
01-03-2022, 09:37 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 241 الى صـ 245
الحلقة (47)
القول في تأويل قوله تعالى :
[120 ] ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم أي لأنهم يريدون أن يكونوا متبوعين على الإطلاق . وفيه مبالغة في الإقناط من إسلامهم ، وتنبيه على أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز وقوعه منه ، عليه السلام "قل" لا يتبع رسول إلا الهدى "إن هدى الله" أي الذي هو الإسلام "هو الهدى" أي فليس وراءه هدى . وما تدعون إليه ليس بهدى ، بل هو هوى . كما يعرب عنه قوله "ولئن اتبعت أهواءهم" أي آراءهم الزائغة الصادرة عنهم بقضية شهوات أنفسهم "بعد الذي جاءك من العلم" بأن دين الله هو الإسلام ، أو من الدين المعلوم صحته بالبراهين الواضحة ما لك من الله من ولي يلي أمرك "ولا نصير" يدفع عنك عقابه . وإنما أوثر خطابه صلى الله عليه وسلم ليدخل دخولا أوليا من اتبع أهواءهم بعد الإسلام من المنافقين تمسكا بولايتهم ، طمعا في نصرتهم .
قال الإمام الرازي : وفي الآية دلالة على أن اتباع الهوى لا يكون إلا باطلا . فمن هذا الوجه تدل على بطلان التقليد . انتهى .
وفي فتح البيان ما نصه : وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتنصدع منه الأفئدة ، ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه ، والقائمين ببيان شرائعه ترك الدهان لتاركي العمل بالكتاب والسنة ، المؤثرين لمحض الرأي عليهما . انتهى .
[ ص: 242 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[121 ] الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون لما ذكر تعالى ، فيما تقدم ، عدم رضاء اليهود والنصارى إلا باتباع ملتهم ، لدعواهم أنهم على حق ، وأنهم مؤمنون بما لديهم - فند تعالى دعواهم الإيمان به بأن من أوتي الكتاب فتلاه حق تلاوته فذاك المؤمن به . والمذكورون ممن لم يتله حق تلاوته ، لما عدد من مساوئ اليهود أولا ، وشفعه بدعوى النصارى اتخاذ الولد . ومن كان يعتقد ذلك فأنى له الإيمان ؟ وهل هو ممن يتلو الكتاب حق تلاوته؟ وكتابه يأمر بتوحيد ربه والمشي مع شريعته وتصديق كل نبي يصدق ما معهم ، وقد كفروا بكل ذلك . فجملة "يتلونه" حال مقدرة من "هم" أو من "الكتاب" . وجوز أن تكون الآية سيقت مدحا لمن آمن من أهل الكتاب بالقرآن . فالضمير في "يتلونه" للقرآن . فتكون كآية : الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وكآية : قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا
ومن تلاوته حق تلاوته الإيمان بأنه حق من ربهم ، وصبرهم ودرؤهم بالحسنة السيئة ، وإنفاقهم وسجودهم له تعالى فالآيتان مفسرتان لتلاوتهم حق تلاوته .
[ ص: 243 ] وعن ابن مسعود : والذي نفسي بيده ! إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ، ويقرأه كما أنزل الله ، ولا يحرف الكلم عن مواضعه ، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله . ومثله عن ابن عباس .
وقوله تعالى "أولئك" إشارة إلى الموصوفين بإيتاء الكتاب وتلاوته كما هو حقه "يؤمنون به" محط الفائدة ما يلزم الإيمان به من الربح . بقرينة قوله : ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون حيث اشتروا الضلالة بالهدى .
القول في تأويل قوله تعالى :
[122 ] يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين [123 ] واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون
يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا أي خافوا "يوما لا تجزي" أي لا تغني "نفس عن نفس" فيه "شيئا ولا يقبل منها عدل" أي فداء "ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون" أي يمنعون من عذاب الله . وقد مر نظير الآيتين في صدر السورة .
