
09-02-2022, 12:49 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 92 الى صـ 96
الحلقة (17)
وقال بعض علماء اللغة : إن العرب تستعمل لفظ سبع ، وسبعين ، وسبعمائة للمبالغة [ ص: 92 ] في الكثرة . فالعدد إذن غير مراد . ومنه آية : سبع سنابل وآية : والبحر يمده من بعده سبعة أبحر وآية : سبعين مرة والله أعلم .
وذهب بعض علماء الفلك إلى أن الحصر في السبع حقيقي ، وأن المراد به العالم الشمسي وحده دون غيره . وعبارته : إن قيل : إن كل ما يعلو الأرض -من الشمس والقمر والكواكب- هو سماء ، فلماذا خصص تعالى عددا هو سبع ؟
فالجواب : لا شك أنه يشير إلى العالم الشمسي -الذي أحطنا الآن به علما- وأن حصر العدد لا يدل على احتمال وجود زيادة عن سبع ، لأن القول بذلك ، يخرج تطبيق القرآن على الفلك ، لأن العلم أثبتها سبعا كالقرآن الذي لم يوجد فيه احتمال الزيادة -لأن الجمع يدخل فيه جميع العوالم التي لا نهاية لها- حتى يمكن أن يقال : إن سبعا للمبالغة -كسبعين وسبعمائة- ، ولا يصح أن يكون العدد سبعة للمبالغة لأنه قليل جدا بالنسبة إلى العوالم التي تعد بالملايين -مثل العالم الشمسي- ويؤيد الحصر في هذا العدد آية : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا فأخرج الشمس لأنها مركز ، [ ص: 93 ] وأخرج القمر لأنه تابع للأرض ، ولم يبق بعد ذلك إلا سبع . . . . . !
قال : وبذلك تتجلى الآن معجزة واضحة جلية . لأنه في عصر التقدم والمدنية العربية ، حينما كان العلم ساطعا على الأرض بعلماء الإسلام ، كان علماء الفلك لا يعرفون من السيارات إلا خمسا -بأسمائها العربية إلى اليوم- وهي : عطارد ، الزهرة ، المريخ ، المشترى ، زحل . وكانوا يفسرونها بأنها هي السماوات المذكورة في القرآن . ولما لم يمكنهم التوفيق بين السبع والخمس ، أضافوا الشمس والقمر لتمام العدد . مع أن القرآن يصرح بأن السماوات السبع غير الشمس والقمر . وذلك في قوله تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى فلفظ "وسخر" دليل يفصل تعداد الشمس والقمر عن السبع السماوات . ولذلك كان المفسرون -الذين لا يعرفون الهيئة- لا يرون أن تعد الشمس سماء ، ولا القمر ، لعلمهم أن السماوات السبع مسكونة ، وأما الشمس فنار محرقة ; فذهبوا -في تفسير السماوات- على تلك الظنون . ولما اكتشف بعد (بالتلسكوب) سيار لم يكن معلوما ، دعوه : أورانوس ، ثم سيار آخر سموه : نبتون -صارت مجاميع السيارات سبعا ، فهذا الاكتشاف -الذي ظهر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بألف ومائتي سنة- دل على معجزة القرآن ، ونبوة المنزل عليه صلى الله عليه وسلم .
ثم قال : وأما كون السماوات هي السيارات السبع بدون توابعها ، فلا يفهم من الآية ، لأن الأقمار التي نثبتها ، والنجوم الصغيرة التي مع المريخ ، يلزم أن تكون تابعة للسماوات السبع - لأنها تعلونا- وهي في العالم الشمسي . وحينئذ فالسماوات السبع هي مجاميع السيارات السبع ; بمعنى : أن مجموعة زحل -بما فيها هو نفسه أي مع أقماره الثمانية- تعد سماء ، لأن فلكها طبقة فوق طبقة فلك مجموعة المشترى ، ويدل على هذا [ ص: 94 ] التطبيق قوله تعالى : ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير يشير إلى أن السماء الدنيا -أي السماء التي تلي الأرض- فلك المريخ ; فهو وما حوله من النجوم العديدة التي تسمى مصابيح ، وتعتبر كلها سماء وليس السيار نفسه .. . . ! انتهى .
