رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 206الى صــ 220
(13)
المجلد الاول
كتاب الصيام
/product/99/051412/1.jpg?4763)
وإن قال: إن كان من رمضان؛ فأنا صائم, وإلا؛ فأنا مفطر؛ لم يجزه بحال, نص عليه في رواية الأثرم. قال: سألت أحمد: تقول: إذا كان في السماء سحابة أو علة أصبح صائماً, فإن لم يكن في السماء علة أصبح مفطراً. ثم قال: كان ابن عمر إذا رأى في السماء سحاباً؛ أصبح صائماً. قلت لأبي عبد الله: فيعتد به؟ قال: كان ابن عمر يعتد به, فإذا أصبح عازماً على الصوم؛ اعتد به ويجزيه. قلت لأبي عبد الله: فإن أصبح متلوماً يقول: إن قالوا: هو من رمضان صمت, وإن قالوا: ليس من رمضان أفطرت. قال: هذا لا يعجبني, يتم صومه ويقضيه؛ لأنه لم يعزم.

وكذلك نقل حرب في يوم الشك إن لم يجمع الصيام ولكنه أصبح يقول: أصوم إن صام الناس, وأفطر إن أفطر الناس, ولم يجمع الصيام, وصام ذلك اليوم؛ فإذا هو من رمضان, يعيد يوماً مكانه.
وإن قال: أنا غداً صائم من رمضان أو من نقل؛ لم يجزه عن رمضان؛ إنْ تبين أنه منه؛ إلا على القول بإجزاء الفرض بنية النفل؛ لأنه شرَّك بين الفرض والنفل في النية.
وإن قال في سائر الأيام: أنا صائم غداً قضاءً أو تطوعاً, وقع تطوعاً.
باب في أحكام المفطرين في رمضان
مسألة:
ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به والمسافر الذي له الفطر؛ فالفطر لهما أفضل, وعليهما القضاء, وإن صاما أجزأهما.
في هذا الكلام فصول:
أحدها: أن المريض والمسافر يباح لهما الفطر:
لقوله سبحانه وتعالى: {. . . كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
ثم قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة: 183 - 185].
وقد استفاضت الأحاديث عن رسول الله صلى اله عليه وسلم بإباحة الصوم للمسافر؛ فالمريض أولى, وهذا مما أجمع عليه المسلمون في الجملة.

الفصل الثاني: أن السفر المبيح للفطر هو السفر المبيح للقصر على ما مضى؛ لأن ابن عمر وابن عباس كانا يقصران في أربعة برد فما فوق ذلك.
ولأن السفر المطلق هو السفر الذي يتكرر فيه الشد والحل, وذلك هو مسافة القصر, وأما المريض المبيح؛ قال ابن أبي موسى والخرقي: هو الذي يزيد في مرضه.
وكذلك المريض الذي لا يطيق الصيام أو الذي يزيد الصوم في مرضه؛ له أن يفطر, وإن تحمَّل وصام وأجزأه.
قال في رواية صالح: والمريض يفطر إذا لم يستطع. قيل: مثل الحُمَّى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى؟
وقال في رواية عبد الله: إذا كان تخاف المرأة اللوزتان تفطر إذا كانت تخاف على نفسها.
وقال أبو بكر: والمريض إذا خشي على نفسه أو على بعض أعضائه التلف يفطر.
وإذا احتاج إلى أن يفطر ببعض أسباب الفطر جاز له غيره مثل أن يحتاج إلى كحل عينه أو إلى الجماع لإزالة الشبق.
وهل يُخرَّج على هذا فطر المسافر بالجماع ويفرق بين من جاز له الفطر وحرم عليه؟
قال فيما إذا احتاج إلى مداواة عينه: يفطر ويعالجها.
وفي معنى المريض الصحيح الذي يخاف من الصوم مرضاً أو جهداً شديداً, مثل مَنْ به عطاش لا يقدر في الحر على الصوم, وهو يقدر عليه في الشتاء, أو امرأة قد حاضت والصوم يجهدها.
قال في رواية ابن هانئ: الجارية تصوم إذا حاضت, فإن أجهدها فلتفطر ولتقض.
قال أصحابنا: ولا كفارة في ذلك بخلاف الحامل.
قال القاضي: إن كانت تخاف المرض بالصيام؛ جاز لها الفطر, وإن لم تخف من المرض, لم يبح لها الفطر؛ لأن هذا نادر ليس بمعتاد لخوف المشقة فيه, وكلام أحمد يقتضي. . . .
وإن خاف من الصوم ضعفاً عن عدوه في الحضر أو لم يقدر على تحصيله. . . .
الفصل الثالث: أن المريض يستحب له الفطر, ويكره له الصوم, فإن صام؛ أجزأه.
170 - عن أبي العلاء بن الشخير, عن عائشة: «أنه أجهدها العطش وهي صائمة, فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفطر وتقضي مكانه يومين». رواه حرب بإسناد جيد, وكذلك المسافر يستحب له الفطر ويجزيه.
قال أبو عبد الله في رواية المروذي: قد سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم, وقالوا: كان منا الصائم ومنا المفطر. والذي نختار أن يفطر, وإن صام في السفر؛ أجزأه. قال أبو سعيد: «سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم, فمنا الصائم ومنا المفطر, ولم يعب الصائم على المفطر, ولا المفطر على الصائم».
وحديث عمر ليس له إسناد.
ولكن حديث ابن عباس: «لما بلغ الكديد أفطر» , وهو آخر الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم, وكذا بأمره بالإِفطار.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس من البر الصوم في السفر».

