عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-02-2022, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بين الشابي وقلبه



والملحوظ في المقطع السابق البداءة في أول الأبيات بضمير الذات (قلبي)، إلا أن هذه الذاتية لم تبق طويلاً حتى التهمت الأمم كلها، ولكنه عاد بعد أن ألقى الريشة والألوان ليرفع اللوحة ويعيد رسم لوحة السعادة التي يرجوها لقلبه، والتي تمثّلت في قيم قلبية مُثلى، ومبادئ روحية كبرى؛ كالرضا والقناعة والصبر.



خُذِ الحياةَ كما جاءتْكَ مبتسمًا

في كفِّها الغارُ، أو في كفِّها العَدَمُ



وارقُصْ على الوَرْد والأشواكِ مُتَّئِدًا

غنَّتْ لكَ الطَّيرُ، أو غنَّتْ لكَ الرُّجُمُ



واعمل كما تأمرُ الدنيَا بلا مضضٍ

والْجَمْ شعورَك فيها، إنها صَنَمُ



فمَن تألَّم لن ترحمَ مضاضتَهُ

وَمَنْ تجلَّدَ لم تَهْزأْ به القِمَمُ



هذي سعادة ُ دُنْيَانا، فكُنْ رجلاً

إِنْ شئْتَها أَبَدَ الآبادِ يَبْتَسِمُ!






هكذا يرى السعادةُ الشابِّيُّ، وهو يلتقي هنا مع حروف مشعَّة، خطها المنفلوطي في رائعته "الفضيلة"، حين قال عن السعادة بأنها "ينبوع يتفجر من القلب، لا غيث يهطل من السماء، وإن النفس الكريمة الراضية البريئة من أدران الرذائل وأقذارها، ومطامع الحياة وشهواتها، سعيدةٌ حيثما حلَّت، في القصر وفي الكوخ، في المدينة وفي القرية، في الأنس وفي الوحشة، في المجتمع وفي العزلة، بين القصور والدُّور وبين الآكام والصخور،.فمن أراد السعادة فلا يسألْ عنها المال والنسب، والفضَّة والذهب، والقصور والبساتين، والأرواح والرياحين، بل يسأل عنها نفسه التي بين جنبيه؛ فهي ينبوع سعادته وهنائه".



وليختم رسالته إلى قلبه بوصية تكاد تكون من المتفق عليه بين الشعراء الرومانسيين، خاصة أدباءَ المهجر كـ"إيليا أبو ماضي"، و"جبران خليل جبران"، ألا وهي هجر صخب المدينة والتلحُّف برداءِ الصمت، والمَبِيت تحت سقف السماء وظل الأشجار؛ فليس الحلم هو ما تراه في المنام؛ بل الحلم هو ما تراه في اليقظة.



وإن أردتَ قضاءَ العيشِ في دَعَةٍ

شعريَّة ٍ لا يغشِّي صفوَها نَدَمُ



فاتركْ إلى النَّاس دُنْياهمْ وضجَّتَهُمْ

وما بَنَوا لِنِظامِ العَيشِ أو رَسَمُوا



واجعلْ حياتَكَ دَوحًا مُزْهرًا نَضِرًا

في عُزْلَةِ الغابِ ينمو ثُمَّ يَنْعَدِمُ



واجعلْ لياليكَ أحلامًا مُغَرِّدةً

إنَّ الحياةَ وما تدوي به حُلُمُ






إن الشابي في مرض وفاته وعندما زاره أحدُ محبِّيه وجلاَّسه، فقال له: أتخشى الموت؟ قال: "لا، ولكن أخاف على هذه"، وأشار إلى ديوانه، أشار إلى ديوانٍ لم تكتمل صفحاتُه بحياة مبدعِه، الذي ما جاوز العقد الثالث بقليل، إلا واستلمتْه يد المنون، أشار إلى ديوان كتب، أشار إلى ذلك الديوان الذي كتبه بدم قلبه لأجل قلبه، لا لأجل أحد سواه، حشد السهل والجبل، والتل والقمر، والطير والبحار، والجداول والأنهار، وقيمًا رفيعة راقية لا تبلَى ولا تخلق مع مر الزمان وتعاقب الأمم والسنين، كيف لا، وكلنا نردِّد بيته الذي يجمع فيه أعظم قوى القلب وهي "قوة الإرادة"؟!



إذا الشعبُ يومًا أرادَ الحياة

فلا بدَّ أن يَستَجِيبَ القَدَر






وصلات المقال:

ديوان الشابي (أغاني الحياة).



مذكرات الشابي.



ديوان المتنبي.



الفضيلة (بول وفرجيني)، رواية صاغها مصطفى لطفي المنفلوطي.



(التكرار وأثره في إنتاج الدلالة.. قراءة في نصوص "أبي القاسم الشابي")؛ معمر الشميري.



برنامج تلفزيوني عن الشاعر على قناة الجزيرة الوثائقية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]