
28-02-2022, 09:46 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,591
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 294 الى صــ 299
الحلقة (49)
قوله تعالى وكلا منها رغدا حذفت النون من " كلا " لأنه أمر ، وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ، وحذفها شاذ . قال سيبويه : من العرب من يقول أؤكل ، فيتم . يقال منه : أكلت [ ص: 293 ] الطعام أكلا ومأكلا . والأكلة ( بالفتح ) : المرة الواحدة حتى تشبع . والأكلة ( بالضم ) : اللقمة ، تقول : أكلت أكلة واحدة ، أي لقمة ، وهي القرصة أيضا . وهذا الشيء أكلة لك ، أي طعمة لك . والأكل أيضا ما أكل . ويقال : فلان ذو أكل إذا كان ذا حظ من الدنيا ورزق واسع . رغدا نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا رغدا . قال ابن كيسان : ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال . وقال مجاهد : رغدا أي لا حساب عليهم . والرغد في اللغة : الكثير الذي لا يعنيك ، ويقال : أرغد القوم ، إذا وقعوا في خصب وسعة . وقد تقدم هذا المعنى . " حيث " مبنية على الضم ; لأنها خالفت أخواتها الظروف في أنها لا تضاف ، فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا فضمت . قال الكسائي : لغة قيس وكنانة الضم ، ولغة تميم الفتح . قال الكسائي : وبنو أسد يخفضونها في موضع الخفض ، وينصبونها في موضع النصب ، قال الله تعالى : سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وتضم وتفتح .
ولا تقربا هذه الشجرة الهاء من " هذه " بدل من ياء الأصل ; لأن الأصل هذي . قال النحاس : ولا أعلم في العربية هاء تأنيث مكسورا ما قبلها إلا هاء هذه ومن العرب من يقول : هاتا هند ، ومنهم من يقول : هاتي هند . وحكى سيبويه : هذه هند ، بإسكان الهاء . وحكى الكسائي عن العرب : ولا تقربا هذي الشجرة . وعن شبل بن عباد قال : كان ابن كثير وابن محيصن لا يثبتان الهاء في " هذه " في جميع القرآن . وقراءة الجماعة " رغدا " بفتح الغين . وروي عن ابن وثاب والنخعي أنهما سكنا الغين . وحكى سلمة عن الفراء قال يقال : هذه فعلت وهذي فعلت ، بإثبات ياء بعد الذال . وهذ فعلت ، بكسر الذال من غير إلحاق ياء ولا هاء . وهاتا فعلت . قال هشام ويقال : تا فعلت . وأنشد :
خليلي لولا ساكن الدار لم أقم بتا الدار إلا عابر ابن سبيل
قال ابن الأنباري : وتا بإسقاط ها بمنزلة ذي بإسقاط ها من هذي ، وبمنزلة ذه بإسقاط ها من هذه . وقد قال الفراء : من قال هذ قامت - لا يسقط ها ; لأن الاسم لا يكون على ذال واحدة .
( فتكونا ) عطف على ( تقربا ) فلذلك حذفت النون . وزعم الجرمي أن الفاء هي الناصبة ، وكلاهما جائز .
قوله تعالى : فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين
[ ص: 294 ] قوله تعالى : فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه
فيه عشر مسائل : الأولى : قوله تعالى : فأزلهما الشيطان عنها قرأ الجماعة فأزلهما بغير ألف ، من الزلة وهي الخطيئة ، أي استزلهما وأوقعهما فيها . وقرأ حمزة " فأزالهما " بألف ، من التنحية ، أي نحاهما . يقال : أزلته فزال . قال ابن كيسان : فأزالهما من الزوال ، أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية .
