تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها)
قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ]. هو محمد بن عبد الله بن عثمان الخزاعي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجه . [ و عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، مر ذكره.
[ حدثنا عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري ، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ عن القاسم بن غنام ]. القاسم بن غنام صدوق مضطرب الحديث، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي .
[ عن بعض أمهاته ]. أي: أمهات القاسم بن غنام ، وهذا على رواية القعنبي . وفي رواية محمد بن عبد الله الخزاعي
[ عن عمة له يقال لها: أم فروة ، ومعنى هذا: أن القاسم بن غنام يروي عن أم فروة وأنها عمة له. وقال الحافظ : لا يعرف اسمها ولا حالها، وأخرج لها أبو داود وحده. [ عن أم فروة ]. أم فروة أنصارية أخرج حديثها أبو داود و الترمذي .
شرح حديث: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد حدثنا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه رضي الله عنه قال: (سأله رجل من أهل البصرة فقال: أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب) قال: أنت سمعته منه -ثلاث مرات-؟ قال: نعم. كل ذلك يقول: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. فقال الرجل: وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق صحابيين أحدهما: عمارة بن رؤيبة ، والثاني: رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم
. قوله: [ سأله رجل من أهل البصرة فقال: أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب) ] أراد بذلك صلاة العصر وصلاة الفجر. قوله: [ أنت سمعته منه -ثلاث مرات-؟ قال: نعم. كل ذلك يقول: سمعته أذناي ووعاه قلبي ] يعني أنه متأكد وأنه ضابط للشيء، ومثل هذه العبارات تدل على الضبط والإتقان، ومثله حديث أبي شريح الخزاعي لما جاء إلى عمرو بن سعيد الأشدق وهو يجهز الجيوش لغزو ابن الزبير فقال: (ائذن لي -أيها الأمير- أن أحدث بحديث سمعته أذناي ووعاه قلبي ورأته عيناي وهو يحدث به...) وذكر حديث حجة الوداع وما قال صلى الله عليه وسلم في يوم النحر من أن الله حرم مكة، فهذا يدل على التثبت.
قوله: [ فقال الرجل: وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ] أي أنه لا أراد أن يتأكد منه أنه سمعه، وعند ذلك قال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: جاء هذا الحديث من طريق صحابيين صحابي معلوم، وهو عمارة بن رؤيبة والصحابي الآخر الذي سأله، وقال: إنه -أيضاً- سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو يتعلق بصلاة الفجر وصلاة العصر والمحافظة عليهما، فهما الصلاتان قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب)
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل بن أبي خالد ]. إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة ]. أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة مقبول، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي.
[ عن أبيه ]. أبوه هو عمارة بن رؤيبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
شرح حديث: (... حافظ على العصرين ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه رضي الله عنهما قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان فيما علمني: وحافظ على الصلوات الخمس. قال: قلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال، فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني. فقال: حافظ على العصرين. وما كانت من لغتنا، فقلت: وما العصران؟! فقال: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها) ]
. أورد أبو داود رحمه الله حديث فضالة الليثي رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما علمني: [ (وحافظ على الصلوات الخمس) ]. قال: قلت: يا رسول الله! إن هذه ساعات لي فيها أشغال؛ فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني. فقال عليه الصلاة والسلام: [ (حافظ على العصرين )]. قال: وما كانت من لغتنا. فقلت: وما العصران يا رسول الله؟ فقال: [ (صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها) ] يعني بذلك صلاتي الفجر والعصر، والحديث -كما ترجم له المصنف- دال على المحافظة على الصلوات.
حيث قال له: [ (حافظ على الصلوات الخمس) ] فلما قال: [ إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع ] أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل الصلوات، وليس المقصود من ذلك أن الصلوات الأخرى يتهاون بها، ولكنه ذكر المحافظة على الجميع، ثم أرشد إلى ما له ميزة وفضل على غيره من الصلوات الخمس، وهما العصر والفجر، وذلك لأن هاتين الصلاتين هما اللتان تجتمع فيهما ملائكة الليل وملائكة النهار الذين ينزلون ويصعدون، ويجتمع الصاعدون والنازلون في صلاة العصر وصلاة الفجر.
