
22-02-2022, 06:50 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 181 الى صـ 185
الحلقة (35)
وقولوا للناس حسنا أي قولا حسنا . أي : كلموهم طيبا ولينوا لهم جانبا . وفيه من التأكيد والتحضيض على إحسان مقاولة الناس ، أنه وضع المصدر فيه موضع الاسم ، وهذا إنما يستعمل للمبالغة في تأكيد الوصف ، كرجل عدل وصوم وفطر وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة خطاب لبني إسرائيل . فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها ، والزكاة التي كانوا يخرجونها . "ثم توليتم" أي أعرضتم عن المضي على مقتضى الميثاق الذي فيه سعادتكم ورفضتموه . وقوله : إلا قليلا منكم استثناء لبعض من كانوا في زمن سيدنا موسى عليه السلام ، أو في كل زمن ، فإنه لا تخلو أمة من الأمم ، من المخلصين الذين [ ص: 181 ] يحافظون على الحق بحسب معرفتهم وقدر طاقتهم .
والحكمة في ذكر هذا الاستثناء عدم بخس المحسنين حقهم ، وبيان أن وجود قليل من الصالحين في الأمة لا يمنع عنها العقاب الإلهي إذا فشا فيها المنكر ، وقل المعروف "وأنتم معرضون" عادتكم الإعراض عن الطاعة ، ومراعاة حقوق الميثاق ، ثم نعى عليهم أيضا إخلالهم بواجب الميثاق المأخوذ عليهم في حقوق العباد بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
[84 ] وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون
وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم إخبار في معنى النهي . والمراد به النهي الشديد عن تعرض بعض بني إسرائيل لبعض بالقتل والإجلاء . أي لا يقتل بعضكم بعضا ولا يخرجه من منزله "ثم أقررتم" أي أظهرتم الالتزام بموجب المحافظة على الميثاق المذكور "وأنتم تشهدون" بلزومه. فهو توكيد للإقرار ، كقولك : أقر فلان ، شاهدا على نفسه .
القول في تأويل قوله تعالى :
[85 ] ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون
"ثم أنتم هؤلاء" خطاب خاص للحاضرين ، فيه توبيخ شديد تقتلون أنفسكم [ ص: 182 ] وتخرجون فريقا منكم من ديارهم من غير التفات إلى هذا العهد الوثيق "تظاهرون عليهم" أي تتعاونون عليهم "بالإثم" وهو الفعل الذي يستحق فاعله الذم واللوم "والعدوان" وهو التجاوز في الظلم "وإن يأتوكم" أي هؤلاء الذين تعاونتم أو عاونتم عليهم "أسارى" بضم الهمزة ، وفتح السين ، والألف بعدها . وقرأ حمزة "أسرى" بفتح الهمزة ، وسكون السين كقتلى ، جمع أسير ، وأصله المشدود بالأسر ، وهو القد ، وهو ما يقد أي يقطع من السير "تفادوهم" بضم التاء وفتح الفاء . وقرئ "تفدوهم" بفتح التاء وسكون الفاء ، أي تخلصوهم بالمال من الفداء . وهو الفكاك بعوض: وهو محرم عليكم إخراجهم الجملة حال من الضمير في "تخرجون" أو من "فريقا" أو منهما . وتخصيص بيان الحرمة ههنا بالإخراج، مع كونه قرينا للقتل عند أخذ الميثاق ، لكونه مظنة للمساهلة في أمره ، بسبب قلة خطره بالنسبة إلى القتل. ولأن مساق الكلام لذمهم وتوبيخهم على جناياتهم ، وتناقض أفعالهم معا . وذلك مختص بصورة الإخراج حيث لم ينقل عنهم تدارك القتلى بشيء من دية أو قصاص. وهو السر في تخصيص التظاهر به فيما سبق . ثم أنكر عليهم التفرقة بين الأحكام فقال أفتؤمنون ببعض الكتاب أي : التوراة وهو الموجب للمفاداة "وتكفرون ببعض" وهو المحرم للقتل والإخراج . ثم اعلم أن ما ذكرناه في قوله تعالى "تفادوهم" ، و "تؤمنون ببعض الكتاب" هو ما ذهب إليه جمهور المفسرين من أن ذلك وصف لهم بما هو طاعة ، وهو التخليص من الأسر ببذل مال أو غيره ، والإيمان بذلك . وذكر أبو مسلم أنه ضد ذلك . والمراد أنكم ، مع القتل والإخراج ، إذا وقع أسير في أيديكم لم ترضوا منه إلا بأخذ مال وإن كان ذلك محرما عليكم ؛ ثم عنده تخرجونه من الأسر.
قال أبو مسلم : والمفسرون ، إنما أتوا من جهة قوله تعالى : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض وهذا ضعيف لأن هذا القول راجع إلى ما تقدم من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أنزل عليهم ، والمراد أنه إذا كان في الكتاب الذي معكم نبأ محمد فجحدتموه فقد آمنتم ببعض الكتاب وكفرتم ببعض.
