عرض مشاركة واحدة
  #99  
قديم 08-02-2022, 03:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -
كتاب الصيد والذبائح
الحلقة (99)
صــــــــــ 249 الى صـــــــــــ254

كتاب الصيد والذبائح أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : الكلب المعلم الذي إذا [ ص: 249 ] أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل هذا مرة بعد مرة كان معلما يأكل صاحبه ما حبس عليه وإن قتل ما لم يأكل فإذا أكل فقد قيل يخرجه هذا من أن يكون معلما وامتنع صاحبه من أن يأكل من الصيد الذي أكل منه الكلب لأن الكلب أمسكه على نفسه وإن أكل منه صاحب الكلب أكل من صيد غير معلم ويحتمل القياس أن يأكل وإن أكل منه الكلب من قبل أنه إذا صار معلما صار قتله ذكاة فأكل ما لم يحرم أكله ما كان ذكيا كما لو كان مذبوحا فأكل منه كلب لم يحرم وطرح ما حول ما أكل وهذا قول ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وبعض أصحابنا وإنما تركنا هذا للأثر الذي ذكر الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول { فإذا أكل فلا تأكل } .

( قال الشافعي ) وإذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز تركه لشيء وإذا قلنا هذا في المعلم من الكلاب فأخذ المعلم فحبس بلا أكل فذلك يحل وإن قتله يقوم مقام الذكاة فإن حبس وأكل فذلك موضع ترك فيه أن يكون معلما فصار كهو على الابتداء لا يحل أكله كما كان لا يحل على الابتداء وهذا وجه يحتمله القياس ويصح فيه وفيه أن متأولا لو ذهب فقال إن الكلب إذا كان نجسا فأكل من شيء رطب قد يمكن أن يجري بعضه في بعض نجسه ولكن لا يجوز أن يقول حتى يكون آكلا والحياة فيه والدم بالروح يدور فيه فأما إذا كان بعد الموت فلا يدور فيه دم وإنما ينجس حينئذ موضع ما أكل منه وما قاربه قال الربيع وفيه قول آخر ولو نجسه كله كان له أن يغسله ويعصره كما يغسل الثوب ويعصر فيطهر ويغسل الجلد فيطهر فتذهب نجاسته وكذلك تذهب نجاسة اللحم فيأكله .
باب صيد كل ما صيد به من وحش أو طير

( قال الشافعي ) وتعليم الفهد وكل دابة علمت كتعليم الكلب لا فرق بينهما غير أن الكلب أنجسها ولا نجاسة في حي إلا الكلب والخنزير وتعليم الطائر كله واحد البازي والصقر والشاهين والعقاب وغيرها وهو أن يجمع أن يدعى فيجيب ويستشلى فيطير ويأخذ فيحبس فإذا فعلت هذا مرة بعد مرة فهي معلمة يؤكل ما أخذت وقتلت فإن أكلت فالقياس فيها كهو في الكلب ، زعم بعض المشرقيين أنه يؤكل ما قتلت وإن أكلت وزعم إنه إذا أكل الكلب لا يؤكل وزعم أن الفرق بينهما عنده أن الكلب يضرب والبازي لا يضرب فإذا زعم أنها تفترق في هذا فكيف زعم أن البازي لا يؤكل صيده حتى يكون يدعى فيجيب ويستشلى فيطير وأنه لو طار من نفسه فقتل لم يؤكل إذا لم يكن معلما ؟ أفرأيت إذا استجاز في معلمين يفرق بينهما فلو فرق بينهما رجل حيث جمع بينهما أو جمع بينهما حيث فرق بينهما هل كانت الحجة عليه إلا كهي عليه ؟
باب تسمية الله عز وجل عند إرسال ما يصطاد به

( قال الشافعي ) وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمي فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل لأنهما إذا كان قتلهما كالذكاة فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي وكذلك ما أصبت بشيء من سلاحك الذي يمور في الصيد
باب إرسال المسلم والمجوسي الكلب

