السراج الوهاج من مشاهد الإسراء والمعراج
السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حديثنا اليوم بحول الله وطوله عن "السراج الوهاج من مشاهد الإسراء والمعراج"، لنقف مع تلك المشاهد لنشاهدها من خلال رؤية النبي صل الله عليه وسلم لنأخذ من الدروس وعبرة، والله تعالى علل رحلة الإسراء بالرؤية، فقال سبحانه: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
وقوله تعالى: ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ بيان لحكمة الله في إسرائه بخاتم أنبيائه ورسله، وقد أعاد كتاب الله الحديث عن هذه الحكمة في سورة النجم، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [الآية: 18]، وكم في السماوات وحدها من عجائب وآيات.
﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾؛ أي: كي نرى عبدنا محمدًا من عبرنا وأدلتنا، ما فيه البرهان الساطع والدليل القاطع على وحدانيتنا وعِظم قدرتنا.
﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾؛ أي إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة فِي سرى محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، البصير بما يفعلون، لا تخفى عليه خافية من أمرهم، ولا يعزُب عنه شيء فِي الأرض ولا فِي السماء، فهو محيط به علمًا، ومحصيه عددًا، وهو لهم بالمرصاد، وسيجزيهم بما هم له أهل.
فهيَّا أيها الكرام لنشاهد تلك المشاهد...
أولًا: مشهد آكلي لحوم البشر:
أيها الأحباب، من مشاهد المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مشهد آكلي لحوم البشر الذين يقعون في أعراضهم ويغتابونهم؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا عُرِجَ بِي عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ"[1].
إنها كبيرة الغيبة التي صارت فاكهة المجالس وحديث الجالس، عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ "، قالوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: "ذِكْرُكَ أخَاكَ بِما يَكْرَهُ "، قِيلَ: أفَرَأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أقُولُ؟ قَالَ: "إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فقد اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ"[2].
وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلْتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا - قَالَ بعضُ الرواةِ: تَعْنِي قَصيرَةً - فقالَ: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ!"، قالت: وَحَكَيْتُ لَهُ إنْسَانًا فَقَالَ: "مَا أُحِبُّ أنِّي حَكَيْتُ إنْسانًا وإنَّ لِي كَذَا وَكَذَا"[3]، ومعنى: ((مَزَجَتْهُ)): خَالَطَتْهُ مُخَالَطَةً يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لِشِدَّةِ نَتْنِها وَقُبْحِهَا، وهذا الحَديثُ مِنْ أبلَغِ الزَّواجِرِ عَنِ الغِيبَةِ، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3-4].
قال البخاري: ما اغتبت أحدًا منذ علمت أن الغيبة حرام.
قال يحيي بن معاذ: "ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه".
واغتاب رجل عند معروف الكرخي، فقال له: "اذكر القطن إذا وضع على عينيك".
وقيل للربيع بن خثيم: "ما نراك تعيب أحدًا؟ فقال: لست عن نفسي راضيًا فأتفرغ لذم الناس".
وقال ابن المبارك: "لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ لأنهما أحقُّ بحسناتي".
ثانيًا: مشهد الخطباء الذين يقولون ما لا يفعلون:
ومن مشاهد الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الخطباء الذين يقولون ما لا يفعلون، فيأمرون الناس بالبر وهم من أبعد الناس عنه، وينهونهم عن الإثم وهم مِن أحرص الناس عليه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالْكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ لجبريل: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وينسون أنفسهم وهو يَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ!؟"[4].
وهذا فيه الوعيد الشديد على مَن كان يقول الخير ويأمر به ولا يفعله، وقوله: (تُقرض شفاههم بمقاريض من نار)، هذا وعيد شديد يدل على أن هذا من الكبائر، والله تعالى نهى من يقول ولا يفعل؛ قال الله تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:44]، أنكر على اليهود كونهم يأمرون الناس بالخير وينسون أنفسهم، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف:2 - 3].
وقال سبحانه عن نبيه شعيب: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [هود:88].
ثالثًا: مشهد الخشية:
معاشر الموحدين، من مشاهد المعراج مشهد الخشية من الله تعالى، ويظهر ذلك المشهد في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خشاع لله تعالى كالحلس البالي من خشية الله تعالى، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى وَجِبْرِيلُ كَالْحِلْسِ الْبَالِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ"[5].
أما الحلس فهو كساء يبسط ويفرش في أرض البيت، وهو قماش رقيق يوضع على ظهر البعير تحت قتبه، فشبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل عليه السلام بالحلس برؤيته لاصقًا بما تلبس به من هيبة الله تعالى، وشدة فرقه منه، فالسر في هذا التشبيه هو أن الحلس يلصق بالأرض، أو يلصق بظهر البعير، وكذلك هذا الخوف وهذه الخشية من الله سبحانه وتعالى لصيقة بجبريل عليه السلام تمامًا كلصوق الحلس بالأرض، أو بظهر البعير.
وتلك الخشية التي تلبس بها جبريل عليه السلام هي التي ترقيه في مدارج التبجيل والتعظيم، حتى دعي في التنزيل بأنه الرسول الكريم، وعلى قدر خوف العبد من ربه سبحانه وتعالى يكون قربه، فلأن جبريل عليه السلام شديد الخوف والخشية والهيبة لله سبحانه وتعالى فلذلك كان قريبًا معظمًا عند الله سبحانه وتعالى.
