عرض مشاركة واحدة
  #102  
قديم 08-02-2022, 06:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,907
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -
كتاب الاطعمة
الحلقة (102)
صــــــــــ 267 الى صـــــــــــ272


ما حرم المشركون على أنفسهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله عز وجل أنها ليست حراما بتحريمهم . وقد ذكرت بعض ما ذكر الله تعالى منها ، وذلك مثل البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق ، فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها ، وقد فسرته [ ص: 267 ] في غير هذا الموضع ، فقال تبارك وتعالى { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } وقال { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين } وقال الله عز وجل وهو يذكر ما حرموا { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ، لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } إلى قوله { حكيم عليم } { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } الآية وقال { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } الآية والآيتين بعدها فأعلمهم جل ثناؤه ، أنه لا يحرم عليهم ما حرموا . ويقال : نزلت فيهم { قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم } فرد إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأعلمهم أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم .

وقال { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } يعني والله أعلم من الميتة . ويقال : أنزل في ذلك { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } إلى قوله { فسقا أهل لغير الله به } وهذا يشبه ما قيل يعني { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } أي من بهيمة الأنعام إلا ميتة أو دما مسفوحا منها وهي حية أو ذبيحة كافر . وذكر تحريم الخنزير معها وقد قيل : ما كنتم تأكلون إلا كذا . وقال { فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا } إلى قوله { وما أهل لغير الله به } وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها .
ما حرم بدلالة النص .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } فيقال يحل لهم الطيبات عندهم ، ويحرم عليهم الخبائث عندهم . قال الله عز وجل { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } وكان الصيد ما امتنع بالتوحش كله ، وكانت الآية محتملة أن يحرم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد ، وهو يجزي بعض الصيد دون بعض .

فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من الصيد شيئا ليس على المحرم جزاؤه كل ما يباح للمحرم قتله . ولم يكن في الصيد شيء يتفرق إلا بأحد معنيين ، إما بأن يكون الله عز وجل أراد أن يفدي الصيد المباح أكله ولا يفدي ما لا يباح أكله ، وهذا أولى معنييه به والله أعلم لأنهم كانوا يصيدون ليأكلوا ، لا ليقتلوا ، وهو يشبه دلالة كتاب الله عز وجل قال الله تعالى { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم } وقال عز وجل { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } وقال { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فذكر جل ثناؤه إباحة صيد البحر للمحرم ومتاعا له ، يعني طعاما ، والله أعلم ، ثم حرم صيد البر فأشبه أن يكون إنما حرم عليه بالإحرام ما كان أكله مباحا له قبل الإحرام ، ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم أن يقتل الغراب ، والحدأة . والفأرة ، والكلب العقور ، والأسد ، والنمر ، والذئب الذي يعدو على الناس ، فكانت محرمة الأكل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ، فكان ما أبيح قتله معها ، يشبه أن يكون محرم الأكل لإباحته معها ، وأنه لا يضر ضررها ، وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الضبع ، وهو أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأرة أضعافا ، والوجه الثاني أن يقتل المحرم ما ضر ، ولا يقتل ما لا يضر ، ويفديه إن قتله ، وليس هذا معناه . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل أكل لحم الضبع ، وأن السلف والعامة عندهم [ ص: 268 ] فدوها . وهي أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأر . وكل ما لم تكن العرب تأكله من غير ضرورة .

وكانت تدعه على التقذر به محرم وذلك مثل الحدأ . والبغاث . والعقبان . والبزاة . والرخم . والفأرة . واللحكاء . والخنافس . والجعلان . والعظاء . والعقارب . والحيات . والذر . والذبان . وما أشبه هذا .

وكل ما كانت تأكله لم ينزل تحريمه . ولم يكن في معنى ما نص تحريمه . أو يكون على تحريمه دلالة .

فهو حلال . كاليربوع . والضبع . والثعلب . والضب وما كانت لا تأكله . ولم ينزل تحريمه مثل البول . والخمر . والدود . وما في هذا المعنى . وعلم هذا موجود عندها إلى اليوم . وكل ما قلت : حلال . حل ثمنه . ويحل بالذكاة . وكل ما قلت حرام . حرم ثمنه ولم يحل بالذكاة ولا يجوز أكل الترياق المعمول بلحوم الحيات . إلا أن يجوز في حال ضرورة . وحيث تجوز الميتة . ولا تجوز ميتة بحال .
الطعام والشراب أخبرنا الربيع بن سليمان قال .

( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } " وقال { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } وقال عز وجل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } فبين الله عز وجل في كتابه أن مال المرأة ممنوع من زوجها الواجب الحق عليها إلا بطيب نفسها وأباحه بطيب نفسها لأنها مالكة لمالها ، ممنوع بملكها ، مباح بطيب نفسها كما قضى الله عز وجل في كتابه ، وهذا بين أن كل من كان مالكا فماله ممنوع به محرم إلا بطيب نفسه بإباحته ، فيكون مباحا بإباحة مالكه له ، لا فرق بين المرأة والرجل ، وبين أن سلطان المرأة على مالها ، كسلطان الرجل على ماله إذا بلغت المحيض وجمعت الرشد وقول الله عز وجل { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } يدل - والله أعلم - إذا لم يستثن فيه إلا بطيب أنفس اليتامى ، على أن طيب نفس اليتيم لا يحل أكل ماله ، واليتيم واليتيمة في ذلك واحد ، والمحجور عليه عندنا كذلك لأنه غير مسلط على ماله والله أعلم لأن الناس في أموالهم واحد من اثنين ، مخلى بينه وبين ماله ، فما حل له فأحله لغيره ، حل ، أو ممنوع من ماله ، فما أباح منه لم يجز لمن أباحه له لأنه غير مسلط على إباحته له . فإن قال قائل : فهل للحجر في القرآن أصل يدل عليه ؟ قيل : نعم ، إن شاء الله ، قال الله عز وجل { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو ، فليملل وليه بالعدل } الآية ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي ، قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر فينتقل متاعه } ؟ وقد روي حديث لا يثبت مثله { إذا دخل أحدكم الحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة } وما لا يثبت لا حجة فيه . ولبن الماشية [ ص: 269 ] أولى أن يكون مباحا . فإن لم يثبت هكذا من ثمر الحائط ، لأن ذلك اللبن يستخلف في كل يوم ، والذي يعرف الناس أنهم يبذلون منه ويوجبون من بذله ما لا يبذلون من الثمر ، ولو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا به ، ولم نخالفه .
جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم

( قال الشافعي ) رحمه الله : أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين . أو أحله مالكه من الآدميين ، حلال إلا ما حرم الله عز وجل في كتابه ، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .

فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم في كتاب الله عز وجل ، أن يحرم ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه ، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع ، فإن قال قائل : فما الحجة في أن كل ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى يأذن فيه مالكه ؟ فالحجة فيه أن الله عز وجل قال { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال تبارك وتعالى { وآتوا اليتامى أموالهم } الآية . وقال { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } إلى قوله { هنيئا مريئا } مع آي كثيرة في كتاب الله عز وجل ، حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم ، إلا بما فرض في كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجاءت به حجة ( قال ) أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر ؟ } فأبان الله في كتابه أن ما كان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه . وأبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الحلال حلالا بوجه ، حراما بوجه آخر ، وأبانته السنة ، فإذا منع الله عز وجل مال المرأة إلا بطيب نفسها ، واسم المال يقع على القليل والكثير ، ففي ذلك معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللبن الذي تخف مؤنته على مالكه ، ويستخلف في اليوم مرة أو مرتين ، فحرم الأقل إلا بإذن مالكه كان الأكثر مثل الأقل أو أعظم تحريما بقدر عظمه ، على ما هو أصغر منه من مال المسلم .

ومثل هذا ما فرض الله عز وجل من المواريث بعد موت مالك المال ، فلما لم يكن لقريب أن يرث المال الذي قد صار مالكه غير مالك إلا بما ملك ، كان لأن يأخذ مال حي بغير طيب نفسه ، أو ميت بغير ما جعل الله له ، أبعد .
( قال الشافعي ) فالأموال محرمة بمالكها ، ممنوعة إلا بما فرض الله عز وجل في كتابه ، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وبسنة رسوله ، فلزم خلقه بفرضه ، طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يجمع معنيين مما لله عز وجل ، طاعة بما أوجب في أموال الأحرار المسلمين ، طابت أنفسهم بذلك أو لم تطب ، من الزكاة وما لزمهم بإحداثهم وإحداث غيرهم ممن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم على من سن منهم أخذه من أموالهم ، والمعنى الثاني يبين أن ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلازم بفرض الله عز وجل فذلك مثل الدية على قاتل الخطأ ، فيكون على عاقلته الدية وإن لم تطب بها أنفسهم ، وغير ذلك مما هو موضوع في مواضعه من الزكاة والديات ، ولولا الاستغناء بعلم العامة بما وصفنا في هذا لأوضحنا من تفسيره أكثر مما كتبنا إن شاء الله تعالى ، فمن أمر لرجل بزرع أو تمر أو ماشية أو غير ذلك من ماله ، لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذنه ، لأن هذا مما لم يأت فيه كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته ، فهو ممنوع بمالكه إلا بإذنه ، والله أعلم ، وقد قيل [ ص: 270 ] من مر بحائط ، فله أن يأكل ، ولا يتخذ خبنة ، وروي فيه حديث ، لو كان يثبت مثله عندنا ، لم نخالفه . والكتاب والحديث الثابت ، أنه لا يجوز أكل مال أحد إلا بإذنه . ولو اضطر رجل فخاف الموت ثم مر بطعام لرجل ، لم أر بأسا أن يأكل منه ، ما يرد من جوعه ، ويغرم له ثمنه ، ولم أر للرجل أن يمنعه في تلك الحال ، فضلا من طعام عنده ، وخفت أن يضيق ذلك عليه ، ويكون أعان على قتله ، إذا خاف عليه بالمنع القتل .
جماع ما يحل ويحرم أكله وشربه مما يملك الناس