( قال الشافعي ) وإذا أرسل المسلم والمجوسي كلبا واحدا أو كلبين متفرقين أو طائرين أو سهمين فأصابا الصيد ثم لم تدرك ذكاته فلا يؤكل فهو كذبيحة مسلم ومجوسي لا فرق بينهما فإذا دخل في الذبيحة ما لا يحل لم تحل وكذلك لو أعانه كلب غير معلم وسواء أنفذ السهم أو الكلب المعلم مقاتله أو لم ينفذها إذا أصابه على قتله غيره مما لا يحل لأن مقاتله قد تنفذ فيحيا إلا أن يكون قد بلغ منه ما يبلغ الذبح التام بالمذبوح مما لا يعيش بعده طرفة عين ومما تكون حركته كحركة المذبوح كحشاشة روح الحياة التي لم يتتام خروجه فإن خرج إلى هذا فلا يضره ما أصابه لأنه قد أصابه وهو ميت .
باب إرسال الصيد فيتوارى عنك ثم تجد الصيد مقتولا

( قال الشافعي ) وإذا رمى الرجل الصيد أو أرسل عليه بعض المعلمات فتوارى عنه ووجده قتيلا فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله من قبل أنه قد يمكن أن يكون قتله غير ما أرسل عليه من دواب الأرض وقد سئل ابن عباس فقال له قائل : إني أرمي فأصمي وأنمي فقال له ابن عباس " كل ما أصميت ودع ما أنميت " .

