
05-02-2022, 06:58 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,000
الدولة :
|
|
رد: السلوك الأهوج
الخطبة الثانية الحمد لله ذي الطول والإنعام، والمنِّ والإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله قائد الغر المحجلين إلى دار السلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره ورام، أما بعد:
فعن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ[26].
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ»[27].
وفي الحديث: «عَلِّمُوا، وَيَسِّرُوا، وَلا تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ»[28].
أو قال: «وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ، وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ، وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ»[29].
وقد قيل في أحدث تفسير لانتشار الأمراض الخبيثة والمستعصية بشكل مخيف: أن الشدة النفسية –كالغضب- يُضعِف الجهاز المسؤول عن تنظيم الجسم، ونمو الخلايا، ألا وهو جهاز المناعة، ومتى ضعُف هذا الجهاز؛ نمت الخلايا نموًّا عشوائيًّا، والشدة النفسية - بالتعبير الطبي الحديث - أو كلمة الغضب - بالتعبير القديم الإسلامي - هو الذي يسهم في إضعاف جهاز المناعة، وإضعاف هذا الجهاز يسهم في إضعاف سيطرة هذا الجهاز على نمو الخلايا، فهناك تلازم بين انتشار هذه الأمراض الخبيثة بشكل وبائي، وبين ارتفاع التوتر النفسي لدى البشر.
يسأل طبيب القلب المريض عند زيارته: هل هناك شيء أزعجك؟ ومثله طبيب الباطنية.. وكثيرٌ من الأمراض يضعُ الطبيبُ السببَ الأول للمرض: الصدمة النفسية، والتوتر المفاجئ.
ولكن متى نغضب؟
وَإِذا أُغضِبتَ فَاغضَب لِعَظيم 
وَتَجَنَّب في الصَغيراتِ الغَضَب
شَرَفٍ قَد مُسَّ أَو عِرضٍ كَريم 
إِنَّهُ كَالنارِ وَالرُشدُ الَحطَب
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ﴾ [الأعراف:150].
إن المؤمن الحق لا يغضب لنفسه، وإنما يغضب حينما يُنال من جناب التوحيد، وتنتهك محارمُ الله، وتتفشى المنكرات، وتنطمس معالم الدين، قال أبو بكر: أينقص الدين وأنا حي؟[30].
كم زُلزل الصخر الأشمُّ فما وَهى 
لو أن آسادَ العرين تفزَّعتْ
وكأنَّ نيران المدافع في صدُو 
توحيدُك الأعلى جعلنا نقشَهُ
فغدتْ صُدورُ المؤمنين مصاحفًا 
من بأسنا عزم ولا إيمانُ
لم يلقَ غير ثباتنا الميْدانُ 
رِالمؤمنين الرَّوْح والريحانُ
نورًا تضيء بصُبحه الأزمانُ 
في الكون مسطورًا بها القرآنُ
وغضبَ النبيُّ محمدٌ ﷺ لله سبحانه، لما رأى قذارةً في المسجد؛ في بيتِ الله سبحانه، فقد رَأَى رَسُولُ اللهِ ﷺ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا[31].
هذا وصلوا - رحمكم الله - على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصُر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.
اللهم ما سألناك من خير فأعطنا، وما لم نسألك فابتدئنا، وما قصرت عنه آمالنا من الخيرات فبلغنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
[1] رواه البخاري في صحيحه، باب الحذر من الغضب (8/28).
[2] رواه الترمذي في سننه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب ما جاء في كثرة الغضب (4/114)، صححه الألباني، صحيح وضعيف سنن الترمذي (5/20).
[3] رواه الطبراني في المعجم الأوسط (3/25)، ومسند الشاميين (1/36)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3/46).
[4] جامع العلوم والحكم (1/363).
[5] رواه معمر بن راشد في الجامع، باب الغضب والغيظ وما جاء فيه (11/187)، ورواه عبدالرزاق الصنعاني في مصنفه(9/68)، وأحمد في مسنده(38/236)، والبيهقي في السنن الكبرى(10/180)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب(3/45).
[6] أورده البيهقي في شعب الإيمان مرسلاً، من حديث الحسن (10/529).
[7] التوضيح لشرح الجامع الصحيح (19/208).
[8] الذريعة إلى مكارم الشريعة(ص243).
[9] رواه البخاري في صحيحه، من حديث عبدالرحمن بن أبي بكرة، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان (9/65).
[10]رواه مسلم في صحيحه، من حديث عبدالرحمن بن أبي بكرة، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان (3/1342).
[11] مخطوطات في الأمثال العربية (1/244).
[12] رواه النسائي في سننه، من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه (3/54)، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات (1/319)، صححه الألباني، تخريج الكلم الطيب (1/109).
[13] جامع العلوم والحكم (1/368).
[14] إحياء علوم الدين (3/165).
[15] مساوئ الأخلاق للخرائطي(ص151).
[16] أدب الدنيا والدين(ص258).
[17] إحياء علوم الدين، بتصرف يسير (3/172).
[18] إحياء علوم الدين، بتصرف يسير (3/168).
[19] تنبيه المغتربين(ص181).
[20] أدب الدنيا والدين(ص259).
[21] صحيح البخاري (6/72).
[22] رواه مسلم في صحيحه، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب (4/2014).
[23] رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب (4/2014).
[24] رواه ابن حبان في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب ذكر الإخبار بأن الشديد الذي غلب نفسه...(2/493).
[25] رواه مسلم في صحيحه، باب صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده (3/1280).
[26] رواه البخاري في صحيحه، باب الحذر من الغضب (8/28).
[27] رواه أحمد في مسنده، من حديث أبي ذر رضي الله عنه (35/278)، وأبو داؤود في سننه(4/249)، وابن حبان في صحيحه(12/501)، صححه الألباني، مشكاة المصابيح(3/1415).
[28] رواه أبو داؤود الطيالسي في مسنده، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (4/337)، وأحمد في المسند (4/39)، والبخاري في الأدب المفرد(ص95)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة(3/449).
[29] رواه أحمد في المسند، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما(4/338، 5/413)، والبخاري في الأدب المفرد(ص447)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق(ص150)، صححه الألباني، صحيح الأدب المفرد(501).
[30] الرياض النضرة في مناقب العشرة(1/147).
[31] رواه ابن ماجه في سننه، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، باب كراهية النخامة في المسجد (1/251)، والنسائي في سننه(2/52)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة(8/4).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|