ولهذا جاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل هاتين الصلاتين، وهما صلاة العصر وصلاة الفجر. [وما كانت من لغتنا] يعني أنه ما فهم لفظ العصرين، ومن المعلوم أن بعض الكلمات قد تخفى على بعض العرب، ويكون عندهم كلمة مشهورة حيث يكون لها معنى آخر عند بعض القبائل العربية، فلما قال: [ (حافظ على العصرين) ] لم يفهم المراد بهما، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأنهما الفجر والعصر. وقيل للفجر والعصر: العصران تغليباً لإحدى الكلمتين على الأخرى، كما يقال:
العُمَرَان ويراد بذلك أبو بكر و عمر ، ويقال: الأبوان ويراد بذلك الأب والأم، ويقال: القمران ويراد بذلك الشمس والقمر. فيغلب أحد اللفظين فتحصل التثنية به، وإن كانت الكلمة الأخرى تطلق بلفظ آخر، أعني الشمس و أبا بكر والأم والفجر، فصار التغليب لأحد اللفظين فقيل: العصران؛ لأن هذه تكون في أول النهار وهذه في آخره. والعصر هو متكون من الليل والنهار، فقيل لهما: العصران لأن هذه تقع في آخر النهار وهذه تقع في أول النهار.
تراجم رجال إسناد حديث: (... حافظ على العصرين ...)
قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. هو عمرو بن عون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا خالد ] هو خالد بن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي حرب بن أبي الأسود ]. أبو حرب بن أبي الأسود ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن فضالة ]. عبد الله بن فضالة له رؤية، أخرج له أبو داود وحده.
[ عن أبيه ]. أبوه هو فضالة الليثي ، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود .
شرح حديث: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري حدثنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا عمران القطان حدثنا قتادة و أبان كلاهما عن خليد العصري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه، وأدى الأمانة، قالوا: يا أبا الدرداء ! وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة) ] يعني: من جاء بهذه الخمس وهو مؤمن.
لأن أي عمل من الأعمال بدون الإيمان لا عبرة به ولا قيمة له، كما قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، ويحتمل أن يكون المقصود بالإيمان هو التصديق، مثل قوله: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ثم ذكر الخمس : [ (من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن) ] والمقصود من الترجمة قوله: [ (مواقيتهن) ] أي: المحافظة عليها في أوقاتها، ثم ذكر صيام شهر رمضان والحج والزكاة وأداء الأمانة، فهذه هي الخمس. قوله: [ (وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه) ]. يعني أنه يؤديها وهو منشرح الصدر طيبة بها نفسه، ولا يؤديها وهو كاره، أو يؤديها وفي نفسه شيء من إخراجها. وسئل أبو الدرداء عن الأمانة فقال: [ (الغسل من الجنابة) ] والغسل من الجنابة هو جزء من جزئيات الأمانة، وهذا -كما يقولون-: تفسير بالمثال؛ لأنه ليس المقصود بأداء الأمانة الغسل من الجنابة فقط، بل هذا مما هو داخل تحت الأمانة، وهو من النوع الذي يسمونه التفسير بالمثال وليس التفسير بالحصر، وكثير من تفسيرات السلف لآيات القرآن الكريم هي من قبيل اختلاف التنوع،
إما تفسير بالمثال وإما بلفظ مقارب يؤدي المعنى ويوضحه، فإذا جاء هذا بلفظ وهذا بلفظ وهذا بلفظ كان ذلك كله حقاً. إذاً: فقول أبي الدرداء : [ (الغسل من الجنابة) ] هو من الأمثلة التي تندرج تحت أداء الأمانة، وليس المقصود من ذلك أن غسل الجنابة هو الأمانة أو أداء الأمانة؛ لأن أداء الأمانات يكون في حقوق الله عز وجل وحقوق العباد، فهذه كلها أمانات، يقول عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] فهو شامل لكل ما هو أمانة، وليس بمقصور على شيء دون شيء.
تراجم رجال إسناد حديث: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة)
قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري ]. محمد بن عبد الرحمن العنبري ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
[ حدثنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد ] أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمران القطان ]. هو عمران بن داور القطان ، صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و أبان ]. هو أبان بن أبي عياش ، متروك، أخرج له أبو داود وحده.
[ عن خليد العصري ]. هو خليد بن عبد الله العصري منسوب إلى جماعة من بني عبد القيس بن ربيعة ، وهو صدوق يرسل، أخرج حديثه مسلم و أبو داود .
[ عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ]. أم الدرداء هي الصغرى، واسمها هجيمة ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة وأما أم الدرداء الكبرى فليس لها رواية في الكتب الستة، فإذا جاء ذكر أم الدرداء في الكتب الستة فالمقصود بها أم الدرداء الصغرى واسمها هجيمة .
