ثانيًا: سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي:
أ- انتهاك الحقوق والحرمات (كالمقالات، والصور، والأعراض، والخصوصيات، ومقاطع الفيديو ..).
ب- عدم وجود أي خصوصية لأحد في هذا الفضاء الواسع؛ فالكل مستباح.
ت- التدليس والتلبيس والخداع؛ فمعظم روادها مُقنَّعون، وخَفاء شخصياتهم يعود لـ:
♦ خوفًا مِن الحكَّام؛ كونهم معارضين لسياسات ذلك الحاكم.
♦ خداعًا وتلبيسًا لسلب الأعراض.
♦ انتحال شخصيات وأسماءٍ؛ حيلةً ومكرًا.
ث- الافتراء والنفاق على جميع الأصعدة؛ كالإعلانات التجارية، والنقاشات السياسية، وللترويج لفكرة خالية المضمون.
ج- سوق لنشرِ الأفكار والمبادئ والثقافات التي يؤمِن بها صاحبها دون أدنى اعتبار للحدود والحقوق والأخلاق.
ح- مستنقع لنشر الرذائل الفاحشة المقيتة المُنحلَّة.
خ- أصبحَتْ سببًا واضحًا في تفكُّك الأسر؛ (كالطلاق، والانفصال، والهجر، والخيانات الزوجية)؛ مما أدى إلى خرابِ البيوت، وضياع الأولاد.
د- البُعد كل البعد عن الواقع، والغوص في عالم وهمي افتراضي.
ذ- غياب عين الرقيب المسؤول عن هذه المواقع:
♦ الرقيب المؤسس للموقع.
♦الرقابة الأُسرية.
♦ الوازع الديني.
♦ الوازع الأخلاقي.
ر- سبب رئيس في هدر الوقت.
ز- أخطر طريقة لتفكُّك وهدم الروابط الأُسرية (بين الأبوين والأولاد).
س- انعدام الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة، وذلك بالتفرُّد والقوقعة والانغلاق.
ش- تعرُّض الجسم بكافة أعضائه وحواسه للكسل والمرض، والضعف والتلف، وخاصة الخلايا الدماغية.
ص- تفشِّي لغة عامية (كتابية) رديئة، تماشيًا مع اللغة العامية (المنطوقة).
ض- سبب في وباء الإدمان الإلكتروني الخطير.
ط- بابٌ واسع وخطير لتسلُّل اللصوص عبر قرصنة البيانات وسرقتها وما تحويه من (سندات وخصوصيات وصور وحقوق)، ثم يفاوضون أصحابها على ردها ببدل مالي أو معنوي، يجعل حياة هؤلاء الضحايا جحيمًا لا يطاق.
ظ- سبب في تخلُّف البلاد، وتأخُّر عجلة التنمية في المجتمع نتيجة الكسل والخمول، وانتشار الحوادث جراء الشرود الذهني.
ولو قمنا بتحليل كل واحدة من هذه السلبيات المذكورة، لحصلنا على مئات الأمراض الخطيرة التي باتت مستعصيةَ الحل والعلاج في مجتمعاتنا، ولرأينا آلاف القصص الاجتماعية المبكية من مُخلفات وضحايا هذه الوسائل.
ثالثًا: الهدف مِن إنشاء مواقع التواصل الاجتماعي: ويحتمل أن تكون الغاية من إنشائها أحد هذه الدوافع:
1) مِن خلال دراسات وأبحاث لنيل درجة علمية.
2) لأغراض تجارية تسويقية؛ سعيًا للربح فقط.
3) سياسية لشغل الشعوب عن الحكومات الفاسدة.
4) استعمارية للسيطرة على عقول الشعوب؛ تمهيدًا للسيطرة على بلادهم.
5) دينية تبشيرية؛ لتوجيه الناس لاعتقاد ما.
6) تجسُّسيية استخباراتية؛ لسرقة البيانات الخاصة ومتابعتها.
7) ترفيهية؛ للتسلية والترويح عن النفس، عبر التواصل مع الآخرين.
8) لعلها بدأت بسيطة ثم نمت فأصبحت وسيلة يستغلها كل فكر للغرض الذي يريد نشره.
9) وسيلة سِلمية لغرض نبيل في تواصل الناس ونشر أخبارهم وصلة أرحامهم، مهما بعُدت المسافات (أستبعِدُها).
10) نتيجة طبيعية لتدرُّج وتطور وسائل الاتصال من طور إلى آخر، كما علِمنا كيف تطور ساعي البريد من المراسل والحمام الزاجل والدخان والطبول إلى إشارات مورس والهاتف البدائي السلكي .. وهكذا.
رابعًا: نتيجة:
الذي يتضح لنا مِن خلال ما ذكرنا مِن سلبيات وإيجابيات ودوافع:
1- أن أقل مشكلة تواجهنا من مواقع التواصل الاجتماعي (إضاعة الوقت)، تُعَدُّ أكبرَ مِن أفضل إيجابية لها.
2- درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وسلبيات التواصل أكثر وأدهى من إيجابياتها؛ فالأولى تركها.
3- أي دافع من الدوافع المذكورة هو سلاح موجه لصدور أبناء المسلمين.
