عرض مشاركة واحدة
  #114  
قديم 07-03-2022, 12:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (114)
صــــــــــ 59 الى صـــــــــــ64





( قال ) : ولو ثبت الحديث في وضع الجائحة لم يكن في هذا حجة وأمضى الحديث على وجهه فإن قال قائل فهل روي في وضع الجائحة أو ترك وضعها شيء عن بعض [ ص: 59 ] الفقهاء ؟ قيل نعم لو لم يكن فيها إلا قول لم يلزم الناس فإن قيل فأبنه قيل أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار فيمن باع ثمرا فأصابته جائحة قال ما أرى إلا أنه إن شاء لم يضع قال سعيد يعني البائع .

( قال الشافعي ) : وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه باع حائطا له فأصابت مشتريه جائحة فأخذ الثمن منه ولا أدري أيثبت أم لا ؟ قال ومن وضع الجائحة فلا يضعها إلا على معنى أن قبضها قبض إن كانت السلامة ولزمه إن أصاب ثمر النخل شيء يدخله عيب مثل عطش يضمره أو جمح يناله أو غير ذلك من العيوب أن يجعل للمشتري الخيار في أخذه معيبا أو رده فإن كان أخذ منه شيئا فقدر عليه رده ، وإن فات لزمه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وقال يحسب عليه ما أخذ بحصته من الثمن ويرد ما بقي بما يلزمه من الثمن إلا أن يختار أن يأخذه معيبا فإن أصابته جائحة بعد العيب . :

رجع بحصته من الثمن ; لأن الجائحة غير العيب .

( قال ) : ولعله يلزمه لو غصب ثمرته قبل أن يقطعها أو تعدى فيها عليه وال فأخذ أكثر من صدقته . :

أن يرجع على البائع ; لأنه لم يسلم له كما لو باعه عبدا لم يقبضه أو عبيدا قبض بعضهم ولم يقبض بعضا حتى عدا عاد على عبد فقتله أو غصبه أو مات موتا من السماء كان للمشتري فسخ البيع وللبائع اتباع الغاصب والجاني بجنايته وغصبه ومات العبد الميت من مال البائع وكان شبيها أن يكون جملة القول فيه أن يكون الثمر المبيع في شجره المدفوع إلى مبتاعه من ضمان البائع حتى يستوفي المشتري ما اشترى منه لا يبرأ البائع من شيء منه حتى يأخذه المشتري أو يؤخذ بأمره من شجره كما يكون من ابتاع طعاما في بيت أو سفينة كله على كيل معلوم فما استوفى المشتري برئ منه البائع وما لم يستوف حتى يسرق أو تصيبه آفة فهو من مال البائع وما أصابه من عيب فالمشتري بالخيار في أخذه أو رده .

( قال ) : وينبغي لمن وضع الجائحة أن يضعها من كل قليل وكثير أتلفها ويخير المشتري إن تلف منها شيء أن يرد البيع أو يأخذ الباقي بحصته من الثمن ما لم يرطب النخل عامة فإذا أرطبه عامة حتى يمكنه جدادها لا يضع من الجائحة شيئا .

( قال ) : وكذلك كل ما أرطبت عليه فأصابتها جائحة انبغى أن لا يضعها عنه ; لأنه قد خلى بينه وبين قبضها ووجد السبيل إلى القبض بالجداد فتركه إذا تركه بعد أن يمكنه أن يجده فيها حتى يكون أصل قوله فيها أن يزعم أن الثمرة مضمونة من البائع حتى يجتمع فيها خصلتان أن يسلمها إلى المشتري ويكون المشتري قادرا على قبضها بالغة صلاحها بأن ترطب فتجد ، لا يستقيم فيه عندي قول غير هذا وما أصيب فيها بعد إرطابه من مال المشتري .