( قال الشافعي ) رحمه الله : أصل ما يملك الناس مما يكون مأكولا ومشروبا ، شيئان . أحدهما ، ما فيه روح ، وذلك الذي فيه محرم وحلال ، ومنه ما لا روح فيه ، وذلك كله حلال ، إذا كان بحاله التي خلقه الله بها وكان الآدميون لم يحدثوا فيه صنعة خلطوه بمحرم ، أو اتخذوه مسكرا ، فإن هذا محرم ، وما كان منه سما يقتل رأيته محرما ، لأن الله عز وجل ، حرم قتل النفس على الآدميين . ثم قتلهم أنفسهم خاصة ، وما كان منه خبيثا قذرا فقد تركته العرب تحريما له بقذره . ويدخل في ذلك ، ما كان نجسا .

وما عرفه الناس سما يقتل ، خفت أن لا يكون لأحد رخصة في شربه ، لدواء ولا غيره ، وأكره قليله وكثيره ، خلطه غيره أو لم يخلطه . وأخاف منه على شاربه وساقيه ، أن يكون قاتلا نفسه ومن سقاه . وقد قيل : يحرم الكثير البحت منه ، ويحل القليل الذي الأغلب منه أن ينفع ولا يبلغ أن يكون قاتلا ، وقد سمعت بمن مات من قليل ، قد برأ منه غيره ، فلا أحبه ، ولا أرخص فيه بحال ، وقد يقاس بكثير السم ، ولا يمنع هذا أن يكون يحرم شربه .
تفريع ما يحل ويحرم

( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله تعالى { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم } فاحتمل قول الله تبارك وتعالى { أحلت لكم بهيمة الأنعام } إحلالها دون ما سواها ، واحتمل إحلالها بغير حظر ما سواها . واحتمل قول الله تبارك وتعالى { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وقوله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } وقوله { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } وما أشبه هؤلاء الآيات ، أن يكون أباح كل مأكول لم ينزل تحريمه في كتابه نصا ، واحتمل كل مأكول من ذوات الأرواح لم ينزل تحريمه بعينه نصا أو تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فيحرم بنص الكتاب وتحليل الكتاب بأمر الله عز وجل بالانتهاء إلى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فيكون إنما حرم بالكتاب في الوجهين . فلما احتمل أمر هذه المعاني ، كان أولاها بنا ، الاستدلال على ما يحل ويحرم بكتاب الله ثم سنة تعرب عن كتاب الله أو أمر أجمع المسلمون عليه ، فإنه لا يمكن في اجتماعهم أن يجهلوا لله حراما ولا حلالا إنما يمكن في بعضهم ، وأما في عامتهم فلا ، وقد وضعنا هذا مواضعه على التصنيف
ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب

( قال الشافعي ) رحمه الله : أصل التحريم ، نص كتاب أو سنة ، أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع قال الله تبارك وتعالى { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } وقال عز وجل { يسألونك ماذا أحل لهم } الآية . وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها ، وهم العرب الذين سألوا عن هذا ، ونزلت فيهم الأحكام ، وكانوا يكرهون من خبيث المآكل ما لا يكرهها غيرهم .

( قال الشافعي ) وسمعت بعض أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية : يعني مما كنتم تأكلون . في الآي التي ذكرت في هذا الكتاب وما في معناه ، ما يدل على ما وصفت . فإن قال قائل : ما يدل على ما وصفت ؟ قيل : أرأيت لو زعمنا أن الأشياء مباحة إلا ما جاء فيه نص خبر في كتاب أو سنة ، أما زعمنا أن أكل الدود والذبان والمخاط والنخامة والخنافس واللحكاء والعظاء والجعلان وخشاش الأرض والرخم والعقبان والبغاث والغربان والحدأ والفأر ، وما في مثل حالها ، حلال . فإن قال قائل : فما دل على تحريمها ؟ قيل : قال الله عز وجل { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فكان شيئان حلالين ، فأثبت تحليل أحدهما ؟ وهو صيد البحر وطعامه ؟ وطعامه مالحه .

