شرح حديث: (إن هذه ليست بالحيضة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي عقيل و محمد بن سلمة المصريان قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير و عمرة عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي) ] أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش وكانت ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: أنها قريبته أخت زوجته، وهذه قرابة من جهة المصاهرة، وقوله: وتحت عبد الرحمن بن عوف لأنها زوجته، فعرفها بشيئين: بالصلة التي بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أنها أخت زوجته أم المؤمنين زينب ، وأنها زوجة عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه. قوله: [ (إن هذه ليست بالحيضة) ] يعني: هذا الدم المتواصل لا يقال له: حيض. قوله: [ (ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي) ] يعني: عند انقطاعه، وهذا فيه اختصار؛ لأنها تجلس المدة التي كانت تجلسها ثم تغتسل وتصلي.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن هذه ليست بالحيضة..)
قوله: [ حدثنا ابن أبي عقيل ]. هو عبد الغني بن أبي عقيل ثقة، أخرج له أبو داود وحده . [ و محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة المرادي ، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، وهذا محمد بن سلمة غير محمد بن سلمة الحراني ، فهذا مصري وذاك حراني، والحراني قبله بطبقة؛ لأن محمد بن سلمة المرادي المصري من شيوخ أبي داود وشيوخ النسائي ، و محمد بن سلمة الحراني الباهلي من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فإذا رأيت أبا داود يروي بواسطة عن محمد بن سلمة فهو الحراني، وإذا روى عنه مباشرة فهو المصري. [ حدثنا عن ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. مر ذكره. [ عن عروة و عمرة ]. عروة بن الزبير مر ذكره، و عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. مر ذكرها.
شرح حديث: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة..)
[ قال أبو داود : زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة و عمرة عن عائشة قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) ]. هذا اللفظ هو الذي فيه المطابقة للترجمة، إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، واللفظ الأول مختصر، وهذا فيه الزيادة التي لابد منها، والتي هي موضحة لما كان قبل الاغتسال من الحيض، تدع الصلاة إذا أقبلت الحيضة، سواء كان إقبالها بمعرفة اللون والرائحة أو بالأيام التي كانت تعرفها قبل أن يأتيها الحيض.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة..)
قوله: [ زاد الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، وهو فقيه الشام ومحدثها، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة . [ قال أبو داود : ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي ]. يعني: لم يرو هذه الزيادة غير الأوزاعي . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث و الليث و يونس وابن أبي ذئب و معمر و إبراهيم بن سعد و سليمان بن كثير و ابن إسحاق و سفيان بن عيينة ولم يذكروا هذا الكلام ]. هذا توضيح للذين رووا الحديث عن الزهري ولم يذكروا هذا الكلام، ولاشك أن تلك الزيادة معتبرة، وهي زيادة من ثقة، وهي التي توضح المقصود؛ لأن الرواية السابقة مختصرة. وعمرو بن الحارث المصري قد مر ذكره . و الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة . ويونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . و ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و سليمان بن كثير العبدي لا بأس به في غير الزهري ، يعني: أن في روايته عن الزهري مقال، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. و ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق المدني صدوق يدلس، حديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قال أبو داود : وزاد ابن عيينة فيه أيضاً: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها) وهو وهم من ابن عيينة ]. وقد سبق أن مر حديث مثله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه ]. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق ربما وهم ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه تقدم قريباً، وهو يقرب من الذي زاد الأوزاعي بقليل، وهو الذي فيه أنها تدع الصلاة. وهذا السؤال والاستفتاء عندما حصلت لها الاستحاضة، وليس بعد أن انتهت الاستحاضة.
شرح حديث: (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن أبي عدي عن محمد -يعني ابن عمرو - قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق). قال أبو داود : وقال ابن المثنى : حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا. ثم حدثنا به بعد حفظاً قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض فذكر معناه ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض. قوله: [ (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف)] يعني: إذا أقبل دم الحيضة بلونه ورائحته الذي تعرفه النساء، وهو أسود يُعرَف أو يُعرِف، إشارة إلى العرف وهي الرائحة. قوله: [ (فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة) ] يعني: إذا حصل هذا اللون والرائحة فأمسكي عن الصلاة. قوله: [ (فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) ]. الآخر هو الدم الذي يكون بعد انتهاء الدم الأسود الذي له رائحة متميزة، فإذا كان الآخر لابد من الاغتسال، ثم تتوضأ لكل صلاة، ولكن الاغتسال عند انقطاع دم الحيض لابد منه كما سبق في الروايات.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف..)
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي عدي ]. محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد يعني: ابن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش ]. ابن شهاب وعروة قد مر ذكرهما، وفاطمة بنت أبي حبيش صحابية أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وقول ابن المثنى : حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، يعني: ليس فيه ذكر عائشة ، وإنما فيه ذكر فاطمة فقط، ثم قال: حدثنا به من حفظه فقال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض، فالإسناد الذي مر فيه عروة يروي عن فاطمة ، وهذا فيه أنه يروي عن عائشة ، ولا تنافي بين هذا وهذا؛ لأنه سمع من هذه وسمع من هذه.