( قال الشافعي ) ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله فإن كان قد بلغ وهو يراه مثل ما وصفت من الذبح ثم تردى فتوارى أكله فأما إنفاذ المقاتل فقد يعيش بعدما ينفذ بعض المقاتل ولا يجوز فيه عندي إلا هذا إلا أن يكون جاء على النبي صلى الله عليه وسلم شيء فإني أتوهمه فيسقط كل شيء خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس فإن الله عز وجل قطع العذر بقوله صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) وإذا أصابت الرمية الصيد والرامي لا يراه فذبحته أو بلغت به ما شاءت لم يأكله ووجد به أثرا من غيرها أو لم يجده لأنه قد يقتله ما لا أثر له فيه وإذا أدرك الرجل الصيد ولم يبلغ سلاحه منه أو معلمه منه ما يبلغ الذبح من أن لا يبقى فيه حياة فأمكنه أن يذبحه فلم يذبحه فلا يأكله وإمكانه أن يكون ما يذكي به حاضرا ويأتي عليه مدة يمكنه فيها أن يذبحه فلا يذبحه لأن الذكاة ذكاتان إحداهما ما قدر عليه فذلك لا يذكى إلا بالنحر والذبح والأخرى ما لم يقدر عليه فيذكى بما يقدر عليه فإذا لم يبلغ ذكاته وقدر عليه فلا يجزي فيه إلا الذبح أو النحر فإن أغفل السكين وقدر على الذبح فرجع له فمات لم يأكله إنما يأكله إذا لم يقدر من حين يصيده على ذكاته ولو أجزنا له أكله بالرجوع بلا تذكية أجزنا له إن تعذر عليه ما يذكيه به يوما فمات قبل أن يجده أن يأكله وإذا أدركته ومعك ما تذكيه به فلم يمكنك مذبحه ولم تفرط فيه حتى مات فكله وإن أمكنك مذبحه فلم تفرط وأدنيت السكين فمات قبل أن تضعها على حلقه فكله وإن وضعتها على حلقه ولم تمرها حتى مات ولم تتوان فكله لأنه يمكنك في شيء من هذا ذكاته وإن أمررتها فكلت ومات فلا تأكله لأنه قد يكون قد مات خنقا والذكاة التي إذا بلغها الذابح أو الرامي أو المعلم أجزأت .
[ ص: 251 ] من الذبح أن يجتمع قطع الحلقوم والمريء لا شيء دون ذلك وتمامها الودجين ولو قطع الودجان ولم يقطع الحلقوم والمريء لم تكن ذكاة من قبل أن الودجين قد يقطعان من الإنسان ويحيا وأما الذكاة فيما لا حياة فيه إذا قطع فهو الحلقوم والمريء لأنهما أظهر منهما فإذا أتى عليهما حتى استؤصلا فلا يكون إلا بعد إبانة الحلقوم والمريء .
وإذا أرسل الرجل كلبه أو سهمه وسمى الله تبارك وتعالى وهو يرى صيدا فأصاب غيره فلا بأس بأكله من قبل أنه قد رأى صيدا ونواه وإن أصاب غيره وإن أرسلهما ولا يرى صيدا ونوى فلا يأكل ولا تعمل النية إلا مع عين تراه وهكذا لو رمى صيدا مجتمعا ونوى أنه أصاب أكل ما أصاب منه ولو كان لا يجوز أن يأكل إذا رمى إلا ما نوى بعينه كان العلم يحيط أن رجلا لو أرسل سهما على مائة طير أو كلبا على مائة ظبي لم يقتلها كلها وإذا نواها كلها فأصاب واحدا فالواحد المصاب غير منوي بعينه وكان يلزم من قال لا يأكل الصيد إلا أن يرميه بعينه أن لا يأكل من هذه شيئا لأن العلم يحيط أنه لا يقتلها كلها فإذا أحاط العلم بهذا فالذي نوى بغير عينه والله أعلم وكل ما أصاب كلب غير معلم أو حجر أو بندقة أو شيء غير سلاح لم يؤكل إلا أن تدرك ذكاته فيكون مأكولا بالذكاة كما تؤكل الموقوذة والمتردية والنطيحة إذا ذكيت .
( قال الشافعي ) وأكثر ما تكون كلاب الصيد في غير أيديهم إلا أنها تتبعهم وإذا استشلى الرجل كلبه على الصيد قريبا كان منه أو بعيدا فانزجر واستشلى باستشلائه فأخذ الصيد أكل وإن قتله ، وكان كإرساله إياه من يده وإن كان الكلب قد توجه للصيد قبل استشلاء صاحبه فمضى في سننه فأخذه فلا يأكله إلا بإدراك ذكاته إلا أن يكون يزجره فيقف أو ينعرج ثم يستشليه فيتحرك باستشلائه الآخر فيكون قد ترك الأمر الأول واستشلى باستشلاء مستأنف فيأكل ما أصاب كما يأكله لو أرسله فيقف على الابتداء وإن كان في سننه فاستشلاه فلم يحدث عرجة ولا وقوفا وازداد في سننه استشلاء فلا يأكل وسواء في ذلك استشلاء صاحبه أو غير صاحبه ممن تجوز ذكاته .
( قال الشافعي ) وصيد الصبي أسهل من ذبيحته فلا بأس بصيده لأن فعله الكلام والذكاة بغيره فلا بأس بذبيحته إذا أطاق الذبح وأتى منه على ما يكون ذكاة وكذلك المرأة وكل من تجوز ذكاته من نصراني ويهودي .
( قال الشافعي ) وإذا رمى لرجل الصيد أو طعنه أو ضربه أو أرسل إليه كلبه فقطعه قطعتين أو قطع رأسه أو قطع بطنه وصلبهوإن لم يكن من النصف أكل الطرفين معا وهذه ذكاته وكل ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة لكل عضو فيه ولكنه لو قطع منه يدا أو رجلا أو إربا أو شيئا يمكن لو لم يزد على ذلك أن يعيش بعده ساعة أو مدة أكثر منها بعد أن يكون ممتنعا ثم قتله بعد برمية أكل ما كان باقيا فيه من أعضائه ولم يأكل العضو الذي بان منه وفيه الحياة التي يبقى بعدها لأنه عضو مقطوع من حي ولا يؤكل ما قطع من حي أدركت ذكاته أو لم تدرك ولو كان موته من القطع الأول أكلهما معا وقال بعض الناس إذا ضربه فقطعه نصفين أكل وإن قطعه بأقل من النصف فكان الأقل مما يلي العجز أكل الذي يلي الرأس ولم يأكل الذي يلي العجز .

