عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 14-02-2022, 05:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,001
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(10)
الحلقة (26)
صــ 275إلى صــ 280


وليس القول في ذلك عندي كالذي قال ، بل ذلك من "التفاعل " الذي لا يكون إلا من اثنين ، كسائر ما يعرف من معنى "يفاعل ومفاعل " في كل كلام العرب . وذلك : أن المنافق يخادع الله جل ثناؤه بكذبه بلسانه - على ما قد تقدم [ ص: 275 ] وصفه - والله تبارك اسمه خادعه ، بخذلانه عن حسن البصيرة بما فيه نجاة نفسه في آجل معاده ، كالذي أخبر في قوله : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) سورة آل عمران : 178 ، وبالمعنى الذي أخبر أنه فاعل به في الآخرة بقوله : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) سورة الحديد : 13 ، فذلك نظير سائر ما يأتي من معاني الكلام ب "يفاعل ومفاعل " . وقد كان بعض أهل النحو من أهل البصرة يقول : لا تكون المفاعلة إلا من شيئين ، ولكنه إنما قيل : " يخادعون الله " عند أنفسهم ، بظنهم أن لا يعاقبوا ، فقد علموا خلاف ذلك في أنفسهم ، بحجة الله تبارك اسمه الواقعة على خلقه بمعرفته ، وما يخدعون إلا أنفسهم . قال : وقد قال بعضهم : " وما يخدعون " يقول : يخدعون أنفسهم بالتخلية بها . وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( وما يخدعون إلا أنفسهم )

إن قال قائل : أو ليس المنافقون قد خدعوا المؤمنين - بما أظهروا بألسنتهم من قيل الحق - عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم حتى سلمت لهم دنياهم ، وإن [ ص: 276 ] كانوا قد كانوا مخدوعين في أمر آخرتهم ؟

قيل : خطأ أن يقال إنهم خدعوا المؤمنين . لأنا إذا قلنا ذلك ، أوجبنا لهم حقيقة خدعة جازت لهم على المؤمنين . كما أنا لو قلنا : قتل فلان فلانا ، أوجبنا له حقيقة قتل كان منه لفلان . ولكنا نقول : خادع المنافقون ربهم والمؤمنين ، ولم يخدعوهم بل خدعوا أنفسهم ، كما قال جل ثناؤه ، دون غيرها ، نظير ما تقول في رجل قاتل آخر ، فقتل نفسه ولم يقتل صاحبه : قاتل فلان فلانا فلم يقتل إلا نفسه ، فتوجب له مقاتلة صاحبه ، وتنفي عنه قتله صاحبه ، وتوجب له قتل نفسه . فكذلك تقول : "خادع المنافق ربه والمؤمنين فلم يخدع إلا نفسه " ، فتثبت منه مخادعة ربه والمؤمنين ، وتنفي عنه أن يكون خدع غير نفسه ، لأن الخادع هو الذي قد صحت الخديعة له ، ووقع منه فعلها . فالمنافقون لم يخدعوا غير أنفسهم ، لأن ما كان لهم من مال وأهل ، فلم يكن المسلمون ملكوه عليهم - في حال خداعهم إياهم عنه بنفاقهم ولا قبلها - فيستنقذوه بخداعهم منهم ، وإنما دافعوا عنه بكذبهم وإظهارهم بألسنتهم غير الذي في ضمائرهم ، ويحكم الله لهم في أموالهم وأنفسهم وذراريهم في ظاهر أمورهم بحكم ما انتسبوا إليه من الملة ، والله بما يخفون من أمورهم عالم . وإنما الخادع من ختل غيره عن شيئه ، والمخدوع غير عالم بموضع خديعة خادعه . فأما والمخادع عارف بخداع صاحبه إياه غير لاحقه من خداعه إياه مكروه ، بل إنما يتجافى للظان به أنه له مخادع استدراجا ، ليبلغ غاية يتكامل له عليه الحجة للعقوبة التي هو بها موقع عند بلوغه إياها ، والمستدرج غير عالم بحال نفسه عند مستدرجه ، ولا عارف باطلاعه على ضميره ، وأن إمهال مستدرجه إياه ، تركه معاقبته على جرمه ليبلغ المخاتل المخادع - من استحقاقه عقوبة مستدرجه ، [ ص: 277 ] بكثرة إساءته ، وطول عصيانه إياه ، وكثرة صفح المستدرج ، وطول عفوه عنه أقصى غاية فإنما هو خادع نفسه لا شك ، دون من حدثته نفسه أنه له مخادع . ولذلك نفى الله جل ثناؤه عن المنافق أن يكون خدع غير نفسه ، إذ كانت الصفة التي وصفنا صفته .

