عرض مشاركة واحدة
  #93  
قديم 03-02-2022, 05:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,295
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [049]
الحلقة (80)

شرح سنن أبي داود [049]


من رحمة الله بهذه الأمة أن يسر عليها أمر دينها، وأذهب عنها الإصر والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، ومن ذلك أنه شرع التيمم عند عدم وجود الماء أو عند عدم القدرة على استعماله، وقد ورد التيمم بعدة كيفيات.

التيمم


شرح حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وأناساً معه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا أبو معاوية ح ، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة -المعنى واحد- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناساً معه في طلب قلادة أضلتها عائشة ، فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم، زاد ابن نفيل فقال لها أسيد بن حضير : يرحمك الله! ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي:
باب التيمم بعد أن فرغ مما يتعلق بالوضوء والغسل من الجنابة، والغسل من الحيض، وذكر الأبواب المتعلقة بالتيمم بعد الوضوء وبعد الغسل من الجنابة ومن المحيض في غاية المناسبة وفي غاية الحسن؛ لأن الوضوء والاغتسال من الجنابة والاغتسال من الحيض يكون بالماء، وإذا فقد الماء أو تعذر استعماله بسبب مضرة عظيمة فإنه ينتقل إلى التيمم. وهذا الترتيب أنسب من جعل التيمم قبل الحيض كما في بعض الكتب؛ لأن التيمم طهارة تحل محل ما يتطهر له بالماء. أورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة أحاديث تدل على مشروعية التيمم وأصل فرضيته، وصفته، وبدأ بحديث عائشة رضي الله عنها في مشروعية التيمم وأصل فرض التيمم، وأن أصل ذلك أنها كانت في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات، وفي ليلة من الليالي أرادوا أن يرتحلوا، فذكرت عائشة رضي الله عنها أنها فقدت عقداً لها استعارته من أختها أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما، فالرسول عليه الصلاة والسلام مكث وأرسل من يبحث عن ذلك العقد، وكان فيهم أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه، فكانوا يبحثون ويفتشون عنه، ونفد الماء الذي كان معهم، وكان مما حصل أن أبا بكر غضب على عائشة ؛ لأنها تسببت في حبس الناس بسبب ذلك العقد الذي فقدته، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ذهبوا للبحث عنه لما جاء وقت الصلاة وليس معهم ماء صلوا بدون وضوء، وهذا فيه دليل على أن الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما فقدوا الماء ولم يكن التيمم قد شرع؛
علموا أن الصلاة لا تترك ولا تؤخر، فصلوا بدون وضوء، والرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم، ولكن بعد أن شرع التيمم إذا لم يوجد الماء فينتقل الإنسان إلى التيمم، وكذلك إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتوضأ ولا يتيمم فيصلي على حسب حاله، مثل الإنسان الذي تكون يداه مربوطتين ولا يستطيع أن يتحرك، فالصلاة لا تسقط عنه، بل عليه أن يصلي على حسب حاله. فنزلت آية التيمم، فتيمموا وصلوا، وقال أسيد بن حضير رضي الله عنه لعائشة : (يرحمك الله! ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً ومخرجاً)، يعني: أن الذي حصل من حبس الناس بسبب عقدها، وكان في نفس أبي بكر عليها شيء بسبب ذلك، وكانت تألمت وتأثرت لما حصل من أبيها في حقها؛ فشاء الله عز وجل أن يجيء وقت صلاة الفجر وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، وعند ذلك أثنى أسيد بن حضير رضي الله عنه على أم المؤمنين عائشة .
وفي بحثهم عن العقد دليل على أن المال لا يستهان به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث من أجل البحث عن هذا العقد، وبعث جماعة يبحثون عن هذا العقد، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وبعد أن نزلت آية التيمم وتيمموا وصلوا، عزموا على الارتحال، وأيسوا من العقد، ولما أثاروا البعير وجدوا العقد تحت الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة رضي الله عنها.