وقال في رواية حنبل: لا يعجبني الصيام في السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:171 - 172 - «ليس من البر الصوم في السفر» , وكان عمر وأبو هريرة يأمرانه بالإِعادة.
ويتوجه أن لا يكره إذا لم يكن فيه مشقة, ولا فعله تعمقا, وإنما جاز له الأمران.
173 - لما روى أبو سعيد وجابر؛ قالا: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض». رواه مسلم.
174 - وعن أبي سعيد؛ قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان, فمنا من صام, ومنا من أفطر, فلم يعب الصائم على المفطر, ولا المفطر على الصائم». رواه أحمد ومسلم والترمذي.
وفي رواية: «كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان, فمنا الصائم, ومنا المفطر, فلم يجد الصائم على المفطر, ولا المفطر على الصائم».
يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن, ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن.
175 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يعب الصائم على المفطر, ولا المفطر على الصائم». أخرجاه في «الصحيحين».
176 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر؟ فقال: «إن شئت فصم, وإن شئت فأفطر».
وفي رواية: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أصوم في السفر؟ وكان كثير الصوم, فقال: «إن شئت فصم, وإن شئت فأفطر». رواه الجماعة.
وفي رواية؛ قال: يا رسول الله! إني رجل أسرد الصوم.
177 - وعن أبي الدرداء؛ قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد, حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر, وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة». رواه الجماعة إلا النسائي والترمذي.
ولأنه صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح صام في رمضان حتى بلغ الكديد, ثم أفطر حتى قدم مكة, فصام في السفر وأفطر. وقد تقدم.

178 - ولهذا قال ابن عباس: «لا يعب على من صام في السفر, ولا على من أفطر؛ فقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر».
وفي لفظ: «صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فمن شاء صام, ومن شاء أفطر». متفق عليه.
وإنما اخترنا له الفطر لقوله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] , ولأنه آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أفطر في أثناء غزوة الفتح, ثم لم يزل مفطراً, ثم لم يسافر بعدها في رمضان, وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا كانت الأحوال التي في آخر عمره أفضل من الأحوال التي في أول عمره.
179 - وعن معمر بن أبي حبيبة: أنه سأل سعيد بن المسيب عن الصيام في السفر, فحدثه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين في شهر رمضان يوم بدر ويوم الفتح, فأفطرنا فيهما». رواه أحمد والترمذي, وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
180 - وعن حمزة بن عمرو الأسلمي؛ أنه قال: يا رسول الله! أجد مني قوة على الصوم في السفر, فهل عليَّ جناح؟ فقال: «هي رخصة من الله, فمن أخذ بها فحسن, ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه». رواه مسلم والنسائي.
ورواه أبو داوود ولفظه: قلت: يا رسول الله! إني صاحب ظهر أعالجه, أسافر عليه وأكريه, وإني ربما صادفني هذا الشهر (يعني: رمضان) , وأنا أجد القوة, وأنا شاب, فأجد بأن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخره فيكون ديناً, أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال «أي ذلك شئت يا حمزة».

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه به قوة على الصوم, وأنه أيسر عليه من الفطر, وخيَّره النبي صلى الله عليه وسلم, وقال: «هي رخصة من الله, من أخذ بها فحسن» , والحسن هو المستحب, «ومن أحب أن يصوم؛ فلا جناح عليه» , ورفع الجناح إنما يقتضي الإباحة فقط, وهذا بين لمن تأمله.
181 - وعن جابر بن عبد الله؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, فرأى زحاماً, ورجل قد ظلل عليه, فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم. فقال: «ليس من البر الصيام في السفر». رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية النسائي: «عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها».
182 - وعن كعب بن عاصم الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من البر الصيام في السفر». رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
قال سفيان بن عيينه: تفسيره: ليس من صام بأبر ممن فطر.
183 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ليس من البر الصوم في السفر». رواه الأثرم.
والبر هو العمل الصالح, فقد بين أن الصوم في السفر ليس بعمل صالح, بل هو من المباح؛ فلا حاجة بالإنسان إلى أن يجهد نفسه به.
184 - وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مرض العبد أو سافر؛ يقول الله عز وجل لملائكته: اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح مقيم». رواه البخاري:
فإذا سافر في رمضان وأفطر؛ كتب له صوم رمضان, ثم إذا قضاه؛ كتب له صوم القضاء؛ فلا يكون في الصوم زيادة فضل.
ولا يصح أن يقال: إنما هذا فيمن شق عليه الصوم في السفر, لأن الحديث خارج على هذا السبب؛ لأنه قد روي مبتدأ غير خارج على سبب.
ولأن اللفظ عام, لا يجب قصره على سببه؛ بل يحمل على عمومه.

ولأن التظليل ليس فيه دليل على المشقة التي تضره حتى يجب معها الفطر.
ولأنه لو كان ذلك لأجل المشقة خاصة؛ لكان الصوم إثماً, ولقيل: إن من الإِثم الصوم في السفر, فإن نفي البر ليس يلزم منه وجود الإِثم, لأن بينهما مرتبة ثالثة.
ولأنه قد قال في الحديث: «عليكم برخصة الله التي أرخص لكم فاقبلوها» , والرخصة عامة لجميع الناس.
ولأنه لما كان الصوم في الجملة مظنة المشقة؛ بيَّن أنْ لا برَّ في الصوم فيه لإِفضائه إلى هذا الضر, وإن تخلف عنه في بعض الصور.
185 - وأيضاً؛ تقدم ما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن الله يحب أن تؤتى رخصة كما يكره تؤتى معصيته». رواه أحمد وابن خزيمة في «صحيحه».

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|