وقوله تعالى : وهو بكل شيء عليم اعتراض تذييلي مقرر لما قبله -من خلق السماوات والأرض وما فيها- على هذا النمط البديع المنطوي على الحكم الفائقة ، والمصالح اللائقة ، فإن علمه عز وجل بجميع الأشياء يستدعي أن يخلق كل ما يخلقه على الوجه الرائق .
ولما ذكر تعالى الحياة والموت المشاهدين تنبيها على القدرة على ما اتبعهما به من البعث ، ثم دل على ذلك أيضا بخلق هذا الكون كله على هذا النظام البديع ، وختم ذلك بصفة العلم- ذكر ابتداء خلق هذا النوع البشري -المودع من صفة العلم- ما ظهر به فضله بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى:
[30 ] وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة أي : قوما يخلف بعضهم بعضا ، قرنا بعد قرن . كما قال تعالى : وهو الذي جعلكم خلائف الأرض وقال [ ص: 95 ] ويجعلكم خلفاء الأرض وقال : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وقال : فخلف من بعدهم خلف ويجوز أن يراد : خليفة منكم ، لأنهم كانوا سكان الأرض ، فخلفهم فيها آدم وذريته ، وأن يراد : خليفة مني ، لأن آدم كان خليفة الله في أرضه ، وكذلك كل نبي : إنا جعلناك خليفة في الأرض والغرض من إخبار الملائكة بذلك ، هو أن يسألوا ذلك السؤال ، ويجابوا بما أجيبوا به ، فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم ، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم ، أو الحكمة : تعليم العباد المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها ، وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم -وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة- أو تعظيم شأن المجعول ، وإظهار فضله ، بأن بشر بوجود سكان ملكوته ، ونوه بذكره في الملأ الأعلى قبل إيجاده ، ولقبه بالخليفة .
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون هذا تعجب من أن يستخلف -لعمارة الأرض وإصلاحها- من يفسد فيها ، واستعلام عن الحكمة في ذلك . أي : كيف تستخلف هؤلاء ، مع أن [ ص: 96 ] منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟ فإن كان المراد عبادتك ، فنحن نسبح بحمدك ، ونقدس لك -أي ولا يصدر عنا شيء من ذلك- وهلا وقع الاقتصار علينا ... ؟ فقال تعالى مجيبا لهم "إني أعلم ما لا تعلمون" أي : إن لي حكمة -في خلق الخليقة- لا تعلمونها .
فإن قلت : من أين عرف الملائكة ذلك حتى تعجبوا منه ، وإنما هو غيب ؟ أجيب : بأنهم عرفوه : إما بعلم خاص ، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية . فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف : من صلصال من حمإ مسنون أو فهموا من "الخليفة" أنه الذي يفصل بين الناس، ما يقع بينهم من المظالم ، ويردعهم عن المحارم والمآثم .
قال العلامة برهان الدين البقاعي في تفسيره : وما يقال من أنه كان قبل آدم ، عليه السلام ، في الأرض خلق يعصون ، قاس عليهم الملائكة حال آدم عليه السلام -كلام لا أصل له . بل آدم أول ساكنيها بنفسه . انتهى .
وقوله تعالى : نسبح بحمدك أي : ننزهك عن كل ما لا يليق بشأنك ، ملتبسين بحمدك- على ما أنعمت به علينا من فنون النعم التي من جملتها توفيقنا لهذه العبادة .
وقوله : ونقدس لك أي : نصفك بما يليق بك -من العلو والعزة- وننزهك عما لا يليق بك . وقيل : المعنى نطهر نفوسنا عن الذنوب لأجلك . كأنهم قابلوا الفساد، الذي أعظمه الإشراك بالتسبيح . وسفك الدماء الذي هو تلويث النفس بأقبح الجرائم ، بتطهير النفس عن الآثام . لا تمدحا بذلك ، ولا إظهارا للمنة ، بل بيانا للواقع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|