وكل ما فيه متاع لهم يستمتعون بأكله ، وحرم عليهم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والله عز وجل لا يحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم قبل الإحرام ، والله أعلم . فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وقتل الحيات ، دل ذلك على أن لحوم هذه محرمة ، لأنه لو كان داخلا في جملة ما حرم الله قتله من الصيد في الإحرام ، لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، ودل على معنى آخر ، أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الإحرام شيئا ( قال ) فكل ما سئلت عنه ، مما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل من ذوات الأرواح فانظر هل كانت العرب تأكله ، فإن كانت تأكله ولم يكن فيه نص تحريم ، فأحله ، فإنه داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم ، لأنهم كانوا يحلون ما يستطيبون . وما لم تكن تأكله ، تحريما له باستقذاره فحرمه لأنه داخل في معنى الخبائث ، خارج من معنى ما أحل لهم ، مما كانوا يأكلون ، وداخل في معنى الخبائث التي حرموا على أنفسهم . فأثبت عليهم تحريمها .

( قال الشافعي ) ولست أحفظ عن أحد سألته من أهل العلم عمن ذهب مذهب المكيين خلافا . وجملة هذا لأن التحريم قد يكون مما حرمت العرب على أنفسها مما ليس داخلا في معنى الطيبات ، وإن كنت لا أحفظ هذا التفسير ، ولكن هذه الجملة . وفي تتابع من حفظت عنه من أهل العلم حجة .

ولولا الاختصار لأوضحته بأكثر من هذا وسيمر في تفاريق الأبواب إيضاح له إن شاء الله تعالى
[ ص: 272 ] تحريم أكل كل ذي ناب من السباع قال الربيع أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري ، ومالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع } . أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أكل كل ذي ناب من السباع حرام } .

( قال الشافعي ) وبهذا نقول ( قال الربيع ) قال الشافعي رحمه الله : إنما يحرم كل ذي ناب يعدو بنابه . الخلاف والموافقة في أكل كل ذي ناب من السباع وتفسيره ( قال الشافعي ) رحمه الله قال لي بعض من يوافقنا في تحريم كل ذي ناب من السباع ما لكل ذي ناب من السباع لا تحرمه دون ما خرج من هذه الصفة ؟ قلت له العلم يحيط إن شاء الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد قصد أن يحرم من السباع موصوفا . فإنما قصد قصد تحريم بعض السباع دون بعض السباع ، كما لو قلت قد أوصيت لكل شاب بمكة أو لكل شيخ بمكة . أو لكل حسن الوجه بمكة ، كنت قد قصدت بالوصية قصد صفة دون صفة . وأخرجت من الوصية من لم تصف أن له وصيتك . قال : أجل . ولولا أنه خص تحريم السباع . لكان أجمع وأقرب . ولكنه خص بعضا دون بعض بالتحريم .

( قال الشافعي ) فقلت له : هذه المنزلة الأولى من علم تحريم كل ذي ناب . فسل عن الثانية . قال : هل منها شيء مخلوق له ناب وشيء مخلوق لا ناب له ؟ قلت : ما علمته ، قال : فإن لم تكن تختلف . فتكون الأنياب لبعضها دون بعض . فكيف القول فيها ؟ قلت : لا معنى في خلق الأنياب في تحليل ولا تحريم . لأني لا أجد إذا كانت في خلق الأنياب سواء شيئا أنفيه خارجا من التحريم . ولا بد من إخراج بعضها من التحريم إذا كان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراجه . قال : أجل . هذا كما وصفت . ولكن ما أردت بهذا ؟ قلت : أردت أن يذهب غلطك إلى أن التحريم والتحليل في خلق الأنياب . قال : ففيم ؟ قلت : في معناه دون خلقه . فسل عن الناب الذي هو غاية علم كل ذي ناب . قال : فاذكره أنت ، قلت : كل ما كان يعدو منها على الناس بقوة ومكابرة في نفسه بنابه . دون ما لا يعدو . قال : ومنها ما لا يعدو على الناس بمكابرة دون غيره منها ؟ قلت : نعم . قال : فاذكر ما يعدو . قلت : يعدو الأسد والنمر والذئب . قال : فاذكر ما لا يعدو مكابرة على الناس . قلت الضبع والثعلب وما أشبهه . قال : فلا معنى له غير ما وصفت ؟ قلت : وهذا المعنى الثاني . وإن كانت كلها مخلوق له ناب .

( قال الشافعي ) وقلت له : سأزيدك في تبيينه . قال : ما أحتاج بعدما وصفت إلى زيادة . ولقلما يمكن إيضاح شيء إمكان هذا قلت : أوضحه لك ولغيرك ممن لم يفهم منه ما فهمت أو أفهمه فذهب إلى غيره . قال : فاذكره

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]