عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-01-2022, 06:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,101
الدولة : Egypt
افتراضي مسالك الفاعلية في السنة

مسالك الفاعلية في السنة


سعيد بن محمد آل ثابت







(التوكل لا التواكل) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "‏لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ‏تَغْدُو ‏‏خِمَاصًا ‏وَتَرُوحُ ‏‏بِطَانًا". رواه ابن ماجه. تمعّن لو لم تغدُ الطير هل ستروح بطانًا؟


(المسؤولية) روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته"، وهذه المسؤولية تحفز راعيها للعمل والحرص على من استرعاه الله، وليس السكون والبقاء على الأماني دون الفعل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ". ومن حمل على عاتقه هم أمته لن تجده يتسوّل المبادئ!


(طردية العلاقة بين الخيرية والقوة) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "المُؤمِن الْقَوِيُّ خيرٌ وَأَحبُّ إِلى اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا ينْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ. وإنْ أصابَك شيءٌ فلاَ تقلْ: لَوْ أَنِّي فَعلْتُ كانَ كَذَا وَكذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قدر اللَّهُ، ومَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان". رواه مسلم. العجز دين القاعدين، و(لو) لفظ يلحن فيه العاملون، لذا القوة هنا في الجنان، وخيرها معقود في مهجة صاحبها، وليست في أعضائه. قال النووي رحمه الله: (والمراد بالقوة هنا: عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك)[1].


(عدم الاعتماد على نجاحات الآخرين) وقد قرر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ البعثة: "يا فاطمة بنت محمد اعملي لنفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئًا".


(الإيجابية مهما كانت الظروف) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قَامَت السَّاعَة وَ فِي يَد أحدكُم فسيلة، فإن اسْتَطَاعَ أَن لَا يقوم من مَكَانَهُ، حَتَّى يغرسها فليغرسها".


(المنافسة والغبطة ليست إلا في البذل والتعليم) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسلطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلمها" متفق عليه.


(عاقبة الاسترخاء الغبن) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ" رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيم علم" رواه الترمذي وحسنه الألباني.


(الجسد الواحد) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى". رواه البخاري ومسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة "، وقال: "فكوا العاني وأجيبوا الداعي"، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة أو المسكين كالمجاهد في سبيل الله" وأحسبه قال: " أو كالقائم أو الصائم لا يفطر". متفق عليه.


(بث روح المبادرة) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال، فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا" رواه مسلم والترمذي وأحمد. قال النووي: معنى الحديث: الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة والمتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم نوعًا من شدائد تلك الفتن، وهو أنه يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرًا، أو عكسه - يشك الراوي - وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا التقلب[2].


(الحركة بركة)، ومن ذلك الحض على العمل والإنتاج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أكل أحدكم خير قط من أن يأكل من عمل يده". وسارت على ذلك أفهام السلف وأعمالهم أيضًا، قال عمر بن الخطاب: "إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول: أله حرفة فإن قالوا: لا. سقط من عيني". ثم تمعّن في الدعوة الصريحة لاستثمار الأراضي وإعمار الأرض قال عليه الصلاة والسلام: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له". وهي وإن كانت دعوة لإصلاح أمر الدنيا، لكننا نعلم يقينًا أن إصلاحها عون للعبد في طاعته وعبادته، وهو يتسق تمامًا مع وقفتنا السابقة عند قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، والمحصلة النهائية هو الفاعلية والحركة والجدة في هذه الحياة للدعوة إلى الله باستخدام ما سخّره الله للمسلم من هذا الكون الفسيح لتلكم الغاية النبيلة.


(نفع الخلق جزاؤه من جنسه) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه"رواهمسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عزو جل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام" حسنه الألباني، الإسلام يربي أتباعه على الفاعلية في الحياة كاملة (تقديم العون، الحسبة، إدخال السرور، إفشاء السلام، إماطة الأذى، تفريج الكربة، كفالة اليتيم).


