عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 14-02-2022, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(8)
الحلقة (24)
صــ 263إلى صــ 268

والثاني : أن الختم غير موصوفة به العيون في شيء من كتاب الله ، ولا في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا موجود في لغة أحد من العرب . وقد قال تبارك وتعالى في سورة أخرى : ( وختم على سمعه وقلبه ) ، ثم قال : ( وجعل على بصره غشاوة ) [ ص: 263 ] سورة الجاثية : 23 ، فلم يدخل البصر في معنى الختم . وذلك هو المعروف في كلام العرب ، فلم يجز لنا ، ولا لأحد من الناس ، القراءة بنصب الغشاوة ، لما وصفت من العلتين اللتين ذكرت ، وإن كان لنصبها مخرج معروف في العربية .

وبما قلنا في ذلك من القول والتأويل ، روي الخبر عن ابن عباس :

305 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي الحسين بن الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " ، والغشاوة على أبصارهم . [ ص: 264 ]

فإن قال قائل : وما وجه مخرج النصب فيها ؟

قيل له : أن تنصبها بإضمار "جعل " ، كأنه قال : وجعل على أبصارهم غشاوة ، ثم أسقط "جعل " ، إذ كان في أول الكلام ما يدل عليه . وقد يحتمل نصبها على إتباعها موضع السمع ، إذ كان موضعه نصبا ، وإن لم يكن حسنا إعادة العامل فيه على "غشاوة " ، ولكن على إتباع الكلام بعضه بعضا ، كما قال تعالى ذكره : ( يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق ) ، ثم قال : ( وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين ) ، سورة الواقعة : 17 - 22 ، فخفض اللحم والحور على العطف به على الفاكهة ، إتباعا لآخر الكلام أوله . ومعلوم أن اللحم لا يطاف به ولا بالحور العين ، ولكن كما قال الشاعر يصف فرسه :


علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها
[ ص: 265 ]

ومعلوم أن الماء يشرب ولا يعلف به ، ولكنه نصب ذلك على ما وصفت قبل ، وكما قال الآخر :


ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا


وكان ابن جريج يقول - في انتهاء الخبر عن الختم إلى قوله " وعلى سمعهم " ، وابتداء الخبر بعده - بمثل الذي قلنا فيه ، ويتأول فيه من كتاب الله ( فإن يشأ الله يختم على قلبك ) سورة الشورى : 24 .

306 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : الختم على القلب والسمع ، والغشاوة على البصر ، قال الله تعالى ذكره : ( فإن يشأ الله يختم على قلبك ) ، وقال : ( وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) [ سورة الجاثية : 23 ] .

والغشاوة في كلام العرب : الغطاء ، ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص :


تبعتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها


ومنه يقال : تغشاه الهم : إذا تجلله وركبه ، ومنه قول نابغة بني ذبيان : [ ص: 266 ]


هلا سألت بني ذبيان ما حسبي إذا الدخان تغشى الأشمط البرما


يعني بذلك : تجلله وخالطه .

وإنما أخبر الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن الذين كفروا به من أحبار اليهود ، أنه قد ختم على قلوبهم وطبع عليها - فلا يعقلون لله تبارك وتعالى موعظة وعظهم بها ، فيما آتاهم من علم ما عندهم من كتبه ، وفيما حدد في كتابه الذي أوحاه وأنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم - وعلى سمعهم ، فلا يسمعون من محمد صلى الله عليه وسلم نبي الله تحذيرا ولا تذكيرا ولا حجة أقامها عليهم بنبوته ، فيتذكروا ويحذروا عقاب الله عز وجل في تكذيبهم إياه ، مع علمهم بصدقه وصحة أمره . وأعلمه مع ذلك أن على أبصارهم غشاوة عن أن يبصروا سبيل الهدى ، فيعلموا قبح ما هم عليه من الضلالة والردى .

وبنحو ما قلنا في ذلك ، روي الخبر عن جماعة من أهل التأويل :

307 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) ، أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك ، حتى يؤمنوا به ، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك .

308 - حدثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول [ ص: 267 ] الله صلى الله عليه وسلم : " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " يقول : فلا يعقلون ولا يسمعون . ويقول : "وجعل على أبصارهم غشاوة " يقول : على أعينهم فلا يبصرون .

وأما آخرون ، فإنهم كانوا يتأولون أن الذين أخبر الله عنهم من الكفار أنه فعل ذلك بهم ، هم قادة الأحزاب الذين قتلوا يوم بدر .

309 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قال : هاتان الآيتان إلى ( ولهم عذاب عظيم ) هم ( الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ) سورة إبراهيم : 28 ، وهم الذين قتلوا يوم بدر ، فلم يدخل من القادة أحد في الإسلام إلا رجلان : أبو سفيان بن حرب ، والحكم بن أبي العاص .

310 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، عن الحسن ، قال : أما القادة فليس فيهم مجيب ولا ناج ولا مهتد .

وقد دللنا فيما مضى على أولى هذين التأويلين بالصواب ، فكرهنا إعادته .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( ولهم عذاب عظيم ( 7 ) )

وتأويل ذلك عندي ، كما قاله ابن عباس وتأوله : [ ص: 268 ]

311 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم . قال : فهذا في الأحبار من يهود ، فيما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك بعد معرفتهم .
" القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( 8 ) )

قال أبو جعفر : أما قوله : " ومن الناس " ، فإن في "الناس " وجهين :

أحدهما : أن يكون جمعا لا واحد له من لفظه ، وإنما واحدهم "إنسان " ، وواحدتهم "إنسانة " .

والوجه الآخر : أن يكون أصله "أناس " أسقطت الهمزة منها لكثرة الكلام بها ، ثم دخلتها الألف واللام المعرفتان ، فأدغمت اللام - التي دخلت مع الألف فيها للتعريف - في النون ، كما قيل في ( لكنا هو الله ربي ) سورة الكهف : 38 ، على ما قد بينا في "اسم الله " الذي هو الله . وقد زعم بعضهم أن "الناس " لغة غير "أناس " ، وأنه سمع العرب تصغره "نويس " من الناس ، وأن الأصل لو كان "أناس" لقيل في التصغير : "أنيس" ، فرد إلى أصله .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]