عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-02-2022, 06:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,167
الدولة : Egypt
افتراضي السيرة النبوية: معركة بدر

السيرة النبوية: معركة بدر (1)
ساير بن هليل المسباح

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، قد مضت سنةٌ من عمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة، وقد أصلح شؤونها، ورتَّب أوضاع البيت الداخلي فيها؛ ليتفرغ لمواجهة قريش، فآخى بين المهاجرين والأنصار، وبنى المسجد، وعقد عهد المدينة مع جيرانه اليهود، وصارت المدينة طوع رأيه ورهن إشارته.

فأصبح يتتبع أخبارَ قريش وقوافلها، حتى سمعَ بخبرِ قافلةٍ عظيمةٍ لقريش، فخرج إليها بأصحابه، لكن قائدها أبا سفيان أفلت منه، ولم يصل إليها إلا وهي قد فاتته، فأصبح أبو سفيان بعدها خائفًا حذرًا، وأصبح رسول الله يقظًا يترقب، فلما كانت السنة الثانية والقافلة الثانية، خرج إليها بأصحابه، وأمر ألا يخرج معه إلا من كان ظهره حاضرًا، خرج معه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلًا، ومعهم فرسان، فرس للمقداد بن الأسود، وفرس للزبير بن العوام، وعلى سبعين بعيرًا يتناوبون عليها، وتخلَّف بعض الصحابة؛ لأنهم لم يظنوا أنه سيكون هناك قتالٌ، وظنوا أنما هي قافلة تجارية، يستولون عليها ويغنمونها، وهؤلاء الذين خرجوا بهم الكفاية، ولكن إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن تلغي جميع الحسابات وتلقى جميع الآراء والتحليلات.

وكان أبو سفيان يبث عيونه في أكثر من اتجاه، حتى بلغه خبرُ خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فاتخذ قرارين:
القرارُ الأول: أرسل إلى قريش في مكة مَن ينذرها ويستحثها لإنقاذ أموالها.

القرار الثاني: حول مسار القافلة باتجاه الساحل وأبعد في ذلك، فلم يدركه النبي صلى الله عليه وسلم، أما نذير أبي سفيان إلى قريش، فصاح بهم يستنجدهم، ويحذِّرهم من خسارة أموالهم وانهيار اقتصادهم، فاحتموا لأموالهم، وخشوا أن تذهب منهم، فتداعوا إلى نجدتها ونصرتها، وتولى كِبرَ ذلك أبو جهل، وصار يحرِّضهم على الخروج، ويعير من تقاعس منهم أو تلكَّأ، حتى صار العاجز منهم يبعث رجلًا مكانه، حتى يسلم من لسان أبي جهل، فلما ساروا مسافة من مكة جاءهم الرسول الثاني من أبي سفيان يُخبرهم بنجاته ونجاة أموالهم، فلا حاجة لخروجهم، فامتنع أبو جهل وأقسم ليردنَّ بدرًا، فيقيم فيه ثلاثة أيام، وينحر الجزور، وتُغنيهم القيان، ويشربون الخمر، فتسمع بهم العرب، فتهابهم أبدَ الدهر، إنه يبحث عن الشهرة والفخر، فأورد قومه أسوء موردٍ، وساقهم إلى حتفهم.

أما بعضهم وهم بنو زهرة، فردهم حليف لهم الأخنس بن شريق، وقال: ضَعوها في وجهي، وليقولوا: جَبُنَ فلان، فلا حاجة لكم بقتال بني عمِّكم، وقد سلم الله لكم أموالكم، فأطاعوه وحسنًا فعلوا، فرجعوا وتركوا أبا جهل في عتهِه وجنونه.

وكم يرد الناس موارد الهلاك يطيعون السفيه الأرعن، ويتركون الناصح الأمين.

أكملت قريش مسيرها نحو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد فاتته القافلة، فالتقوا في بدر على أمرٍ قد قُدِر، ولو تواعدتم في الميعاد، إنها المرة الأولى التي يلتقي فيها المسلمون بقريش بعد هجرتهم من مكة، جيشٌ يقابل جيشًا، وسلاحٌ مقابل سلاح.

اليوم لن يكون يوم استضعاف، ولا صبر على الأذى، بل اليوم يومُ القوة، يومُ رد الصاعِ بصاعٍ مثله، ورد الضربةِ بضربةٍ أقوى منها، اليوم يوم الاستيفاء، ويوم الاعتزاز، وتصفية الحسابات.

اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يستشيرهم في هذا الأمر الذي تحول من طلب للقافلة إلى مواجهة عسكرية، فقال: "اشيروا علي أيها الناس"، فتكلم أبو بكر ثم عمر ثم المقداد كلامًا حسنًا، وهو لا يزال يقول: "أشيروا علي أيها الناس"، فقام سعد بن معاذ حامل لواء الأنصار، وقال: "كأنك تريدنا يا رسول الله"، قال: "أجل"، فقال سعد: "لقد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لِما أردتَ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخُضته، لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبرٌ في الحرب، صدقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرُّ به عينك، فسِرْ على بركة الله".