قلت : وعلى هذا تكون القراءتان بمعنى ، إلا أن قراءة الجماعة أمكن في المعنى . يقال منه : أزللته فزل . ودل على هذا قوله تعالى : إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ، وقوله : فوسوس لهما الشيطان والوسوسة إنما هي إدخالهما في الزلل بالمعصية ، وليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان ، إنما قدرته على إدخاله في الزلل ، فيكون ذلك سببا إلى زواله من مكان إلى مكان بذنبه . وقد قيل : إن معنى أزلهما من زل عن المكان إذا تنحى ، فيكون في المعنى كقراءة حمزة من الزوال . قال امرؤ القيس :
يزل الغلام الخف عن صهواته ويلوي بأثواب العنيف المثقل
وقال أيضا :
كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل
الثانية : قوله تعالى : فأخرجهما مما كانا فيه إذا جعل أزال من زال عن المكان فقوله : ( فأخرجهما ) تأكيد وبيان للزوال ، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنة ، وليس كذلك ، وإنما كان إخراجهما من الجنة إلى الأرض ، لأنهما خلقا منها ، وليكون آدم خليفة في الأرض . ولم يقصد إبليس - لعنه الله - إخراجه منها وإنما قصد إسقاطه من مرتبته وإبعاده كما أبعد هو ، فلم يبلغ مقصده ولا أدرك مراده ، بل ازداد سخنة عين وغيظ نفس وخيبة ظن . قال الله جل ثناؤه : ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فصار عليه السلام خليفة الله في أرضه بعد أن كان جارا له في داره ، فكم بين الخليفة والجار صلى الله عليه وسلم . ونسب ذلك إلى إبليس ; لأنه كان بسببه وإغوائه . ولا خلاف بين أهل التأويل وغيرهم أن إبليس كان متولي إغواء آدم ، واختلف في الكيفية ، فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء أغواهما مشافهة ، ودليل ذلك قوله تعالى : وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين والمقاسمة ظاهرها المشافهة . وقال بعضهم ، وذكره عبد الرزاق عن وهب بن منبه : دخل الجنة في فم الحية وهي [ ص: 295 ] ذات أربع كالبختية من أحسن دابة خلقها الله تعالى بعد أن عرض نفسه على كثير من الحيوان فلم يدخله إلا الحية ، فلما دخلت به الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى الله آدم وزوجه عنها فجاء بها إلى حواء فقال : انظري إلى هذه الشجرة ، ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها فلم يزل يغويها حتى أخذتها حواء فأكلتها . ثم أغوى آدم ، وقالت له حواء : كل فإني قد أكلت فلم يضرني ، فأكل منها فبدت لهما سوءاتهما وحصلا في حكم الذنب ، فدخل آدم في جوف الشجرة ، فناداه ربه : أين أنت ؟ فقال : أنا هذا يا رب ، قال : ألا تخرج ؟ قال : أستحي منك يا رب ، قال : اهبط إلى الأرض التي خلقت منها . ولعنت الحية وردت قوائمها في جوفها وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم ، ولذلك أمرنا بقتلها ، على ما يأتي بيانه . وقيل لحواء : كما أدميت الشجرة فكذلك يصيبك الدم كل شهر وتحملين وتضعين كرها تشرفين به على الموت مرارا . زاد الطبري والنقاش : وتكوني سفيهة وقد كنت حليمة . وقالت طائفة : إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد ما أخرج منها وإنما أغوى بشيطانه وسلطانه ووسواسه التي أعطاه الله تعالى ، كما قال صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . والله أعلم . وسيأتي في الأعراف أنه لما أكل بقي عريانا وطلب ما يستتر به فتباعدت عنه الأشجار وبكتوه بالمعصية ، فرحمته شجرة التين ، فأخذ من ورقه فاستتر به ، فبلي بالعري دون الشجر . والله أعلم . وقيل : إن الحكمة في إخراج آدم من الجنة عمارة الدنيا .
الثالثة : يذكر أن الحية كانت خادم آدم عليه السلام في الجنة فخانته بأن مكنت عدو الله من نفسها وأظهرت العداوة له هناك ، فلما أهبطوا تأكدت العداوة وجعل رزقها التراب ، وقيل لها : أنت عدو بني آدم وهم أعداؤك وحيث لقيك منهم أحد شدخ رأسك . روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خمس يقتلهن المحرم فذكر الحية فيهن . وروي أن إبليس قال لها : أدخليني الجنة وأنت في ذمتي ، فكان ابن عباس يقول : أخفروا ذمة إبليس . وروت ساكنة بنت الجعد عن سراء بنت نبهان الغنوية قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اقتلوا الحيات [ ص: 296 ] صغيرها وكبيرها وأسودها وأبيضها فإن من قتلها كانت له فداء من النار ومن قتلته كان شهيدا . قال علماؤنا : وإنما كانت له فداء من النار لمشاركتها إبليس وإعانته على ضرر آدم وولده ، فلذلك كان من قتل حية فكأنما قتل كافرا . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا . أخرجه مسلم وغيره .
الرابعة : روى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم : بمنى فمرت حية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقتلوها ) فسبقتنا إلى جحر فدخلته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتوا بسعفة ونار فأضرموها عليه نارا . قال علماؤنا : وهذا الحديث يخص نهيه عليه السلام عن المثلة وعن أن يعذب أحد بعذاب الله تعالى ، قالوا : فلم يبق لهذا العدو حرمة حيث فاته حتى أوصل إليه الهلاك من حيث قدر . فإن قيل : قد روي عن إبراهيم النخعي أنه كره أن تحرق العقرب بالنار ، وقال : هو مثلة . قيل له : يحتمل أن يكون لم يبلغه هذا الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمل على الأثر الذي جاء : لا تعذبوا بعذاب الله فكان على هذا سبيل العمل عنده .
فإن قيل : فقد روى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار وقد أنزلت عليه : والمرسلات عرفا فنحن نأخذها من فيه رطبة ، إذ خرجت علينا حية ، فقال : ( اقتلوها ) ، فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقاها الله شركم كما وقاكم شرها . فلم يضرم نارا ولا احتال في قتلها . قيل له : يحتمل أن يكون لم يجد نارا فتركها ، أو لم يكن الجحر بهيئة ينتفع بالنار هناك مع ضرر الدخان وعدم وصوله إلى الحيوان . والله أعلم . وقوله : " وقاها الله شركم " أي قتلكم إياها " كما وقاكم شرها " أي لسعها .