[ عن أبي الدرداء ] وهو عويمر رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (إني فرضت على أمتك خمس صلوات ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا بقية عن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني أخبرني ابن نافع عن ابن شهاب الزهري قال: قال سعيد بن المسيب : إن أبا قتادة بن ربعي رضي الله عنه أخبره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهداً أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وهو حديث قدسي يقول الله عز وجل فيه مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: [ (إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهداً أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي) ] والمقصود منه المحافظة على الصلاة في أوقاتها، والحديث دال على ذلك، وهو من الأحاديث القدسية.
تراجم رجال إسناد حديث: (إني فرضت على أمتك خمس صلوات ...)
قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي ]. حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه.
[ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي ، وهو صدوق كثير التدليس على الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني ]. ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني مجهول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجه.
[ أخبرني ابن نافع ]. ابن نافع هو دويد بن نافع ، مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
[ عن ابن شهاب الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[إن أبا قتادة بن ربعي ]. هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
حكم تأخير الإمام الصلاة عن الوقت
شرح حديث: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت. حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران -يعني الجوني - عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة، -أو قال: يؤخرون الصلاة؟- قلت: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلها فإنها لك نافلة) ]. قوله: [ باب: إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت ] يعني: فما الحكم؟ هل يؤخر المرء الصلاة إلى أن يصلي مع الإمام، أم أنه يصلي الصلاة في وقتها ويصلي معه، وتكون الصلاة الأخيرة نافلة؟ والمقصود بالتأخير عن الوقت هو التأخير عن الوقت الاختياري إلى الوقت الاضطراري، كأن تؤخر صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، وتؤخر صلاة العشاء إلى ما بعد نصف الليل، وليس المقصود التأخير بها عن وقت الصلاة، كأن يؤخرون صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس،
أو العصر يؤخرونه إلى ما بعد الغروب، وإنما المقصود أنهم يؤخرونها عن الوقت الاختياري ويوقعونها في الوقت الاضطراري، والسنة جاءت بأن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها وتكون هي الفريضة، وإذا أدركها معهم فإنه يصليها معهم نافلة، ويكون في ذلك جمع بين الإتيان بالصلاة في وقتها الاختياري وبين جمع الكلمة وعدم الفرقة ومتابعة الأئمة في الصلاة.
فالأولى هي الفريضة والثانية هي النافلة، وكون الإنسان يؤدي الفرض ثم يصلي الصلاة مرة أخرى لسبب من الأسباب كوجود جماعة ثانية لا بأس بذلك؛ لأن السنة جاءت بأن الإنسان إذا صلى صلاة ثم وجدت جماعة فإنه يصلي معها ولو كان ذلك الوقت وقت نهي، مثل بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر، وقد جاء في الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الفجر، فلما صلى رأى رجلين لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما فجيء بهما ترتعد فرائصهما، فقال: (ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا.
فقال: لا تفعلا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه، فإنها له نافلة) أما كون الإنسان يصلي صلاتين متعمداً بحيث يزيد عن الخمس الصلوات فهذا لا يجوز؛ لأن الصلوات خمس، ولكن حيث يصلي الفرض ثم يجد جماعة ويصلي معها فإن تلك تكون له نافلة. إذاً: هذه الصلاة الأخرى إذا كان لها سبب سائغ لا بأس بها ولو كان ذلك في أوقات النهي؛ لأن هذا مما يستثنى من قوله: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس). وقوله [ (أو قال: يؤخرون الصلاة؟) ] هو شك من الراوي، ومعنى: (يميتونها) يؤخرونها عن وقتها الاختياري.
تراجم رجال إسناد حديث: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة ...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي عمران -يعني الجوني -]. أبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن الصامت ]. عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني حسان -يعني ابن عطية - عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قدم علينا معاذ بن جبل رضي الله عنه اليمن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا، قال: فسمعت تكبيرة مع الفجر رجل أجش الصوت، قال: فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتاً، ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده، فأتيت ابن مسعود رضي الله عنه فلزمته حتى مات، فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟! قال: صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو مثل حديث أبي الدرداء أن الأمراء إذا صلوا الصلاة لغير ميقاتها -يعني الاختياري- فينبغي للإنسان أن يصلي الفرض في الوقت ويصلي معهم، وتكون سبحة، يعني: نافلة، ولهذا يقال: (سبحة الضحى) ويقال: (جمع بين الصلاتين ولم يسبح بينهما) أي: ولم يتنفل؛ لأن السبحة هي النافلة.
