عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-03-2022, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 296 الى صـ 300
الحلقة (58)

وعلى هذه الأوجه ، فتكون الآية بيانا للحكمة في جعل الكعبة قبلة ، أو معنى "التي كنت عليها" : قبل وقتك هذا ، وهي بيت المقدس . أي : إنما شرعنا لك التوجه أولا إليه ثم صرفناك عنه إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ، حيثما توجهت ، من غيره . فتكون الآية بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس قبلة أولا .

ثم اعلم أن الحكمة هو التمييز بين الناس بقوله : إلا لنعلم من يتبع الرسول في كل ما يؤمر به ، فيثبت عند تقلب الأحكام بما في قلبه من صدق التعلق بالله والتوجه له أيان ما وجهه "ممن ينقلب على عقبيه" أي يرتد عن دينه فينافق أو يكفر ممن كان يظهر الاتباع . وأصل المنقلب على عقبيه : الراجع مستديرا في الطريق الذي قد كان قطعه منصرفا عنه . استعير لكل راجع عن أمر كان فيه من دين أو خير .

قال ابن جرير : قد ارتد ، في محنة الله أصحاب رسوله في القبلة ، رجال ممن كان قد أسلم ، وأظهر كثير من المنافقين من [ ص: 296 ] أجل ذلك نفاقهم . وقالوا : ما بال محمد يحولنا مرة إلى ههنا ومرة إلى ههنا ؟ وقال المسلمون ، فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس : بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت . وقال المشركون : تحير محمد في دينه . فكان ذلك فتنة للمؤمنين وتمحيصا للمؤمنين . انتهى .

(لطيفة) العقبين تثنية عقب وهو مؤخر القدم . والانقلاب عليهما استعارة تمثيلية ، وهذه الاستعارة نظير قوله تعالى : ثم أدبر واستكبر وكقوله : كذب وتولى

(تنبيه) قال الراغب رحمه الله : ما وجه قوله "إلا لنعلم" وذلك يقتضي استفادة علم ، ولم يزل تعالى عالما بما كان وبما يكون ؟ (قيل) : إن ذلك من الألفاظ التي لولا السمع لما تجاسرنا على إطلاقها عليه تعالى . ومجاز ذلك على أوجه : (الأول) أن اللام في مثل ذلك تقتضي شيئين : حدوث الفعل في نفسه وحدوث العلم به . ولما كان علم الله لم يزل ولا يزال ، صار اللام فيه مقتضيا حدوث الفعل لا حدوث العلم .

(والثاني) أن العلم يتعلق بالشيء على ما هو به . والله تعالى علمهم ، قبل أن يتبعوه ، غير تابعين . وبعد أن تبعوه علمهم تابعين . وهذا الجواب هو في الحقيقة الأول . لأن التغيير داخل في المعلوم لا في العلم .

(والثالث) معناه ليعلم غيرنا بنا . فنسب ذلك إلى نفسه . كقوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها [ ص: 297 ] وفي موضع آخر قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وقال تعالى : وعلمك ما لم تكن تعلم وإنما علمه بملائكته .

(والرابع) معناه لنجازي . وذلك متعارف . نحو قولك : سأعلم حسن بلائك . أي سأجزيك على حسب مقتضى علمي قبل . فعبر عن الجزاء بالعلم لما كان هو سببه .

(والخامس) أن عادة الحليم إذا أفاد غيره علما أن يقول : تعال حتى نعلم كذا . وإنما يريد إعلام المخاطب . لكن يحل نفسه محل المشارك للمتعلم على سبيل اللطف . انتهى .

والوجه الثالث هو الذي اختاره الإمام ابن جرير قال : أما معناه عندنا : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي : من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه .

(قال) وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس ، إلى الرئيس ، وما فعل بهم ، إليه . نحو قولهم : فتح عمر بن الخطاب سواد العراق وجبى خراجها ، وإنما فعل ذلك أصحابه ، عن سبب كان منه في ذلك . وكالذي روي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يقول الله [ ص: 298 ] جل ثناؤه : مرضت فلم يعدني عبدي . واستقرضته فلم يقرضني » فأضاف ، تعالى ذكره ، الاستقراض والعيادة إلى نفسه ، وقد كان ذلك بغيره ، إذ كان ذلك عن سببه .

قد حكي عن العرب سماعا : أجوع في غير بطني ، وأعرى في غير ظهري . بمعنى جوع أهله وعياله وعري ظهورهم . فكذلك قوله "إلا لنعلم" بمعنى : يعلم أوليائي وحزبي اهـ.

"وإن كانت" أي التولية إليها أو الجعلة أو التحويلة "لكبيرة" أي ثقيلة شاقة . لأن مفارقة الإلف ، بعد طمأنينة النفس إليه ، أمر شاق جدا إلا على الذين هدى الله قلوبهم ، فأيقنوا بتصديق الرسول وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه . وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء . وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ، بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث أمر ، أحدث لهم شكا . كما يحصل ، للذين آمنوا ، إيقان وتصديق . كما قال تعالى : وإذا ما أنـزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون وقال تعالى : وننـزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وقوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم هذا تطمين لمن صلى إلى بيت المقدس من المسلمين ومن أهل الكتاب قبل النسخ . [ ص: 299 ] وبيان أنهم يثابون على ذلك . وقد روى البخاري من حديث أبي إسحاق المتقدم عن البراء : وكان الذي مات على القبلة ، قبل أن تحول قبل البيت ، رجال قتلوا ، لم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله : وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم . وإنما عدل إلى لفظ الإيمان ، الذي هو عام في الصلاة وغيرها ، ليفيدهم أنه لم يضع شيء مما عملوه ، ثم يصح عنهم ، فيندرج المسؤول عنه اندراجا أوليا ، ويكون الحكم كليا . وذكر بلفظ الخطاب دون الغائب ، ليتناول الماضين والباقين ، تغليبا لحكم المخاطب على الغائب في اللفظ ، وفي تتمة الآية إشارة إلى تعليل عدم الإضاعة ، بما اتصف به من الرأفة المنافية لما هجس في نفوسهم من الإضاعة . ولما انطوى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم على إرادة التوجه إلى الكعبة ، لأنها قبلة أبيه إبراهيم ومفخرة العرب ومزارهم ومطافهم ، ولمخالفة اليهود - أجابه الحق إلى ذلك بقوله :
[ ص: 300 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[144 ] قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون

قد نرى تقلب وجهك في السماء أي تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة السماء تشوفا لنزول الوحي بالتحويل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]