رسول الله لا يعلم الغيب
في هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأنه لا يعلم من الغيوب إلا ما أطلعه الله عليه، وعلم الغيب على الإطلاق من خصائص الله عز وجل، قال الله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، والله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب، قال الله: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام:50]، وقال: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، وكل هذا يدل على أن علم الغيب على الإطلاق إنما هو من خصائص الله سبحانه وتعالى، ولا يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء من خصائص الله سبحانه وتعالى. والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد أطلعه الله على الكثير من الغيوب، سواءً كانت ماضية أو مستقبلة أو موجودة ولكنها لا تشاهد ولا تعاين، ولكن ليس كل غيب يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فرض التيمم من أمثلة ذلك، والأمثلة كثيرة ومنها أيضاً: قصة الإفك عندما رميت عائشة بالفاحشة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم الحقيقة، وأذن لها أن تذهب إلى أهلها، وبقيت مدة متألمة، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي متألماً متأثراً، وكان يأتي إلى عائشة رضي الله عنها ويقول لها: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري الله) ولو كان يعلم الغيب ما قال هذا الكلام، ولم يبق مدة وهو متألم متأثر، وأهله وزوجته كذلك، وأصهاره أبو بكر وأهله كذلك كلهم متألمون ومتأثرون، فلو كان يعلم الغيب فبمجرد ما رميت بالإفك سيقول لهم: هي بريئة، فأنا أعلم الغيب، لكن ما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا.
وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام صلى مرة وفي نعليه نجاسة، ولم يعلم بذلك حتى جاءه جبريل وأخبره في أثناء الصلاة، فخلع نعليه وهو في الصلاة عليه الصلاة والسلام. وكذلك يوم البعث والنشور عندما يكون عليه الصلاة والسلام على الحوض ويذاد عنه أناس يعرفهم من أصحابه، ولكنهم ارتدوا وقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه والصحابة على ردتهم، وماتوا على الردة، فإنهم يذادون عن الحوض، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أصحابي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فلو كان يعلم الغيب عليه الصلاة والسلام لما قيل له هذا الكلام، ولم يقل: (أصحابي) إذ كان يعرف أنهم منعوا من الحوض لكونهم ماتوا على الردة، لكنه ما كان يعلم ذلك عليه الصلاة والسلام.

النهي عن الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام
الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أطلعه الله على كثير من الغيوب الماضية والمستقبلة والحاضرة التي لا تشاهد ولا تعاين كأخبار السماوات، وأخبار الجنة والنار وما فيهما، وما إلى ذلك من أمور غيبية لا تشاهد ولا تعاين، ولكن الله أطلع نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عليها. والواجب أن يعرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وينزل المنزلة التي أنزله الله إياها بدون غلو وزيادة ومجاوزة للحد، بحيث يضاف إليه ما يضاف إلى الله، ويوصف بما يوصف به الله، ومن ذلك وصفه أنه يعلم الغيب مطلقاً، قال البوصيري في البردة: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وقوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حصول الحادث العمم وهذا لا يليق ولا يصلح إلا لله عز وجل؛
لأن النبي عليه الصلاة والسلام ليس كل ما في اللوح المحفوظ؛ وليس كل غيب يعلمه عليه الصلاة والسلام، فالواجب هو محبة النبي صلى الله عليه وسلم المحبة التي تفوق محبة كل مخلوق حتى الأب والأم والولد والبنت والقريب والبعيد، وكل من تربط الإنسان به رابطة، وكل من له به علاقة، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن تفوق محبة كل محبوب من الخلق، ولكن لا يغلى فيه ولا يطرى ولا يتجاوز به الحد، وإنما يمدح ويثنى عليه في حدود ما هو سائغ من غير إفراط ومن غير مجاوزة للحد.

تابع شرح حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وأناساً معه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قالت عائشة رضي الله عنها : (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناساً معه في طلب قلادة) ]. هذا فيه اختصار، والقصة أنهم كانوا في سفر وكانت معهم عائشة رضي الله عنها، فلما أرادوا أن يرتحلوا أخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها فقدت عقداً لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يبقوا، وأرسل أسيد بن حضير ومن معه ليبحثوا عن العقد، لاحتمال أنها فقدته عندما ذهبت تقضي حاجة، فأرسلهم يبحثون عنه ويفتشون. قوله: [ (فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله سلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم) ]. يعني: لم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالإعادة، فدل هذا على أن الإنسان إذا لم يتمكن من الوضوء ولا من التيمم فإنه يصلي على حسب حاله، والصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال ما دامت الروح في الجسد، وما دام الإنسان فيه حياة، فإن عليه أن يصلي على حسب حاله؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هؤلاء الذين صلوا بدون وضوء، فدل هذا على أنه بعد فرض التيمم إذا لم يتمكن الإنسان لا من هذا ولا من هذا فإنه يصلي على حسب حاله ولا تسقط عنه الصلاة. قوله: [ زاد ابن نفيل : (فقال لها أسيد بن حضير : يرحمك الله! ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً) ]. قول أسيد بن حضير رضي الله عنه لها هو من رواية ابن نفيل أحد شيخي أبي داود ، والمعنى أنه حصل خير كثير وشيء عظيم بسبب هذا الانحباس، وهو أنه شرع لهم التيمم الذي يتطهر به المسلمون عند فقد الماء أو عند عدم القدرة على استعماله.

تراجم رجال إسناد حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وأناساً معه...)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].
هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ أخبرنا أبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، و عثمان بن أبي شيبة قد مر ذكره.
[ أخبرنا عبدة ]. هو عبدة بن سليمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ والمعنى واحد ].
يعني: أن رواية شيخه النفيلي ورواية شيخه عثمان بن أبي شيبة معناهما واحد، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله أنه عندما يذكر اثنين من شيوخه أو أكثر يقول: المعنى، وأحياناً يقول: المعنى واحد، كما هنا، يعني: أن هؤلاء الشيوخ الذين ذكرهم ليسوا متفقين في الألفاظ ولكنهم متفقون في المعنى. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة ربما دلّس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم المؤمنين عائشة ]. أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]