عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22-02-2022, 06:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 186 الى صـ 190
الحلقة (36)

وتخصيصه من بين الرسل عليهم السلام بالذكر ووصفه بما ذكر من إيتاء البينات ، والتأييد بروح القدس لحسم مادة اعتقادهم الباطل في حقه عليه السلام ، ببيان حقيته وإظهار نهاية قبح ما فعلوا به عليه السلام : أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم من الحق ، أي لا تحبه . من هوي كفرح ، إذا أحب "استكبرتم" عن الاتباع له ، والإيمان بما جاء به من عند الله تعالى "ففريقا" منهم "كذبتم" إذ لم تنل أيديكم مضرته "وفريقا" آخر منهم "تقتلون" غير مكتفين بتكذيبهم.
القول في تأويل قوله تعالى :

[88 ] وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون

"وقالوا" بيان لنوع آخر من مخازيهم . والقائلون المعاصرون للنبي عليه الصلاة والسلام "قلوبنا غلف" هذا كقوله تعالى : وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه أي هي مغشاة بأغطية مانعة من وصول أثر دعوتك إليها ، فلا تفقهه . مستعار من الأغلف الذي لم يختن : بل لعنهم الله بكفرهم رد الله أن تكون قلوبهم كذلك لأنها متمكنة من قبول الحق . وإنما طردهم عن رحمته بسبب كفرهم وزيغهم . وهذا كما قال في سورة النساء : وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا وقوله : فقليلا [ ص: 187 ] ما يؤمنون "ما" مزيدة للمبالغة أي فإيمانا قليلا يؤمنون . وهو إيمانهم ببعض الكتاب .
القول في تأويل قوله تعالى :

[89 ] ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين

"ولما جاءهم كتاب" هو القرآن الكريم الذي مقصود هذه السورة . وصفه بالهدى . وتنكيره للتفخيم . ونعته بقوله "من عند الله" للتشريف "مصدق لما معهم" من التوراة . وجواب "لما" محذوف دل عليه جواب "لما" الثانية. وعليه، فقوله تعالى "وكانوا" إلخ . . جملة معطوفة على الشرطية ، عطف القصة على القصة . وقيل : جوابها كفروا . ولما الثانية تكرار للأولى ، فلا تحتاج إلى جواب. وقيل: كفروا جواب للأولى والثانية لأن مقتضاهما واحد. وعلى الوجهين فجملة قوله "وكانوا من قبل" أي قبل مجيئه : يستفتحون على الذين كفروا جملة حالية مفيدة لكمال مكابرتهم وعنادهم . والاستفتاح : الاستنصار أي طلب النصر ، أي يطلبون من الله النصر على المشركين لما أنهم كانوا مستذلين في جزيرة العرب ، ولذا كانوا يحالفون بعض القبائل تعززا بهم على ما تقدم "فلما جاءهم ما عرفوا" صحته وصدقه . كان من حقهم أن يسارعوا إلى الإيمان به لظفرهم بأمنيتهم حينئذ ، وهو انتصارهم على المشركين ، وحصول العزة لهم مع المؤمنين . ولكن "كفروا به" أي امتنعوا من الإيمان به خوفا من زوال رياستهم وأموالهم ، وأصروا على الإنكار مع علمهم بحقيقة نبوته . ولذا قال عبد الله بن سلام في [ ص: 188 ] قصة إسلامه : يا معشر اليهود اتقوا الله . فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق . رواه البخاري في الهجرة .

وروى أيضا أن عبد الله بن سلام لما بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم أتاه فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي . فلما أجابه عنها قال : أشهد أنك رسول الله . وسنذكر الحديث بتمامه عند قوله تعالى : من كان عدوا لجبريل الآية إن شاء الله تعالى . وقوله : فلعنة الله على الكافرين اللام فيه للعهد أي عليهم ، ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم بسبب كفرهم ؛ كما أن الفاء للإيذان بترتبها عليه . أو للجنس وهم داخلون في الحكم دخولا أوليا ، إذ الكلام فيهم ، وأيا ما كان فهو محقق لمضمون قوله تعالى : بل لعنهم الله بكفرهم
القول في تأويل قوله تعالى :

