عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-02-2022, 04:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,667
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السراج الوهاج من مشاهد الإسراء والمعراج

الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:



فثامنًا: مشهد رائحة ماشطة ابنة فرعون: إخوة الإسلام، من هذه المشاهد مروره صلى الله عليه وسلم على رائحة ماشطة ابنة فرعون، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلادِهَا"، قَالَ: "قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ؛ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَتَدْفِنَنَا. قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الحَقِّ"، قَالَ: "فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، كَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ، اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ"[15].








فهذا تخليد عجيب لذكرى امرأة بسيطة كانت تعمل خادمة في قصر فرعون زعيم البلاد وملكها، ليخبرنا الله تعالى أن المجد الحقيقي هو مجد الآخرة، فهذه امرأة قد بلغت الدرجات العلا، حتى وصل الأمر إلى أن يختارها الله سبحانه لتكون برائحتها الطيبة إحدى محطات تكريم خير الخلق صلى الله عليه وسلم، بينما كان مصير مَلِك البلاد فرعون ما نعرفه جميعًا من سوء العذاب.







تاسعًا: الوصية الإبراهيمية:



ثم كان اللقاء بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام في السماء السابعة؛ حيث رآه مُسنِدًا ظهره إلى البيت المعمور - كعبة أهل السماء - الذي يدخله كلَّ يوم سبعون ألفًا من الملائكة لا يعودون إليه أبدًا، وهناك استقبل إبراهيم عليه السلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له؛ عَنِ ‌ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ» لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، ‌وَأَخْبِرْهُمْ ‌أَنَّ ‌الْجَنَّةَ ‌طَيِّبَةُ ‌التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ[16].







بمجرد أن يسمع المسلم قول أبينا إبراهيم: (يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام)، فإنه يشعر بشيء من حنين الانتماء والصلة، إنه أبونا إبراهيم مهتم بنا، ويوصل سلامه لنا عبر محمد صلى الله عليهما وسلم.







إنه أبونا إبراهيم يسلِّم علينا، وهو أبونا بنص القرآن ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج:78]، وفي معنى الأبوة ها هنا أقوال ذكرها أهل التفسير..







أيُّ إحساس بالأهمية والمكانة يشعر به المسلم وهو يقرأ أن إبراهيم خليل الله مهتم بالسلام عليه؟!







وثمة بُعد آخر في منزلة هذه الوصية، وهي أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ ارتحل الآن إلى ربه، وهو الآن أخبر ما يكون بأنفع شيء لمن لم يَمُت بعدُ، فتخيل أن رجلًا ذهب إلى الله، ثم يرسل لك وصية بعد أن انتقل عن الدنيا؟ فكيف ستكون أهمية وصيته؟







وصلت إليكم معشر الأمة رسالةٌ من أبيكم إبراهيم مع نبيكم محمد عليهما السلام، فعليك صلوات الله وسلامه خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة وأزكى السلام.







عاشرًا مشهد السدرة:



ومن أجل صور التكريم أن صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلة ومكان لم يصل إليه أحد من الخلق، ألا وهو سدرة المنهى: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ [النجم: 13 - 16].







إنها اللحظة الوحيدة في الرحلة التي عاشاها رسول الله صلى الله عليه وسلم دون صحبة جبريل عليه السلام، فالمستوى الذي رُفِع إليه الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُسمَح لأحد من البشر أو الملائكة أن يقترب منه! هنا كان اللقاء في سدرة المنتهى شجرة عظيمة في السماء السابعة، وهي حَدٌّ فاصل لا يتجاوزه أحد، فهي المنتهى لكل رحلة، إلا رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم! يقول النووي: سُمِّيَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى؛ لأَنَّ عِلْمَ الْمَلاَئِكَةِ يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَحَدٌ إِلا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[17].







زيارة سدرة المنتهى:



يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى"[18].







وقال في رواية أخرى: "فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا"[19].







ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا"، قَالَ: ﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ [النجم: 16]، قَالَ: "فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ"[20].







[1] مسند أحمد ط الرسالة (21/ 53)، وأخرجه أبو داود (4878)، و(4879)، وابن أبي الدنيا في "الصمت"، (577)، والطبراني في "الأوسط" (8)، وفي "الشاميين" (932).




[2] أخرجه: مسلم 8/21 (2589) (70).




[3] أخرجه: أبو داود (4875)، والترمذي (2502).




[4] حسن صحيح - «الصحيحة» (291)، «تخريج فقه السيرة» (138).




[5] أخرجه الطبراني في الأوسط (5/64، رقم 4679) قال الهيثمي (1/78): رجاله رجال الصحيح، وأخرجه أيضًا: ابن أبي عاصم (1/276، رقم 621).




[6] أخرجه البخاري (5/2128، رقم 5287).




[7] فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 175).




[8] أخرجه أحمد (3316)، والترمذي (2053)، والحاكم 4/ 209، وعبد بن حميد (574)، والعقيلي 3/ 136، والطبراني (11887)، وابن ماجه (3477) (حسن)؛ انظر حديث رقم: 3332 في صحيح الجامع.




[9] أخرجه ابن ماجه (3479)، (ت) 2052، صحيح الجامع: 5671، وصحيح الترغيب والترهيب: 3462.




[10] أخرجه البخاري في صحيحه (5269).




[11] أخرجه البخاري (5263) وفي مسلم (2952).




[12] أخرجه البخاري (6583) ومسلم (2205).




[13] رواه البخاري 10 / 179 في الطب، باب من لم يرق، وباب من اكتوى أو كوى غيره، وفي الأنبياء، باب وفاة موسى، وفي الرقاق، باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وباب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب، ومسلم رقم (220).





[14] أخرجه الترمذي 2446 وقال: "هذا حديث حسن صحيح".




[15] أحمد (2822)، واللفظ له، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وابن حبان (2904)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي، وأبو يعلى (2517)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح، والحاكم (3835)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والطبراني: المعجم الكبير (12308).




[16] الترمذي في السنن 5/ 510، كتاب الدعوات (49)، باب (59)، وهو ما يلي باب ما جاء في فضل التسبيح (58).




[17] النووي: المنهاج 2 /214.




[18] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب المعراج، (3674).




[19] مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، (162).




[20] مسلم: كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى (173).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]