عرض مشاركة واحدة
  #113  
قديم 07-03-2022, 01:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (113)
صــــــــــ 53 الى صـــــــــــ58


باب الخلاف في بيع الزرع قائما .


( قال الشافعي ) : رحمه الله فخالفنا في بيع الحنطة في سنبلها وما كان في معناها بعض الناس اجتمعوا على إجازتها وتفرقوا في الحبوب في بعض ما سألناهم عنه من العلة في إجازتها فقلت لبعضهم أتجيزها على ما أجزت عليه بيع الحنطة القائمة على الموضع الذي اشتريتها فيه أو حاضرة ذلك الموضع غائبة عن نظر المشتري بغرارة أو جراب أو وعاء ما كان أو طبق ؟ قال لا وذلك أني لو أجزتها لذلك المعنى جعلت له الخيار إذا رآها قلت فبأي معنى أجزتها ؟ قال بأنه ملك السنبلة فله ما كان مخلوقا فيها إن كان فيها خلق ما كان الخلق وبأي حال معيبا وغير معيب كما يملك الجارية فيكون له ولدان كان فيها وكانت ذات ولد أو لم تكن أو كان ناقصا أو معيبا لم أرده بشيء ولم أجعل له خيارا ، فقلت له أما ذوات الأولاد فمقصود بالبيع قصد أبدانهن يشترين للمنافع بهن وما وصفت في أولادهن كما وصفت وفي الشجر كما وصفت أفي السنبلة شيء يشترى غير المغيب فيكون المغيب لا حكم له كالولد وذات الولد والثمرة في الشجرة أم لا ؟ قال وما تعني بهذا ؟ قلت أرأيت إذا اشتريت ذات ولد أليس إنما تقع الصفقة عليها دون ولدها ؟ فكذلك ذات حمل من الشجر فإن أثمرت أو ولدت الأمة كان لك بأنه لا حكم له إلا حكم أمه ، ولا للثمر إلا حكم شجره ولا حصة لواحد منهما من الثمن ، وإن لم يكونا لم ينقص الثمن ، وإن كان مثمرا كثيرا وسالما أو لم يكن أو معيبا فللمشتري أفهكذا الحنطة عندك في أكمامها ؟ قال فإن قلت نعم ؟ قلت فما البيع ؟ قال فإن قلت ما ترى ؟ قلت فإن لم أجد فيما أرى شيئا قال يلزمني أن أقول يلزمه كالجارية إذا لم يكن في بطنها ولد وليس كهي ; لأن المشترى الأمة لا حملها والمشترى الحب لا أكمامه فهما مختلفان هنا ومخالف للجوز وما أشبهه ; لأن ادخار الحب بعد خروجه من أكمامه وادخار اللوز وشبهه بقشره فهذا يدخله ما وصفت وليس يقاس بشيء من هذا ولكنا اتبعنا الأثر ، قلت : لو صح لكنا أتبع له
باب بيع العرايا

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع التمر بالتمر } قال عبد الله وحدثنا زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا : أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار { عن إسماعيل الشيباني أو غيره قال بعت ما في رءوس نخلي بمائة وسق إن زاد فلهم ، وإن نقص فعليهم فسألت ابن عمر فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا إلا أنه أرخص في بيع العرايا } .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت { أن رسول الله صلى الله تعالى وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها } .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق } ، شك داود قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق .

( قال الشافعي ) : وقيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم هذه ؟ قال فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا .

( قال ) : وحديث سفيان يدل على مثل هذا الحديث .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار قال سمعت سهل بن أبي حثمة يقول { نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا } .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة } والمزابنة بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا .

( قال الشافعي ) : والأحاديث قبله تدل عليه إذا كانت العرايا داخلة في بيع الرطب بالتمر ، وهو منهي عنه في المزابنة وخارجة من أن يباع مثلا بمثل بالكيل فكانت داخلة في معان منهي عنها كلها خارجة منه منفردة بخلاف حكمه إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها وإما بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه والمعقول فيها أن يكون أذن لمن لا يحل له أن يبتاع بتمر من النخل ما يستجنيه رطبا كما يبتاعه بالدنانير والدراهم فيدخل في معنى الحلال أو يزايل معنى الحرام وقوله صلى الله عليه وسلم { يأكلها أهلها رطبا } خبر أن مبتاع العرية يبتاعها ليأكلها يدل على أنه لا رطب له في موضعها يأكله غيرها ولو كان صاحب الحائط هو المرخص له أن يبتاع العرية ليأكلها كان له حائطه معها أكثر من العرايا فأكل من حائطه ولم يكن عليه ضرر إلى أن يبتاع العرية التي هي داخلة في معنى ما وصفت من النهي
( قال ) : ولا يبتاع الذي يشتري العرية بالتمر العرية إلا بأن تخرص العرية كما تخرص للعشر فيقال فيها الآن ، وهي رطب كذا وإذا تيبس كان كذا ويدفع من التمر مكيلة حرزها تمرا يؤدي ذلك إليه قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل دفعه فسد البيع وذلك أنه يكون حينئذ تمر بتمر أحدهما غائب والآخر حاضر وهذا محرم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أكثر فقهاء المسلمين .
( قال ) : { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تباع العرايا إلا في خمسة أوسق أو دونها } دلالة على ما وصفت من أنه إنما رخص فيها لمن لا تحل له وذلك أنه لو كان كالبيوع غيره كان بيع خمسة ودونها [ ص: 55 ] وأكثر منها سواء ولكنه أرخص له فيه بما يكون مأكولا على التوسع له ولعياله ومنع ما هو أكثر منه ولو كان صاحب الحائط المرخص له خاصة لأذى الداخل عليه الذي أعراه وكان إنما أرخص له لتنحية الأذى كان أذى الداخل عليه في أكثر من خمسة أوسق مثل أو أكثر من أذاه فيما دون خمسة أوسق فإذا حظر عليه أن يشتري إلا خمسة أوسق لزمه الأذى إذا كان قد أعرى أكثر من خمسة أوسق .

( قال ) : فمعنى السنة والذي أحفظ عن أكثر من لقيت ممن أجاز بيع العرايا أنها جائزة لمن ابتاعها ممن لا يحل له في موضعها مثلها بخرصها تمرا وأنه لا يجوز البيع فيها حتى يقبض النخلة بثمرها ويقبض صاحب النخلة التمر بكيله .

( قال ) : ولا يصلح أن يبيعها بجزاف من التمر . :

; لأنه جنس لا يجوز في بعضه ببعض الجزاف وإذا بيعت العرية بشيء من المأكول أو المشروب غير التمر فلا بأس أن يباع جزافا ولا يجوز بيعها حتى يتقابضا قبل أن يتفرقا ، وهو حينئذ مثل بيع التمر بالحنطة والحنطة بالذرة ولا يجوز أن يبيع صاحب العرية من العرايا إلا خمسة أوسق أو دونها وأحب إلي أن يكون المبيع دونها ; لأنه ليس في النفس منه شيء .

( قال ) : وإذا ابتاع خمسة أوسق لم أفسخ البيع ولم أقسط له ، وإن ابتاع أكثر من خمسة أوسق فسخت العقدة كلها ; لأنها وقعت على ما يجوز وما لا يجوز .
( قال ) : ولا بأس أن يبيع صاحب الحائط من غير واحد عرايا كلهم يبتاعون دون خمسة أوسق ; لأن كل واحد منهم لم يحرم على الافتراق للترخيص له أن يبتاع هذه المكيلة وإذا حل ذلك لكل واحد منهم لم يحرم على رب الحائط أن يبيع ماله وكان حلالا لمن ابتاعه ولو أتى ذلك على جميع حائطه .
( قال ) : والعرايا من العنب كهي من التمر لا يختلفان ; لأنهما يخرصان معا .
( قال ) : وكل ثمرة ظاهرة من أصل ثابت مثل الفرسك والمشمش والكمثرى والإجاص ونحو ذلك مخالفة للتمر والعنب ; لأنها لا تخرص لتفرق ثمارها والحائل من الورق دونها وأحب إلي أن لا تجوز بما وصفت ولو قال رجل هي ، وإن لم تخرص فقد رخص منها فيما حرم من غيرها أن يباع بالتحري فأجيزه كان مذهبا والله أعلم .
( قال ) : فإذا بيعت العرايا بمكيل أو موزون من المأكول أو المشروب لم يجز أن يتفرقا حتى يتقابضا والمعدود من المأكول والمشروب عندي بمنزلة المكيل والموزون ; لأنه مأكول وموزون يحل وزنه أو كيله وموجود من يزنه ويكيله وإذا بيعت بعرض من العروض موصوف بمثل ثوب من جنس يذرع . :