وإذ كان الأمر على ما وصفنا من خداع المنافق ربه وأهل الإيمان به ، وأنه غير صائر بخداعه ذلك إلى خديعة صحيحة إلا لنفسه دون غيرها ، لما يورطها بفعله من الهلاك والعطب - فالواجب إذا أن يكون الصحيح من القراءة : ( وما يخدعون إلا أنفسهم ) دون ( وما يخادعون ) لأن لفظ "المخادع " غير موجب تثبيت خديعة على صحة ، ولفظ "خادع " موجب تثبيت خديعة على صحة . ولا شك أن المنافق قد أوجب خديعة الله عز وجل لنفسه بما ركب من خداعه ربه ورسوله والمؤمنين - بنفاقه ، فلذلك وجبت الصحة لقراءة من قرأ : ( وما يخدعون إلا أنفسهم ) .

ومن الدلالة أيضا على أن قراءة من قرأ : ( وما يخدعون ) أولى بالصحة من قراءة من قرأ : ( وما يخادعون ) ، أن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم يخادعون الله والمؤمنين في أول الآية ، فمحال أن ينفي عنهم ما قد أثبت أنهم قد فعلوه ، لأن ذلك تضاد في المعنى ، وذلك غير جائز من الله جل وعز .
القول في تأويل قول الله جل ثناؤه : ( وما يشعرون ( 9 ) )

يعني بقوله جل ثناؤه " وما يشعرون " ، وما يدرون . يقال : ما شعر فلان بهذا الأمر ، وهو لا يشعر به - إذا لم يدر ولم يعلم - شعرا وشعورا . وقال الشاعر : [ ص: 278 ]


عقوا بسهم ولم يشعر به أحد ثم استفاءوا وقالوا : حبذا الوضح


يعني بقوله : لم يشعر به ، لم يدر به أحد ولم يعلم . فأخبر الله تعالى ذكره عن المنافقين : أنهم لا يشعرون بأن الله خادعهم ، بإملائه لهم واستدراجه إياهم ، الذي هو من الله جل ثناؤه إبلاغ إليهم في الحجة والمعذرة ، ومنهم لأنفسهم خديعة ، ولها في الآجل مضرة . كالذي - :

321 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قوله : ( وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) ، قال : ما يشعرون أنهم ضروا أنفسهم ، بما أسروا من الكفر والنفاق . وقرأ قول الله تعالى ذكره : ( يوم يبعثهم الله جميعا ) ، قال : هم المنافقون حتى بلغ ( ويحسبون أنهم على شيء ) سورة المجادلة : 18 ، قد كان الإيمان ينفعهم عندكم .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( في قلوبهم مرض )

قال أبو جعفر : وأصل المرض : السقم ، ثم يقال ذلك في الأجساد والأديان . فأخبر الله جل ثناؤه أن في قلوب المنافقين مرضا ، وإنما عنى تبارك وتعالى بخبره [ ص: 279 ] عن مرض قلوبهم ، الخبر عن مرض ما في قلوبهم من الاعتقاد ولكن لما كان معلوما بالخبر عن مرض القلب ، أنه معني به مرض ما هم معتقدوه من الاعتقاد - استغنى بالخبر عن القلب بذلك والكفاية عن تصريح الخبر عن ضمائرهم واعتقاداتهم كما قال عمر بن لجأ :


وسبحت المدينة ، لا تلمها ، رأت قمرا بسوقهم نهارا


يريد : وسبح أهل المدينة ، فاستغنى بمعرفة السامعين خبره بالخبر عن المدينة ، عن الخبر عن أهلها . ومثله قول عنترة العبسي :


هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ؟ إن كنت جاهلة بما لم تعلمي


يريد : هلا سألت أصحاب الخيل ؟ ومنه قولهم : "يا خيل الله اركبي " ، يراد : يا أصحاب خيل الله اركبوا . والشواهد على ذلك أكثر من أن يحصيها كتاب ، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه .

فكذلك معنى قول الله جل ثناؤه : ( في قلوبهم مرض ) إنما يعني : في اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين ، والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله - مرض وسقم . فاجتزأ بدلالة الخبر عن قلوبهم على معناه ، عن تصريح الخبر عن اعتقادهم .

والمرض الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه : هو شكهم في أمر محمد وما جاء به من عند الله ، وتحيرهم فيه ، فلا هم به موقنون إيقان إيمان ، ولا هم له منكرون إنكار إشراك ، ولكنهم ، كما وصفهم الله عز وجل ، مذبذبون بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما يقال : فلان يمرض في هذا الأمر [ ص: 280 ] أي يضعف العزم ولا يصحح الروية فيه .

وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك ، تظاهر القول في تفسيره من المفسرين .

ذكر من قال ذلك :

322 - حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " في قلوبهم مرض " أي شك .

323 - وحدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : المرض : النفاق .

324 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " في قلوبهم مرض " يقول : في قلوبهم شك .

325 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد ، في قوله : " في قلوبهم مرض " قال : هذا مرض في الدين ، وليس مرضا في الأجساد ، قال : وهم المنافقون .

326 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله " في قلوبهم مرض " قال : في قلوبهم ريبة وشك في أمر الله جل ثناؤه .

327 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " في قلوبهم مرض " قال : هؤلاء أهل النفاق ، والمرض الذي في قلوبهم : الشك في أمر الله تعالى ذكره .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]