رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 286الى صــ 300
(19)
المجلد الاول
كتاب الصيام
وفي وجوب الكفارة روايتان منصوصتان:
إحداهما: تجب عليه. وهو اختيار ابن عقيل؛ لأنه أنزل باستمتاع محرم, فأشبه الإِنزال عن الملامسة.
والثانية: لا تجب عليه الكفارة, وهي اختيار أكثر أصحابنا.
وإن أمذى بنظر؛ فقال أبو بكر وأبو حفص البرمكي: يفطر ولا كفارة عليه. وقال بعض أصحابنا: ظاهر كلامه أنه لا يفطر بذلك.
وعلى الأول: هل يفطر بمطلق النظر المتعمد أم بالمستدام المتكرر؟ على وجهين.
وأما إن تفكر في شيء حتى أنزل؛ فقال أحمد في رواية أبي طالب في محرم نظر فأمنى؟ قال: عليه دم. قيل له: فإن ذكر شيئاً فأمنى؟ قال: لا ينبغي أن يذكر شيئاً. قيل: فوقع في قلبه شيء؟ قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء.
فعلى هذا: إن غلبه الفكر لم يفطر؛ لأنه يصير كالإِنزال بالاحتلام, وهو لا يفطر إجماعاً؛ فإنه لا يدخل تحت قدرته.
وأما إن استدعاه أو قدر على دفعه عن قلبه فلم يفعل؛ ففيه وجهان:
أحدهما: لا يفطر, وهو قول ابن أبي موسى, وذكر أن أحمد أومأ إليه والقاضي وأكثر أصحابه؛ بناءً على أنه من جنس ما لا يملك صرفه عن نفسه.

والثاني: يفطر, وهو قول أبي حفص البرمكي وابن عقيل.
حتى قال أبو حفص: من تفكر في شهوة, فأمذى, ليس عن أبي عبد الله فطور, ولكن يجيء والله أعلم أن يفسد صومه.
وذكر ابن عقيل أن كلام أحمد يقتضيه؛ لأنه نهاه عن أن يذكر ذلك؛ لأن هذا إفطار بسبب من جهته, داخل تحت قدرته؛ فهو كالإِنزال بإدامة النظر؛ فإن التفكر يؤمر به تارة وينهى عنه أخرى؛ كما في الحديث.
285 - «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله».
قال ابن عقيل: فإن الصائم لو سألنا: هل يجوز أن أخلو بنفسي مستحضراً للصور الشهية وللفعل فيها والمباشرة؟ لأفتيناه بتحريم ذلك والمنع منه.
وقال بعض أصحابنا: لا يحرم إذا وقع بأجنبية, ولا يكره إذا وقع بالزوجة؛ بخلاف المباشرة, وإن فكر فأمذى من غير أن يمس ذكره فهو كما لو أمنى.
قال ابن أبي موسى والقاضي وغيرهما: لا يبطل صومه.
قال ابن أبي موسى: ويحتمل أن يبطل, وهذا قول أبي حفص.

* فصل:
ولا تجب الكفارة إلا في شهر رمضان, فلو جامع في القضاء أو النذر أو الكفارة؛ لم تجب عليه الكفارة. نص عليه.
وتجب الكفارة بكل صوم في نهار رمضان, سواء كان ذلك اليوم مقطوعاً بأنه من رمضان أم لا, وسواء كان صومه مجمعاً على وجوبه أم لا.
فلو رأى الهلال وحده, وردت شهادته, فصام, ثم وطئ؛ لزمته الكفارة؛ لأنه تيقن أنه من رمضان, وذلك لأن الكفارات لا تسقط بالشبهات كالحدود؛ فإنها ليست عقوبة, بل قد توجب محواً للخطيئة, وجبراً للفائت, وزجراً عن الإِثم.
ولو وطئ في أول النهار, ثم مرض أو جُنَّ أو سافر أو حاضت المرأة؛ لم تسقط عنه الكفارة. نص عليه في رواية صالح وابن منصور.
ونص في رواية ابن القاسم وحنبل على أنه لو أكل ثم سافر وحاضت المرأة؛ فإنهما يمسكان عن الطعام ويقضيان ذلك اليوم؛ لأنهما تعمدا الفطر بالمعصية.