رابعًا: مشهد الفطرة:
أيها الإخوة الكرام، هنا مشهد آخر ألا وهو مشهد الاختبار؛ حيث عرض على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقداح؛ كما في حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعت لي السدرة، فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان، فأما الظاهران فالنيل والفرات، وأما الباطنان فنهران في الجنة وأتيت بثلاثة أقداح، قدح فيه لبن وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن، فقيل لي: أَصبت الفطرة)[6].
قال النووي: ألْهَمه الله تعالى اختيار اللبن، لما أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمة واللطف بها؛ اهـ.
قال ابن المنير: لم يذكر السر في عدوله عن العسل إلى اللبن، كما ذكر السر في عدوله عن الخمر، ولعل السر في ذلك كون اللبن أنفع، وبه يشتد العظمُ، وينبت اللحم، وهو بمجرده قوت، ولا يدخل في السرف بوجه، وهو أقرب إلى الزهد، ولا منافاة بينه وبين الورع بوجه، والعسل وإن كان حلالًا، لكنه من المستلذات التي قد يخشى على صاحبها أن يندرج في قوله تعالى: ﴿ أذهبتم طيباتكم ﴾ [الأحقاف: 20]، قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون السر في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قد عطش، فآثر اللبن لما فيه من حصول حاجته، دون الخمر والعسل، فهذا هو السبب الأصلي في إيثار اللبن، وصادف مع ذلك رجحانه عليهما من عدة جهات؛ اهـ[7].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: جَاءَ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء لَمَّا أَخَذَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَن قِيلَ لَهُ: أَصَبْت الْفِطْرَة... وَحَيْثُ جَاءَتْ الْفِطْرَة فِي كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمُرَاد بِهَا فِطْرَة الْإِسْلَام لَا غَيْر.
خامسًا: مشهد الوصية بالحجامة:
إخوة الإسلام، من مشاهد الإسراء مشهد وصية الملائكة لخير البرية صلى الله عليه وسلم؛ حيث شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الملائكة وأوصوه بالحجامة لعظيم فوائدها ونفعها، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِمَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا كُلُّهُمْ يَقُولُ لِي: عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ يَا مُحَمَّدُ"[8]، وفي رواية: "يَا مُحَمَّدُ، مُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ"[9].
عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ"[10].
سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُم"[11].
وعن جابر َبن عبدالله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ"[12].
سادسًا: مشهد أكل الربا:
ومن مشاهد الإسراء رأى سيد الأصفياء صل الله عليه وسلم أكلة الربا وهم يعذبون ويسبحون في نهر من الدم الربا الذي أصبح الأن أمرا عاديا يستهين بأكلها كثير من الأخيار وهم يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.... عَنْ سَمُرةَ بنِ جُنْدبٍ -رضي الله عنه -أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "رأيتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي رجلًا يسبحُ في نهرٍ ويُلْقَمُ الحجارةَ، فسألْتُ ما هذا؟ فقِيلَ لي آكلُ الرِّبا"[13].
وإنما عُوقِبَ آكلُ الربا بسباحتِه في النهرِ الأحمرِ كالدمِ؛ لأنَّ أصلَ الربا يجرِي في الذهبِ، والذهبُ أحمرُ، وأما إلقَامُ الملكِ له الحجارةَ، فإنه إشارةٌ إلى أن هذا الربا لم يُغن عنه شيئًا، فإنَّ صاحبَ الربا يتخيَّلُ أن مالَه يزدادُ، والله ماحِقُه ومُهلِكُه، فأنصحك ونفسي يا أخي بتجنُّبِ المعاملاتِ الرَّبويَّة حتى لا تُلقَم الأحجارَ الملتهبةَ في فمِك، واصبِر على ألمِ الجوعِ، واعلم أنَّ الذي خلقَك لا شكَّ رازِقُك، فإنَّ الله تعالى لَمَّا خلقَ الخلقَ قدَّرَ أرزاقَهم وقُوْتَهم، قالا: "وأمَّا الرجلُ الكَرِيهُ المرآةِ الذي عند النارِ يَحشُّها ويسعَى حولَها، فإنَّه مالكٌ خازنُ جهنَّم".
وإنما كانَ خازنُ جهنمَ كريه المرآةِ؛ لأنَّ في ذلك زيادةٌ في عذابِ أهلِ النارِ، فييئَسُون منه وينقطِعُ رجاؤهم فيه، ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77].
سابعًا: مشهد السبعون ألف:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَمُرُّ بِالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ» وَمَعَهُمُ الْقَوْمُ، وَالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَمَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ، حَتَّى مَرَّ بِسَوَادٍ عَظِيمٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: مُوسَى وَقَوْمُهُ، وَلَكَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَانْظُرْ، قَالَ: فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَمِنْ ذَا الْجَانِبِ، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَسِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَدَخَلَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْ لَهُمْ فَقَالُوا: نَحْنُ هُمْ، وَقَالَ قَائِلُونَ: هُمْ أَبْنَاءُ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ"[14].
فلقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن النبي من الأنبياء سوف يأتي يوم القيامة ومعه رجل واحد من قومه قد آمن به وبدعوته ورسالته، ونبي آخر معه رجلان وثالث معه الرُّهَيط هُوَ بِضَمِّ الرَّاء تَصْغِير الرَّهْط، وَهِيَ الْجَمَاعَة دُون الْعَشَرَة، ورابع ليس معه أحد، ومع هذا لم يثبت أن أحدًا منهم لم يترك الدعوة إلى الله، ولم يتخل عن الرسالة التي أمره الله بتبليغها.
فالمسلم لا يتخلى عن أداء رسالته في الحياة مهما كانت الصعاب والمصاحب، فاليأس لا يتسلل إلى قلبه أبدًا.
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.
يتبع