متنافسة من الأشخاص، كل منهم يسابق الآخر لفضح ما عنده من أسرار، ونشر ما لديه من أوهام، والبوح بأشياء لم يفكر يومًا أن يردِّدَها في قرارة نفسه، الجميع فيه كأنهم في حجرة زجاجية شفافة، الكل يرى خبايا الآخرين، فما تم ستره ظهر الآن، لا خصوصية لأحد، ولا حرمة لكلمة ولا لصورة ولا لموقع، الكل عارٍ أمام عدسة لا تُرى، بل أمام عدسات عدة، تَفشى بينهم مرض التمسحة، فأصبحوا لا يُبالون من يكلمون، ومع من يحاورون، وجرت في دمائهم حمى خبيثة، بات اجتثاثها صعبَ المنال، ألا وهي حمَّى الدردشة.



الماضي والحاضر:

لقد كان ماضينا أكثر مروءة وشهامة من حاضرنا، فلم يكن أحد يجرؤ على النظر في عين جارتِه، ووجه بنت خالته، وهيئة معلِّمته، فأصبح عصرنا المتحضر (كما يدَّعون) عصرَ الانفتاح والانشراح، لا والله، بل عصر الافتضاح والانبطاح؛ فالصور الشخصية ملأتِ المواقع، صور بكل المقاسات والهيئات والحالات، كنا نتحرز في الماضي من الوقوف أمام عدسة الكاميرا نحن والأهل؛ خوفًا من إضاعتها؛ فتتسرب الصورة ويراها أحد .. أما الآن فلا أحد يبالي من سيرى صوره العائلية، حتى من قلة الدين والأخلاق صارت صور الأعراس والحفلات مفضوحة منتشرة، بل ويفتخر صاحبها بنشرها ويتباهى..



ما هذا العصر؟!

هل هي الحرية والحضارة والمدنيَّة والديمقراطية؟!

أيُّ حرية تسمح للرجل بالخوض في حوار مع امرأة أجنبية بدون أي ضوابط؟!

وأي حضارة تسمح لبنت أسرة ملتزمة بالدردشة مع رجل غريب من باب المجاملة والشكر والتعارف (كما يدَّعون)؟!

للأسف، هذا هو الواقع الأسود؛ فالكثير ممن اكتنز موقعًا للتواصل الاجتماعي يضيع ساعات طوالًا في شكر على تعليق فارغ، وتوضيح لفكرة سطحية، وتفسير لجملة ليست لها أي أهمية، وسؤال عن أصل وفصل مبتور، وكل ذلك لستر غاية رديئة، تدفعها نزوة خبيثة من الكثير (ولا نعمم) ممن يمتطون ظَهر تلك الشبكات.



الشبكات: اسمٌ واضح بليغ؛ أي: المصائد، جمع: مصيدة، فكما أن الصياد ينصِب شباكه يترصد الفريسة، كذلك مَن تداول تلك الشبكات (وسائل التواصل الاجتماعي) هو فريسة سهلة بين مخالب صياد لا نعلَم حاله أو هدفه أو حقيقته.



فالرجل أمام أهلِه أبكمُ أصمُّ أعمى، كما يقول أهل الشام: (القط يأكل عشاه)، لا يفتح فمه في البيت إلا وراء فرشاة الأسنان، فلا يجاملهم، ولا ينطق كلمة شكر جميلة لجبر خاطر أهله، يتخشب أمام الشاشة السحرية وكأنه يجلس على كرسي الاعتراف، فتراه في نشوة عارمة، غارقًا في بحر مِن المجاملات الكاذبة مع مَن يحادثه، والمشكلة والطامة الكبرى أن كليهما يكذِبُ الآخَر.



يبتسم فجأة، ويتبعها بقهقهة، ثم يحزن بعدها، يُكثِر الشرود، ملامح وجهه تتقلب إلى صفات عدة في الدقيقة الواحدة، كأنه يعاني انفصامَ شخصية، أو مرضًا نفسيًّا مزمنًا، وكل ذلك وعيناه "مبحلقتان" في شاشة الهاتف، عافانا الله وجميع المبتلَيْنَ!



أما الجنس الآخر والعياذ بالله ... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فوالله لأخجل وأرتبك فترتعد فرائصي، وأكاد يغشى عليَّ مِن ذِكر أو كتابة ما تفعله تلك النسوة (البنات والمتزوجات والمطلقات والأرامل) في تلك الوسائل الشيطانية الخبيثة، بل يلتبس عليَّ الأمر مرارًا أيهما المُوَسْوِسُ الحقيقي؟!



أهو الشيطان للمرأة أم تلك المرأة الموسوس المحترف لجميع الأبالسة؟!