وخشبة من جنس يذرع وحديد موصوف يوزن وصفر وكل ما عدا المأكول والمشروب مما تقع عليه الصفقة من ذهب أو ورق أو حيوان وقبض المشتري العرية وسمى أجلا للثمن كان حلالا والبيع جائز فيها كهو في طعام موضوع ابتيع بعرض وقبض الطعام ولم يقبض العرض إما كان حالا فكان لصاحبه قبضه من بيعه متى شاء وإما كان إلى أجل فكان له قبضه منه عند انقضاء مدة الأجل .
( قال ) : ولا تباع العرايا بشيء من صنفه جزافا لاتباع عرية النخل بتمره جزافا ولا بتمر نخلة مثلها ولا أكثر ; لأن هذا محرم إلا كيلا بكيل إلا العرايا خاصة ; لأن الخرص فيها يقوم مقام الكيل بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويباع تمر نخلة جزافا بثمر عنبة وشجرة غيرها جزافا ; لأنه لا بأس بالفضل في بعض هذا على بعض موضوعا بالأرض والذي أذهب إليه أن لا بأس أن يبتاع الرجل العرايا فيما دون خمسة أوسق ، وإن كان موسرا ; لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أحلها فلم يستثن فيها أنها تحل لأحد دون أحد ، وإن كان سببها بما وصفت فالخبر عنه صلى الله عليه وسلم جاء بإطلاق إحلالها ولم يحظره على أحد فنقول يحل لك ولمن كان مثلك كما قال في الضحية بالجذعة تجزيك ولا تجزي غيرك وكما حرم الله عز وجل الميتة فلم يرخص فيها إلا للمضطر ، وهي بالمسح على الخفين أشبه إذ { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا فلم يحرم على مقيم أن يمسح } ، وكثير من الفرائض قد نزلت بأسباب قوم فكان لهم وللناس عامة إلا ما بين [ ص: 56 ] الله عز وجل أنه أحل لمعنى ضرورة أو خاصة .
( قال ) : ولا بأس إذا اشترى رجل عرية أن يطعم منها ويبيع ; لأنه قد ملك ثمرتها ولا بأس أن يشتريها في الموضع من له حائط بذلك الموضع لموافقة ثمرتها أو فضلها أو قربها ; لأن الإحلال عام لا خاص إلا أن يخص بخبر لازم .

( قال ) : وإن حل لصاحب العرية شراؤها حل له هبتها وإطعامها وبيعها وادخارها وما يحل له من المال في ماله وذلك أنك إذا ملكت حلالا حل لك هذا كله فيه وأنت ملكت العرية حلالا .
( قال ) : والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذي وصفنا أحدها وجماع العرايا كل ما أفرد ليأكله خاصة ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملته من واحد والصنف الثاني . :

أن يخص رب الحائط القوم فيعطي الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر عرية يأكلها وهذه في معنى المنحة من الغنم يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين أو أكثر ليشرب لبنها وينتفع به وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يصنع في ماله ; لأنه قد ملكه .

( قال ) : والصنف الثالث من العرايا أن يعري الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل فيه ما أحب ويبيع ما بقي من ثمر حائطه فتكون هذه مفردة من المبيع منه جملة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وقد روي أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لأهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلون ولا يخرصه ليأخذ زكاته ، وقيل قياسا على ذلك أنه يدع ما أعرى للمساكين منها فلا يخرصه وهذا موضوع بتفسيره في كتاب الخرص
باب العرية