[90 ] بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنـزل الله بغيا أن ينـزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين

بئسما اشتروا به أنفسهم "ما" نكرة موصوفة بما بعدها ، منصوبة على التمييز ، مفسرة لفاعل بئس . أي بئس شيئا باعوا به أنفسهم واعتاضوا لها ، فرضوا به وعدلوا إليه . والمخصوص بالذم قوله تعالى : أن يكفروا بما أنـزل الله أي كفرهم بالكتاب المصدق [ ص: 189 ] لما معهم بعد الوقوف على حقيقته "بغيا" حسدا "أن ينزل الله" لأن ينزل ، أو على أن ينزل . أي حسدوه على أن ينزل الله "من فضله" الذي هو الوحي "على من يشاء من عباده" أي : يشاؤه ويصطفيه للرسالة "فباؤوا بغضب" أي رجعوا لأجل ذلك بغضب ، في حسدهم لهذا النبي صلى الله عليه وسلم حتى كفروا به "على غضب" كانوا استحقوه قبل بعثته صلى الله عليه وسلم من أجل تحريفهم الكلم ، وتضييعهم بعض أحكام التوراة ، وكفرهم بعيسى عليه السلام .

قال الرازي: إن غضبه تعالى يتزايد ويكثر ويصح فيه ذلك كصحته في العذاب، فلا يكون غضبه على من كفر بخصلة واحدة، كغضبه على من كفر بخصال كثيرة .

قلت: وفي الصحيحين عن أبي هريرة : « اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك ; لا ملك إلا الله » . والروايات في توصيف غضبه تعالى بالشدة على بعض المنكرات متوافرة . انظر الجامع الصغير.

ويحتمل المعنى . فصاروا أحقاء بغضب مترادف ، فلا يكون القصد إثبات غضبين [ ص: 190 ] لأمرين متنوعين أو أمور ، بل المراد به تأكيد الغضب وتكثيره لأجل أن هذا الكفر ، وإن كان واحدا ، إلا أنه عظيم . والله أعلم .

وقد قدمنا في تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين أن الغضب صفة وصف الله تعالى نفسه بها . وليس غضبه كغضبنا . كما أن ذاته ليست مثل ذواتنا ، فليس هو مماثلا لأبداننا ولا لأرواحنا ، وصفاته كذاته . وما قيل : إن الغضب من الانفعالات النفسانية فيقال نحن وذواتنا منفعلة ، فكونها انفعالات فينا لا يجب أن يكون الله منفعلا بها . كما أن نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين . فصفاته كذلك ليست كصفات المخلوقين ، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه . وليس المنسوب كالمنسوب والمنسوب إليه كالمنسوب إليه . كما قال صلى الله عليه وسلم : « ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر » فشبه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي . وهذا يتبين بقاعدة : وهي أن كثيرا من الناس يتوهم ، في بعض الصفات أو كثير منها ، أو أكثرها أو كلها ، أنها تماثل صفات المخلوقين . ثم يريد نفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواع من المحاذير : أحدها : كونه مثل ما فهمه من النصوص لصفات المخلوقين . وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل .

الثاني : أنه إذ جعل ذلك هو مفهومها وعطله فبقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله فيبقى مع جناية على النصوص ، وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله ، حيث خلاف الذي يفهم من كلامهما ، من إثبات صفات الله ، والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى .

الثالث : أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير دليل. فيكون معطلا عما يستحقه الرب تبارك وتعالى .

الرابع : أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الموات ، والجمادات ، وصفات المعدومات . فيكون قد عطل صفات الكمال التي يستحقها الرب . ومثله بالمنقوصات والمعدومات . وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات . وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات . فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل . سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . أفاده الإمام ابن تيمية . عليه الرحمة ، في القاعدة التدمرية.
"وللكافرين" أي لهم . والإظهار في موضع الإضمار للإشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم "عذاب مهين" يراد به إهانتهم . أي إذلالهم . فإن كفرهم ، لما كان سببه البغي والحسد ، ومنشأ ذلك التكبر ، قوبلوا بالإهانة والصغار في الآخرة كما قال تعالى : إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين أي : صاغرين حقيرين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]