عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 19-02-2022, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,052
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 101الى صــ 115
(6)
المجلد الاول
كتاب الصيام



فهذه الآثار من الصحابة رضي الله عنهم قالوها وفعلوها في أوقات متفرقة, وأكثر هؤلاء مثل أبي هريرة وابن عمر وعائشة هم الذين رووا أحاديث إكمال العدة وأحاديث النهي عن التقدم, وقد روي عنهم وعن غيرهم النهي عن صوم يوم الشك والأمر بإكمال العدة.
107 - فروى سعيد والنجاد عن عبد العزيز بن حكيم؛ قال: ذكر عند ابن عمر اليوم الذي يشك فيه من رمضان, فقال ابن عمر: «لو صمت السنة؛لأفطرت اليوم الذي بينهما».
108 - وروى حنبل عن ابن عمر؛ قال: «صوموا مع الجماعة, وأفطروا مع الجماعة».
109 - وروى الأثرم عن مسروق؛ قال: «دخلنا على عائشة في اليوم الذي يشك فيه من رمضان, فقالت: يا جارية! خوضي له عسلاً. قالت: خوضوه, فإن رابكم منه شيء؛ فمروها فلتزد, فإني لو كنت مفطرة؛ لذقته لكم. فقلت: أنا صائم, يريد إن كان اليوم من رمضان أدركنا وإلا كان تطوعاً. قالت: إن الصوم صوم الناس, والفطر فطر الناس, والذبح ذبح الناس».

110 - وعن محمد بن سيرين: «أنه دخل على أنس بن مالك في اليوم الذي يشك فيه من رمضان, فوجده قد شرب خزيرة وركب».
111 - وعن الشعبي؛ قال: «كان عمر وعلي ينهيان عن صوم [اليوم] الذي يشك فيه من رمضان».
112 - وعن أبي الطفيل؛ قال: جاء رجل إلى علي, فسأله عن صيام يوم الشك؟ فقال له علي: «إن نبيكم كان ينهى عن صيام ستة أيام من السنة:يوم الشك, ويوم النحر, ويوم الفطر, وأيام التشريق».
113 - وعن عبد الله بن مسعود؛ قال: «لأن أفطر يوماً من رمضان ثم أقضيه أحب إليَّ من أن أزيد فيه ما ليس منه».
114 - وعن ابن عباس؛ قال: «لا تصوموا اليوم الذي يشك فيه لا تشق فيه الإِمام».
115 - وعن أبي سعيد؛ قال: «إذا رأيت هلال رمضان؛ فصم, وإذا لم تره؛ فصم مع جماعة الناس وأفطر مع جماعة الناس».
116 - وعن حذيفة: «أنه كان ينهى عن صوم [اليوم] الذي يشك فيه».

117 - وعن عمار: «أنه أتى بشاة مصلية في اليوم الذي يقول القائل: هو من شعبان, فاعتزل رجل من القوم, فقال: أما أنت بمؤمن بالله واليوم الآخر؛ فادن فكل».
فإذا كان الأمر هكذا؛ وجب أن تحمل آثار الصوم على حال الغمام والضباب, وآثار الفطر على حال الصحو والانقشاع لوجوه:
أحدها: أنه إن لم يفعل ذلك؛ لزم تهاتر الآثار وتعارضها, وأن يكون الصحابة رضي الله عنهم رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وعملوا بخلافه في مثل هذه القضية التي لا تنسى ولا تخفى, حتى يقول أبو هريرة وابن عمر: أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بذلك منَّا في قضية رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافها نصّاً, وأن يخالفوا إلى ما نهوا عنه, ومثل هذا لا يجوز أن يظن بهم ويعتقد فيهم.
الثاني: أن الآثار في الشك مجملة, ليس فيها نص بيوم الغيم, والآثار في الصوم كثير, منها مفسرة مبينة بصوم يوم الغيم, وفيها ما فُرِّق فيه بين الغيم والصحو, وهو حديث ابن عمر, مع أنه قد صرح عن نفسه بأنه يفطر اليوم الذي يشك فيه, فعلم أن مقصوده بيوم الشكِّ: الشكُّ في حال الصحو, وإذا علم أن مقصود بعض الصحابة بيوم الشك هذا؛ جاز أن يكون مقصود الباقي ذلك.