ولو وطئ في آخر يوم من رمضان, فتبين له أنه شوال؛ لم يكن عليه كفارة؛ لأنه تبين أن الصوم لم يكن واجباً عليه. ذكره القاضي.
مسألة:
فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية؛ فكفارة واحدة.
وإن كفر ثم جامع؛ فكفارة ثانية.
وكل من لزمه الإِمساك في رمضان, فجامع؛ فعليه كفارة.
وجملة ذلك أنه تجب الكفارة في الصوم الصحيح والفاسد؛ فكل من وجب عليه الإِمساك؛ وجبت عليه الكفارة إذا جامع, وإن لم يكن معتداً به, مثل أن يأكل ثم يجامع, أو يترك النية ثم يجامع, أو يجامع ويكفر ثم يجامع.
قال أحمد: إذا أكل ووطئ في رمضان؛ فعليه مع القضاء الكفارة للوطء, فإن كفر في يومه, ثم عاد؛ يكفر أيضاً؛ لأن حرمة اليوم لم تذهب, فإن فعل مراراً؛ فإنما عليه كفارة واحدة ما لم يكفر, فإذا كفر ثم وطئ؛ فعليه كفارة أخرى, وهو مذهبي, وذلك لأن هذا الإِمساك صوم واجب في نهار رمضان, فأوجب الكفارة؛ كالصوم الصحيح.
ودليل الوصف: ما روى سلمة بن الأكوع؛ قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم: أن أذن في الناس أن من كان أكل؛ فليصم بقية يومه, ومن لم يكن أكل؛ فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء» متفق عليه.
ولأن الكفارة إنما وجبت لما انتهك من حرمة الزمان بالجماع فيه.
ومن أكل ثم جامع, أو جامع ثانية بعد أولى؛ فهو أشد انتهاكاً للحرمة, وأعظم من الاجتراء على الله, وربما اتخذ هذا حيلة إلى إسقاط الكفارة بالجماع, ولأنها عبادة يجب إتمام فاسدها, فوجبت الكفارة فيه؛ كالحج الفاسد.
وهذا لأن الله سبحانه قال في الحج: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: 196] وقال تعالى في الصوم: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].

وزمان الحج يتعين ابتداؤه بفعل المكلف, وزمان رمضان يتعين ابتداؤه وانتهاؤه بالشرع, وكلاهما لا يخرج منه بالإِفساد؛ بحيث لو أراد في الحج أن يصير بالوطء حلالاً يباح له المحظورات؛ لم يكن له ذلك, ولو أراد بالإِفطار في رمضان أن يباح له الإِفطار في سائر النهار؛ لم يبح له.
ولو تبين له وجوب الصوم في أثناء النهار ببينة تقوم؛ أثيب على صيامه مع وجوب القضاء؛ فليس بينه وبين الإِحرام فرق, هذا فيمن ترك النية, مع العلم بوجوب الصوم, حتى لو افطر يوم الإِغماء وهو يعتقد. . . .
فأما إن ترك النية لعدم العلم أنه من رمضان وأمسك؛ لم يلزمه الكفارة؛ لأنه ليس بإمساك مأمور به.
وإذا علم في أثناء النهار أن اليوم من رمضان؛ فإنه يجب عليه الإِمساك على المذهب المعروف؛ فلو وطئ فيه؛ لزمته الكفارة.
وإذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو عقل المجنون أو طهرت الحائض أو قدم المسافر, وقلنا: يجب عليهم الإِمساك:
فقال القاضي وابن عقيل: إذا وطئ؛ وجبت عليه الكفارة.
والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور: لا كفارة عليه.
وكذلك ذكر ابن أبي موسى وغيره.
وحمل القاضي على ذلك الرواية التي لا يوجب فيها الإِمساك.
وقد قال في رواية حنبل في مسافر قدم في آخر النهار فواقع أهله قبل الليل: عليه القضاء والكفارة.
فإذا وطئ مرات في يوم واحد, ولم يكفر؛ فكفارة واحدة, نص عليه.