( قال ) : وهذا يدخله أن المشتري قابض قادر على القطع ، وإن لم يرطب من قبل أنه لو قطعه قبل أن يرطب كان قطع ماله ولزمه جميع ثمنه .
باب في الجائحة

( قال الشافعي ) : وإذا اشترى الرجل الثمر فقبضه فأصابته جائحة فسواء من قبل أن يجف أو بعد ما جف ما لم يجده وسواء كانت الجائحة ثمرة واحدة أو أتت على جميع المال لا يجوز فيها إلا واحد من قولين : إما أن يكون لما قبضها وكان معلوما أن يتركها إلى الجداد كان في غير معنى من قبض فلا يضمن إلا ما قبض كما يشتري الرجل من الرجل الطعام كيلا فيقبض بعضه ويهلك بعضه قبل أن يقبضه فلا يضمن ما هلك ; لأنه لم يقبضه ويضمن ما قبض وإما أن يكون إذا قبض الثمرة كان مسلطا عليها إن شاء قطعها ، وإن شاء تركها فما هلك في يديه فإنما هلك من ماله لا من مال البائع فأما ما يخرج من هذا [ ص: 60 ] المعنى فلا يجوز أن يقال يضمن البائع الثلث إن أصابته جائحة فأكثر ولا يضمن أقل من الثلث وإنما هو اشتراها بيعة واحدة وقبضها قبضا واحدا فكيف يضمن له بعض ما قبض ولا يضمن له بعضا ؟ أرأيت لو قال رجل لا يضمن حتى يهلك المال كله ; لأنه حينئذ الجائحة أو قال إذا هلك سهم من ألف سهم هل الحجة عليهما إلا ما وصفنا ؟ .

( قال الشافعي ) : والجائحة من المصائب كلها كانت من السماء أو من الآدميين .

( قال الشافعي ) : الجائحة في كل ما اشترى من الثمار كان مما ييبس أو لا ييبس وكذلك هي في كل شيء اشتري فيترك حتى يبلغ أوانه فأصابته الجائحة دون أوانه فمن وضع الجائحة وضعه ; لأن كلا لم يقبض بكمال القبض وإذا باع الرجل الرجل ثمرة على أن يتركها إلى الجذاذ ثم انقطع الماء وكانت لا صلاح لها إلا به فالمشتري بالخيار بين أن يأخذ جميع الثمرة بجميع الثمن وبين أن يردها بالعيب الذي دخلها فإن ردها بالعيب الذي دخلها وقد أخذ منها شيئا كان ما أخذ منها بحصته من أصل الثمن ، وإن اختلفا فيه فالقول قول المشتري وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثمر حائط فالسقي على رب المال ; لأنه لا صلاح للثمرة إلا به وليس على المشتري منه شيء فإن اختلفا في السقي فأراد المشتري منه أكثر مما يسقي البائع لم ينظر إلى قول واحد منهما ويسأل أهل العلم به فإن قالوا لا يصلحه من السقي إلا كذا جبرت البائع عليه ، وإن قالوا في هذا صلاحه ، وإن زيد كان أزيد في صلاحه لم أجبر البائع على الزيادة على صلاحه وإذا اشترط البائع على المشتري أن عليه السقي . :

فالبيع فاسد من قبل أن السقي مجهول ولو كان معلوما أبطلناه من قبل أنه بيع وإجارة .
باب الثنيا .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة أن القاسم بن محمد كان يبيع ثمر حائطه ويستثني منه .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو أن جده محمد بن عمرو باع حائطا له يقال له الإفراق بأربعة آلاف واستثنى منه بثمانمائة درهم ثمرا أو تمرا أنا أشك .

( قال الربيع ) : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة أنها كانت تبيع ثمارها وتستثني منها .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك حائطي إلا خمسين فرقا أو كيلا مسمى ما كان ؟ قال لا ، قال ابن جريج فإن قلت هي من السواد سواد الرطب قال لا .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال ، قلت لعطاء أبيعك نخلي إلا عشر نخلات أختارهن قال لا إلا أن نستثني أيهن هي قبل البيع تقول هذه وهذه .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أيبيع الرجل نخله أو عنبه أو بره أو عبده أو سلعته ما كانت على أني شريكك بالربع وبما كان من ذلك ؟ قال لا بأس بذلك .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي بمائة دينار فضلا عن نفقة الرقيق ؟ فقال لا من قبل أن نفقة الرقيق مجهولة ليس لها وقت فمن ثم فسد .