( قال الشافعي ) : رحمه الله والعرية التي { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعها أن قوما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ما يشترون به من ذهب ولا ورق وعندهم فضول تمر من قوت سنتهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا العرية بخرصها تمرا يأكلونها رطبا } ولا تشتري بخرصها إلا كما { سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرص رطبا } فيقال مكيلته كذا وينقص كذا إذا صار تمرا فيشتريها المشتري لها بمثل كيل ذلك التمر ويدفعه إليه قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فالبيع فاسد ولا يشتري من العرايا إلا أقل من خمسة أوسق بشيء ما كان فإذا كان أقل من خمسة أوسق جاز البيع وسواء الغني والفقير في شراء العرايا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نهى عن بيع الرطب بالتمر والمزابنة والعرايا تدخل في جملة اللفظ ; لأنها جزاف بكيل وتمر برطب استدللنا على أن العرايا ليست مما نهي عنه غني ولا فقير ولكن كان كلامه فيها جملة عام المخرج يريد به الخاص وكما نهى عن صلاة بعد الصبح والعصر وكان عام المخرج ولما أذن في الصلاة للطواف في ساعات الليل والنهار وأمر من نسي صلاة أن يصليها إذا ذكرها ، فاستدللنا على أن نهيه ذلك العام إنما هو على الخاص ، والخاص أن يكون نهى عن أن يتطوع الرجل فأما كل صلاة لزمته فلم ينه عنه وكما قال { البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه } وقضى بالقسامة وقضى باليمين مع الشاهد فاستدللنا على أنه إنما أراد بجملة المدعي والمدعى عليه خاصا وأن اليمين مع الشاهد والقسامة [ ص: 57 ] استثناء مما أراد ; لأن المدعي في القسامة يحلف بلا بينة والمدعي مع الشاهد يحلف ويستوجبان حقوقهما والحاجة في العرية والبيع وغيرهما سواء .
( قال الشافعي ) : ولا تكون العرايا إلا في النخل والعنب ; لأنه لا يضبط خرص شيء غيره ولا بأس أن يبيع ثمر حائطه كله عرايا إذا كان لا يبيع واحدا منهم إلا أقل من خمسة أوسق .
باب الجائحة في الثمرة .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح } .

( قال الشافعي ) : سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثيرا في طول مجالستي له لا أحصي ما سمعته يحدثه من كثرته لا يذكر فيه أمر بوضع الجوائح لا يزيد على { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين ثم زاد بعد ذلك وأمر بوضع الجوائح } .

( قال الشافعي ) : قال سفيان وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلاما قبل وضع الجوائح لا أحفظه فكنت أكف عن ذكر وضع الجوائح لأني لا أدري كيف كان الكلام وفي الحديث أمر بوضع الجوائح .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثله .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أنه سمعها تقول { ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وأقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع عنه فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب المال ، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : هو له } .

( قال الشافعي ) : قال سفيان في حديثه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضع الجوائح ما حكيت فقد يجوز أن يكون الكلام الذي لم يحفظه سفيان من حديث محمد يدل على أن أمره بوضعها على مثل أمره بالصلح على النصف وعلى مثل أمره بالصدقة تطوعا حضا على الخير لا حتما وما أشبه ذلك ويجوز غيره فلما احتمل الحديث المعنيين معا ولم يكن فيه دلالة على أيهما أولى به لم يجز عندنا أن نحكم والله أعلم على الناس بوضع ما وجب لهم بلا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت بوضعه .

( قال الشافعي ) : وحديث مالك عن عمرة مرسل وأهل الحديث ، ونحن لا نثبت مرسلا .

( قال الشافعي ) : ولو ثبت حديث عمرة كانت فيه والله تعالى أعلم دلالة على أن لا توضع الجائحة لقولها قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { تألى أن لا يفعل خيرا } ولو كان الحكم عليه أن يضع الجائحة لكان أشبه أن يقول ذلك لازم له حلف أو لم يحلف وذلك أن كل من كان عليه حق قيل هذا يلزمك أن تؤديه إذا امتنعت من حق فأخذ منك بكل حال .

( قال ) : وإذا اشترى الرجل الثمرة فخلى بينه وبينها فأصابتها جائحة فلا نحكم له على البائع أن يضع عنه من ثمنها شيئا .

( قال ) : ولو لم يكن سفيان وهن حديثه بما وصفت وثبتت السنة بوضع الجائحة وضعت كل قليل وكثير أصيب من السماء بغير جناية أحد عليه فأما أن يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دون الثلث فهذا لا خبر ولا قياس ولا معقول .

( قال ) : ولو صرت إلى وضع الجائحة ما كانت الحجة فيها إلا اتباع الخبر لو ثبت ولا أقول قياسا على الدار إذا تكاراها سنة أو أقل فأقبضها على الكراء فتنهدم الدار ولم يمض من السنة إلا يوم أو قد [ ص: 58 ] مضت إلا يوم ، فلا يجب علي إلا إجارة يوم أو يجب علي إجارة سنة إلا يوم وذلك أن الذي يصل إلى منفعة الدار ما كانت الدار في يدي فإذا انقطعت منفعة الدار بانهدامها يجب علي كراء ما لم أجد السبيل إلى أخذه فإن قال قائل فما منعك أن تجعل ثمرة النخل قياسا على ما وصفت من كراء الدار وأنت تجيز بيع ثمر النخل فيترك إلى غاية في نخله كما تجيز أن يقبض الدار ويسكنها إلى مدة ؟ .