4- وجود البديل عن هذه المواقع يُغْني عنها برمتها؛ كالهاتف المحمول الخالي من الشبكة العالمية.
5- استدبار هذه الوسائل تفويتٌ وإفساد لخطط ومحاولات أعداء الإنسانية في اختراق الصفوف.
6- في متابعة أسباب الانحرافات الأخلاقية نجد أن لهذه الوسائل دورًا كبيرًا في هذا الفساد.
7- لقد كان لهذه الوسائل دورٌ فعال في خراب البيوت العامرة، وفساد النساء بشكل كبير، وتفكُّك الأُسَر، وحل الروابط الوشيجة؛ فالابتعاد عن تلك الوسائل أضحى مِن الواجبات.
8- هناك عيِّنات كثيرةٌ مِن مجتمعنا رفضوا تداول وسائل التواصل الحديثة، فما زالوا يستعملون تلك الهواتف الجوالة البدائية، ومع ذلك فحياتهم مستمرة لم تتوقف ولم تتعثر، بل سرورهم أكثرُ بكثير ممن يَلِجُها.
9- مِن المضحِك أن كثيرًا من العائلات، وخاصة النساء، قبل الحروب والثَّوْرات كان تواصلهن مع ذويهن عاديًّا جدًّا، وبسيطًا، بل قليلًا، رغم أنهن في حي واحد، وبعد تفجر الثورات الشعبية المباركة وتفرُّق وتشتت العباد، وانتشار الهواتف الذكية ترى المرأة تكلم أختها أربعًا وعشرين (24) ساعة من بلد لآخر بحجة صلة الرحم، ولو اطلعنا على رسائلهن لوجدناها كلامًا لا يسمن ولا يغني من جوع، فمعظمه وجوه ضاحكة ومتفاجئة وباكية، وورود وقُبلات...
10- في تتبع هذه الوسائل الحديثة نرى أنها وسائل مُلهية عن أمور جليلة وعظيمة، بداية مِن كتاب الله عز وجل، وصولًا إلى طلب العلم والدراسة، إضافة إلى العزوف عن اقتناء الكتب والمطالعة والبحث.
11- لقد أضحَتْ هذه الوسائل ساحةً للانتقام؛ فقد جعل الخصومُ الفضاءَ الافتراضي ميدانَ عراك؛ فكلٌّ منهم يُدْلي بدلوه من الاتهامات والدعاوى، بل ويصحبها بالزور والباطل والتلفيق، عدا الشتائم والفضائح، والتشهير والفبركة.
12- لقد صَدَّرت لنا هذه الوسائل أصنامًا عدة، منها صنم التقليد الأعمى الذي أغشى على أبصار شبابنا وبصائرهم، ومنها القدوة السيئة؛ فأبناؤنا اليوم يقتدون بفنانين ولاعبين ومصارعين؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ومَن تشبَّه بقومٍ، فهو منهم))؛ رواه أبو داودَ.
13- هذه الوسائلُ مصائدُ للتجسُّس علينا في حياتنا اليومية، بل وفي أخص أمكنتِنا، فكيف نستطيعُ العيشَ في هذا الوسط المراقب ونحن في غنًى عنه؟!
14- بانتشار هذه الوسائل أخذ الناس يستبدلونها بالصِّلات والقُربات التي هي جزء من ديننا، فكثير منهم يقطعون الرحم حقيقةً، ولكنهم يرسلون وردة كل صباح مع فنجان قهوة عبر وسيلة مِن وسائل الاتصال.
وهكذا، فإننا لو تفرغنا لتدوين سيئات تلك الوسائل الخبيثة المنشأ والمقصد، لمَا وسِعَنا المقام، ولعجزت المجلدات عن حملها، ولطال البأس واليأس في سردها، تلك الوسائل الرامية لتفريق الجماعات، وخراب الدور، وفساد الأخلاق، وتغيير الدِّين، وتزييف الحقائق، ونشر الرذيلة والانحلال، وتأخُّر المجتمعات وتخلفها، وحمل الناس على الاقتتال والتباغض، وهدم عفَّة الفضيلة، بل وانتشار الأمراض، وفجور النساء، وشتات الأطفال وفسادهم، وقتل كل معالم الخير والمعروف في أي مجتمع كان.
فالخلاصة: ترك وساوس الاتصال الاجتماعي والابتعاد عنها، والحذر مِن الخوض فيها، وتحذير الناس منها.
أيها الإخوة، نظرتي هذه ليست تشاؤمية سوداوية (كما يتصور البعض ممن يدافع بحرقة عن تلك المواقع) بقدر ما هي واقعية محضة، سردتها مما علمتُ ورأيتُ وعايشت، لا مما قرأت وطالعت؛ فقد سمعتُ قِصصًا تأبى الجوارح سماعها أو روايتها، وأبطال وبطلات هذه القصص إخوة وأخوات لنا، أصحاب إيمان وعفَّة ووقار، أخرجَتْهم تلك الوسائل الوحشية عن عَفافهم وطهرهم، بمِعول الصحبة السيئة؛ فالصديقُ في الماضي كان يقدم الشاي والقهوة والحلوى لضيفه، أما الآن فالصديقة تقدِّم لصديقتها ضيافة (إنشاء إيميل وموقع إلكتروني)؛ تعبيرًا عن حبها وودِّها لصاحبتها، ومِن هنا تبدأ قصة التدحرج نحو الحضيض.
