عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 10-02-2022, 05:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,033
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (70)

من صــ 233 الى صـ
ـ 240


ولهذا لما أمروا بالجهاد نكلوا عنه وقال لهم موسى:{ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين - قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون - قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين - قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [المائدة: 21 - 24].
وأما أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال له قائلهم يوم بدر: "والله لا نقول لك كما قال قوم موسى:
{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24].
" لكن نقاتل أمامك ووراءك وعن يمينك وعن يسارك. والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك".

وكان الكلام قريبا من (بدر) والبحر من جهة الغرب و (برك الغماد) مكان من يماني مكة، بينه وبين مكة عدة ليال، والكفار كانوا - إذ ذاك - بمكة وأصحابه من ناحية المدينة شامي مكة، فمكة جنوبهم والبحر غربهم. تقول: لو طلبت أن ندخل بلد العدو ونذهب إلى تلك الناحية لفعلناه. قالوا: فلما نصر الله بني إسرائيل وأظهرهم، ظهرت فيهم الأحداث بعد ذلك وتجبروا، وقست قلوبهم وصاروا شبها بآل فرعون، فبعث الله المسيح - عليه السلام - باللين والصفح والعفو عن المسيء واحتمال أذاه؛ ليلين أخلاقهم ويزيل ما كانوا فيه من الجبرية والقسوة.
فأفرط هؤلاء في اللين حتى تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، وتركوا الحكم بين الناس بالعدل وإقامة الحدود، وترهب عبادهم منفردين، مع أن في ملوك النصارى من الجبرية والقسوة والحكم بغير ما أنزل الله وسفك الدماء بغير حق مما يأمرهم به علماؤهم وعبادهم ومما لم يأمروهم به ما شاركوا فيه اليهود.
فبعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالشريعة الكاملة العادلة، وجعل أمته عدلا خيارا لا ينحرفون إلى هذا الطرف ولا إلى هذا الطرف، بل يشتدون على أعداء الله ويلينون لأولياء الله ويستعملون العفو والصفح فيما كان لنفوسهم، ويستعملون الانتصار والعقوبة فيما كان حقا لله.
وهذا كان خلق نبيهم، كما في الصحيحين عن عائشة قالت: " "ما ضرب رسول الله بيده خادما ولا امرأة ولا دابة ولا شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه، إلا أن تنتهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله" ".
وفي الصحيح عن أنس أنه قال: " "خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لم لا فعلته؟ " "وكان بعض أهله إذا عتبوني على شيء يقول: " دعوه، فلو قدر شيء لكان"، هذا مع قوله - في الحديث الصحيح - "لما سرقت امرأة كانت من أشرف قريش من بني مخزوم فأمر بقطع يدها، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد؟ فكلموه فكلمه فيها، فقال: " يا أسامة! أتشفع في حد من حدود الله؟ إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة
بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
ففي شريعته - صلى الله عليه وسلم - من اللين والعفو والصفح ومكارم الأخلاق أعظم مما في الإنجيل، وفيها من الشدة والجهاد، وإقامة الحدود على الكفار والمنافقين أعظم مما في التوراة، وهذا هو غاية الكمال؛ ولهذا قال بعضهم: بعث موسى بالجلال، وبعث عيسى بالجمال، وبعث محمد بالكمال.

الوجه الخامس: إن نعم الله على عباده تتضمن نفعهم والإحسان إليهم، وذلك نوعان:أحدهما: أن يدفع بذلك مضرتهم ويزيل حاجتهم وفاقتهم؛ مثل رزقهم الذي لولا هو لماتوا جوعا، ونصرهم الذي لولا هو لأهلكهم عدوهم، ومثل هداهم الذي لولا هو لضلوا ضلالا يضرهم في آخرتهم. وهذا النوع من النعمة لا بد لهم منه، وإن فقدوه حصل لهم ضرر، إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما؛ ولهذا كان في سورة النحل، وهي
سورة النعم، في أولها أصول النعم، وفي أثنائها كمال النعم.

