عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22-02-2022, 06:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 201 الى صـ 205
الحلقة (39)

ورواه مختصرا ابن أبي حاتم أيضا ، وفيه انقطاع ، فإن الشعبي لم يدرك زمان عمر رضي [ ص: 201 ] الله عنه . كذا قاله الحافظ ابن كثير، وساقه أيضا الواحدي ، وزاد في آخره : قال عمر : فلقد رأيتني في دين الله أشد من حجر .

قال العلامة البقاعي : وقد روى هذا الحديث أيضا إسحاق بن راهويه في مسنده عن الشعبي ، عن عمر رضي الله عنه . قال شيخنا البوصيري : وهو مرسل صحيح الإسناد ، انتهى .

وثم روايات متنوعات ساقها ابن كثير في تفسيره ، لا نطول كتابنا بسردها ، ومرجعها واحد. فإن قيل : بين رواية البخاري الأولى وما بعدها تناف . فالجواب : لا منافاة ; لأن قراءته صلى الله عليه وسلم لها في محاورة عبد الله بن سلام ، ردا لقول اليهود ، لا يستلزم نزولها حينئذ . فإن المعتمد في سبب نزولها غير قصة عبد الله بن سلام مما سلف من الروايات . فإن طرقها يقوي بعضها بعضا ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عبد الله بن سلام : إن جبريل عدو لليهود ، تلا عليه الآية ، مذكرا له سبب نزولها -كذا قاله الحافظ ابن حجر في الفتح .

وقد أشار إلى ذلك السيوطي في (الإتقان) حيث قال (تنبيه) قد يكون في إحدى القصتين ، (فتلا) فيهم الراوي ، فيقول (فينزل) . وقال العلامة ولي الله الدهلوي قدس سره في كتابه (أصول التفسير) وقد تحقق عند الفقير أن الصحابة والتابعين كثيرا ما كانوا يقولون : نزلت الآية في كذا وكذا ، وكأن غرضهم تصوير ما صدقت عليه الآية ، وذكر بعض الحوادث التي تشملها الآية بعمومها . سواء تقدمت القصة أو تأخرت . إسرائيليا كان ذلك أو جاهليا أو إسلاميا . استوعبت جميع قيود الآية أو بعضها ، والله أعلم .

فعلم من هذا التحقيق أن للاجتهاد في هذا القسم مدخلا . وللقصص المتعددة هنالك سعة . فمن استحضر هذه النكتة يتمكن من حل ما اختلف من سبب النزول بأدنى عناية . انتهى .

وقوله تعالى "لجبريل" قرئ في السبع بكسر الجيم والراء بلا همز ، وبفتح الجيم بدونها أيضا ، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة ثم ياء وبدونها . قال ابن جني: العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه.

[ ص: 202 ] وقوله "فإنه نزله" تعليل لجواب الشرط قائم مقامه ، والبارز الأول لجبريل عليه السلام، والثاني للقرآن، أضمر من غير سبق ذكر، إيذانا بفخامة شأنه، واستغنائه عن الذكر، لكمال شهرته ونباهته ، لا سيما عند ذكر شيء من صفاته . وقوله "على قلبك" زيادة تقرير للتنزيل ، ببيان محل الوحي ، فإنه القابل الأول له ، إن أريد به الروح . ومدار الفهم والحفظ إن أريد به العضو ، وهذا كقوله : نـزل به الروح الأمين على قلبك وكان حق الكلام أن يقال "على قلبي" لأنه المطابق لقل، ولكن جاء على حكاية كلام الله كما تكلم به تحقيقا لكونه كلام الله . وأنه أمر بإبلاغه . وقوله "بإذن الله" أي : بأمره . وقوله : "مصدقا لما بين يديه" أي من التوراة وبقية الصحف المنزلة . وقوله "وهدى وبشرى للمؤمنين" أي يهدي للرشد وبشرى لهم بالجنة ، كما قال تعالى : قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء الآية ، وقال تعالى : وننـزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وفيه رد على اليهود ، حيث قالوا : إن جبريل ينزل بالحرب والشدة كما تقدم ، فقيل : فإنه ينزل بالهدى والبشرى أيضا . فإن قيل : من شأن الشرط والجزاء الاتصال بالسببية والترتب ، فكيف استقام قوله "فإنه نزله" جزاء للشرط؟ أجيب بأن قوله "فإنه نزله" تعليل لجواب الشرط، كما أسلفنا . والمعنى : من عادى جبريل من أهل الكتاب ، فلا وجه لمعاداته ، بل يجب عليه محبته ، فإنه نزل عليك كتابا [ ص: 203 ] مصدقا لكتبهم . فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه ، في إنزاله ما ينفعهم ، ويصحح المنزل عليهم . وقيل : الجواب محذوف تقديره "فليمت غيظا" . وعليه فلا يكون "فإنه نزله" نائبا عنه . ووجهه أن يقدر الجواب مؤخرا عن قوله "فإنه نزله" ويكون هو تعليلا وبيانا لسبب العداوة ، كأنه قيل : من عاداه ، لأنه نزل على قلبك فليمت غيظا .