الخامسة : الأمر بقتل الحيات من باب الإرشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات ، [ ص: 297 ] فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله ، لقوله : اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويسقطان الحبل . فخصهما بالذكر مع أنهما دخلا في العموم ونبه على ذلك بسبب عظم ضررهما . وما لم يتحقق ضرره فما كان منها في غير البيوت قتل أيضا لظاهر الأمر العام ، ولأن نوع الحيات غالبه الضرر ، فيستصحب ذلك فيه ، ولأنه كله مروع بصورته وبما في النفوس من النفرة عنه ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية . فشجع على قتلها . وقال فيما خرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا : اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهن فليس مني . والله أعلم .
السادسة : ما كان من الحيات في البيوت فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام ، لقوله عليه السلام : إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام . وقد حمل بعض العلماء هذا الحديث على المدينة وحدها لإسلام الجن بها ، قالوا : ولا نعلم هل أسلم من جن غير المدينة أحد أو لا ، قاله ابن نافع . وقال مالك : نهى عن قتل جنان البيوت في جميع البلاد . وهو الصحيح ; لأن الله عز وجل قال : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن الآية . وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن وفيه : وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة ، الحديث . وسيأتي بكماله في سورة " الجن " إن شاء الله تعالى . وإذا ثبت هذا فلا يقتل شيء منها حتى يحرج عليه وينذر ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
السابعة : روى الأئمة عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ، قال : فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكا في عراجين ناحية البيت ، فالتفت فإذا حية ، فوثبت لأقتلها ، فأشار إلي أن اجلس فجلست ، [ ص: 298 ] فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم ، فقال : كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة . فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة ، فقالت له : اكفف عليك رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه ، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا ، الحية أم الفتى قال : فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحييه لنا ، فقال : استغفروا لأخيكم - ثم قال : - إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان . وفي طريق أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر - وقال لهم : - اذهبوا فادفنوا صاحبكم . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : لا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله هذا الفتى كان مسلما وأن الجن قتلته به قصاصا ; لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض ، وهذا الفتى لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة ; إذ لم يكن عنده علم من ذلك ، وإنما قصد إلى قتل ما سوغ قتل نوعه شرعا ، فهذا قتل خطأ ولا قصاص فيه . فالأولى أن يقال : إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا بصاحبهم عدوا وانتقاما . وقد قتلت سعد بن عبادة رضي الله عنه ، وذلك أنه وجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده ، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا :
قد قتلنا سيد الخز رج سعد بن عباده ورميناه بسهمي
ن فلم نخط فؤاده وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن بالمدينة جنا قد أسلموا ليبين طريقا يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم ويتسلط به على قتل الكافر منهم . روي من وجوه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جانا فأريت في المنام أن قائلا يقول لها : لقد قتلت مسلما ، فقالت : لو كان مسلما لم يدخل [ ص: 299 ] على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك . فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله . وفي رواية : ما دخل عليك إلا وأنت مستترة ، فتصدقت وأعتقت رقابا . وقال الربيع بن بدر : الجان من الحيات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها هي التي تمشي ولا تلتوي ، وعن علقمة نحوه .
الثامنة : في صفة الإنذار ، قال مالك : أحب إلي أن ينذروا ثلاثة أيام . وقاله عيسى بن دينار ، وإن ظهر في اليوم مرارا . ولا يقتصر على إنذاره ثلاث مرار في يوم واحد حتى يكون في ثلاثة أيام . وقيل : يكفي ثلاث مرار ، لقوله عليه السلام : فليؤذنه ثلاثا ، وقوله : حرجوا عليه ثلاثا ولأن ثلاثا للعدد المؤنث ، فظهر أن المراد ثلاث مرات . وقول مالك أولى ، لقوله عليه السلام : ثلاثة أيام . وهو نص صحيح مقيد لتلك المطلقات ، ويحمل " ثلاثا " على إرادة ليالي الأيام الثلاث ، فغلب الليلة على عادة العرب في باب التاريخ فإنها تغلب فيها التأنيث . قال مالك : ويكفي في الإنذار أن يقول : أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدوا لنا ولا تؤذونا . وذكر ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه ذكر عنده حيات البيوت فقال : إذا رأيتم منها شيئا في مساكنكم فقولوا : أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم نوح عليه السلام ، وأنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان عليه السلام ، فإذا رأيتم منهن شيئا بعد فاقتلوه .
قلت : وهذا يدل بظاهره أنه يكفي في الإذن مرة واحدة ، والحديث يرده . والله أعلم . وقد حكى ابن حبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول : أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان - عليه السلام - ألا تؤذيننا وألا تظهرن علينا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|