عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-02-2022, 05:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,005
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (68)

من صــ 217 الى صـ
ـ 224

ثم قال:.
{فمن تصدق به فهو كفارة له} [المائدة: 45].
فهذا فضل.
وقال - تعالى -:.
{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237].
فهذا عدل.

ثم قال:.
{إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة: 237].
فهذا فضل.
وقال - تعالى -:.
{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126].
فهذا عدل.
ثم قال:.
{ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل: 126].
فهذا فضل.
وقال - تعالى -.
{وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40].
فهذا عدل.
ثم قال:.
{فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40].
فهذا فضل.
وهو - سبحانه - دائما يحرم الظلم ويوجب العدل ويندب إلى الفضل، كما في آخر سورة البقرة لما ذكر حكم الأموال. والناس فيها إما محسن وإما عادل وإما ظالم؛ فالمحسن المتصدق، والعادل المعاوض كالبايع، والظالم كالمرابي.

فبدأ بالإحسان والصدقة فذكر ذلك ورغب فيه فقال: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم - الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون - قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} [البقرة: 261 - 263] الآيات.
ثم ذكر تحريم الربا، فقال:
{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 275].
ثم لما أحل البيع ذكر المداينات، وحكم البيع الحال والمؤجل، وحفظ ذلك بالكتاب والشهود أو الرهن، وختم السورة بأصول الإيمان من الإيمان بالكتب والرسل، وهو - سبحانه - بعد أن افتتحها بذكر أصناف الناس، وهم ثلاثة: إما مؤمن وإما كافر وإما منافق. فذكر نعت المؤمنين، ثم ذكر نعت الكافرين، ثم ذكر نعت المنافقين، ثم مهد أصول الإيمان؛ فأمر بعبادة الله - تعالى - وذكر آياته وآلائه. ثم قرر نبوة رسله، ثم ذكر اليوم الآخر والوعد والوعيد، ثم ذكر بدء العالم وخلق السماوات والأرض، ثم خلق آدم وإسجاد الملائكة له وخروجه من الجنة، وهبوطه إلى الأرض.
ثم بعد أن عم بالدعوة جميع الخلق، خص أهل الكتاب فخاطبهم: خاطب اليهود أولا بني إسرائيل، ثم النصارى، ثم خاطب المؤمنين فقرر لهم قواعد دينه؛ فذكر أصل ملة إبراهيم وبناءه للبيت ودعاءه لأهل مكة، ووكد الأمر بملة إبراهيم، ثم ذكر ما يتعلق بالبيت من اتخاذه قبلة ومن تعظيم شعائر الله التي عنده كالصفا والمروة، ثم ذكر التوحيد والحلال والحرام والمطاعم للناس عموما، ثم للذين آمنوا خصوصا.
ثم ذكر ما يتعلق بالقتل من القصاص وبالموت من الوصية، ثم ذكر شرائع الدين، فذكر صيام شهر رمضان، وما يكون فيه من الاعتكاف، ثم ذكر ما يتصل بشهر الصيام، وهو أشهر الحج، فذكر الحج، وذكر حكم القتال عموما، وخصوصا في البلد الحرام. ولما ذكر الصلاة والصيام والحج والجهاد والصدقة، ذكر بعد ذلك الحلال والحرام في الفروج. فذكر أحكام وطء النساء والحيض والإيلاء منهن والطلاق لهن، واختلاعهن. وذكر حكم الأولاد وإرضاعهم، واعتداد النساء وخطبتهن في العدة، وطلاقهن قبل الدخول وبعده، ثم ذكر الصلوات والمحافظة عليهن، ثم قرر المعاد وما يدل عليه من إحياء الموتى في الدنيا مرة بعد مرة.
فتضمنت هذه السورة الواحدة جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين وأصوله وفروعه، وافتتحها بالإيمان بالكتب والرسل، ووسطها بالإيمان بالكتب والرسل، وختمها بالإيمان بالكتب والرسل. فإن الإيمان بالكتب والرسل هو عمود الإيمان وقاعدته وجماعه.
وأمر فيها الخلق عموما وخصوصا، وذكر فيها الإيمان بالخالق وآيات ربوبيته، والإيمان بالمعاد والدار الآخرة، والأعمال الصالحة التي أمر بها، وأن من كان من أتباع الرسل من المؤمنين واليهود والنصارى.
والصابئين قائما بهذه الأصول: وهو الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح فهو السعيد في الآخرة الذي له أجره عند ربه، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
بخلاف من بدل منهم الكتاب، أو كذب بكتاب فإن هؤلاء من الكفار. فمن كان متبعا لشرع التوراة قبل مبعث المسيح، غير مبدل له فهو من السعداء. وكذلك من كان متبعا لشرع الإنجيل قبل مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - غير مبدل له فهو من السعداء. ومن بدل شرع التوراة أو كذب بالمسيح فهو كافر، كاليهود بعد مبعث المسيح - عليه السلام - وكذلك من بدل شرع الإنجيل أو كذب محمدا - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر كالنصارى بعد مبعث محمد، صلى الله عليه وسلم.
فقدماء اليهود والنصارى الذين اتبعوا الدين قبل النسخ والتبديل سعدوا، وأما اليهود والنصارى الذين تمسكوا بشرع مبدل منسوخ وتركوا اتباع الكتب والرسول الذي أرسل إليهم وإلى غيرهم وعدلوا عن الشرع المنزل المحكم، فهم كفار.
ورد دعاوى اليهود والنصارى الكاذبة، مثل قول هؤلاء:
{لن يدخل الجنة إلا من كان هودا} [البقرة: 111].
وقول هؤلاء: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فقال:.
{بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 112].
وبين من كفر اليهود والنصارى، مما عرف بهم حالهم.