ويوضح ذلك: أن الشك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان والله أعلم في حال الصحو؛ لأنه صام تسع رمضانات وكانت في الصيف.
يُبيِّنُ ذلك: أنه خرج في غزوة الفتح في سنة ثمان من رمضان في حَرٍّ شديد, وخرج إلى بدر في رمضان من السنة الثانية, وهو أول رمضان فرض, وكانت في الربيع الذي تسميه العامة الخريف, وذلك لأنهم أمطروا عام بدر كما دل عليه القرآن, والمطر إنما يكون في الربيع الذي قبل الشتاء المسمى بالخريف, وفي الصيف الذي بعده سمي بالربيع, لكن العادة أن رمضان في السنة الثانية يكون قبل الوقت الذي كان فيه من السنة الأولى بنحو أحد عشر يوماً, فلما كان في غزوة الفتح رمضان في حرٍّ شديد؛ عُلِمَ أنه كان قبل ذلك فيما بين الخريف والحر الشديد, لا فيما بين الربيع الذي بعد الشتاء وبين الحر الشديد؛ لما ذكرنا أن السنة إنما تدور وراء, وهو أول رمضان فرض, والسنة إنما تدور في ثلاثة وثلاثين سنة, يقع منها نحو ستة عشر في الصيف وما يقاربه.
الثالث: أن السماء إذا كانت مصحية وتقاعد الناس عن رؤية الهلال أو ادعى رؤيته مَنْ لا يقبل خبره أو جاز أن يكون قد رئي في موضع آخر أو تحدث به الناس ولم يثبت؛ كان شكّاً مرجوحاً؛ لأن الغالب الظاهر أنه لو كان هناك هلال لرآه بعض المقبولين, والأصل عدم الهلال, فاعتضد على عدم الهلال الأصل النافي المبني عليه استصحاب الحال والظاهر الغالب, فلم يكن لتقدير طلوعه بعد هذا إلا مجرد وهم وخيال, وأحكام الله لا تبنى على ذلك, فكان الصوم والحال هذه مجرد غلو في الدين وتعمق؛ كالمتورع عن مال رجل مسلم مستور, وكتقدير الشبهات والاحتمالات التي لا أمارة عليها, وهذا مما لا يُلتفت إليه.
ثم إنه في حال الصحو للناس طريق إلى العلم به, وهو ترائي مطلعه والتحديق نحوه؛ فإذا لم يروه؛ جاز نفيه بناء على نفي رؤيته؛ فإن الباحث عن الشيء الطالب له بحسب الوسع والطاقة إذا لم يجده جاز أن ينفيه, وعلى هذا يبنى عامة الأحكام الشرعية المبنية على عدم الدليل الموجب, مثل أن يقال: لا يجب الشيء الفلاني أو لا يحرم؛ لأن الأصل عدم الوجوب والتحريم, لا دليل على ثبوتها.
أما إذا حال دون منظره سحاب أو قتر؛ فهناك لا سبيل إلى ترائيه ولا نفي طلوعه, فانقطع العلم بالهلال من جهة الرؤية, ولم يبق إلا العدد.
ويحتمل أن يكون طالعاً, ويحتمل أن لا يكون, ومثل هذا لا يأتي الشرع بتحريم الاحتياط وإزالة الشك فيه.
118 - وهو القائل: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
بل مثل هذا في الشرع: إما أن يجب الاحتياط فيه أو يستحب كما سنذكره إن شاء الله, وهذا معنى قول من قال من الصحابة: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان».
ولا يخالف هذا قول ابن مسعود: «لأن أفطر يوماً من رمضان ثم أقضيه أحب إليَّ من أن أزيد فيه ما ليس منه»؛ لأنه جعل الفطر والقضاء خيراً من الزيادة؛ لأن الفطر والقضاء غالباً إنما يكون مع الصحو بأن يكون بعض الناس قد رآه ولم يثبت ذلك بعد, أما مع الغيم؛ فيتعذر الرؤية غالباً.
ثم هذا الشك قد يرجح فيه الصوم من وجهين:
أحدهما: أن الغالب على شعبان أن يكون تسعاً وعشرين, وإنما يكون ثلاثين في بعض الأعوام, فإن غُم الهلال؛ كان إلْحاق الفرد بالأعم الأغلب أولى مِنْ إِلْحاقهِ بالأقل.
الثاني: أن الشهر المتيقن تسع وعشرون, وما زاد على ذلك متردد بين الشهور, وقد كمل العدد المتيقن, وقد نَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله: «إنما الشهر تسع وعشرون» , بصيغة (إنما) التي تقضي إثبات المذكور ونفي ما عداه, فعلم أن ما زاد على التسع والعشرين ليس من الشهر بيقين, فإذا مضت من شعبان تسع وعشرون ليلة؛ فقد مضى الشهر الأصلي.

وأيضاً ما احتج به بعض أصحابنا, وهو:
119 - ما روى مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (أو: قال لرجل وهو يسمع): «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً؟».
قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أفطرت؛ فصم يومين مكانه». رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية للبخاري: «أما صمت سرر هذا الشهر؟». قال: أظنه يعني رمضان.
وفي رواية ثابت: «من سرر شعبان». قال البخاري*: - «وهو أصح».