(الاستعاذة بالله من العجز والكسل) قال عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن "البخاري. وما استعاذ رسول الله إلا من شر، فهل وعت عقولنا، وانفتق في أذهاننا خطر القعود والتراخي؟


(الفاعلية وحسن الخاتمة) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت". رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني وشعيب. نحن ندرك أن حسن الختام أقض منام الصالحين، وزاد من إخبات القانتين، كل ذلك حتى يختم حياته على عمل صالح يموت عليه، وأدنى المراتب ألا يُقبض على ذنب (نسأل الله حسن الخاتمة)، وفي الحديث السابق أن من أراد الله به الخير فإنه يستعمله في صالحات قبل موته، وذلك ما يكون عادة للعاملين الباذلين المخلصين، فإن ساعات رحيلهم شاهدة على خيريتهم، والسؤال الذي لا بد أن نعرضه بين حين وآخر على أنفسنا (فيم استعملنا الله الآن؟)، وحسب مكانة الفرد منا عند الله يكون مقعده وشغله عند الله، ومتى ابتعد الفرد عن الله يكون قعوده وشغوره عن العمل عند الله. وفي الصحابي الجليل حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه أحد سادات المسلمين وفضلائهم عبرة وعظة، وهو المعروف بغسيل الملائكة، وإنما قيل له ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن صاحبكم لتغسله الملائكة‏"‏، يعني حنظلة، فسألوا أهله‏:‏ ما شأنه‏؟‏ فسئلت صاحبته فقالت‏:‏ خرج وهو جنب حين سمع الهائعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لذلك غسلته الملائكة، وكفى بهذا شرفًا ومنزلةً عند الله تعالى‏"‏‏[3].‏

(ندرة الفاعلين المباركين) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الناس كالإبل المائة. لا تكاد تجد فيها راحلة" متفق عليه. ليست المشكلة في الكم إذًا، ولكنها في التكوين الكيفي لذات الفرد، وعلى هذا فقلّتهم دلالة نفاستهم ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103]. ويقابل ذلك مفهوم (الغثائية) الذين أصابهم داء التكلس، فهم كغثاء السيل يدور بهم حيث كانت قوته، ويهيم بهم في كل واد، ويقلبهم على وجوههم أينما حل دوراته، وهكذا يجتمعون كاجتماع الغثاء ويفترقون كافتراقه، لهم جمهرة وحضور ولكن نفعهم غير مذكور - والعياذ بالله -. ولذا فالحديث مشتمل على خبر صادق وإرشاد نافع، فأخبر بأن الكمال في الناس قليل، وإن أردت منهم من عاملًا ثقة قل وندر، وأما الإرشاد فهو لتأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات، والأمور الكلية العامة النفع.


(العمل الساري بعد الموت) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم. وروى ابن ماجه "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه..". (وجميع ما يصل إلى العبد من آثار عمله ثلاثة:

الأول: أمور عمل بها الغير بسببه وبدعايته وتوجيهه.

الثاني: أمور انتفع بها الغير أيّ نفع كان، على حسب ذلك النفع باقتدائه به في الخير.

الثالث: أمور عملها الغير وأهداها إليه، أو صدقة تصدق بها عنه أو دعا له، سواء أكان من أولاده الحسيين أو من أولاده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه، وهدايته وإرشاده، أو من أقاربه وأصحابه المحبين، أو من عموم المسلمين، بحسب مقاماته في الدين، وبحسب ما أوصل إلى العباد من الخير، أو تسبب به. وبحسب ما جعل الله له في قلوب العباد من الود الذي لا بد أن تترتب عليه آثاره الكثيرة التي منها: دعاؤهم، واستغفارهم له. وكلها تدخل في هذا الحديث الشريف. وقد يجتمع للعبد في شيء واحد عدة منافع. كالولد الصالح العالم الذي سعى أبوه في تعليمه، وكالكتب التي يقفها أو يهبها لمن ينتفع بها)[4].