وقال سعد بن عبادة مثل قوله: فقال النبي بعدها: "سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني انظر إلى مصارع القوم".

هكذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يتخاذلون عنه ولا يتركونه، يبحثون عن أعذار واهية هنا، أو قراءة قانونية هناك؛ لكي يبرِّئوا أنفسهم من القتال، لقد كانت بيعة العقبة الثانية أن يَمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم، وهم اليوم خارج المدينة، وليس داخلها، فمن أجمل ذلك استشارهم، وانتظر جوابهم، فما خيَّبوه ولا خذلوه.

وإن الخيبة كل الخيبة، وإن الخذلان كل الخذلان لمن استطال لسانه في أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو تنقَّص منهم، أو ظن بهم السوء، وهم كانوا يتسابقون إلى فدائه بأنفسهم ومُهجهم ويرددون: "ليس فيكم خيرٌ إن خُلِصَ إلى رسول الله وفيكم عينٌ تطرف".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنبٍ وإثم وخطيئة، فاستغفروه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فقد أصبحت المعركة وشيكة الوقوع، وقد اصطف الفريقان، وتأهَّبَا الطرفان للقتال، ولكن قبل أن يقع التصادم بينهما، وقعت حادثةٌ لا يمكن أن تتجاوزها، ولا ننوِّه بها وبصاحبها.

كان من ضمن صفوف المشركين شاب يُدعى عبدالله بن سهيل، وكان ممن سبق إلى الإسلام، وقد تفاجأ به المسلمون وهم يرونه في صف المشركين، يُشهر سلاحه في وجوههم، ماذا أصابه؟ وقد عهدوه منهم، وعرفوه أخًا لها.

كان عبدالله بن سهيل قد هاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة بعد ذلك، وقد هاجر المسلمون إلى المدينة، ولم يبق فيها إلا المستضعفون، فمنعه أبوه سهيلُ بن عمرو أن يهاجر إلى المدينة، فيلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فسجَنه ووضع القيود في يديه وقدميه مع أخيه أبي جندل بن سهيل صاحب يوم الحديبية المشهور، فصار أسيرين في بيت أبيهما، كما يقال: تحفظٌ احترازي، فلما خرجت قريش تنقذ قافلتها من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجدها عبدالله بن سهيل فرصةً للخروجِ من هذا الحبس، والالتحاق بالمسلمين، فأظهر لأبيه غضبه من قتال المسلمين، وأنه ما كان يظن أنهم يقاتلون قريشًا أو يريدون مالًا، فقد كان يظن الأمرَ أمرَ إسلامٍ وإيمانٍ، وصلاةٍ وحسنَ خلق، أما القتل والدم فلا، وهو اليوم إلى صف أبيه وقومه، لا صف قومٍ لا يعرفهم ولا يعرفونه من أهل المدينة، فانطلت الحيلةُ على أبيه وأُعجب به، وأُعجب بنخوته وحَمِيَّته، ففك القيد، وأعطاه سلاحًا وفرسًا، وخرج يباهي به قريشًا ويفتخر بابنه الذي انقلب على من كانوا بالأمس أصحابه وإخوانه.

فلما اصطف الفريقان للقتال، وتأهبوا للصدام، حرَّك عبدالله بن سهيل فرسه، وانطلقت به تعدو إلى جهة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فاصطفَّ معهم، والتقى بهم وصار منهم، وصار سيفه مع سيوف المسلمين، وفرسه في وجوه الكافرين، ولأنه كان صادق الوعد، صادق النية، أكرَمه الله بشهود هذا اليوم العظيم يوم بدر.

هذا الشاب عبدالله بن سهيل امتدت به الحياة بعد ذلك حتى كان يوم اليمامة، فقاتل المرتدين، فخرج يقاتل في سبيل الله، وهناك انتهت الحكاية، وتوقفت الرحلة بعبدالله بن سهيل، واستشهد باليمامة وعمره خمسة وثلاثون عامًا، خمسة وثلاثون عامًا وقد فعل كل هذه الأفعال، ووقف هذه المواقف، كلما ذكر هذا الاسم عبدالله بن سهيل، خجِلت من نفسي ومن عملي، يموت وهو في هذه السن الصغيرة، وقد قدم ما قدم لهذا الدين، ونحن قد تجاوزنا هذه السن، ولم نقدم بعدُ شيئًا مما قدمه عبدالله بن سهيل، وأمثاله من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله أن يكرمنا بفضله ويرحمنا برحمته.

أيها المسلمون، لم ينته الحديث بعد عن يوم بدر، فلا زال في الحديث بقية، وإذا يسَّر الله تعالى أكملنا في الخطبة القادمة بقية أحداث بدر وما نتج عنها بعد ذلك.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا وعافنا وارزقنا رزقًا حسنًا، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين واعتداء المعتدين وفجور الفاجرين، اللهم أصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافَك واتَّقاك، اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعملٍ، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول، اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا يا أرحم الراحمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]