قال القاضي : ولما صدر قصتهم بالأمر بذكر النعم ، والقيام بحقوقها ، والحذر عن إضاعتها ، والخوف من الساعة ، وأهوالها- كرر ذلك وختم به الكلام معهم ، مبالغة في النصح وإيذانا بأنه فذلكة القضية والمقصود من القصة .
[ ص: 244 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[124 ] وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين
"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" لما عاب سبحانه أهل الضلال ، وكان جلهم من ذرية إبراهيم عليه السلام ، وجميع طوائف الملل تعظمه ومنهم العرب ، وبيته الذي بناه أكبر مفاخرهم وأعظم مآثرهم- ذكر الجميع ما أنعم به عليه تذكيرا يؤدي إلى ثبوت هذا الدين باطلاع هذا النبي الأمي ، الذي لم يخالط عالما قط ، على ما لا يعلمه إلا خواص العلماء . وذكر البيت الذي بناه فجعله عماد صلاحهم ، وأمر بأن يتخذ بعض ما هناك مصلى ، تعظيما لأمره وتفخيما لعلي قدره ، وفي التذكير بوفائه بعد ذكر الذين وفوا بحق التلاوة ، وبعد دعوة بني إسرائيل عامة إلى الوفاء بالشكر- حث على الاقتداء به . وكذا في ذكر الإسلام والتوحيد ، هز لجميع من يعظمه إلى اتباعه في ذلك . ذكره البقاعي.
و "إذ" منصوب على المفعولية بمضمر مقدم خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين. أي واذكر لهم وقت ابتلائه عليه السلام ، ليتذكروا بما وقع فيه من الأمور الداعية إلى التوحيد ، الوازعة عن الشرك ، فيقبلوا الحق ويتركوا ما هم فيه من الباطل . ولا يبعد أن ينتصب بمضمر معطوف على "اذكروا" خوطب به بنو إسرائيل ليتأملوا فيما يحكى ، عمن ينتمون إلى ملته عن إبراهيم وبنيه عليهم السلام ، من الأفعال والأقوال ، فيقتدوا بهم ويسيروا سيرتهم . أي واذكروا إذ ابتلى أباكم إبراهيم ، فأتم ما ابتلاه به . فما لكم أنتم لا تقتدون به فتفعلوا عند الابتلاء فعله، في إيفاء العهد والثبات على الوعد ، لأجازيكم على ذلك جزاء المحسنين؟ والابتلاء في الأصل، الاختبار . أي تطلب الخبرة بحال المختبر بتعريضه لأمر يشق عليه ، غالبا ، فعله أو تركه . والاختبار منا لظهور ما لم نعلم . ومن الله لإظهار ما قد علم . وعاقبه الابتلاء ظهور الأمر الخفي في الشاهد والغائب جميعا ، فلذا تجوز إضافته إلى الله تعالى . وقوله تعالى "بكلمات" أي بشرائع : أوامر ونواه . وللمفسرين أقاويل فيها وفي [ ص: 245 ] تعدادها . قال ابن جرير: ولا يجوز الجزم بشيء مما ذكروه منها أنه المراد على التعيين ، إلا بحديث أو إجماع . قال : ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له . انتهى .
وعندي أن الأقرب في معنى الكلمات هو ابتلاؤه بالإسلام ، فأسلم لرب العالمين وابتلاؤه بالهجرة ، فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله . وابتلاؤه بالنار فصبر عليها ، ثم ابتلاؤه بالختان فصبر عليه ، ثم ابتلاؤه بذبح ابنه فسلم واحتسب .
كما يؤخذ ذلك من تتبع سيرته في التنزيل العزيز ، وسفر التكوين من التوراة . ففيهما بيان ما ذكرناه في شأنه عليه الصلاة والسلام . من قيامه بتلك الكلمات حق القيام ، وتوفيتهن أحسن الوفاء . وهذا معنى قوله تعالى "فأتمهن" كقوله تعالى : وإبراهيم الذي وفى والإتمام التوفية .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|