عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 09-02-2022, 12:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 82 الى صـ 86
الحلقة (15)


وإذا عطف عليه -كما في هذه الآية - فهنا ، قد يقال : الأعمال دخلت فيه ، وعطفت عطف الخاص على العام ، وقد يقال : لم تدخل فيه ، ولكن مع العطف -كما في اسم الفقير [ ص: 82 ] والمسكين . إذا أفرد أحدهما تناول الآخر ، وإذا عطف أحدهما على الآخر فهما صنفان - وهذا التفصيل في الإيمان هو كذلك في لفظ البر ، والتقوى ، والمعروف . وفي الإثم ، والعدوان ، والمنكر ، تختلف دلالتها في الإفراد والاقتران لمن تدبر القرآن .

وقد بين حديث جبريل أن الإيمان أصله في القلب ، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله - كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « الإسلام علانية والإيمان في القلب» .

وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « ألا إن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ، ألا وهي القلب » .

فإذا كان الإيمان في القلب ، فقد صلح القلب ، فيجب أن يصلح سائر الجسد ، فلذلك هو ثمرة ما في القلب . فلهذا قال بعضهم : الأعمال ثمرة الإيمان ، وصحته ; لما كانت لازمة لصلاح [ ص: 83 ] القلب ، دخلت في الاسم ، كما نطق بذلك الكتاب والسنة في غير موضع ، هذا ما أفاده الإمام ابن تيمية رحمه الله .

وقوله تعالى "أن لهم جنات" جمع (جنة) : وهي البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه ، وإنما سميت : دار الثواب ، بها مع أن فيها ما لا يوصف من الغرفات والقصور ، لما أنها مناط نعيمها ، ومعظم ملاذها . وجمعها مع التنكير : لاشتمالها على جنان كثيرة في كل منها مراتب ودرجات متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأصحابها .

وقوله : "تجري من تحتها الأنهار" صفة جنات ، ثم إن أريد بها الأشجار ، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر ، وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها ، فلا بد من تقدير مضاف -أي من تحت أشجارها- ، وإن أريد بها مجموع الأرض والأشجار ، فاعتبار التحتية بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق اسم الجنة على الكل ، وإنما جيء ذكر الجنات -مشفوعا بذكر الأنهار الجارية- لما أن أنزه البساتين ، وأكرمها منظرا ، ما كانت أشجاره مظللة ، والأنهار في خلالها مطردة ، وفي ذلك النعمة العظمى ، واللذة الكبرى . واللام في الأنهار : للجنس- كما في قولك : لفلان بستان فيه الماء الجاري- أو للعهد . والإشارة إلى ما ذكر في قوله تعالى : فيها أنهار من ماء غير آسن الآية .

"كلما رزقوا منها" أي : أطعموا من تلك الجنات "من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل" أي : مثل الذي رزقناه من قبل هذا الذي أحضر إلينا ، فالإشارة إلى المرزوق في الجنة لتشابه ثمارها . بقرينة قوله "وأتوا به" - أي : أتتهم الملائكة ، والولدان [ ص: 84 ] برزق الجنة – "متشابها" يشبه بعضه بعضا لونا، ويختلف طعما ، وذلك أجلب للسرور ، وأزيد في التعجب ، وأظهر للمزية ، وأبين للفضل .

وترديدهم هذا القول ، ونطقهم به - عند كل ثمرة يرزقونها- دليل على تناهي الأمر في استحكام الشبه ، وأنه الذي يستملي تعجبهم ، ويستدعي استغرابهم ، ويفرط ابتهاجهم . فإن قيل : كيف موقع قوله "وأتوا به متشابها" من نظم الكلام ؟ قلت : هو كقولك : فلان أحسن بفلان، ونعم ما فعل . ورأى من الرأي كذا ، وكان صوابا . ومنه قوله تعالى : وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وما أشبه ذلك من الجمل التي تساق في الكلام معترضة للتقرير "ولهم فيها أزواج مطهرة" من الحيض والاستحاضة وما يختص بهن من الأقذار والأدناس - ويجوز لمجيئه مطلقا ، أن يدخل تحته الطهر من دنس الطباع ، وسوء الأخلاق وسائر مثالبهن وكيدهن .

وقوله تعالى "وهم فيها خالدون" هذا هو تمام السعادة ؛ فإنهم -مع هذا النعيم- في مقام أمين من الموت والانقطاع ، فلا آخر له ولا انقضاء . بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام . والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم ، إنه البر الرحيم .

ولما ضرب تعالى -فيما تقدم- للمنافقين مثلين : في قوله : مثلهم كمثل الذي استوقد إلخ . وقوله : أو كصيب إلخ . إلى أمثال أخرى تقدمت على نزول هذه السورة ، من السور المكية ، ضربت للمشركين - نبه تعالى إلى موضع العبرة بها ، والحكمة منها ، وتضليل من لا يقدرها قدرها - ممن يتجاهل عن سرها ، ويتعامى عن نورها ، ويحول دون الاهتداء بها ، والأخذ بسببها -فقال سبحانه :
[ ص: 85 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[26 ] إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين

"إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها" أي : يذكر مثلا ما . يقال ضرب مثلا ، ذكره ، فيتعدى لمفعول واحد . أو صير ، فلمفعولين .

قال أبو إسحاق في قوله تعالى : واضرب لهم مثلا أي : اذكر لهم . وعبارة الجوهري : ضرب الله مثلا أي : وصف وبين . وفي شرح نظم الفصيح: ضرب المثل : إيراده ليمتثل به ، ويتصور ما أراد المتكلم بيانه للمخاطب . يقال : ضرب الشيء مثلا ، وضرب به ، وتمثله ، وتمثل به . ثم قال : وهذا معنى قول بعضهم : ضرب المثل اعتبار الشيء بغيره ، وتمثيله به . و"ما" هذه اسمية إبهامية ، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاما ، وزادته شياعا وعموما - كقولك : أعطني كتابا ما، ، تريد أي كتاب كان -كأنه قيل : مثلا ما من الأمثال أي مثل كان . فهي صفة لما قبلها . أو حرفية مزيدة لتقوية النسبة وتوكيدها -كما في قوله تعالى : فبما نقضهم ميثاقهم كأنه قيل : لا يستحيي أن يضرب مثلا حقا ، أو البتة .

[ ص: 86 ] و "بعوضة" بدل من "مثلا". أو هما مفعولا "يضرب" ; لتضمنه معنى الجعل والتصيير . ومعنى الآية : إنه تعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ، ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها . أي لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا -ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة- كما لا يستنكف عن خلقها ، كذلك لا يستنكف عن ضرت المثل بها . كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله : يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب وقال : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون وغير ذلك من أمثال الكتاب العزيز ، فما استنكره السفهاء ، وأهل العناد والمراء ، واستغربوه من أن تكون المحقرات من الأشياء ، ومضروبا بها المثل- ليس بموضع للاستنكار والاستغراب . من قبل أن التمثيل إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى ، ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب ، وإدناء المتوهم من المشاهد . فإن كان المتمثل له عظيما، كان المتمثل به مثله ، وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك . فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إذا ، إلا أمرا تستدعيه حال المتمثل له وتستجره إلى نفسها ، فيعمل الضارب للمثل على حسب تلك القضية . ألا ترى إلى الحق لما كان واضحا ، جليا أبلج ، كيف تمثل له بالضياء والنور ؟ وإلى الباطل لما كان بضد صفته ، كيف تمثل له بالظلمة ؟ أفاده الزمخشري .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]