والنوع الثاني: النعم التي تحصل بها من كمال النعم وعلو الدرجة ما لا يحصل بدونها، كما أنهم في الآخرة نوعان: أبرار أصحاب يمين، ومقربون سابقون. ومن خرج عن هذين كان من أصحاب الجحيم.
وإذا كانت النعمة نوعين، فالخلق كانوا محتاجين إلى إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - من هذين الوجهين، وحصل بإرساله هذان النوعان من النعمة، فإن الناس بدونه كانوا جهالا ضالين أميين، وأهل الكتاب منهم.
ولم يكن قد بقي من أهل الكتاب - أتباع المسيح - من هو قائم بالدين الذي يوجب السعادة عند الله في الآخرة، بل كانوا قد بدلوا وغيروا.
وأيضا فلو قدر أنهم لم يبدلوا شيئا ففي إرساله من كمال النعم وتواصلها وعلو الدرجات في السعادة ما لم يكن حاصلا بالكتاب الأول، فكان إرساله أعظم نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض من نوعي النعيم.
ومن استقرأ أحوال العالم تبين له أن الله لم ينعم على أهل الأرض نعمة أعظم من إنعامه بإرساله - صلى الله عليه وسلم - وإن الذين ردوا رسالته هم من قال الله فيهم:
{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28].
ولهذا وصف بالشكر من قبل هذه النعمة فقال - تعالى -:
{وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} [الأنعام: 53].
وقال - تعالى -:

{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144].

الوجه السادس: أن يقال: قولهم: " إنا نعجب من هؤلاء القوم. . . . " إلى آخر الفصل، قول جاهل ظالم يستحق أن يقال له: بل
العجب من هذا العجب هو الواجب، بل هو الذي لا ينقضي منه العجب، وإن كل عاقل ليعجب ممن عرف دين محمد - صلى الله عليه وسلم - وقصده الحق، ثم اتبع غيره، ويعلم أنه لا يفعل ذلك إلا مفرط في الجهل والضلال أو مفرط في الظلم واتباع الهوى.
وذلك أن أهل الأرض نوعان: أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، وغير أهل الكتاب كالمشركين من العرب والهند والترك، وغيرهم كالمجوس من الفرس، وغيرهم كالصابئة من المتفلسفة، وغيرهم.
وأهل الكتاب يسلمون لنا أن من سوى أهل الكتاب انتفع بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - منفعة ظاهرة، وأنه دعا جميع طوائف
المشركين والمجوس والصابئين إلى خير مما كانوا عليه، بل كانوا أحوج الناس إلى رسالته. وأما أهل الكتاب: فاليهود مسلمون لنا حاجة النصارى إليه، وأنه دعاهم إلى خير مما كانوا عليه، والنصارى تسلم لنا حاجة اليهود إليه، وأنه دعاهم إلى خير مما كانوا عليه.
فما من طائفة من طوائف أهل الأرض إلا وهم مقرون بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - دعا سائر الطوائف - غيرهم - إلى خير مما كانوا عليه هذه شهادة من جميع أهل الأرض؛ بأنه دعا أهل الأرض إلى خير مما كانوا عليه. فإن شهادة جميع الطوائف مقبولة على غيرهم؛ إذ كانوا غير متهمين عليهم، فإنهم معادون لمحمد وأمته، معادون لسائر الطوائف، وأما شهادتهم لأنفسهم فغير مقبولة فإنهم خصومه وشهادة الخصم على خصمه غير مقبولة.
وقد اعترف الفلاسفة بأنه لم يقرع العالم ناموس بأفضل من ناموسه، واعترفوا بأنه أفضل من ناموس موسى والمسيح عليهما الصلاة والسلام، بل كان لهم من الطعن في نواميس غيره ما ليس هذا موضع ذكره.

بخلاف ناموس محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يطعن فيه أحد منهم، إلا من كان خارجا عن قانون الفلسفة التي توجب عندهم العدل والكلام بعلم. وأما من التزم منهم الكلام بعلم وعدل فهم متفقون على أن ناموس محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل ناموس طرق العالم، فكيف يعجب من مثل هذا الناموس؟!.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]