( قال الشافعي ) وإذا كانت الضربة التي مات منها ذكاة لبعضه كانت ذكاة لكله ولم يصلح أن يؤكل منهما واحد دون صاحبه .
( قال الشافعي ) وكل ما كان يعيش في الماء من حوت أو غيره فأخذه ذكاته لا ذكاة عليه ولو ذكاه لم يحرم ولو كان من شيء تطول حياته فذبحه لأن يستعجل موته ما كرهته وسواء من أخذه من مجوسي أو وثني لا ذكاة له لأنه ذكي في نفسه فلا يبالي من أخذه وسواء ما كان منه يموت حين يخرج من الماء وما كان يعيش إذا كان منسوبا إلى الماء وفيه أكثر عيشه وإذا كان هكذا فسواء ما لفظ البحر وطفا من ميتته وما أخرج منه وقد خالفنا بعض المشرقيين فزعم أنه لا بأس بما لفظ البحر ميتا وما أخذه الإنسان ميتا قبل أن يطفو فإذا طفا فلا [ ص: 252 ] خير فيه ولا أدري أي وجه لكراهية الطافي والسنة تدل على أكل ما لفظ البحر ميتا بضع عشرة ليلة وهو يقول ذلك والقياس أنه كله سواء ولكنه بلغنا أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " سمى جابرا أو غيره " كره الطافي فأتبعنا فيه الأثر .

( قال الشافعي ) قلنا لو كنت تتبع الآثار أو السنن حين تفرق بين المجتمع منها بالاتباع حمدناك ولكنك تتركها ثابتة لا مخالف لها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأخذ ما زعمت برواية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الطافي وقد أكل أبو أيوب سمكا طافيا وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زعمت القياس وزعمنا السنة وأنت تزعم أنه لو لم تكن سنة فقال الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا معه القياس وعدد منهم قولا يخالف كان علينا وعليك اتباع القول الذي يوافق القياس وقد تركته في هذا ومعه السنة والقياس ، وذكر أيوب عن محمد بن سيرين أن أبا أيوب أكل سمكا طافيا .
باب ما ملكه الناس من الصيد

