عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 05-02-2022, 01:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



  1. تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الاول
    تفسير سورة الفاتحة (4)
    الحلقة (14)
    صــ 167إلى صــ 177


    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( اهْدِنَا ) .

    قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدَنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ ، كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : -

    173 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَارَة ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ جِبْرِيلُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : " قُلْ ، يَا مُحَمَّدُ ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " . يَقُولُ : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ .

    وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ ، هُوَ تَوْفِيقُهُ لَهُ ، كَالَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِهِ . وَمَعْنَاهُ نَظِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ : " إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " ، فِي أَنَّهُ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ التَّوْفِيقَ لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ ، وَإِصَابَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ ، فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عُمُرِهِ ، دُونَ مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِ ، وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَفَ مِنْ عُمُرِهِ . كَمَا فِي قَوْلِهِ : "إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " ، مَسْأَلَةٌ مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاءِ مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَتِهِ ، فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ .

    فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، مُخْلِصِينَ لَكَ الْعِبَادَةَ دُونَ مَا سِوَاكَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ، فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتِكَ ، وَوَفِّقْنَا لِمَا [ ص: 167 ] وَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ ، مِنَ السَّبِيلِ وَالْمِنْهَاجِ .

    فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَأَنَّى وَجَدْتَ الْهِدَايَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ ؟

    قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامِهَا أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّوَاهِدِ . فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :


    لَا تَحْرِمَنِّي ، هَدَاكَ اللَّهُ ، مَسْأَلَتِي وَلَا أكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ


    يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَكَ اللَّهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ :


    وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالَا


    فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَكَ اللَّهُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي أَمْرِي .

    وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ تَنْزِيلِهِ . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ ، أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّنُ لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضِهِ . وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ ، وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مَنْ خَلْقِهِ ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ ، وَلَا يَشْرَحُ لِلْحَقِّ وَالْإِيمَانِ صُدُورَهُمْ .

    وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا ) : زِدْنَا هِدَايَةً .

    وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَنَّ قَائِلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْبَيَانِ ، أَوِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ .

    فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبِّهِ الزِّيَادَةَ فِي الْبَيَانِ ، فَذَلِكَ مَا لَا وَجْهَ لَهُ; لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّفُ عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضِهِ ، إِلَّا بَعْدَ تَبْيِينِهِ لَهُ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِهِ . وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَتِهِ الْبَيَانَ ، لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ خَلْفٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَفْرِضُ فَرْضًا إِلَّا مُبَيَّنًا [ ص: 168 ] لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ . أَوْ يَكُونُ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ الَّتِي لَمْ يَفْرِضْهَا .

    وَفِي فَسَادِ وَجْهِ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ذَلِكَ ، مَا يُوَضِّحُ عَنْ أَنَّ مَعْنَى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، غَيْرُ مَعْنَى : بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَكَ وَحُدُودَكَ .

    أَوْ يَكُونُ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبِّهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَلَنْ تَخْلُوَ مَسْأَلَتُهُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةً لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَلِهِ ، أَوْ عَلَى مَا يَحْدُثُ .

    وَفِي ارْتِفَاعِ حَاجَةِ الْعَبْدِ إِلَى الْمَعُونَةِ عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَلِهِ ، مَا يُعْلِمُ أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَتُهُ الزِّيَادَةَ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ عَمَلِهِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، صَارَ الْأَمْرُ إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ : مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ التَّوْفِيقَ لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضِهِ ، فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عُمُرِهِ .

    وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ ، فَسَادُ قَوْلِ أَهْلِ الْقَدَرِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّفٍ فَرْضًا ، فَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْمَعُونَةِ عَلَيْهِ ، مَا قَدِ ارْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ حَاجَتُهُ إِلَى رَبِّهِ . لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ ، لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) . وَفِي صِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ ، عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَسَادُ قَوْلِهِمْ .

    وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) : أَسْلِكْنَا طَرِيقَ الْجَنَّةِ فِي الْمَعَادِ ، أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) سُورَةُ الصَّافَّاتِ : 23 ، أَيْ أَدْخِلُوهُمُ النَّارَ ، كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تُدْخَلُ إِلَيْهِ ، وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّةُ إِلَى الرَّجُلِ ، وَكَمَا تَهْدِي السَّاقَ الْقَدَمُ ، نَظِيرَ قَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ : [ ص: 169 ]


    لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُولُ بِهِ وجَرَى فِي رَوْنَقٍ رِهْمُهْ



    لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ


    أَيْ تَرِدُ بِهِ الْمَوَارِدُ .

    وَفِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) مَا يُنْبِئُ عَنْ خَطَأِ هَذَا التَّأْوِيلِ ، مَعَ شَهَادَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَتِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى " الصِّرَاطَ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ : " إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى عِبَادَتِهِ . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " اهْدِنَا " إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ الثَّبَاتِ عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ .

    وَالْعَرَبُ تَقُولُ : هَدَيْتُ فُلَانًا الطَّرِيقَ ، وهَدَيْتُهُ لِلطَّرِيقِ ، وهَدَيْتُهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، إِذَا أَرْشَدْتَهُ إِلَيْهِ وَسَدَّدْتَهُ لَهُ . وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ) سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 43 ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : ( اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) سُورَةُ النَّحْلِ : 121 ، وَقَالَ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

    وَكُلُّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقِهَا ، مَوْجُودٌ فِي كَلَامِهَا ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :


    أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ، رَبَّ الْعِبَادِ ، إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
    [ ص: 170 ]

    يُرِيدُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَنْبٍ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) سُورَةُ غَافِرٍ : 55 .

    وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةَ بَنِي ذُبْيانَ :


    فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْلَ الْوَنَى وَالأَشْعَبَ النَبَّاحَا


    يُرِيدُ : فَيَصِيدُ لَنَا . وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ وَكَلَامِهِمْ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَةٌ .
    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

    قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ "الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " ، هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ . وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَةِ جَمِيعِ الْعَرَبِ ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ جَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ الْخَطَفِيِّ :


    أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقيمِ


    يُرِيدُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ أَبِي ذُؤَيْبٍ :


    صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنَ الصِّرَاطِ
    [ ص: 171 ]

    وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ :


    فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ


    وَالشَّوَاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا .

    ثُمَّ تَسْتَعِيرُ الْعَرَبُ "الصِّرَاطَ " فَتَسْتَعْمِلُه ُ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوِ اعْوِجَاجٍ ، فَتَصِفُ الْمُسْتَقِيمَ بِاسْتِقَامَتِه ِ ، وَالْمُعْوَجَّ بِاعْوِجَاجِهِ .

    وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدِي ، أَعْنِي : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا ارْتَضَيْتَهُ وَوَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِكَ ، مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ ، وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ . لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ ، فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ ، وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، وَالِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ ، وَاتِّبَاعِ مَنْهَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْهَاجِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ . وَكُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ ، وَكُلِّ ذَلِكَ مِنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ .

    وَقَدِ اخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ . يَشْمَلُ مَعَانِيَ جَمِيعِهِمْ فِي ذَلِكَ ، مَا اخْتَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِيهِ .

    وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ ، مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ، وَذَكَرَ الْقُرْآنَ ، فَقَالَ : هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ .

    174 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ ، قَال : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ ، عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلَيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . [ ص: 172 ]

    175 - وحُدِّثْتُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلَيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِثْلَهُ . [ ص: 173 ]

    176 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ ، عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلَيٍّ ، قَالَ : " الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ " .

    177 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - ح - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ . حَدَّثَنَا مِهْرَانُ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ " كِتَابُ اللَّهِ " .

    178 - حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ الطَّالْقَانِيّ ُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلَيٌّ وَالْحَسَنُ ابْنَا صَالِحٍ ، جَمِيعًا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قَالَ : الْإِسْلَامُ ، قَالَ : هُوَ أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ . [ ص: 174 ]

    179 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ جِبْرِيلُ لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّدُ : [ ص: 175 ] ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) يَقُولُ : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي لَا عِوَجَ لَهُ .

    180 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَوْفٍ ، عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَامُ .

    181 - حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلَابِيُّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الْبَزَّارِ ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، فِي قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قَالَ : هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعِبَادِ غَيْرَهُ .

    182 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْهَمْدَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثْنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ الْقَنَّادِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيُّ - فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ - عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قَالَ : هُوَ الْإِسْلَامُ

    183 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قَالَ : الطَّرِيقُ .

    184 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ أَبُو صُدَيْفٍ الآمُلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، فِي قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، قَالَ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . قَالَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ ، فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَنَصَحَ [ ص: 176 ]

    185 - حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " ، قَالَ : الْإِسْلَامُ .

    186 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا " . وَالصِّرَاطُ : الْإِسْلَامُ .

    187 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِي ُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِمِثْلِهِ . [ ص: 177 ]

    قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِالِاسْتِقَامَ ةِ ، لِأَنَّهُ صَوَابٌ لَا خَطَأَ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْغَبَاءِ ، أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا ، لِاسْتِقَامَتِه ِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّةِ . وَذَلِكَ تَأْوِيلٌ لِتَأْوِيلِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ خِلَافٌ ، وَكَفَى بِإِجْمَاعٍ جَمِيعِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]