( قال الشافعي ) : ما قال عطاء من هذا كله كما قال إن شاء الله ، وهو في معنى السنة والإجماع والقياس عليهما أو على أحدهما وذلك أنهلا يجوز بيع بثمن مجهول ، وإن اشترى حائطا بمائة دينار ونفقة الرقيق فالثمن مسمى غير معلوم والبيع فاسد وإذا [ ص: 61 ] باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة منه فليس ما باع منه بمعلوم وقد يكون يستثني مدا ولا يدري كم المد من الحائط أسهم من ألف أم مائة سهم أم أقل أم أكثر فإذا استثنى منه كيلا لم يكن ما اشترى منه بجزاف معلوم ولا كيل مضمون ولا معلوم وقد تصيبه الآفة فيكون المد نصف ثمر الحائط وقد يكون سهما من ألف سهم منه حين باعه وهكذا إذا استثنى عليه نخلات يختارهن أو يتشررهن فقد يكون في الخيار والشرار النخل بعضه أكثر ثمنا من بعض وخيرا منه بكثرة الحمل وجودة الثمر فلا يجوز أن يستثني من الحائط نخلا لا بعدد ولا كيل بحال ولا جزءا إلا جزءا معلوما ولا نخلا إلا نخلا معلوما .
( قال ) : وإن باعه الحائط إلا ربعه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه أو الحائط إلا نخلات يشير إليهن فإنما وقعت الصفقة على ما لم يستثن فكان الحائط فيه مائة نخلة استثنى منهن عشر نخلات فإنما وقعت الصفقة على تسعين بأعيانهن وإذا استثنى ربع الحائط فإنما وقعت الصفقة على ثلاثة أرباع الحائط والبائع شريك بالربع كما يكون رجال لو اشتروا حائطا مع شركاء فيما اشتروا من الحائط بقدر ما اشتروا منه .
( قال ) : ولو باع رجل ثمر حائطه بأربعة آلاف واستثنى منه بألف فإن كان عقد البيع على هذا فإنما باعه ثلاثة أرباع الحائط فإن قال : أستثني ثمرا بالألف بسعر يومه لم يجز ; لأن البيع وقع غير معلوم للبائع ولا للمشتري ولا لواحد منهما .

( قال الشافعي ) : وهكذا من باع رجلا غنما قد حال عليها الحول أو بقرا أو إبلا فأخذت الصدقة منها فالمشتري بالخيار في رد البيع ; لأنه لم يسلم له ما اشترى كاملا أو أخذ ما بقي بحصته من الثمن ولكن إن باعه إبلا دون خمسة وعشرين فالبيع جائز وعلى البائع صدقة الإبل التي حال عليها الحول في يده ولا صدقة على المشتري فيها .

( قال ) : ومثل هذا الرجل يبيع الرجل العبد قد حل دمه عنده بردة أو قتل عمد أو حل قطع يده عنده في سرقة فيقتل فينفسخ البيع ويرجع بما أخذ منه أو يقطع فله الخيار في فسخ البيع أو إمساكه ; لأن العيوب في الأبدان مخالفة نقص العدد ولو كان المشتري كيلا معينا كان هكذا إذا كان ناقصا في الكيل أخذ بحصته من الثمن إن شاء صاحبه ، وإن شاء فسخ فيه البيع ولو قال أبيعك ثمر نخلات تختارهن لم يجز ; لأن البيع قد وقع على غير معلوم وليس يفسد إلا من هذا الوجه فأما أن يكون بيع ثمر بأكثر منه ، فهو لم يجب له شيء فكيف يبيع ما لم يجب له ولكنه لا يصلح إلا معلوما ؟
باب صدقة الثمر .