( قال الشافعي ) كل ما كان له أصل في الوحش وكان في أيدي الناس منه شيء قد ملكوه فأصابه رجل فعليه رده فإن تلف في يده فعليه قيمته وذلك مثل الظباء والأروى وما أشبهه والقماري والدباسي والحجل وما أشبهها وكل ما صار إلى رجل من هذا بأن صاده أو صيد له أو صار إليه بوجه من الوجوه فلم يعرف له صاحبا فلا بأس عليه فيه لأن أصله مباح ولا يحرم عليه حتى يعلم أن غيره قد ملكه فإن أخذه فاستهلكه أو بقي في يديه فادعاه مدع فالورع أن يصدقه ويرده عليه أو قيمته والحكم أن ليس عليه تصديقه إلا ببينة يقيمها عليه وكل ما كان في أيدي الناس مما لا أصل له في الوحش مثل الحمام غير حمام مكة فهو كالشاة والبعير فليس لأحد أخذه بوجه من الوجوه لأنه لا يكون إلا مملوكا وكذلك لو أصابه في الجبل أو غيره قد فرخ فيه لم يكن له أخذه من قبل أن أفراخه لمالك أمهاته كما لو أصاب الحمر الأهلية مباحة لم يكن له أخذها لأنها لا تكون إلا لمالك وهذا عندنا كما وصفت فإن كان بلد فيه شيء من هذا معروفا أنه لغير مالك فهو كما وصفت من الحجل والقطا .
( قال الشافعي ) وإذا كان لرجلين برجان فتحول بعض حمام هذا إلى برج هذا فلازم له أن يرده كما يرد ضوال الإبل إذا أوت إلى إبله فإن لم يعرفها إلا بادعاء صاحبها لها كان الورع أن يصدقه فيما ادعى ما لم يعرفه ادعى ما ليس له والحكم أن لا يجبر على تصديقه إلا ببينة يقيمها ولا نحب له حبس شيء يشك فيه ونرى له إعطاءه ما عرف وتأخي ما لم يعرف واستحلال صاحبه فيما جهل ، والجواب في الحمام مثله في الإبل والبقر والرقيق .
( قال الشافعي ) فإذا ملك الرجل الصيد ساعة ثم انفلت منه فأخذه غيره كان عليه رده إليه كان ذلك من ساعة انفلت منه فأخذه أو بعد مائة سنة لا فرق بين ذلك ، ولا يجوز غير هذا أو يكون حين زايل يدا ، لا يملكه فلو أخذه من ساعته لم يرده إليه فأما يرده إذا انفلت قريبا ولا يرده إذا انفلت بعيدا فليس هذا مما يعذر أحد بجهالته .
وإذا أصاب الرجل الصيد مقلدا أو مقرطا أو موسوما أو به علامة لا يحدثها إلا الناس فقد علم أنه مملوك لغيره فلا يحل له إلا بما تحل به ضالة الغنم وذلك أن ضالة الغنم لا تغني عن نفسها قد تحل بالأرض المهلكة ويغرمها من أخذها إذا جاء صاحبها والوحش كله في معنى الإبل وقد [ ص: 253 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتي ربها } فقلنا كل ما كان ممتنعا بنفسه يعيش بغير راعيه كما يعيش للبعير فلا سبيل إليه والوحش كله في هذا المعنى فكذلك البقرة الإنسية وبقرة الوحش والظباء والطير كله .
( قال ) وما يدل عليه الكتاب ثم السنة ثم الآثار ثم القياس أنه لا يجزي المحرم من الصيد شيء لا يؤكل لحمه ويجزي ما كان لحمه مأكولا منه والبازي والصوائد كلها لا تؤكل لحومها كما لا تؤكل لحوم الغربان فإن قتل المحرم بازا لإنسان معلما ضمن له قيمته في الحال التي يقتله بها معلما كما يقتل له العبد الخباز أو الصباغ أو الكاتب فيضمن له قيمته في حاله التي قتله فيها ويقتل له البعير النجيب والبرذون الماشي فيضمن له قيمته في الحال التي قتله فيها ولا فدية في الإحرام عليه لأنه قتله وليس لأحد لم يكن عليه فيه فدية ولو قتل له ظبيا كانت عليه شاة يتصدق بها على مساكين الحرم وقيمته بالغة ما بلغت لصاحبه كانت أقل من شاة أو أكثر .
( قال الشافعي ) { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب } فلا يحل بيع كلب ضار ولا غيره وهكذا قال بعض أصحابنا وقال فإن قتله فعليه قيمته وقيمته بيع ذلك مردود لأنه ثمن المحرم والمحرم لا يكون إلا مردودا أعلم بذلك من ساعته أو بعد مائة سنة كما يكون الخمر والخنزير وما لا يحل ثمنه بحال مردودا وليس فيه إلا هذا أو ما قال المشرقيون بأن ثمنه يجوز كما يجوز ثمن الشاة فأما أن يزعم أن أصله محرم يرده إن قرب ولا يرده إن بعد فهذا لا يجوز لأحد ولا يعذر به ولو جاز هذا لأحد بلا خبر يلزم جاز عليه أن يرد الثمن إذا بعد ولا يرده إذا قرب فإن قال استحسنت في هذا ؟ قيل له ونحن نستحسن ما استقبحت ونستقبح ما استحسنت ولا يحرم بيع حي من دابة ولا طير ولا نجاسة في واحد منهما إلا الكلب والخنزير فإنهما نجسان حيين وميتين ولا يحل لهما ثمن بحال .
( قال الشافعي ) ومن قتل كلب زرع أو كلب ماشية أو صيد أو كلب الحرس لم يكن عليه قيمته من قبل أن الخبر إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ثمنه وهو حي لم يحل أن يكون له ثمن حيا ولا ميتا وأنا إذا أغرمت قاتله ثمنه فقد جعلت له ثمنا حيا وذلك ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو جاز أن يكون له ثمن في إحدى حالتيه كان ثمنه في الحياة مبيعا حين يقتنيه المشتري للصيد والماشية والزرع أجوز منه حين يكون لا منفعة فيه .