كما أنه لو أكل مرات في يوم؛ لم يجب عليه إلا قضاء يوم واحد.
وإن وطئ في يومين ولم يكفر:
فقال حرب: سئل أحمد عن رجل جامع في رمضان أساماً متتابعة: كم كفارة؟ قال: قد اختلف الناس في هذا. فلم يجبه.
واختلف أصحابنا في ذلك:

فقال ابن حامد والقاضي وأصحابه: عليه الكفارة لكل يوم وإن لم يكفر.
وحكي هذا عن أحمد نفسه, حكاه ابن عبد البر؛ لأن كل يوم عبادة منفردة بنفسه, فلم يدخل كفارة أحدهما في كفارة الآخر؛ كما لو وطئ في رمضانين أو حجتين أو عمرتين, وذلك لأنه لا يفسد صوم أحدهما بفساد الآخر, ولا يجب أحدهما بوجوب الآخر؛ فإنه لو سافر في أثناء الشهر؛ فهو مخير بين الصوم والفطر, ولو أقام في أثنائه؛ لتحتَّم عليه الصوم, ويحتاج كل منهما إلى نية منفردة في المشهور من المذهب.
وقال أبو بكر وابن أبي موسى: يكفيه كفارة واحدة, وإن وطئ كل يوم؛ ما لم يكفر؛ لأن الكفارات بمنزلة الحدود في أنها عقوبات, والحدود بمنزلة الكفارات في أنها كفارات لأهلها, ثم لو زنى مرات أو شرب مرات أو سرق مرات؛ لم يجب عليه إلا حدٌّ واحد؛ فكذلك إذا أفسد عبادات. . . .
وإذا جامع في رمضانين أو في حجتين أو عمرتين.
فقياس قول أبي بكر. . . .
* فصل:
ولا فرق في الجماع بين المعذور وغير المعذور؛ فلو وطئ ناسياً أو جاهلاً بوجوب الصوم لاعتقاده أنه واطئ في غير نهار رمضان, أو جاهلاً بأن الوطء يحرم في الصوم, مثل أن يعتقد أن الفجر لم يطلع, أو أن الشمس قد غربت, فجامع, ثم يتبين بخلافه, أو يجامع معتقداً أنه آخر يوم من شعبان, فتبين أنه من رمضان. . . .
هذا أشهر الروايتين, ذكرهما أبو حفص وسائر الأصحاب, نقلها ابن القاسم والأثرم وحنبل وحرب.
قال في رواية القاسم حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: هلكت, وقعت على امرأتي في رمضان. قال: «أعتق رقبة». ظاهره على النسيان والجهالة, ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم, إنما أفتاه على ظاهر الفعل.
وهذا اختيار جمهور الأصحاب.
والرواية الثانية: عليه القضاء دون الكفارة.
قال في رواية أبي طالب: إذا وطئ ناسياً؛ يعيد صومه. قيل له: عليه كفارة؟ قال: لا.
وإذا كان عامداً؛ أعاد وكفَّر. وهذا اختيار ابن بطة.
286 - لأن الله قد عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان؛ بدليل قوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] , فقال الله: قد فعلت. حديث صحيح.
287 - وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان».
ولأن الكفارة إن كانت لجبر الصوم؛ فإنه مجبور بالقضاء, وإن كانت لمحو الخطيئة أو عقوبةً للواطئ؛ فالناسي والجاهل لا إثم عليهما؛ بخلاف كفارة القتل والصيد ونحوهما؛ فإنها وجبت جبراً لما فوته؛ فأشبهت ضمان الأموال.
ومن أصحابنا من يحكي رواية ثالثة في الناسي والمكره: أنه لا قضاء عليه ولا كفارة.
وكقول أحمد في رواية ابن القاسم: كل أمر غلب عليه الصائم؛ فليس عليه قضاء ولا كفارة.
وقال أبو داوود: سمعته غير مرة لا ينقل له فيها قول.

يعني: مسألة من وطئ ناسياً.
ووجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي بالكفارة, ولم يستفصله: هل كان ناسياً أو جاهلاً؟ مع أن هذا الاحتمال ظاهر, بل هو الأظهر؛ فإن الرجل المسلم لا يكاد يفعل مثل هذا عالماً عامداً, لا سيما في أول الأمر, والقلوب مقبلة على رعاية الحدود, والجهل بمثل هذا خليق أن يكون في الأعراب؛ فإنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله.
وليس في قوله: «هلكت»: ما يدل على أنه فعل ذلك عالماً عامداً؛ لجواز أنه لما ذكر أو أخبر أن هذا محرم في الصيام؛ خاف أن يكون هذا من الكبائر,وقد كانوا يخافون مما هو دون هذا.
288 - كما قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتيت اليوم أمراً عظيماً, قبلت وأنا صائم».
ولهذا لم يعتبه النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يلمه كما لام سلمة بن صخر لما جامع بعد الظهار, وكما لام الذي جامع امرأته ليلة الصيام قبل أن يبيح الله الرفث ليلة الصيام, ومثل هذا لا بد فيه على العامد العالم من تعزيز أو توبيخ؛ فهذه قرينة تبين أن الرجل قد كان له بعض العذر في هذا الوقاع.
ولأنها كفارة وجبت بالوطء مع العمد فوجبت بالسهو؛ ككفارة الوطء في الظهار والإحرام.
ولأن الوطء في الشرع يجري مجرى الإِتلاف؛ بدليل أنه لا يخلو من غرم أو حدٍّ أو غرم وحد, وباب الإِتلاف يستوي فيه العمد والخطأ؛ كالقتل للإِنسان والصيد والحلق والتقليم.
وإذا اعتقد أنه آخر يوم من شعبان, فجامع فيه, ثم تبين أنه من رمضان؛ فإنه يمسك ويقضي, ولم تجب عليه الكفارة هنا. ذكره ابن عقيل.
لأنه لم ينو صومه على وجه يعذر فيه, والكفارة إنما تجب بالوطء في إمساك واجب؛ بخلاف من أكل فإنه مأمور يظنه ليلاً فبان نهاراً؛ فإنه مأمور بالإِمساك ذلك الجزء, والاحتياط فيه مشروع, وهو داخل في ضمن اليوم الذي نواه, ولهذا لا يفرد بنية.
وإذا أكل ناسياً, فظن أنه قد أفطر, فجامع, أو ذرعه القيء, أو قطر في إحليله, ونحو ذلك, فظن أنه قد أفطر, فجامع.
فقال بعض أصحابنا: في وجوب الكفارة وجهان؛ لأنه مثل الجاهل والناسي.
وكذلك قال القاضي: قياس المذهب أن الكفارة تجب عليه؛ لأن أكثر ما في هذا ظنه إباحة الفطر, وهذا لا يسقط الكفارة؛ كما لو وطئ يظن أن الفجر لم يطلع؛ فإن الكفارة لا تسقط هناك على المنصوص.
فعلى هذا: إذا قلنا هناك: إنه لا كفارة عليه. . . .
وإن وطئ يعتقد أنه آخر يوم من شعبان, ثم بان أنه أول يوم من رمضان.
والصواب: أن هذا تجب عليه الكفارة قولاً واحداً؛ لأن أكثر ما فيه أنه وجب عليه, وكل مفطر وجب عليه الإِمساك إذا جامع؛ لزمته الكفارة عندنا؛ فإنه ليس معذوراً بالجماع؛ كما لو أكل عمداً, ثم جامع؛ لزمته الكفارة. نص عليه.
اللهم؛ إلا أن يعتقد جواز الأكل والوطء, فيلحق [بالمعذور].
فإن قيل: أما إيجاب القضاء على الجاهل؛ فهو القياس؛ لأنه لو أكل جاهلاً؛ للزمه القضاء؛ فالواطئ أولى.
وأما إيجابه على الناسي؛ فهو مخالف لقياس الصوم؛ فإن الأكل ناسياً لا يفطر الصائم.
قلنا: الفرق بينهما أن الأكل بالنهار معتاد؛ فالشيء الخفيف منه ما قد يفعله الصائم لنسيانه صومه فعذر فيه.