( قال الشافعي ) : رحمه الله الثمر يباع ثمران ثمر فيه صدقة وثمر لا صدقة فيه فأما الثمر الذي لا صدقة فيه فبيعه جائز لا علة فيه ; لأنه كله لمن اشتراه ، وأما ما بيع مما فيه صدقة منه فالبيع يصح بأن يقول أبيعك الفضل من ثمر حائطي هذا عن الصدقة وصدقته العشر أو نصف العشر إن كان يسقى بنضح فيكون كما وصفنا في الاستثناء كأنه باعه تسعة أعشار الحائط أو تسعة أعشار ثمره ونصف عشر ثمره .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي هذا بأربعمائة دينار فضلا عن الصدقة فقال نعم ; لأن الصدقة ليست لك إنما هي للمساكين .

( قال الشافعي ) : ولو باعه ثمر حائطه وسكت عما وصفت من أجزاء الصدقة وكم قدرها كان فيه قولان أحدهما أن يكون المشتري بالخيار في أخذ ما جاوز الصدقة بحصته من ثمن الكل وذلك تسعة أعشار الكل أو [ ص: 62 ] تسعة أعشار ونصف عشر الكل أو يرد البيع ; لأنه لم يسلم إليه كل ما اشترى والثاني إن شاء أخذ الفضل عن الصدقة بجميع الثمن ، وإن شاء ترك .

( قال الربيع ) : وللشافعي فيه قول ثالث إن الصفقة كلها باطلة من قبل أنه باعه ما ملك وما لم يملك فلما جمعت الصفقة حرام البيع وحلال البيع بطلت الصفقة كلها .

( قال الشافعي ) : ولو قال بائع الحائط الصدقة علي ، لم يلزم البيع المشتري إلا أن يشاء وذلك أن على السلطان أخذ الصدقة من الثمرة التي في يده وليس عليه أن يأخذ بمكيلتها ثمرا من غيرها قال وكذلك الرطب لا يكون ثمرا ; لأن للسلطان أن يأخذ عشر الرطب فإن صار السلطان إلى أن يضمن عشر رطبه ثمرا مثل رطبه لو كان يكون تمرا أو اشترى المشتري بعدها رجوت أن يجوز الشراء فأما إن اشترى قبل هذا فهو كمن اشترى من ثمر حائط فيه العشر لما وصفت من أن يؤخذ عشره رطبا وإن من الناس من يقول يأخذ عشر ثمن الرطب ; لأنه شريك له فيه فإذا كان هذا هكذا فالبيع وقع على الكل ولم يسلم له وله في أحد القولين الخيار بين أن يأخذ تسعة أعشاره بتسعة أعشار الثمن أو رده كله .

( قال ) : ومن أصحابنا من أجاز البيع بينهما ، إن كان قد عرف المتبايعان معا أن الصدقة في الثمرة فإنما اشترى هذا وباع هذا الفضل عن الصدقة والصدقة معروفة عندهما .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال إن بعت ثمرك ولم تذكر الصدقة أنت ولا بيعك فالصدقة على المبتاع قال إنما الصدقة على الحائط قال هي على المبتاع قال ابن جريج فقلت له : إن بعته قبل أن يخرص أو بعدما يخرص ؟ قال نعم .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال في مثل ذلك مثل قول عطاء إنما هي على المبتاع .

( قال الشافعي ) : وما قالا من هذا كما قالا إنما الصدقة في عين الشيء بعينه فحيثما تحول ففيه الصدقة ألا ترى أن رجلا لو ورث أخذت الصدقة من الحائط وكذلك لو وهب له ثمره أو تصدق به عليه أو ملكه بوجه من الوجوه .
( قال ) : وقد قيل في هذا شيء آخر : إن الثمرة إذا وجبت فيها الصدقة ثم باعها فالصدقة في الثمرة والمبتاع مخير ; لأنه باعه ماله وما للمساكين في أخذ غير الصدقة بحصته من الثمن أو رد البيع .

