عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-03-2022, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,593
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(18)
الحلقة (33)
صــ 316إلى صــ 320


القول في تأويل قوله : ( فما ربحت تجارتهم )

قال أبو جعفر : وتأويل ذلك أن المنافقين - بشرائهم الضلالة بالهدى - خسروا ولم يربحوا ، لأن الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه [ ص: 316 ] بدلا هو أنفس من سلعته المملوكة أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به . فأما المستبدل من سلعته بدلا دونها ودون الثمن الذي ابتاعها به ، فهو الخاسر في تجارته لا شك . فكذلك الكافر والمنافق ، لأنهما اختارا الحيرة والعمى على الرشاد والهدى ، والخوف والرعب على الحفظ والأمن ، واستبدلا في العاجل : بالرشاد الحيرة ، وبالهدى الضلالة ، وبالحفظ الخوف ، وبالأمن الرعب - مع ما قد أعد لهما في الآجل من أليم العقاب وشديد العذاب ، فخابا وخسرا ، ذلك هو الخسران المبين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان قتادة يقول .

385 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، ( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) [ ص: 317 ] : قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الجماعة إلى الفرقة ، ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنة إلى البدعة .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما وجه قوله : ( فما ربحت تجارتهم ) ؟ وهل التجارة مما تربح أو توكس ، فيقال : ربحت أو وضعت ؟

قيل : إن وجه ذلك على غير ما ظننت . وإنما معنى ذلك : فما ربحوا في تجارتهم - لا فيما اشتروا ، ولا فيما شروا . ولكن الله جل ثناؤه خاطب بكتابه عربا فسلك في خطابه إياهم وبيانه لهم مسلك خطاب بعضهم بعضا ، وبيانهم المستعمل بينهم . فلما كان فصيحا لديهم قول القائل لآخر : خاب سعيك ، ونام ليلك ، وخسر بيعك ، ونحو ذلك من الكلام الذي لا يخفى على سامعه ما يريد قائله - خاطبهم بالذي هو في منطقهم من الكلام ، فقال : ( فما ربحت تجارتهم ) إذ كان معقولا عندهم أن الربح إنما هو في التجارة ، كما النوم في الليل . فاكتفى بفهم المخاطبين بمعنى ذلك ، عن أن يقال : فما ربحوا في تجارتهم ، وإن كان ذلك معناه ، كما قال الشاعر :


وشر المنايا ميت وسط أهله كهلك الفتاة أسلم الحي حاضره


يعني بذلك : وشر المنايا منية ميت وسط أهله ، فاكتفى بفهم سامع قيله مراده من ذلك ، عن إظهار ما ترك إظهاره ، وكما قال رؤبة بن العجاج :


حارث! قد فرجت عني همي فنام ليلي وتجلى غمي


فوصف بالنوم الليل ، ومعناه أنه هو الذي نام ، وكما قال جرير بن الخطفى :


وأعور من نبهان أما نهاره فأعمى ، وأما ليله فبصير


فأضاف العمى والإبصار إلى الليل والنهار ، ومراده وصف النبهاني بذلك .
القول في تأويل قوله : ( وما كانوا مهتدين ( 16 ) )

يعني بقوله جل ثناؤه ( وما كانوا مهتدين ) : ما كانوا رشداء في اختيارهم الضلالة على الهدى ، واستبدالهم الكفر بالإيمان ، واشترائهم النفاق بالتصديق والإقرار .
[ ص: 318 ] القول في تأويل قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ( 17 ) )

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قيل ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) ، وقد علمت أن " الهاء والميم " من قوله " مثلهم " كناية جماع - من الرجال أو الرجال والنساء - و " الذي " دلالة على واحد من الذكور ؟ فكيف جعل الخبر عن واحد مثلا لجماعة ؟ وهلا قيل : مثلهم كمثل الذين استوقدوا نارا ؟ وإن جاز عندك أن تمثل الجماعة بالواحد ، فتجيز لقائل رأى جماعة من الرجال فأعجبته صورهم وتمام خلقهم وأجسامهم ، أن يقول : كأن هؤلاء ، أو كأن أجسام هؤلاء ، نخ لة ؟

قيل : أما في الموضع الذي مثل ربنا جل ثناؤه جماعة من المنافقين ، بالواحد الذي جعله لأفعالهم مثلا فجائز حسن ، وفي نظائره كما قال جل ثناؤه في نظير ذلك : ( تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ) [ سورة الأحزاب : 19 ] ، يعني كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت - وكقوله : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ سورة لقمان : 28 ] بمعنى : إلا كبعث نفس واحدة .