قال الرضي : كثيرا ما يدخل الفاء على السبب ويكون بمعنى اللام ، قال الله تعالى قال فاخرج منها فإنك رجيم وقيل تقديره : فهو عدو لي وأنا عدوه ، بقرينة الجملة المعترضة المذكورة بعده في وعيدهم ، وهي قوله تعالى : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين أي من كان عدوا لله لإنزاله فضله على من يشاء أو لأمر آخر . وأفادت الآية غضب الله تعالى لجبريل على من عاداه . وقد روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة حديثا قدسيا « من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب » .

وصدر الكلام بذكره الجليل تفخيما لشأنهم ، وإيذانا بأن عداوتهم عداوته عز وعلا ، وقدم الملائكة على الرسل ، كما قدم الله على الجميع ; لأن عداوة الرسل بسبب نزول الوحي ، ونزوله بتنزيل الملائكة ، وتنزيلهم لها بأمر الله ، فذكر الله تعالى ومن بعده على هذا الترتيب ، [ ص: 204 ] وإنما خص جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما ، والدلالة على فضلهما ، وإنهما ، وإن كانا من الملائكة ، فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر أشرف من جنس الملائكة ، تنزيلا للتغاير الوصفي ، منزلة التغاير الذاتي ، وللتنبيه على أن معاداة الواحد والكل سواء في الكفر ، واستجلاب العداوة من الله تعالى ، وإن من عادى أحدهم فكأنه عادى الجميع ; إذ الموجب لمحبتهم وعداوتهم على الحقيقة واحد ، ولأن المحاجة كانت فيهما . ووضع "الكافرين" موضع "لهم" ، ليدل على أن الله إنما عاداهم لكفرهم ، وأن عداوة الملائكة كفر . وقد قرئ في السبع "ميكال" كميزان ، و "ميكائل" بهمزة مكسورة بعد الألف بدون ياء و "ميكائيل" بالهمزة والياء .
القول في تأويل قوله تعالى :

[99 ] ولقد أنـزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون

ولقد أنـزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون أي أنزلنا إليك علامات واضحات دالات على نبوتك ، وتلك الآيات هي ما حواه القرآن من خفايا علوم اليهود ومكنونات سرائر أخبارهم ، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل ، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم ، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم ، وبدلوه من أحكامهم التي كانت في التوراة ، فأطلعها الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف من نفسه ولم يدعه إلى إهلاكها الحسد والبغي . إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة ، تصديق من أتى بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات التي وصفت ، من غير تعلم تعلمه من بشر ، ولا أخذ شيء منه عن آدمي .

وحمل الآيات على ما ذكرناه من آيات القرآن المجيد أولى من حملها على سائر المعجزات المأثورة ; لأن الآيات إذا قرنت إلى التنزيل ، كانت أخص بالقرآن ، وقوله "وما يكفر بها إلا الفاسقون" أي : المتمردون من الكفرة ، واللام للعهد ، أي الفاسقون المعهودون ، وهم اليهود . أو للجنس ، وهم داخلون فيه دخولا أوليا .
[ ص: 205 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[100 ] أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون

أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على محذوف يقتضيه المقام ، أي كفروا بالآيات بالبينات ، "وكلما عاهدوا" إلخ . أو أينكرون فسقهم وكلما إلخ ، وقيل : الواو زائدة ، وقيل هي "أو" التي لأحد الشيئين . حركت بالفتح . وقد قرئ شاذا بسكونها . فتكون بمعنى بل . دلت عليه القرينة . أعني قوله : بل أكثرهم لا يؤمنون ترقيا إلى الأغلظ فالأغلظ . قال ابن جني "أو" هذه هي التي بمعنى "أم" المنقطعة ، وكلتاهما بمعنى "بل" موجودة في الكلام كثيرا . أنشد الفراء لذي الرمة :


بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح


وكذا قال في قوله تعالى : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون وعلى الوجه الأول ، فالمقصود من هذا الاستفهام الإنكار ، وإعظام ما يقدمون عليه ، لأن مثل ذلك ، إذا قيل بهذا اللفظ كان أبلغ في التنكير والتبكيت .

ودل بقوله "أوكلما عاهدوا" على عهد بعد عهد نقضوه ونبذوه . بل يدل على أن ذلك كالعادة فيهم . فكأنه تعالى أراد تسلية الرسول عند كفرهم بما أنزل عليه من الآيات ، بأن ذلك ليس ببدع منهم بل هو سجيتهم وعادتهم وعادة سلفهم . على ما بينه في الآيات المتقدمة من نقضهم العهود والمواثيق حالا بعد حال . لأن من يعتاد منه هذه الطريقة لا يصعب على النفس مخالفته ، كصعوبة من لم تجر عادته بذلك .

قال العلامة : واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود ، وكم أخذ الله الميثاق منهم، ومن آبائهم فنقضوا ، وكم عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفوا : الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة والنبذ الرمي بالذمام ، ورفضه . وإسناده إلى فريق منهم ، لأن منهم من لم ينبذه . وفي قوله "بل أكثرهم لا يؤمنون" دفع لما يتوهم من أن النابذين هم الأقلون . قوله تعالى :



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]