( قال ) : وأما إذا وهبها أو تصدق بها أو ورث الثمرة عن أحد وقد أوجبت فيها الصدقة أو لم تجب فهذا كله مكتوب في كتاب الصدقات بتفريعه .

( قال ) : وقد قال غير من وصفت قوله الصدقة على البائع والبيع جائز والثمرة كلها للمبتاع .

( قال ) : وإذا كان للوالي أن يأخذ الصدقة من الثمرة فلم تخلص الثمرة له كلها ، وإن قال يعطيه رب الحائط ثمرا مثلها فقد أحال الصدقة في غير العين التي وجبت فيها الصدقة والعين موجودة .

( قال ) : ومن قال هذا القول فإنما يقول هو لو وجب عليه في أربعين دينارا دينار كان له أن يعطي دينارا مثله من غيرها وكذلك قوله في الماشية وصنوف الصدقة .

( قال ) : قول الله عز وجل { خذ من أموالهم صدقة } يدل على أنه إذا كان في المال صدقة والشرط من الصدقة فإنما يؤخذ منه لا من غيره فبهذا أقول ، وبهذا اخترت القول الأول من أن البيع لازم فيما لا صدقة فيه وغير لازم فيما فيه الصدقة إذا عرفت عرف البائع والمشتري ما يبيع هذا ويشتري هذا .
( قال ) : وإذا سمى البائع للمشتري الصدقة وعرفاها فتعدى عليه الوالي فأخذ أكثر من هذا فالوالي كالغاصب فيما جاوز الصدقة والقول فيها كالقول في الغاصب فمن لم يضع الجائحة قال هذا رجل ظلم ماله ولا ذنب على بائعه في ظلم غيره وقد قبض ما ابتاع ومن وضع الجائحة كان إنما يضعها بمعنى أنها غير تامة القبض يشبه أن يلزمه أن يضع عنه بقدر العدوان عليه ويخيره بعد العدوان في رد البيع أو أخذه بحصته من الثمن ; لأنه لم يسلم إليه كما باعه .

( قال الشافعي ) : فإن قال قائل المظلمة ليست بجائحة قيل وما معنى الجائحة ؟ أليس ما أتلف من مال الرجل - فالمظلمة [ ص: 63 ] إتلاف فإن قال ما أصاب من السماء قيل أفرأيت ما ابتعت فلم أقبضه فأصابه من السماء شيء يتلفه أليس ينفسخ البيع ؟ فإن قال بلى قيل فإن أصابه من الآدميين فأنا بالخيار بين أن أفسخ البيع أو آخذه وأتبع الآدمي بقيمته فإن قال نعم قيل فقد جعلت ما أصاب من السماء في أكثر من معنى ما أصاب من الآدميين أو مثله ; لأنك فسخت به البيع ، وإن قال إذا ملكته فهو منك ، وإن لم تقبضه فإذا هلك هلك منك بالثمرة قد ابتعتها وقبضتها فهي أولى أن لا توضع عني بتلف أصابها .
باب في المزابنة

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة } والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي سعيد الخدري أو أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة والمحاقلة } والمزابنة اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة والمحاقلة } والمزابنة اشتراء التمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة قال ابن شهاب فسألت عن استكراء الأرض بالذهب والفضة فقال لا بأس بذلك .

( قال الشافعي ) : والمحاقلة في الزرع كالمزابنة في التمر .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما المحاقلة قال المحاقلة في الحرث كهيئة المزابنة في النخل سواء بيع الزرع وبالقمح قال ابن جريج فقلت لعطاء أفسر لكم جابر في المحاقلة كما أخبرتني قال نعم .

قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوصا والله تعالى أعلم ويحتمل أن يكون على رواية من هو دونه والله تعالى أعلم .

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة } والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة والمزابنة أن يبيع التمر في رءوس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الأرض بالثلث والربع .