أما الجماع؛ فأمر عظيم, وليست العادة فعله في النهار؛ فوقوعه مع النسيان إن وقع نادر جدّاً.
289 - وهذا معنى ما ذكره ابن جريج؛ قال: «كنت إذا سألت عطاء عن الرجل يصيب أهله ناسياً, لا يجعل له عذر, يقول: لا ينسى ذلك ولا جهله».

فيأبى أن يجعل له عذراً, لا سيما. . . .
وأما مقدمات الجماع التي لا توجب الكفارة مثل القبلة واللمس والنظر إذا فعلها ناسياً فأمنى أو أمذى:
فقال أصحابنا: هو على صيامه, ولا قضاء عليه.
لأنه أمر يوجب القضاء فقط, ففرقٌ بين عمده ونسيانه؛ كالآكل.
فعلى هذا: ما أوجب عمده الكفارة؛ أوجب سهوه القضاء في المشهور, وفي الكفارة الخلاف المتقدم, وما أوجب عمده القضاء فقط؛ لم يُبطل الصوم سهوه؛ لأن ما أوجب جنسه الكفارة؛ تغلظ جنسه فألحق بالجماع, بخلاف ما لا يوجب إلا القضاء فقط؛ فإنه كالأكل.
وإن أكره الرجل على الجماع:
فقال ابن أبي موسى والقاضي وابن عقيل وغيرهم: عليه مع القضاء الكفارة قولاً واحداً؛ بخلاف الناسي؛ لأن الجماع لا يتأتَّى إلا مع حدوث الشهوة, ولهذا وجبت الكفارة على المكره على الزنا في المنصوص؛ لأنه لا يطأ حتى ينتشر, ولا ينتشر إلا عن شهوة.
قال ابن عقيل: وإن كان منتشر العضو, فاغتفلته امرأة, ووقعت عليه, فغلبته, واستدخلت عضوه؛ فلا كفارة عليه هنا؛ لعدم العلة, وفي إفساد الصوم وجهان.
وذكر أبو الخطاب وغيره فيه الروايتين في الناسي.
وإن استدخلت ذكره وهو نائم:
فقال القاضي: لا يفطر؛ لأنه كالمحتلم, لم يصدر منه فعل ولا لذة.
وهذا قياس قول من يفرق بين النائمة والمكرهة, وليس هو قول القاضي.
وذكر ابن عقيل وجهاً أنه يفطر؛ قال: كما لو جرع الماء؛ كان فيه الروايتان, والأشبه أن لا يبطل؛ كما لو قُطِّرَ في حلقه وهو نائم.
قال ابن عقيل: فإن كشفته واستيقظت عضوه بان عبثت به حتى انتشر, ثم استدخلته؛ أفطرا جميعاً, ولا كفارة عليه.
وهل عليها كفارة؟ على روايتين, وكأنه جعله في هذه الصورة مكرهاً, فيكون كقول أبي الخطاب.
وقال غيرهما: ظاهر كلام أحمد أن عليه القضاء؛ لأن القضاء وجب على المرأة المغصوبة على نفسها فالرجل أولى.
وهذا أصح؛ فإن المقهور على نفسه أقوى من المقهورة على نفسها, والنائم أقوى من النائمة.

* فصل:
وأما المرأة؛ فلا تخلو: إما أن تكون مطاوعة, أو مستكرهة: فإن كانت مطاوعة في الصيام أو الإِحرام؛ ففيها ثلاث روايات:إحداهن: أن عليها الكفارة فيهما.
وهي المنصورة عندهم مثل أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه.
قال في رواية ابن إبراهيم في الرجل يستكره امرأته على الجماع: ليس عليها كفارة وعليه, وإذا طاوعته؛ فعليها وعليه كفارة, كفارة في الصوم.
ونقل عنه إسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن بختان في المحرمة إذا وطأها:
عليها الهدي. والثانية: لا كفارة عليها.
نقله عنه أبو داوود وأبو الحارث ومهنا والمروذي: لا كفارة على المرأة في الوطء في رمضان.
فعلى هذا تجب الكفارة عليه وحده, وليس عليها كفارة يتحملها الزوج عنها, وتعتبر الكفارة بحاله في الحرية والعبودية, واليسر والعسر, وغير ذلك.