[ ص: 183 ] وكلا القولين يحتمله لفظ المفاداة ، لأن الباذل عن الأسير يوصف بأنه فاداه . والآخذ منه للتخليص يوصف أيضا بذلك . إلا أن الذي أجمع المفسرون عليه أقرب . لأن عود قوله : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض إلى ما تقدم ذكره في هذه الآية ، أولى من عوده إلى أمور تقدم ذكرها بعد آيات . أفاده الرازي . فما جزاء من يفعل ذلك منكم إشارة إلى الكفر ببعض الكتاب مع الإيمان ببعض، أو إلى ما فعلوا من القتل والإجلاء مع مفاداة الأسارى "إلا خزي" ذل وهوان مع الفضيحة . والتنكير للتفخيم. "في الحياة الدنيا" وقد فعل سبحانه ذلك ، فقتلت بنو قريظة وأجليت بنو النضير إلى أذرعات وأريحا من الشام. ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب يعني النار وما الله بغافل عما تعملون
القول في تأويل قوله تعالى :
[86 ] أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون
"أولئك الذين اشتروا" أي آثروا "الحياة الدنيا" على خساستها . واستبدلوها "بالآخرة" مع نفاستها . فلا يخفف عنهم العذاب في واحدة من الدارين. ولا هم ينصرون قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : أنكر تعالى على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في المدينة ، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج ، وذلك أن الأوس والخزرج وهم الأنصار كانوا في الجاهلية عباد أصنام ، وكانت [ ص: 184 ] بينهم حروب كثيرة ، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل : بنو قينقاع ، حلفاء الخزرج ، وبنو نضير ، وبنو قريظة ، حلفاء الأوس فكانوا ، إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب ، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه . فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها ، ويسفكون دماءهم ، وبأيديهم التوراة . يعرفون فيها ما عليهم وما لهم . والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ، ولا يعرفون جنة ولا نارا ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حلالا ولا حراما ؛ فإذا وضعت الحرب أوزارها ، وأسر الرجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه ، فتفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ، وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم . فإذا عيرتهم العرب بذلك وقالوا : كيف تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا . إنا أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم . فيقال : لم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنا نستحي أن تستذل حلفاؤنا . فلذلك حين عيرهم عز وجل فقال : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض أي تفادوهم بحكم التوراة وتقتلونهم . وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من داره ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ، ويعبد الأوثان من دونه ؛ ابتغاء عرض الدنيا . هذا ملخص ما ساقه ابن كثير عن محمد بن إسحاق بسنده إلى ابن عباس. ورواه أيضا عن السدي . فليحقق تصحيح هذه القصة .
وفي الآية تفسير آخر . أي لا تقتلوا أنفسكم لشدة تصيبكم بسكين ، أو خنق ، أو بارتكاب ما يوجب ذلك . كالارتداد والزنى بعد الإحصان . وقتل النفس بغير الحق ونحو ذلك . ولا تسيئوا جوار من جاوركم فيضطرون إلى الخروج من دياركم . أو : لا تفسدوا فتكونوا سببا لإخراجكم أنفسكم . والله أعلم .
[ ص: 185 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[87 ] ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون
ولقد آتينا موسى الكتاب شروع في بيان بعض آخر من جناياتهم . وتصديره بالجملة القسمية لإظهار كمال الاعتناء به . والمراد بالكتاب التوراة. وقفينا من بعده بالرسل يقال : قفاه به أتبعه إياه ، من التقفية وهي متابعة شيء شيئا . كأنه يتلو قفاه ، وقفا الصورة منها ، خلفها المقابل للوجه . والمعنى لم نقتصر على الضبط بالكتاب الذي تركه فيكم موسى ، بل أرسلنا من بعده الرسل تترى ، ليجددوا لكم أمر الدين ويؤكدوا عليكم العهود. "وآتينا عيسى" اسم معرب أصله يسوع . لفظة يونانية بمعنى مخلص ، ومثله يشوع بالمعجمة ، في اللغة العبرانية "ابن مريم البينات" المعجزات الواضحات التي لا مرية فيها لذي عقل . كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص "وأيدناه" أي : قويناه على ذلك كله "بروح القدس" بالروح المقدسة كما تقول : حاتم الجود ورجل صدق ، وهي الروح الطاهرة التي نفخها الله فيه وميزه بها عن غيره ممن خلق . قال تعالى وروح منه ولذا كان له ، عليه الصلاة والسلام ، بالروح مزيد اختصاص لكثرة ما أحيى من الموتى . وعن الحسن البصري : القدس هو الله ، وروحه جبريل . والإضافة للتشريف . والمعنى: [ ص: 186 ] أعناه بجبريل . قال الرازي : والذي يدل على أن روح القدس جبريل قوله تعالى : قل نـزله روح القدس والله أعلم .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|