وهل أضحى إبليس الآن عالمًا عصريًّا إلكترونيًّا بوسائل التواصل الحديثة ليرشد النساء إلى تلك البؤر والمستنقعات؟!

وحسبنا الله ونعم الوكيل!



دستورنا دِينُنا الحنيف:

إن الدينَ القويم في قلب كل إنسان هو الضابط الرئيس لتصرفات الأفراد، بعونٍ مِن العقل الرشيد، وتأييد الأخلاق الكريمة، وتشجيع البيئة الملتزمة، ويقظة الضمير الحي، ودعم القدوة الحسنة، فإن غاب هؤلاء جميعًا فقد فشَتِ الرذيلة واستفحلت، وإن فُقِد بعضها كبُرَتِ الفجَوات، وزاد الخلَل، وأصبحت مداخل الشياطين مُشرَعة، فاتسع الخَرْق على الراقع.



الحرب الخبيثة على الإسلام:

إن أمة الإسلام اليوم قد تجمهرت عليها ذئابُ الكون وضباعه، وضُيق عليها الخناق، بكل الوسائل والسبل، بداية من الحروب المستعرة في بلاد المسلمين، وصولًا إلى حروب باردة أشد فتكًا وخبثًا ومكرًا من الأولى، ألا وهي حرب داخلية من الصميم؛ فعدوُّنا من أبنائنا، بعد أن يُغسَل دماغه ويحشى (وذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة) بالأفكار الغربية الهدامة، والتشكيك في الدين، بحجة الحرية التي يحيكها بجزئياتها أعداؤنا، فيزرعون في أدمغة أبنائنا فكرة الحرية، وأي حرية يريدونها؟! وما تعريفها عندهم؟!



الحرية بمنظورهم: التحرُّر مِن الدين، والتحرر من الأخلاق، والتحرر من الفضيلة، والتحرر من العقل، وبالمقابل يُدخلونهم في بَهو حريتهم المزعومة في سجن مظلم واسع، عبيدًا للشيطان الذي يقود شهواتِهم وأهواءَهم.



حث الإسلام على طلب العلم واكتشاف ما هو مفيد للبشرية:

إن شرعنا الحنيف أمرنا وحثنا على مواصلة طلب العلم، والبحث الدائم عن العلوم المفيدة التي تساعدنا في شتى أمور حياتنا، وذلك عن طريق الدراسات والأبحاث بهدف الاكتشاف والابتكار؛ قال الله تعالى في سورة الزمر: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، ولم يحجر علينا استعمال العقل في هذه الأمور، طالما أنها تخدُم البشرية، وتقدِّم ما هو أفضل وأجود، وأمرنا أن نضعَ كل شيء محدَث في ميزان الشرع، ثم العقل، فإن ظهر لنا في ذلك الاكتشاف ما نراه يعارض ديننا وأخلاقنا وحياتنا المعيشية، أمرنا بسلك طريقه السليم إن وجد، فإن اشتبه علينا الأمر فتركه أولى، فإن تحقق الضرر بملازمته وجب الابتعاد عنه.



وسائل التواصل الاجتماعي:

لقد بات زماننا عالَمًا غريبًا عجيبًا؛ فمن جهة ترى كل شيء فيه يتحرك بسرعة البرق، ومن جهة أخرى نجد روتينات وتكاليف جديدة فُرضت علينا، تُعقد حياتنا البسيطة، وتُحملنا ما لا نطيق، وتلزمنا بأشياء لا يُعيق سيرَ الحياةِ فَقدُهُا.



وهذه الوسائل عالم أوهام، أسماء مصطنعة، صور افتراضية، مقالات رقمية، ادعاءات كاذبة، حوارات عقيمة، أشخاص مُغلفون، هويات مستعارة أو مُقنعة، وأي خير يأتي من جهالة وخفاء ووهم؟!



ومن خلال البحث في هذه الوسائل التواصلية الحديثة نجد ما يلي:

أولًا: إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي:

1- تداول الأخبار الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء وصلة الأقارب والأباعد.

2- باب لحرية الرأي إن كانت منضبطة.

3- تناقح وتلاقح الأفكار المختلفة.

4- باب للدعوة إلى الله، ونشر الفضائل والأخلاق والفوائد.

5- مستودع للأحداث التاريخية المهمة.

6- نافذة للتعرف على الثقافات والحضارات المختلفة.

7- مجتمع للتسويق والإعلانات التجارية.

8- مجالات للتعليم والتربية والإغاثة.

9- مجتمع للنقد السياسي البنَّاء.

10- صحافة للشعوب للتعبير عن آرائهم، ونشر الأخبار العاجلة.

11- سرعة التواصل رغم بُعْد المسافات، عبر الصوت أو الكتابة أو البث الحي أو تسجيل الصوت والصورة معًا.
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]