وأما في تمثيل أجسام الجماعة من الرجال ، في الطول وتمام الخلق ، بالواحدة من النخيل ، فغير جائز ، ولا في نظائره ، لفرق بينهما .

فأما تمثيل الجماعة من المنافقين بالمستوقد الواحد ، فإنما جاز ، لأن المراد من [ ص: 319 ] الخبر عن مثل المنافقين ، الخبر عن مثل استضاءتهم بما أظهروا بألسنتهم من الإقرار وهم لغيره مستبطنون - من اعتقاداتهم الرديئة ، وخلطهم نفاقهم الباطن بالإقرار بالإيمان الظاهر . والاستضاءة - وإن اختلفت أشخاص أهلها - معنى واحد ، لا معان مختلفة . فالمثل لها في معنى المثل للشخص الواحد ، من الأشياء المختلفة الأشخاص .

وتأويل ذلك : مثل استضاءة المنافقين بما أظهروه من الإقرار بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، قولا وهم به مكذبون اعتقادا ، كمثل استضاءة الموقد نارا . ثم أسقط ذكر الاستضاءة ، وأضيف المثل إليهم ، كما قال نابغة بني جعدة :


وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب


يريد : كخلالة أبي مرحب ، فأسقط " خلالة " إذ كان فيما أظهر من الكلام دلالة لسامعيه على ما حذف منه . فكذلك القول في قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) ، لما كان معلوما عند سامعيه بما أظهر من الكلام ، أن المثل إنما ضرب لاستضاءة القوم بالإقرار دون أعيان أجسامهم - حسن حذف ذكر الاستضاءة ، وإضافة المثل إلى أهله . والمقصود بالمثل ما ذكرنا . فلما وصفنا ، جاز وحسن قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) ، ويشبه مثل الجماعة في اللفظ بالواحد ، إذ كان المراد بالمثل الواحد في المعنى .

وأما إذا أريد تشبيه الجماعة من أعيان بني آدم - أو أعيان ذوي الصور والأجسام ، بشيء - فالصواب من الكلام تشبيه الجماعة بالجماعة ، والواحد بالواحد ، لأن عين كل واحد منهم غير أعيان الآخرين .

ولذلك من المعنى ، افترق القول في تشبيه الأفعال والأسماء . فجاز تشبيه أفعال الجماعة من الناس وغيرهم - إذا كانت بمعنى واحد - بفعل الواحد ، [ ص: 320 ] ثم حذف أسماء الأفعال وإضافة المثل والتشبيه إلى الذين لهم الفعل . فيقال : ما أفعالكم إلا كفعل الكلب ، ثم يحذف فيقال : ما أفعالكم إلا كالكلب أو كالكلاب ، وأنت تعني : إلا كفعل الكلب ، وإلا كفعل الكلاب . ولم يجز أن تقول : ما هم إلا نخلة ، وأنت تريد تشبيه أجسامهم بالنخل في الطول والتمام .

وأما قوله : ( استوقد نارا ) ، فإنه في تأويل : أوقد ، كما قال الشاعر :


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب


يريد : فلم يجبه . فكان معنى الكلام إذا مثل استضاءة هؤلاء المنافقين في إظهارهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم ، من قولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر ، وصدقنا بمحمد وبما جاء به ، وهم للكفر مستبطنون - فيما الله فاعل بهم مثل استضاءة موقد نار بناره ، حتى أضاءت له النار ما حوله ، يعني : ما حول المستوقد .

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة : أن " الذي " في قوله : " كمثل الذي استوقد نارا " بمعنى الذين ، كما قال جل ثناؤه : ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ) [ سورة الزمر : 33 ] ، وكما قال الشاعر :


فإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]