وفي رواية لأحمد ومسلم, عن شعبة, عن ابن أخي مطرف, عن مطرف: «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً «يعني: شعبان)؟». قال؛ لا. قال: «فإذا فطرت رمضان؛ فصم يوماً أو يومين (شك شعبة. قال: وأظنه قال: يومين»).
وفي رواية لأحمد وأبي داوود والنسائي, عن حماد بن سلمة, عن ثابت عن مطرف وسعيد الجريري, عن أبي العلاء, عن مطرف, عن عمران: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟». قال: لا. قال: «فإذا أفطرت؛ فصم يوماً (وقال أحدهما: يومين»).
وفي رواية: وقال الجريري: «صم يوماً».
وقد رواه أحمد عن يزيد عن الجريري, وقال: «فصم يومين».
وكذلك رواه سليمان التيمي عن أبي العلاء, وغيلان بن جرير عن [مطرف].
120 - وعن أبي الأزهر المغيرة بن فروة؛ قال: قام معاوية بالناس بدير مسحل الذي على باب حمص, فقال: يا أيها الناس! إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا, وأنا متقدم بالصيام؛ فمن أحب أن يفعله؛ فليفعله. قال: فقام إليه مالك ابن هبيرة السبئي, فقال: يا معاوية! أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء من رأيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوموا الشهر وسرّ». رواه أبو داوود.
121 - وروي عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: أنهما قالا: «سره أوله».
122 - وعن القاسم بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر قبل شهر رمضان: «الصيام يوم كذا وكذا, ونحن متقدمون؛ فمن شاء؛ فليتأخر». رواه ابن ماجه.
قال أهل اللغة: السر والسرار - بالفتح والكسر ــ آخر الشهر ليلة يستسر هلال, فربما استسر ليلة, وربما استسر ليلتين إذا تم الشهر؛ لأنه لا بُدَّ أن يُرى صبيحة ثمان وعشرين ثم يستسر ليلة تسع وعشرين ثم يستهل ليلة الثلاثين أو يستسر أيضاً.
وقد ذكرنا عن الأوزاعي وسعيد: أن سِرَّه أوله.
قال من احتج بهذا: لا وجه لهذا الحديث إلا أن يكون أمر بصوم السرار مع الغيم, فلما لم يصم ذلك الرجل السرار؛ أمره بالقضاء؛ لأنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين؛ إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم؛ فليصمه».
ثم أمر بصوم السرر وقضائه, وهو يوم أو يومين, فيحمل هذا على حال الصحو وهذا على حال الإِغمام توفيقاً بينهما.
ويؤيد ذلك أن معاوية هو ممن روى حديث الأمر بصوم السِّر, وكان يتقدم رمضان, ويعلل بأني أن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان, وهذا الاحتراز لا يشرع إلا في الغيم.
ومطرف بن الشخير هو الذي روى حديث عمران بن حصين, وكان يصوم هذا الصوم, ويقول:

123 - «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان». رواه النجاد وغيره.
وقد فسر سعيد والأوزاعي سره بأنه أوله, وهذا إنما يكون مع الغيم؛ لأنه يجعل يوم الإِغمام أول الشهر حكماً واجباً مضى؛ فهو سرار لشعبان من وجه, وأول لرمضان من وجه.
فإن قيل: هذا محمول على أن الرجل كانت له عادة يصوم السرار, وكان قد نذره.
قلنا: هذا لا يصح؛ لأن اعتياد صوم السرار دون ما قبله في الصحو هو التقدم المنهي عنه في حديث أبي هريرة؛ فلا يجوز أن يحمل على أن عادته صوم أيام منها السرار؛ لأنه إنما أمره بقضاء السرار فقط, ولذلك أيضاً يكره أن ينذر صوم السرار مفرداً أو يحرم؛ لأنه تقدم وجوبه يوم الشك, وما كان مكروهاً في الشرع كان مكروهاً وإنْ نذره.
ثم هذا ليس له في الحديث ذكر, وإنما المذكور حكم, وهو الأمر بالقضاء, وسبب, وهو فطر ذلك السرار, فيجب تعلق الحكم بذلك السبب,ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء سوى ذلك. ثم معلوم أن النذر يجب قضاؤه, ولا اختصاص للسرار بذلك. ثم راوي الحديث عمران وصاحبه مطرف فهما من ذلك العموم في حق ذلك الرجل وغيره.
ثم حديث معاوية عام صريح بالأمر بصوم السر, وقد فهم منه معاوية التقدم.
فإن قيل: فقد أمره بقضاء يومين, وإنما يقضي مع الإِغمام يوماً واحداً.
قيل: أما حديث معاوية؛ فليس فيه عدد, وإنما فيه السرار والسرار المتيقن هو ليلة واحدة.
قال غير واحد من أهل اللغة: سرر الشهر آخر ليلة منه.

وأما حديث عمران؛ فقد ذكر بعض الرواة أنه إنما أمره بقضاء يوم فقط؛فإن كان هذا هو الصواب؛ فلا كلام, وإن كان الصواب رواية الأكثرين؛ فقد حمله القاضي على ما إذا غُم هلال شعبان وهلال رمضان, فعدَّ كل واحد من رجب وشعبان ثلاثين يوماً, وحصل صوم رمضان ثمانية وعشرين يوماً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]