
13-02-2022, 07:35 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,613
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثالث
الحلقة (103)
صـ184 إلى صـ 191
المسألة الثانية
كل دليل شرعي إما أن يكون قطعيا ، أو ظنيا ، فإن كان قطعيا ، فلا إشكال في اعتباره ، كأدلة وجوب الطهارة من الحدث والصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتماع الكلمة والعدل ، وأشباه ذلك ، وإن كان ظنيا فإما أن يرجع إلى أصل قطعي أو لا ، فإن رجع إلى قطعي فهو معتبر أيضا ، وإن لم يرجع وجب التثبت فيه ولم يصح إطلاق القول بقبوله ولكنه قسمان :
قسم يضاد أصلا قطعيا ، وقسم لا يضاده ولا يوافقه ، فالجميع أربعة أقسام .
فأما الأول ، فلا يفتقر إلى بيان .
وأما الثاني ، وهو الظني الراجع إلى أصل قطعي فإعماله أيضا ظاهر ، وعليه عامة إعمال أخبار الآحاد فإنها بيان للكتاب لقوله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ]
ومثل ذلك ما جاء في الأحاديث من صفة الطهارة الصغرى والكبرى والصلاة والحج ، وغير ذلك مما هو بيان لنص الكتاب .
[ ص: 185 ] وكذلك ما جاء من الأحاديث في النهي عن جملة من البيوع والربا ، وغيره من حيث هي راجعة إلى قوله تعالى : وأحل الله البيع وحرم الربا [ البقرة : 275 ]
وقوله تعالى : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ البقرة : 188 ] الآية . إلى سائر أنواع البيانات المنقولة بالآحاد ، أو التواتر إلا أن دلالتها ظنية ، ومنه أيضا قوله : - عليه الصلاة والسلام - : لا ضرر ولا ضرار ، فإنه داخل تحت أصل قطعي في هذا المعنى ، فإن الضرر والضرار مبثوث منعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات ، وقواعد كليات كقوله تعالى : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا [ البقرة : 231 ]
ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن [ الطلاق : 6 ]
لا تضار والدة بولدها [ البقرة : 233 ] .
ومنه النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض ، وعن الغصب والظلم وكل ما هو في المعنى إضرار ، وضرار ، ويدخل تحته الجناية على [ ص: 186 ] النفس ، أو العقل ، أو النسل ، أو المال فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك ، وإذا اعتبرت أخبار الآحاد وجدتها كذلك .
وأما الثالث ، وهو الظني المعارض لأصل قطعي ولا يشهد له أصل قطعي فمردود بلا إشكال ، ومن الدليل على ذلك أمران :
أحدهما : أنه مخالف لأصول الشريعة ، ومخالف أصولها لا يصح; لأنه ليس منها ، وما ليس من الشريعة كيف يعد منها .
والثاني : أنه ليس له ما يشهد بصحته ، وما هو كذلك ساقط الاعتبار ، وقد مثلوا هذا القسم في المناسب الغريب بمن أفتى بإيجاب شهرين متتابعين [ ص: 187 ] [ ص: 188 ] ابتداء على من ظاهر من امرأته ولم يأت الصيام في الظهار إلا لمن لم يجد رقبة .
وهذا القسم على ضربين :
أحدهما : أن تكون مخالفته للأصل قطعية ، فلا بد من رده .
والآخر أن تكون ظنية إما بأن يتطرق الظن من جهة الدليل الظني ، وإما من جهة كون الأصل لم يتحقق كونه قطعيا ، وفي هذا الموضع مجال للمجتهدين ولكن الثابت في الجملة أن مخالفة الظني لأصل قطعي يسقط اعتبار الظني على الإطلاق ، وهو مما لا يختلف فيه
والظاهري وإن ظهر من أمره ببادئ الرأي عدم المساعدة فيه فمذهبه راجع في الحقيقة إلى المساعدة على هذا الأصل لاتفاق الجميع على أن الشريعة لا اختلاف فيها ولا تناقض ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ النساء : 82 ] .
وإذا ثبت هذا فالظاهري لا تناقض عنده في ورود نص مخالف لنص آخر ، أو لقاعدة أخرى .
أما على اعتبار المصالح ، فإنه يزعم أن في المخالف مصلحة ليست في الآخر علمناها ، أو جهلناها ، وأما على عدم اعتبارها [ ص: 189 ] فأوضح ، فإن للشارع أن يأمر ، وينهى كيف شاء ، فلا تناقض بين المتعارضين على كل تقدير .
فإذا تقرر هذا ، فقد فرضوا في كتاب الأخبار مسألة مختلفا فيها ترجع إلى الوفاق في هذا المعنى فقالوا : خبر الواحد إذا كملت شروط صحته هل يجب عرضه على الكتاب أم لا ؟
فقال الشافعي : لا يجب; لأنه لا تتكامل شروطه إلا وهو غير مخالف للكتاب ، وعند عيسى بن أبان يجب محتجا بحديث في هذا المعنى ، وهو قوله : إذا روي لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافق فاقبلوه ، وإلا فردوه .
[ ص: 190 ] فهذا الخلاف كما ترى راجع إلى الوفاق ، وسيأتي تقرير ذلك في دليل السنة إن شاء الله تعالى .
وللمسألة أصل في السلف الصالح ، فقد ردت عائشة رضي الله تعالى عنها حديث : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه بهذا الأصل نفسه [ ص: 191 ] لقوله تعالى : ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 38 ، 39 ]

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|