• وأخيرًا .. الهدف مِن هذه المقالة المتواضعة:
♦ إظهار هذه الوسائل على حقيقتها، والتحذير منها.
♦ توعية أبنائِنا وبناتنا منها.
♦ إرشادهم لما هو خير.
♦ التحذير من الصاحب السيئ.
♦ إرشاد المخطئ لطرق النجاة.
أيها الإخوة والأخوات، نحن في حربٍ ضَرُوس، وأعداؤنا يكيدون لنا كيدًا بشتى الوسائل والطرق، وهم يجتهدون؛ فلا تنام لهم عين، ولا يرف لهم جفن، للإيقاع بنا (وهم على باطل)، فكيف نغفُلُ نحن وننام والحق معنا؟!
علينا الحذَر كل الحذر مِن الوقوع أسرى في هذه الوسائل الخبيثة، أذلَّاء بيد أصحابها، جبناء أمام مغرياتهم، سفهاء أمام ملذاتها الآنية.
أيها الإخوة، أعراضُ المؤمنين ليست ألعوبة في أيدينا، فكما أن للناس أعراضًا فلنا أعراض أيضًا، وكما أننا نكره أن يُفعل السوء لنا، غيرنا يكره ذلك، فكما تدين تدان، وابحثوا عن قصة (دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا)، واقرؤوها؛ ففيها العبرة والموعظة.
أيها الإخوة؛ لا تؤجِّلوا ترك المنكرات إلى الغد؛ فلعلكم لا تصِلون لغدكم، ولا تأملوا بوساوس الشيطان وهو يتلو عليكم نصائحه وأحكامه الكاذبة الخداعة؛ فلا تكونوا نعاجًا حتى لا يكون الشيطان ذئبًا؛ فالحلال بيِّن، والحرام بيِّن، ومَن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدِينه وعِرضه، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهتَ أن يطَّلِعَ عليه الناس.
أختي الفاضلة الكريمة، دعِي سُبل الهلاك ووسائل جهنم المُغرية، فلا تخدعنَّك بهرجتها وزينتها، وانتبهي لدِينكِ وعفتكِ، فلا ينفعك شيء بعد وقوع المحظور، وحصِّني نفسك باتباع كتاب ربنا العزيز وأوامره، وتمسكي بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وتزوَّدي بعفة أخلاقه الطيبة، وزوجاته الكريمات، واحذري الانزلاق في هاوية الشيطان المهلكة، فإن خرجتِ عن السكة، فعودي الآن قبل أن تكبُرَ الفجوة، ويشتد عزم عدوكِ عليكِ.
واهتمي بزوجك إن كنت متزوجة، فلو أمر الله أحدًا أن يسجد لأحد غيره، لأمر الزوجةَ أن تسجد لزوجها، واعتني بأولادك وبأخلاقهم وبدينهم؛ فهم طريقُكِ للجنة إن صلَحوا، فإن عزمتِ ترك الخوض في تلك الوسائل فلا تؤجِّلي، بل بادري مِن الآن، فلكِ الثواب بترك سبل المعاصي إرضاءً لله، ولا تتركي التوبة، ولا تيئَسي مِن رَوْح الله؛ فالله غفار للذنوب مهما كثرت وعظُمت، ولا تُسوِّفي؛ فالموت أقرب إليكِ من السواد للبياض، واستغفري الله تعالى، وداومي على ذلك، وغادري مواطن السوء، وأغلقي مواقع الفساد والتفاصل، وعاهدي الله بعدم الرجوع للمعصية؛ فوالله الذي لا إله غيره، سترين حياتك تنقلب خيرًا، وتتبدل حسنًا، فيرتاح قلبك، وينشرح صدرك، فمَن أرضى الله بسخط الناس رضِي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومَن أسخط الله برضا الناس، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس.
أيها الإخوة، أرجو ربنا عز وجل أن يوفِّقَنا إلى بناء مسلم سليم مِن الحماقة والغباء، صحيح الإيمان والبنية والعقل، مُحصن بالأخلاق والفضائل، ذوقه رفيع في تسوق ما هو جيد ومفيد، بعيد عن الخفاء والأوهام والتدليس والخداع، واضح القصد والهدف، يحترف سُلَّم المجد، غايتُه إرضاء المولى عز وجل، رجاؤه مِن الله الفردوسُ الأعلى، والنظر إلى وجهه الكريم، بين عينيه تقوى الله، قدوتُه رسول الله صلى الله عليه وسلم، دستوره القرآن الكريم وأحكامه، عدوُّه الشيطان الرجيم والنفس الأمارة بالسوء والهوى المتبع وأعوانهم، أقرانه كلُّ ناصح صالح يدلُّه على طريقِ الخير الظاهر الناصع البين، جعلنا الله منهم أجمعين، والحمد لله ربِّ العالَمين!