شرح أثر ابن عباس: إذا رأت الدم البحراني
[ قال أبو داود : وقد روى أنس بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في المستحاضة قال: إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي ]. قوله: [إذا رأت المستحاضة الدم البحراني] يعني: الذي هو كثيف وغليظ وكثير، فإنها تدع الصلاة؛ لأن هذا علامة الحيض فإنه غليظ وله رائحة متميزة، فإذا أقبل بهذا اللون وبهذه الكثرة فإنها تدع الصلاة، والبحراني نسبة للبحر، وصف بذلك لكثرته ولغلظه. قوله: [ وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل ] يعني: إذا انقطع عنها الدم ولو ساعة فإنها تغتسل وتصلي، فإذا انقطع عنها الدم الذي لونه متميز ورائحته متميزة في أي وقت من الأوقات فإنها تغتسل وتصلي. [ قال أبو داود : وقد روى أنس بن سيرين عن ابن عباس ]. أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وابن عباس قد مر ذكره.
شرح أثر مكحول: (إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال مكحول : إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة، فلتغتسل ولتصل ]. أتى المصنف بالأثر عن مكحول أن النساء تعرف دم الحيض أسود غليظ، وإذا أقبل فإنها تترك الصلاة، وإذا أدبر وكان أصفر خفيفاً ليس كالأول فإنها تغتسل وتصلي، وهذا الأثر متفق مع الحديث المتقدم بالرجوع إلى اللون والرائحة، وأن هذا تعرفه النساء. ومكحول الشامي أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، وهو يرسل.
شرح أثر ابن المسيب في المستحاضة وتراجم رجال إسناده
[ قال أبو داود : وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة : إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت ]. أورد المصنف الأثر عن سعيد بن المسيب وهو مثل ما تقدم فيما يتعلق بالإقبال والإدبار، والإقبال إما أن يكون باللون والدم، وإما أن يكون بالأيام التي كانت تعرفها قبل أن تستحاض. قوله: [ وروى حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن القعقاع بن حكيم ]. القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة .
شرح أثر ابن المسيب في المستحاضة من طريق أخرى وتراجم رجالها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب : تجلس أيام أقرائها. وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ]. ذكر المصنف هذا الأثر أنها تجلس أيام أقرائها، أي: أيام حيضها التي كانت تعرفها قبل أن يحصل لها ما حصل. قوله: [سمي]. هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حماد بن سلمة]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن يحيى بن سعيد عن سعيد ]. قد مر ذكرهما.
شرح أثر الحسن وقتادة في المستحاضة
[ قال أبو داود : وروى يونس عن الحسن : الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين فهي مستحاضة ]. قول الحسن : (الحائض إذا مد بها الدم) يعني: زادت عادتها عما كانت معتادة يوماً أو يومين فتمسك عن الصلاة؛ لأن هذا يمكن أن يكون حيضاً. قوله: (الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين فهي مستحاضة) يعني: إذا مد بها الدم مقدار يومين فهو حيض، والمستحاضة لا تمسك عن الصلاة، بل تغتسل وتصلي، وقوله عن المستحاضة: (تمسك) لعل المقصود أنها تجلس مقدار يومين، وما زاد على ذلك فهي مستحاضة تغتسل وتصلي، ويكون بمعنى قول قتادة الآتي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال التيمي عن قتادة : إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل. قال التيمي : فجعلت أنقص حتى بلغت يومين، فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها ] يعني: إذا كانت الزيادة يومين فهو من حيضها، وما زاد على ذلك فإنها تصلي، والذي يظهر أن هذا إذا كان شيئاً جديداً على المرأة، وأن الاستحاضة أصابتها لأول مرة، فتجلس احتياطاً؛ لأن العادة تتغير بالزيادة والنقصان، فكونها تجلس يومين له وجه على اعتبار أن هذه المرأة لأول مرة يحصل لها الفساد بعدما حاضت المدة التي تعرفها وزادت يومين، فيمكن أن تكون العادة تغيرت، فتجلس يومين تضيفها إلى العادة، لكن إذا زاد الدم على ذلك فإنه يكون استحاضة.
تراجم رجال إسناد أثر الحسن وقتادة
قوله: [ وروى يونس عن الحسن ]. يونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ وقال التيمي عن قتادة ]. والتيمي هو سليمان بن طرخان التيمي ، والد المعتمر ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك ]. وسئل ابن سيرين -وهو محمد بن سيرين - عنه، يعني إذا حصل زيادة فقال: النساء أعلم بذلك، يعني: هن أدرى من غيرهن فيما يكون حيضاً وما لا يكون حيضاً، وذلك بمعرفتهن للون وللرائحة."