( قال الشافعي ) : فقيل له إن شاء الله تعالى الدار تكترى سنة ثم تنهدم من قبل تمام السنة مخالفة للثمرة تقبض من قبل أن سكناها ليس بعين ترى إنما هي بمدة تأتي فكل يوم منها يمضي بما فيه ، وهي بيد المكتري يلزمه الكراء فيه ، وإن لم يسكنها إذا خلى بينه وبينها والثمرة إذا ابتيعت وقبضت وكلها في يد المشتري يقدر على أن يأخذها كلها من ساعته ويكون ذلك له وإنما يرى تركه إياها اختيارا لتبلغ غاية يكون له فيها أخذه قبلها وقد يكون رطبا يمكنه أخذه وبيعه وتيبيسه فيتركه ليأخذه يوما بيوم ورطبا ليكون أكثر قيمة إذا فرقه في الأيام وأدوم لأهله فلو زعمت أني أضع الجائحة بعد أن يرطب الحائط كله أو أكثره ويمكن فيه أن يقطع كله فيباع رطبا ، وإن كان ذلك أنقص لمالك الرطب أو ييبس تمرا ، وإن كان ذلك أنقص على مالكه زعمت أني أضع عنه الجائحة ، وهو تمر وقد ترك قطعه وتمييزه في وقت يمكنه فيه إحرازه وخالفت بينه وبين الدار التي إذا ترك سكناها سنة لزمه كراؤها كما يلزمه لو سكنها ; لأنه ترك ما كان قادرا عليه .

( قال ) : ولو جاز أن يقاس على الدار بما وصفت جاز ذلك ما لم يرطب ; لأن ذلك ليس وقت منفعتها والحين الذي لا يصلح أن يتمر فيه ، وأما بعد ما يرطب فيختلفان .

( قال ) : وهذا مما أستخير الله فيه ولو صرت إلى القول به صرت إلى ما وصفت من وضع قبضة رطبا أو بسرا لو ذهب منه كما أصير إلى وضع كراء يوم من الدار لو انهدمت قبله وكما أصير إلى وضع قبضة حنطة لو ابتاع رجل صاعا فاستوفاه إلا قبضة فاستهلكه لم يلزمه ثمن ما لم يصل إليه ، ولا يجوز أن يوضع عنه الكثير بمعنى أنه لم يصل إليه ولا يوضع عنه القليل ، وهو في معناه ولو صرت إلى وضعها فاختلفا في الجائحة فقال البائع لم تصبك الجائحة أو قد أصابتك فأذهبت لك فرقا وقال المشتري بل أذهبت لي ألف فرق كان القول قول البائع مع يمينه ; لأن الثمن لازم للمشتري ولا يصدق المشتري على البراءة منه بقوله وعلى المشتري البينة بما ذهب له .

( قال ) : وجماع الجوائح كل ما أذهب الثمرة أو بعضها بغير جناية آدمي .

( قال ) : ويدخل على من وضع الجائحة من قبل أن المشتري لم يقبض الثمرة زعم وأن جناية الآدميين جائحة توضع ; لأني إذا وضعت الجائحة زعمت أن البائع لا يستحق الثمن إلا إذا قبضت كما لا يستحق الكراء إلا ما كانت السلامة موجودة في الدار ، وهي في يدي وكان البائع ابتاع مهلك الثمرة بقيمة ثمرته أو يكون لمشتري الثمرة الخيار بين أن يوضع عنه أو لا يوضع ويبيع مهلك ثمرته بما أهلك منها كما يكون له الخيار في عبد ابتاعه فجنى عليه قبل أن يقبضه وهذا قول فيه ما فيه .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فإن قال فهل من حجة لمن ذهب إلى أن لا توضع الجائحة ؟ قيل نعم فيما روي والله أعلم من { نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى ينجو من العاهة ويبدو صلاحه وما نهى عنه من قوله أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه } ولو كان مالك الثمرة لا يملك ثمن ما اجتيح من ثمرته ما كان لمنعه أن يبيعها معنى إذا كان يحل بيعها طلعا وبلحا ويلقط ويقطع إلا أنه أمره ببيعها في الحين الذي الأغلب فيها أن تنجو من العاهة لئلا يدخل المشتري في بيع لم يغلب أن ينجو من العاهة ولو لم يلزمه ثمن ما أصابته الجائحة فجاز البيع على أنه يلزمه على السلامة ما ضر ذلك البائع والمشتري .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]