(المعروف في نفع الخلق ودفع الشر والضر عنهم) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك في الطريق، فأخَّره، فشكر الله له فغفر له"؛ متفق عليه. وروى الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ وأمرُكَ بالمعروفِ ونَهيُكَ عنِ المنْكرِ صدقةٌ وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالِ لَكَ صدقةٌ وبصرُكَ للرَّجلِ الرَّديءِ البصرِ لَكَ صدقةٌ وإماطتُكَ الحجرَ والشَّوْكَ والعظمَ عنِ الطَّريقِ لَكَ صدقةٌ وإفراغُكَ من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ". صححه الألباني. وعن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله" أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله" قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا" قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين صانعا أو تصنع لأخرق" قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك" متفق عليه. وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. وفي رواية عند أحمد من حديث أبي جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله تبارك وتعالى به، قال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وتسبيل الإزار فإنه من الخيلاء والخيلاء لا يحبها الله عز وجل، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قال. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. وقد بين العلامة المناوي رحمه الله معنى هذا الحديث وهو يتضمن الرواية الأولى وزيادة، قال[5]: لا تحقرن: أي لا تستصغرن، يقال حقره واحتقره واستصغره، قال الزمخشري: تقول - أي العرب - هو حقير فقير هو حاقر ناقر، وفي المثل من حقر حرم، وفلان خطير غير حقير (من المعروف) أي ما عرفه الشرع والعقل بالحسن (شيئاً) أي كثيراً كان أو حقيراً (ولو) قال الطيبي: هذا شرط يعقب به الكلام تتميما ومبالعة، وقال أبو حيان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة بتضمنها السابق تقديره لا تحقرن من المعروف شيئا على كل حال كائنا ما كان ولو (أن تفرغ) بضم الفوقية وكسر الراء تصب يقال أفرغت الشيء صببته إذا كان يسيل (من دلوك) إنائك الذي تستسقي به من البئر (في إناء) أي وعاء (المستسقي): طالب السقيا يعني: ولو أن تعطي مريد الماء ما حزته أنت في إنائك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف، وتقدم الأحوج فالأحوج، والدلو معروف ويستعار للتوصل إلى الشيء بأي سبب كان قال:

وليس الرزق في طلب حثيثٍ ♦♦♦ ولكن ألق دلوك في الدلاءِ


(أن تلقى) أي ولو أن تلقى (أخاك) أي تراه وتجتمع به، وفي رواية لأبي داود بدله وأن تكلم أخاك أراد بالأخ المسلم وإن لم يكن ابن أحد أبويه، وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل دينه كما تقول للرجل: قل لصاحبك كذا لمن بينه وبينه أدنى ملابسة، وذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام ذكره الزمخشري وأصله للراغب حيث قال: هو المشارك لآخر في الولادة من الطرفين أو أحدهما أو الرضاع، ويستعار في كل مشارك لغيره في قبيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غيرها من المناسبات، ﴿ ولَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ﴾ أي لمشاركتهم في الكفر وقوله: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾ يعني في الصلاح لا النسبة.( ووجهك) أي والحال أن وجهك إليه منبسط: أي منطلق بالسرور والانشراح. قال حبيب بن ثابت: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه، ونظم هذا الحديث كنظم الجمان وروض الجنان. وفيه - كما قال الغزالي - رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس أو غضبان عليهم أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الرقبة حتى تطاطأ ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب، أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله، ولو كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾... إلخ انتهى منه بتصرف.


(اعمل أو حدِّث نفسك عازمًا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من نفاق". البخاري. فقد حث الشرع المطهر على العزيمة النفسية ولو يكن ثمة حاجة قائمة، وذلك لأن نفس المؤمن على أهبة الاستعداد صادقة الطلب عازمة النيل.


(تعليم الناس الخير يسري ثوابه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من علم آية من كتاب الله عز وجل كان له ثوابها ما تليت". السلسلة الصحيحة 1335.


(النفع المتعدي والنفع القاصر) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟"، قالوا: بلى، قال: "إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة". رواه البخاري.


(كمال الإيمان في جهاد الأعداء) عن ابنِ مسْعُودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: "مَا مِنَ نَبِيٍّ بعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كان لَه مِن أُمَّتِهِ حواريُّون وأَصْحَابٌ يَأْخذون بِسُنَّتِهِ ويقْتدُون بأَمْرِه، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بعْدِهمْ خُلُوفٌ يقُولُون مَالاَ يفْعلُونَ، ويفْعَلُون مَالاَ يُؤْمَرون، فَمَنْ جاهدهُم بِيَدهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جاهدهم بقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وليس وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خرْدلٍ". رواه مسلم.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]