إذاً: قوله: [ (واجعل صلاتك معهم سبحة) ] يعني: نافلة، وذلك فيه جمع بين المصلحتين: بين مصلحة أداء الصلاة في وقتها، وبين جمع الكلمة وعدم الفرقة ومتابعة الأئمة. قوله: [ (فسمعت تكبيرة مع الفجر رجل أجش) ] يعني: غليظ الصوت. قوله: [ (فألقيت عليه محبتي) يعني: ألقى الله تعالى محبته في قلبه فلازمه حتى مات ودفنه بالشام، ثم بحث عن رجل يكون فقيهاً، فسار إلى عبد الله بن مسعود ولازمه حتى مات، وكان مما حدثه به ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟! )] قال: قلت: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: [ (صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة ) ].
تراجم رجال سناد حديث: (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ ...)
قوله [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي ]. دحيم هذا لقب، فالمصنف رحمه الله ذكر اسمه ولقبه، و(دحيم) مأخوذ من (عبد الرحمن)؛ لأن بعض الألقاب تؤخذ من الأسماء، فيقال: دحيم بن عبد الرحمن، وعباد بن عبد الله، وكذلك عبدان بن عبد الله، وهكذا تجد بعض الألقاب تؤخذ من الأسماء، ودحيم ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
[ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني حسان -يعني ابن عطية -]. حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن سابط ]. عبد الرحمن بن سابط صدوق ثقة، أخرج له مسلم و أصحاب السنن.
[ عن عمرو بن ميمون الأودي ]. عمرو بن ميمون الأودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن مسعود ]. ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صحابي جليل مشهور من فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكانت وفاة معاذ في الشام سنة ثماني عشرة، ووفاة عبد الله بن مسعود سنة اثنتين وثلاثين.
شرح حديث: (إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن ابن أخت عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سفيان -المعنى- عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي عن أَبي أُبيَّ ابن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها. فقال رجل: يا رسول الله! أصلي معهم ؟ قال: نعم إن شئت) وقال سفيان : (إن أدركتها معهم أأصلي معهم؟ قال: نعم إن شئت) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، وهو مثل ما تقدم من الأحاديث، وفيه أن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها إذا أخرها الأمراء عن وقتها الاختياري، وأنه إذا أدركها معهم فإنه يصليها، ولكنها تكون له نافلة. وقوله: [ ( فقال رجل: يا رسول الله أأصلي معهم؟ قال: نعم إن شئت) ] الذي يبدو أنه إذا لم يترتب على تركها معهم مضرة فالأمر إليه؛ لأنه أدى الواجب الذي عليه، ولكن إذا كان يترتب على تركها معهم مضرة فإنه يصلي معهم وتكون له نافلة.
تراجم رجال إسناد حديث: (إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. هو محمد بن قدامة بن أعين المصيصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
[ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ]. هو منصور بن معتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي المثنى ]. هو ضمضم أبو المثنى الأملوكي الحمصي ، وثقه العجلي ، وأخرج له أبو داود و ابن ماجه .
[ عن ابن أخت عبادة بن الصامت ]. في الإسناد الذي سيأتي أنه ابن امرأته، وهو أبو أبي بن أم حرام ، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجه .
[ عن عبادة بن الصامت ] عبادة بن الصامت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [ ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود وحده.
[ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ المعنى ] يعني أن المعنى واحد والألفاظ مختلفة.
[ عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي عن أبي أبي ابن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت ]. قد مر ذكرهم جميعاً.
شرح حديث: (يكون عليكم أمراء بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو هاشم -يعني الزعفراني - حدثني صالح بن عبيد عن قبيصة بن وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث قبيصة بن وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ (يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم) ] أي: إذا كنتم تصلون الصلاة لوقتها وتصلون معهم فهي لكم نافلة وعليهم إثم التأخير؛ لأنهم إن أحسنوا فالإحسان لكم ولهم، وإن أساءوا فالإساءة عليهم وليس عليكم، وقد جاء مثل هذا عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كما جاء في صحيح البخاري في (باب إمامة المفتون والمبتدع) أنه لما كان محصوراً في داره قيل له: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ قال:
يا ابن أخي! الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم). وكذلك ورد في الحديث الآخر مثل هذا الحديث: (يصلون لكم -يعني الأمراء- فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم). وقوله: [ (فصلوا معهم ما صلوا القبلة) ] يعني: ما دام أنهم مسلمون ويصلون إلى القبلة فصلوا معهم.
تراجم رجال إسناد حديث: (يكون عليكم أمراء بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم ...)
قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو هاشم -يعني الزعفراني -]. هو عمار بن عمارة لا بأس به، أخرج حديثه أبو داود .
[ حدثني صالح بن عبيد ]. صالح بن عبيد مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن قبيصة بن وقاص ]. قبيصة بن وقاص صحابي، أخرج حديثه أبو داود ."