( قال الشافعي ) وإذا كان لك على نصراني حق من أي وجه ما كان ثم قضاكه من ثمن خمر أو خنزير تعلمه لم يحل لك أن تأخذه وسواء في ذلك حلاله وحرامه فيما قضاكه أو وهب لك أو أطعمك كما لو كان لك على مسلم حق فأعطاك من مال غصبه أو ربا أو بيع حرام لم يحل لك أخذه وإذا غاب عنك معناه من النصراني والمسلم فكان ما أعطاك من ذلك أو أطعمك أو وهب لك أو قضاك يحتمل أن يكون من حلال وحرام وسعك أن تأخذه على أنه حلال حتى تعلم أنه حرام والورع أن تتنزه عنه ولا يعدو ما أعطاك نصراني من ثمن خمر أو خنزير بحق لك أو تطوع منه عليك أن يكون حلالا لك لأنه حلال له إذا كان يستحله من أصل دينه أو يكون حراما عليك باختلاف حكمك وحكمه ولا فرق بين ما أعطاك من ذلك تطوعا أو بحق لزمه وأما أن يكون حلالا فحلال الله تعالى لجميع خلقه وحرامه عليهم واحد وكذلك هو في الخمر والخنزير وثمنهما محرمان على النصراني كهو على المسلم فإن قال قائل فلم لا تقول إن ثمن الخمر والخنزير حلال لأهل الكتاب وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به ؟ قيل قد أعلمنا الله عز وجل أنهم لا يؤمنون به ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله إلى قوله { وهم صاغرون } ( قال [ ص: 254 ] الشافعي ) فكيف يجوز لأحد عقل عن الله عز وجل أن يزعم أنها لهم حلال وقد أخبرنا الله تعالى أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ؟ فإن قال قائل فأنت تقرهم عليها ؟ قلت : نعم ، وعلى الشرك بالله لأن الله عز وجل أذن لنا أن نقرهم على الشرك واستحلالهم شربها وتركهم دين الحق بأن نأخذ منهم الجزية قوة لأهل دينه وحجة الله تعالى عليهم قائمة لا مخرج لهم منها ولا عذر لهم فيها حتى يؤمنوا بالله ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله وكل ما صاده حلال في غير حرم مما يكون بمكة من حمامها وغيره فلا بأس به لأنه ليس في الصيد كله ولا في شيء منه حرمة يمنع بها نفسه إنما يمنع بحرمة من غيره ، من بلد أو إحرام محرم أو بحرمة لغيره من أن يكون ملكه مالك ، فأما بنفسه فليس بممنوع .
باب ذبائح أهل الكتاب

( قال الشافعي ) رحمه الله : أحل الله طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله تعالى فهي حلال وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله تعالى مثل اسم المسيح أو يذبحونه باسم دون الله تعالى لم يحل هذا من ذبائحهم ولا أثبت أن ذبائحهم هكذا فإن قال قائل وكيف زعمت أن ذبائحهم صنفان وقد أبيحت مطلقة ؟ قيل قد يباح الشيء مطلقا وإنما يراد بعضه دون بعض فإذا زعم زاعم أن المسلم إن نسي اسم الله تعالى أكلت ذبيحته وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته وهو لا يدعه للشرك كان من يدعه على الشرك أولى أن تترك ذبيحته ، وقد أحل الله عز وجل لحوم البدن مطلقة فقال { فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها } ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى أن لا يؤكل من البدنة التي هي نذر ولا جزاء صيد ولا فدية فلما احتملت هذه الآية ذهبنا إليه وتركنا الجملة ، لا أنها خلاف للقرآن ولكنها محتملة ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله لم يكن له أن يأخذ منه شيئا لأنا إذا جعلنا له أن يأخذ منه شيئا فلم نجعل عليه الكل إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ما قلنا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]