لكن أكثر ما ذكر في هذه السورة: اليهود، كما أن أكثر ما ذكر في سورة آل عمران النصارى، فإن هذه نزلت أول مقدمه المدينة، وكان اليهود جيرانه. وآل عمران تأخر نزولها إلى آخر الأمر، لما قدم عليه نصارى نجران، وفيها فرض الحج، لما طهر الله مكة من المشركين، فكان أكثر دعائه في أول الأمر للمشركين؛ لأنهم جيرانه
بمكة، ثم لليهود؛ لأنهم جيرانه بالمدينة، ثم للنصارى؛ لأنهم كانوا أبعد عنه من ناحية الشام واليمن، والمجوس - أيضا - لأنهم كانوا أبعد عنه بأرض العراق وخراسان.
وهذا هو الترتيب المناسب، يدعو الأقرب إليه فالأقرب، ثم يرسل رسله إلى الأبعد. وهو - صلى الله عليه وسلم - كان - أولا - مشغولا بجهاد المشركين واليهود. فلما صالح المشركين صلح
الحديبية، وحارب يهود خيبر عقيب ذلك، ففتحها الله عليه، وقسمها بين الذين بايعوه تحت الشجرة: الذين شهدوا صلح الحديبية، تفرغ لمن بعد عنه، فأرسل رسله إلى جميع من حواليه من الأمم.
أرسل إلى ملوك النصارى بمصر والشام والحبشة، فإنه كان
قد مات ملك الحبشة النجاشي الذي أسلم، وأخبر الناس بموته يوم مات، وخرج بأصحابه إلى ظاهر المدينة فصلى عليه بهم صلاة الجنازة كما كان يصلي على سائر موتى المسلمين. وتولى بعد النجاشي آخر فأرسل إليه كما ذكره مسلم في صحيحه، وأرسل إلى ملوك اليمن من المشركين واليهود، وإلى ملوك العرب. وكان في العرب خلق كثير يهود، وخلق كثير نصارى، وخلق كثير مجوس فدعا جميع الخلق من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين، عربهم وعجمهم.
الوجه الثاني: أن يقال لهم: الناس لهم في أمر الله ونهيه قولان مشهوران:
أحدهما: أنه يرجع إلى محض المشيئة، لا يعتبر فيه أن يكون المأمور به مصلحة للخلق، وإن اتفق أن يكون مصلحة، وإن كان الواقع كونه مصلحة، وهذا قول من يقول: لا يفعل ولا يحكم بسبب ولا لحكمة ولا لغرض.

والقول الثاني: - وهو قول جمهور الناس - إن الله إنما أرسل الرسل ليأمروا الناس بما يصلحهم وينفعهم إذا فعلوه، كما قال - تعالى -:
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107].
وقال - تعالى -:{فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى - ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى - قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا - قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه: 123 - 126].
فإن قيل بالأول: لم يسأل عن حكمة إرسال الرسل، وإن قيل بالثاني: ففي إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - من الحكم
والمصالح أعظم مما كان في إرسال موسى والمسيح، والذي حصل به من صلاح العباد في المعاش والمعاد أضعاف ما حصل بإرسال موسى والمسيح من جهة الأمر والخلق. فإن في شريعته من الهدى ودين الحق أكمل مما في الشريعتين المتقدمتين.
وتيسير الله من اتباع الخلق له واهتدائهم به ما لم يتيسر مثله لمن قبله، فحصل فضيلة شريعته من جهة فضلها في نفسها، ومن جهة كثرة من قبلها وكمال قبولهم لها، بخلاف شريعة من قبله، فإن موسى - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بني إسرائيل، وكان فيهم من الرد والعناد في حياة موسى وبعد موته ما هو معروف، وقد ذكر النصارى في كتابهم هذا من ذلك ما تقدم.

ولم تكن شريعة التوراة في الكمال مثل شريعة القرآن، فإن القرآن فيه ذكر المعاد وإقامة الحجج عليه وتفصيله، ووصف الجنة والنار، ما لم يذكر مثله في التوراة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]