ونقل عنه ابن منصور في الذي يصيب أهله مهلاَّ بالحج: يحجان من قابل ويتفرقان, وأرجو أن يجزيهما هدي واحد.
فمن أصحابنا من يجعل هذا رواية واحدة في أنه لا كفارة عليها, وإنما الكفارة عليه وحده.
ومنهم من يجعل هذا رواية أخرى بأن الكفارة الواحدة تكون عليهما في مالهما وتجزئ عنهما.
وهل تجب عليهما في مالهما؟ أو في ماله وتقع عنهما, أو في ماله وتقع عنه وحده؟
فعلى هذا: إن كفر بالصوم؛ لزم كل واحد منهما صوم شهرين.
والثالثة: عليها الكفارة في الحج دون الصوم.
فقال في رواية أبي طالب: ليس على المرأة كفارة, إنما هي على الرجل؛ إلا أن يكونا محرمين, فيكون عليهما كفارة. كذا قال ابن عباس, ولم أسمع على المرأة هدي إلا في الحج.
ولهذا أكثر نصوصه في الحج بالوجوب, وفي الصوم بعدمه, وذلك لأن الذي واقع أهله في رمضان؛ أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً؛ في معرض جواب سؤاله عن هذه الواقعة, فعلم أنه لا يجب في الجماع شيء غير هذا؛ لأنه لو كان؛ لذكره؛ فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز, ولأن السؤال كالمُعاد في الجواب؛ فتقديره: من أصاب امرأته في رمضان فعليه هذه الكفارة.

ولو قيل مثل ذلك؛ لدل على أن هذا جزاء هذا الفعل ولا شيء فيه غير ذلك.
290 - ولهذا لما قال له ذلك الرجل: إن ابني كان عسيفاً على هذا, وإنه زنى بامرأته, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على ابنك جلد مئة وتغريم عام, واغد يا أنيس إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت؛ فارجمها».
فذكر في الحد حكم الواطئ والواطئة, وفي الكفارة اقتصر على حكم الواطئ فقط.
291 - وفي الحج: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم المتجامعين أن يهديا هدياً».
292 - 293 - وكذلك عمر وعلي.
ولأن الكفارة هنا إنما وجبت لأجل الإِصابة والوقوع على المرأة وجماعها, والجماع إنما يفعله الرجل وحده, وإنما المرأة ممكنة من الفعل ومحل له,والكفارة لم توجب لذلك, ولأن الجماع فعل واحد لا يتم إلا بهما, فاجزأت فيه كفارة واحدة؛ لأن تعدد. . . , ولأنه حق مالي يجب بالوطء؛ فاختص بوجوبه [على] الواطئ كالمهر في وطء الشبهة.
وهذا لأن الأصل فعل الرجل, والمرأة محل فعله, فاندرج فعلها في فعله, وصار تبعاً له؛ كما تدخل دية الأطراف في دية النفس, وكما لو جامع مرة ثم مرة ولم ينزل, وكما لو قبَّل المحرم ثم أولج, ولأنها كفارة تجب بالوطء, فاختصت بالرجل دون المرأة؛ ككفارة الظهار, أو نقول: إصابةُ فرجٍ حرم لعارض, فاختصت كفارته بالرجل؛ كإصابة المظاهر منها.
فعلى هذا لو لم تجب الكفارة على الرجل بأن تستدخل ذكره وهو نائم, أو تستدخل ذكر مجنون أو صبي؛ فإنه بطل صومها. هكذا ذكره القاضي وابن عقيل.
وهل تجب الكفارة؟ على روايتين.
فيما إذا وطئها الرجل. ذكره القاضي وابن عقيل.
وكذلك لو وطئها وهو مسافر أو مريض, وهي مقيمة صحيحة؛ ففي الكفارة عليها الروايتان.
ومن فرق بين الحج والصوم؛ قال: إن الحج جاء في الأثر عن ابن عباس, والصوم بخلافه, ولأن الحج أغلظ؛ فإن الكفارة تجب فيه بالقبلة والمباشرة وإن لم ينزل

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|