عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 08-02-2022, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,574
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 168 الى صـ 172
الحلقة (30)

وأيَّاً كان فالجامع المشترك بين هذه الأسئلة وأجوبتها هو الموافقة بين لفظي الآية وسبب نزولها.

الثاني: الأفعال التي تقع من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو من أصحابه أو من غيرهم فينزل القرآن معالجًا لها ومتحدثاً عنها وهذا هو الكثير في أسباب نزول القرآن.

ومن خلال تتبعي لأسباب النزول ودراستها تبين لي أنه لا بد من وجود قدر من الاتفاق بين أسباب النزول، والآيات التي نزلت لأجلها في الألفاظ، وإذا كان سياق الآيات قبل الآية وبعدها مؤثراً في تحديد سبب النزول - كما سيتبين لك - مع أن العلاقة بينهما ليست مباشرة، فلا ريب أن الصلة بين لفظ الآية وسبب نزولها أكثر التصاقاً، وأشد اتفاقاً، وبالتالي أبلغ أثراً.
ولأجل هذا فقد أثبتُّ أسباباً، ونفيت أخرى تطبيقاً لهذا الضابط وتثبيتاً له.
وسأذكر من أقوال العلماء ما يبين ملاحظة الألفاظ في تحديد المعاني:
أولاً: محمد بن جرير الطبري فقد ذكر قوله تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205).
ثم ذكر قولين في معنى الإفساد: أحدهما: قطع الطريق وإخافة السبيل، والثاني: قطع الرحم إلى أن قال: (غير أن الأشبه بظاهر التنزيل أن يكون كان يقطع الطريق، ويخيف السبيل لأن اللَّه - تعالى ذكره - وصفه في سياق الآية بأنه سعى في الأرض ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل، وذلك بفعل مخيف السبيل أشبه منه بفعل قطاع الرحم). اهـ.
وكأنه - والله أعلم - راعى معنى السعي والإهلاك وأنهما يقتضيان الفعل بخلاف قطع الرحم فليس فيه إلا الترك.
ثانياً: ابن عطية الأندلسي فإنه لما ذكع قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16).
قال: (قال السدي وقتادة وغيرهما: الآية الأولى في النساء المحصنات، يريد ويدخل معهم من أحصن من الرجال بالمعنى والآية الثانية هي في الرجل والمرأة البكرين، ومعنى هذا القول تام إلا أن لفظ الآية يقلق عنه). اهـ.
فانظر كيف وصف القول بالتمام ثم استدرك ذلك لأن لفظ الآية يقلق عنه، أي لا يناسبه فكيف تفسر الآية به؟.
ثالثاً: ابن كثير فإنه لما ذكر حوار رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الأنصار وفيه: (يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم اللَّه بي)؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألم تكونوا ضلالاً فهداكم اللَّه بي؟) قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: (أفلا تجيبوني؟) قالوا: ما نقول يا رسول اللَّه؟ قال: ألا تقولون: (ألم يخرجك قومك فآويناك، أو لم يكذبوك فصدقناك، أوَلم يخذلوك فنصرناك) قال: فما زال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول حتى جثوا على الركب وقالوا: أموالنا في أيدينا للَّه ولرسوله قال: فنزلت: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
قال: (وليس يظهر بين هذه الآية وهذا السياق مناسبة واللَّه أعلم).
رابعاً: الحافظ ابن حجر فإنه لما شرح حديث تميم الداري وعديِّ بن بداء في قصتهما مع السهمي الذي مات بأرض ليس بها مسلم، ونزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ).
قال: (وخص جماعة القبول باهل الكتاب، وبالوصية، وبفقد المسلم حينئذ منهم ابن عبَّاسٍ، وأبو موسى الأشعري وغيرهم، وهؤلاء أخذوا بظاهر الآية. وقوَّى ذلك عندهم حديث الباب فإن سياقه مطابق لظاهر الآية). اهـ باختصار يسير.
خامساً: الشوكاني فإنه لما ذكر المستضعفين في قوله تعالى: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ... ).
- قال: (والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار، وهم الذين كان يدعو لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر كلامًا إلى أن قال: ولا يبعد أن يقال: إن لفظ الآية أوسع، والاعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) فإنه يشعر باختصاص ذلك بالمستضعفين الكائنين في مكة). اهـ.
سادساً: الشنقيطي فإنه ذكر قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... ) الآية. ثم ذكر ثلاثة أقوال في معنى المحصنات فقال: (قال بعض العلماء: المراد بالمحصنات هنا أعم من العفائف والحرائر والمتزوجات.
وقال بعض العلماء: المراد بالمحصنات في الآية الحرائر.
وقال بعض العلماء: المراد بالمحصنات المتزوجات، وعليه فمعنى الآية: وحرمت عليكم المتزوجات لأن ذات الزوج لا تحل لغيره إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من الكفار وهذا القول هو الصحيح.
ثم رد القول الأول، ورد الثاني وقال: إنه غير ظاهر لأن المعنى عليه: وحرمت عليكم الحرائر إلا ما ملكت أيمانكم وهذا خلاف الظاهر من معنى لفظ الآية كما ترى. وصرح العلامة ابن القيم بأن هذا القول مردود لفظًا ومعنى فظهر أن سياق الآية يدل على المعنى الذي اخترنا، ويؤيده سبب النزول). اهـ بتصرف.

وسأذكر من الأمثلة التي تناولتها بالدراسة ما يبين ارتباط الآيات بأسبابها من حيث الألفاظ.

1 - أخرج أحمد ومسلم والدارمي وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) حتى فرغ من الآية. فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح).
2 - أخرج البخاري وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لما مات عبد اللَّه بن أُبيّ بن سلول دُعي له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي عليه، فلما قام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وثبتُ إليه. فقلت: يا رسول الله، أَتصلي على ابن أبي، وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ أُعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: (أخِّر عني يا عمر) فلما أكثرتُ عليه. قال: (إني خُيّرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها) قال. فصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) - إلى قوله -: (وَهُمْ فَاسِقُونَ) قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ واللَّه ورسوله أعلم.
3 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها اللَّه مما قالوا، فقال أبو بكر الصديق، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه: والله لا أُنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة فأنزل اللَّه: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ... ) قال أبو بكر: بلى واللَّه إني لأحب أن يغفر اللَّه لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: واللَّه لا أنزعها عنه أبداً.
4 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب بنت جحش دعا الناس طعموا ثم جلسوا يتحدثون قال: فأخذ كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاثة، وإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فأرخى الحجاب بيني وبينه وأنزل اللَّه - تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ)- إلى قوله -: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا).
5 - أخرج البخاري وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن أبي مُليكة قال: كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر وعمر، لما قدم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردتُ خلافك فارتفعت أصواتهما عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) - إلى قوله -: (عَظِيمٌ).
وفي لفظ للبخاري: فنزل في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) حتى انقضت.
* * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]