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه أخبره عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا تعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر } .

أخبرنا الربيع قال أخبر الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء سمعت من جابر بن عبد الله خبرا أخبرنيه أبو الزبير عنه في الصبرة قال حسبت قال فكيف ترى أنت في ذلك فنهى عنه .

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس أخبره عن أبيه أنه كان يكره أن تباع صبرة بصبرة من طعام لا تعلم مكيلهما أو تعلم مكيلة إحداهما ولا تعلم مكيلة الأخرى أو تعلم مكيلتهما جميعا هذه بهذه وهذه بهذه قال لا إلا كيلا بكيل يدا بيد .

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج إنه قال لعطاء ما المزابنة قال التمر في النخل يباع بالتمر فقلت إن علمت مكيلة التمر أو لم تعلم قال نعم قال ابن جريج فقال إنسان لعطاء أفبالرطب قال سواء التمر والرطب ذلك مزابنة .

قال [ ص: 64 ] الشافعي وبهذا نقول إلا في العرايا التي ذكرناها قبل هذا قال وجماع المزابنة أن تنظر كل ما عقدت بيعه مما الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ربا فلا يجوز فيه شيء يعرف كيله بشيء منه جزافا لا يعرف كيله ولا جزاف منه بجزاف وذلك لأنه يحرم عليه أن يأخذه إلا كيلا بكيل وزنا بوزن يدا بيد فإذا كان جزافا بجزاف لم يستويا في الكيل وكذلك إذا كان جزافا بمكيل فلا بد أن يكون أحدهما أكثر وذلك محرم فيهما عندنا لا يجوز لأن الأصل أن لا يكونا إلا كيلا بكيل أو وزنا بوزن فكل ما عقد على هذا مفسوخ .
( قال ) : ولو تبايعا جزافا بكيل أو جزافا بجزاف من جنسه ثم تكايلا فكانا سواء كان البيع مفسوخا ; لأنه عقد غير معلوم أنه كيل بكيل .
( قال ) : ولو عقدا بيعهما على أن يتكايلا هذين الطعامين جميعا بأعيانهما مكيالا بمكيال فتكايلاه فكانا مستويين جاز ، وإن كانا متفاضلين ففيها قولان أحدهما أن للذي نقصت صبرته الخيار في رد البيع ; لأنه بيع كيل شيء فلم يسلم له ; لأنه لا يحل له أخذه أو رد البيع والقول الثاني أن البيع مفسوخ ; لأنه وقع على شيء بعضه حرام وبعضه حلال فالبيع مفسوخ وبهذا أقول والقول الذي حكيت ضعيف ليس بقياس إنما يكون له الخيار فيما نقص مما لا ربا في زيادة بعضه على بعض فأما ما فيه الربا فقد انعقد البيع على الكل فوجد البعض محرما أن يملك بهذه العقدة فكيف يكون له الخيار في أن يأخذ بعض بيعة وفيها حرام ؟ .
( قال ) : وما وصفت من المزابنة جامع لجميعها كاف من تفريعها ، ومن تفريعها أن أبتاع منك مائة صاع تمر بتمر مائة نخلة لي أو أكثر أو أقل . :

فهذا مفسوخ من وجهين : أحدهما : أنه رطب بتمر وجزاف بكيل من جنسه ومن ذلك أن آخذ منك تمرا لا أعرف كيله بصاع تمر أو بصبرة تمر لا أعرف كيلها ; لأن الأصل أنه محرم الفضل في بعضه على بعض وأنه لم يبح إلا مثلا بمثل يدا بيد .

( قال ) : وهكذا هذا في الحنطة وكل ما في الفضل في بعضه على بعض الربا .
( قال ) : فأما ثمر نخل بحنطة مقبوضة كيلا . :

أو صبرة تمر بصبرة حنطة أو صنف بغير صنفه جزاف بكيل أو كيل بجزاف يدا بيد مما لا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد فلا بأس .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]